صلح الحديبية بين رسول الله ومشركي مكة

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          رأي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المنام وهو بالمدينة ، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وأخذ مفتاح الكعبة – وطافوا واعتمروا – وحلق بعضهم وقصر بعضهم ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وتجهزوا للسفر.

          ركب النبى – صلى الله عليه وسلم – ناقته القصواء (اسم ناقة الرسول) واستخلف على المدينة نميلة الليثي – وخرج منها يوم الإثنين غرة ذى القعدة سنة (6) هـ – ومعه زوجته أم سلمة – في 1400 معتمر ولم يخرج معه بسلاح – إلا سلاح المسافر.

          واتجه النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى مكة – فلما كان بذُى الحليفة (الميقات المكاني) قلد الهدى – وأحرم بالعمرة ، ليأمن الناس من حربه.

          ولقد سمعت قريش بخروج النبى – صلى الله عليه وسلم – عقدت مجلساً إستشارياً قررت فيه صد المسلمين عن البيت.

          وفي الطريق الرئيسي الذى يوصل إلى مكة.

          أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – طريقاً وعراً بين شعاب – ويصل إلى طريق على ثنية المُرار مهبط الحديبية من أسفل مكة ، وترك الطريق الرئيسي الذى يفضي إلى الحرم ماراً بالتنعيم.  ولما وصل النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى مهبط الحديبية بركت الناقة فقالوا:  خلأت القصواء ، خلات (لا تسمع كلام حد) – فقال: (ما خلات الناقة ولكن حبسها حابسُ الفيل عن مكة والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خُطة يسألونني فيها صلة الرحمن إلا أعطيتهم أياها).  بمعنى:  إذا لانت قريش وطلبوا مني الصلح أُصالحهم.

          لما نزلوا في هذه الثنية قالوا:  يارسول الله أنزلتنا في مكان ليس فيه مآء هنا بئر ليس فيه مآء (بئر جاف) فتوضأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذا البئر بما تبقى معهم من مآء – وأرسل واحد من الصحابة بسهم وقال له:  (أنزل حك أرض البئر) فأنفجر المآء وهذا من معجزات النبى – صلى الله عليه وسلم.

          قريش وجدت الرسول قد تخيم خارج الحرم – استغربوا – إذا كان يريد العمرة كان يستطيع أن يدخل الحرم – ماذا يريد محمد وأصحابه؟

          معهم السلاح ولكن محرمين فهل يريدوا العمرة أم يريدوا القتال؟

          فالأمر محير – فأحتاروا ماذا يفعلون؟

          هل يمنعوا هؤلاء العُمار من دخول مكة.

          وينتشر الخبر وتكون سُبه عليهم في العرب قالوا: نتأكد … (رسل قريش).

أولاً:  بُديل بن ورقاء

          وهو سيد من سادات العرب وكان يعيش في مكة وهو من خزاعة فذهب بُديل في رجال من خُزاعة – فجآء للنبى – صلى الله عليه وسلم – وقال:  يامحمد ماذا تريد؟  وهو في ذلك الوقت كافراً قبل أن يسلم.

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  أريد العمرة وقد سُقت الهدى – أنظر الهدى أمامك كلنا محرمين.

          قال: فما بال السلاح؟  قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (يابُديل إنى أخشى الغدر). اقتنع بُديل وذهب إلى قريش وقال:  يامعشر قريش إن محمداً لم يأت لقتال إنما جآء زائراً لهذ البيت.  فاتهموه بالميل إلى رسول الله – صلى الله عليه

          وقالوا:  وإن جآء لا يريد قتالاً ..  فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبداً – ولا تحدث بذلك عنا العرب ….

ثانياً:  مكرز بن حفص

          وهو من سادتهم وقد رأه النبى – صلى الله عليه وسلم – وهو قادم عليه فقال:  هذا رجل غدر (غادر) جآء الرجل ما سأل الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولا سأل المسلمين شئ وأخذ يتلفت في المعسكر ثم رجع.

          فقالت قريش:  ما وراءك يا مكرز؟  قال:  الأمر غير واضح – قد يكون محمد جآء للعمرة وقد يكون يريد القتال – ما تأكدت من شئ معه السلاح.

ثالثاً: الحيس بن علقمة

        ثم أرسلوا سيد الأحابيش (قبيلة من الحبشة) وكان سيدهم الحليس في مكة في هذا الوقت – وقالوا له:  أنظر لنا الخبر؟

          فلما رآه النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  هذا مما يعظمون الهدى (الإبل) ، وكان الحليس يحترم من كان يهدى للبيت.  فلما أقترب قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (سوقوا أمامه الهدى) مشعر ومقلد – وهى علامة واضحة على أن المسلمين يريدون العمرة وليس القتال.

          فلما رجع إلى قريش قال:  الرجل يريد العمرة – قالوا:  كيف عرفت؟

          قال:  قد ساق الهدى – فردوا عليه رد عنيف:  (إجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك) فأستشاط الحليس وصاح:  يامعشر قريش.  والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم – أيُصد عن بيت الله من جآء معظماً له؟  والذى نفس الحليس بيده – لتخلن بين محمد وبين ما جآء له ، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد. (أهجم عليكم بالأحابيش).

          فقالت قريش:  اصبر – مه …..

رابعاً:   عروة بن مسعود الثقفي

          ثم أرسلوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سيد بني ثقيف (سيد الطائف) وقد رأى الذين قبله ما يلقى منكم من التعنيف وسوء اللفظ قريش تسبهم وتسفه رأيهم وقد أخذ عليهم المواثيق أن لما يرجع لهم يصدقونه ..  قالوا:  نعم ، أنت سيد من سادتنا (وكان في ذلك الوقت كافر – ثم أسلم).

من هو عروة بن مسعود:

          هو واحد من الاثنين الذى عناهم الله سبحانه على لسان الكفار في القرآن (لولا أُنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم).

          الرجل الأول وهو الوليد بن المغيرة في مكة والثاني عروة بن مسعود في الطائف وهذه مكانته عند العرب.

          فخرج حتى أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجلس بين يديه – وكان عروة يريد أن يتأكد فكيف يتأكد – فقد وضع في عقله خطة وهي أن يستفز المسلمين.

          كان عروة مسلح ولم يرضى أن ينزع السلاح – كان هناك حارس وراء النبى – صلى الله عليه وسلم – وكان يرتدي ملابس الحرب ولا يظهر منه إلا عينيه.

          جلس بن مسعود أمام النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال:  يامحمد جئت تدخل مكة عنوة ، قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (إنما جئت للعمرة).

          قال:  يامحمد إن كنت تريد القتال وأيم الله لا يغرنك أصحابك الذين معك – لكأني بهؤلاء إن بدأ القتال قد انكشفوا عنك غدا (يتركونك وحدك في القتال ويفرون) – وهنا لم يصبر سيدنا أبابكر الحكيم وسبه أبوبكر سباً شديداً.

          فقال عروة:  أما والله لولا يدُ كانت لك عندى لكافأتك بها.

بمعنى:  لولا أنك صاحب فضل لردت لك هذه السبة.

          ثم أراد عروة أن يستفز النبى – صلى الله عليه وسلم – وجعل يتناول لحيته (يشد لحيته) وهو يكلمه كأنه ينبهه إلى خطورة ما سيقع بقومه – إلا أن المغيرة بن شعبة كان يضرب يده بعرض السيف كلما فعل ذلك ويقول له:  اكفف يدك عن وجه رسول الله قبل أن لا تصل إليك (أرفع يدك أو راحت).  فقال عروة:  ويحك ما أفظك وأغلظك.

          فضحك النبى – صلى الله عليه وسلم – وقال: (ألم تعرفه؟) قال عروة: لا – قال هذا بن أخيك المغيرة بن شعبه – قال عروة:  أي غُدر :  غادر.

          جآء وقت الصلاة – وبلال يؤذن للصلاة – وقام النبى – صلى الله عليه وسلم – يتوضأ فجتمع عليه الصحابة وبن مسعود ينظر – كل ما يتوضأ النبى – صلى الله عليه وسلم الصحابة تلتقط الماء الذى يسقط منه ويمسحوا به أنفسهم ويتفُل النبى – صلى الله عليه وسلم – فيأخذها الصحابة ويمسحوا بها فتعجب عروة – ما هذا؟  أكتفى – نظر ابن مسعودإلى المسلمين في الصلاة والرسول يقودهم وكلهم مصطفين أكتفى – ورجع إلى قادة قريش – قالوا: ما وراءك.

          قبل أن أقول لكم والله لقد (1) وفدت على كسرى في ملكه – (2) ووفدت على قيصر في ملكه – (3) ما رأيت أحداً أعظم من محمد في ملكه (1- والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجه وجلده ، 2- وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، 3- وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، 4- وما يحدون إليه النظر تعظيماً له) ، (والله إن قاتلتُموهم لا يُسلمونه لكم حتى يقتُلوا مثلهم).

          قالوا:  ماهو رأيك؟  قال:  الرأي عندي أن تصالحوه على ألا يعتمر هذا العام.

          قالت قريش:  نريد أن نتأكد – أحسن شئ أن نأخذ واحد من اصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – ونعذبه حتى نرى ما هي النية الحقيقية لمحمد؟؟

          وفي الليل أرسلوا 80 رجلاً – تسلل هؤلاء الرجال هدف أن يأخذوا واحد من المسلمين – وفعلاً بدأوا فى التسلل إلى معسكر المسلمين ، غير أن محمد بن مسلمة قائد الحرس أعتقلهم جميعاً.

          ورغبة في الصلح أطلق سراحهم النبى – صلى الله عليه وسلم – وعفا عنهم.

          قال الرسول – صلى الله عليه وسلم:  (إنما جئنا للعمرة – خلوا بيننا وبين العمرة) ، أن النبى – صلى الله عليه وسلم – يريد فعلاً العمرة ، لأنه لو أراد القتال لقتل 80 رجلاً.

          ولكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أراد أن يبعث سفيراً يؤكد لدى قريش موقفه وهدفه من هذا السفر – (1) فدعا عمر بن الخطاب ، فأعتذر قائلاً:  يارسول الله ليس لي بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أُوذيت ، فأرسل عثمان بن عفان – فإن عشيرته بها ، فدعاه وأرسله إلى قريش.

          عثمان بن عفان أخبرهم إنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عُماراً ، ويدعهم إلى الإسلام وأمره الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونسآء مؤمنات (1)فيبشرهم بالفتح ، (2)ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة.

          وبلغ عثمان الرسالة إلى زعماء قريش – فلما فرغ عرضوا عليه أن يطوف بالبيت ولكنه رفض هذا العرض – وأبى أن يطوف حتى يطوف رسول الله – صلى الله عليه وسلم (عثمان من بنى أُمية – وأبي سفيان من بنى أُمية) لا يؤذيه أحد كما قال عمر.

          ومما يذكر هنا أن مكة لم تخل من رجال مؤمنين ونسآء مؤمنات – كان قلوبهم معلقة بالمسلمين المحجوزين خارج مكة.

          ويظهر أن عثمان اتصل بأولئك النفر المؤمن وبشرهم بقرب الفتح ، فرأت قريش أن عثمان قد عدا الحدود المعهودة – وأمرت بإحتباسه عندها – وشاع – لدى المسلمين أن عثمان قتل.

          وحين بلغت هذه الشائعة مسامع النبى – صلى الله عليه وسلم قال: (لا نبرح حتى نناجز القوم)  نقاتلهم.

          ودعا الرسول – صلى الله عليه وسلم – الناس إلى مبايعته ، وكانت تحت شجرة متشابكة الغصون – فهرع أصحابه إليه يبايعونه على الموت أو على أن لا يفروا – وتسمى هذه البيعة (بيعة الرضوان).

          إشارة إلى قول الله تعالى في أصحابها:

          (لقد رضى الله عن المؤمنين إن يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً).

          ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له جد بن قيس كان متسلل خلف الإبل حتى لا يُبايع.

          وهنا بشرهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن من بايع تحت الشجرة يدخل الجنة كلكم في الجنة – (كل من بايع يدخل الجنة إلا صاحب الجمل الأحمر). وهو جد بن قيس .

          الشجرة ظلت قآئمة حتى زمن عمر بن الخطاب – وقد أمر بقطعها حتى لا يشرك الناس فيها.

          خافت قريش ، ردت عثمان بن عفان وأسرعت إلى بعث سهيل بن عمرو لعقد الصلح – هذا لا يرسل إلا للمفاوضات – فلما رآه عليه السلام قال:  (قد سهل لكم أمركم قد أرادت قريش الصلح) ، ثم اتفقا على قواعد الصلح وهى:

بنود الصـــلح:

(1)الرسول – صلى الله عليه وسلم – يرجع من عامه ، فلا يدخل مكة ، وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون ، فأقاموا بها ثلاثاً – معهم سلاح الراكب.

(2)وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ، يأمن فيها الناس.

(3)من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه – ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

(4)من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه (أي هارباً منهم) رده عليهم ، ومن جآء قريشاً ممن مع محمد لم يرد عليه.

          ثم دعا النبى – صلى الله عليه وسلم – علياً ليكتب بنود الصلح.

          فأملى عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل:  أما الرحمن فوالله لا ندرى ماهو؟ ولكن أكتب باسمك اللهم.  فأمر النبى – صلى الله عليه وسلم – علياً بذلك.

          ثم أملى (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله) فقال سهيل:  لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك – ولكن اكتب محمد بن عبدالله – وأمر علياً أن يكتب محمد بن عبدالله – ويمحو لفظ رسول الله – فأبى على أن يمحو هذا اللفظ – فمحاه صلى الله عليه وسلم بيده – ثم تمت كتابة الصحيفة.

          فتضايق المسلمون وبدأت الإنفعالات الآن ، والمسلمون أصلاً متضايقين من هذا الصلح – كيف يتصالحون على عدم دخول مكة وعدم الطواف بالبيت ، ويأتي سهيل هذا ويزيد الأمر تشدداً وتعنتاً.

          ولما تم الصلح دخلت خزاعة في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ودخلت قبيلة بكر في عهد قريش.

          ولكن حدثت مفاجأة بعد كتابة بنود الصلح.

          وهو رد أبي جندل:  إذ جآء أبوجندل بن سهيل بن عمرو مقيد بالحديد بالقيود ، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين ظهور المسلمين ، فقال سهيل بن عمرو:  هذا أول ما أقاضيك عليه على أن ترده.  فقال صلى الله عليه وسلم: (فأخبره لي) ، قال: ما أنا بمجيزه لك.  وقد ضرب سهيل أبا جندك في وجهه ، وأخذ بتلابيبه وجره ، ليرده إلى المشركين – وأبا جندل يصرخ بأعلى صوته:

          (يامعشر المسلمين أأُردُ إلى المشركين يفتنوني في ديني) ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (يا أبا جندل أصبر وأحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً – وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله فلا نغدر بهم).  فزاد ذلك الناس إلى ما بهم من الضيق والهم والغم .

          كان عمر متأزماً جداً مما حدث من المشركين من عدم السماح للمسلمين بالعمرة وثب عمر فأتى أبابكر فقال:  ياأبا بكر ، أليس برسول الله؟  قال أبوبكر: بلى – قال عمر: أولسنا بالمسلمين؟  قال:  بلى ، قال:  أوليسوا بالمشركين؟  قال أبوبكر:  بلى ، أليس قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة ، قال: بلى – قال عمر:  فعلام نُعطي الدنية في ديننا؟ ، قال أبوبكر:  ياعمر هذا رسول الله إلزم غرزه. (اسمع كلام رسول الله ) .

          ثم أتى عمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال:

          يارسول الله – ألست برسول الله؟  قال:  بلى ، قال: أولسنا بالمسلمين ، قال: بلى ، قال: أوليسوا بالمشركين؟ ، قال:  بلى ، قال عمر: فعلام يُعطى الدنية في ديننا؟

          فقام عمر وقال:  ألست أخبرتنا بأننا نأتي البيت ونطوف به ، فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  أنا أخبرتك إنا نأتي هذا العام ونطوف ونعتمر هذا العام.

          قال: (أنا عبدُ الله ورسوله ، (لن أخالف أمره ولن يضيعني).

          وعندما جر سُهيل ابنه جندل مشى عمر إلى جنبه ويقول: أصبر أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دمُ أحدهم دمُ كلب ، وكان عمر يقول هذا ويُدنى قائم السيف منه – قال عمر:  رجوتُ أن يأخذ السيف فيضرب أباه.  قال عمر:  ما أحب الرجل أن يقتل أباه …

          ومما شهد الصلح بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسُهيل بن عمرو.

          شهد الصلح جماعة من الكفار وجماعة من المسلمين – من الكفار سهيل بن عمرو، ومكرز بن حفص – ومن المسلمين:  قال أبي بكر وعمر وعلى ومحمد بن مسلمة.

          والنظرة الأولى لهذه الشروط تدل على أنها مضيعة لحقوق المسلمين ، مرضية لكبرياء قريش وحميتها الجاهلية.

          أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مستنكرين؟

          لماذا يرُدون إلى قريش من جآء منهم مسلماً ولا ترد قريش من جآءها من المسلمين مرتداً؟

جواب النبى – صلى الله عليه وسلم:  بأن من ذهب إليهم كافراً ، فلا رده الله ، وقد وقى الله المسلمون خبثه – أما المستضعفون من المسلمين – لا تستطيع أن تقضى على إسلامهم وسوف تعجز عن ذلك.

          ألم يكن النبى – صلى الله عليه وسلم – ومن معه مستضعفين؟  ثم نصرهم الله وخذل قريشاً أمامهم.

الآن بعد كتابة الصلح:

          قريش تريد رحيل المسلمين – والنبى – صلى الله عليه وسلم – قام ثم قال لهم:  (قوموا فانحروا ثم احلقوا) ليتحللوا من عمرتهم ، فما قام أحد – الرسول – صلى الله عليه وسلم – أستغرب – لأول مرة الآن المسلمون يعصون له أمراً – حتى قال ذلك ثلاث مرات.

          ثم دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقى من الناس.  فقالت أم سلمة:  (يارسول الله..  أتحب ذلك؟  أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدنك ، تدعو حالقك فيحلقك).

          فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك …

          فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا – ويحلق بعضهم بعضاً – حتى كاد بعضهم يقتل الآخر لفرط الغم.

          النبى – صلى الله عليه وسلم – شاهد أحدهم يقصر فقال:  (رحم اللهُ المحلقين) ، قالوا والمقصرين يارسول الله ، قال: (رحم الله المحلقين) ، قالوا: والمقصرين يارسول الله قال: (رحم الله المحلقين) ، قالوا: والمقصرين يارسول الله.  قال: (والمقصرين).

قصة الحديبية:

نزلت سورة الفتح الجزء (26):      (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا).

          تتحدث سورة الفتح عن صلح الحديبية الذى تم بين الرسول – صلى الله عليه وسلم والمشركين سنة 6 هـ ، والذى كان بداية للفتح الأعظم (فتح مكة) وبه تم العز والنصر والتمكين للمؤمنين – ودخل الناس في دين الله أفواجاً.

          ونزلت هذه السورة سنة 6 هـ ، وهو عائد من صلح الحديبية– هو وأصحابه إلى المدينة المنورة – وقد خالط أصحابه حزن وكآبة حيث صدوا عن المسجد الحرام فعادوا ولم يؤدوا مناسك العمرة التى خرجوا لها ، وكما تعلمون أنه حدثت أحداث جسام تحمل فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما لا يقدر عليه من أولى العزم غيره فجزاه الله وأصحابه وكافأهم على صبرهم وجهادهم.

          وهذا الصلح هو بداية الفتح (فتح مكة وخيبر) فأحمد ربك وأشكره ليغفر لك.

لماذا الحديبية سميت فتح؟؟

          من بداية الإسلام إلى الحديبية 13 سنة في مكة + 6 سنوات في المدينة (19) كان عدد الذين خرجوا مع النبى – صلى الله عليه وسلم – في الحديبية 1400 رجل.

          فتح مكة بعد الحديبية بسنتين الذين خرجوا مع النبى – صلى الله عليه وسلم – 10.000 رجل.

ما الذي تغـــــــير؟؟

          بهذا الصلح فتح الباب للدعوة بدون عوائق.

          لما يكون الحوار فكري ولا يوجد عنف وضرب ومنع فالإسلام يغلب لأن بنتائج الحديبية تحقق ما لم يتحقق في 19 سنة.

من نتائج الحديبية

          دخول النبى – صلى الله عليه وسلم – خيبر وقضى على معقل اليهود – ودخول معركة مع اليهود كان صعبُ جداً لولا الحديبية لماذا؟

          لولا الحديبية لساعدت قريش اليهود – ولكن النبى – صلى الله عليه وسلم – حيد قريش.

(أبوبصير عبيد بن أُسيد)        من المعذبين في مكة

          لما عاد النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى المدين فر أبوبصير من مكة مهاجراً وسار هذه المسافة الطويلة ووصل المدينة ودخل المسجد وقال:  (يارسول الله جئتك مهاجراً) وكان وراءه اثنين من قريش ، فقالوا:  (يامحمد العهد الذى بيننا وبينك).

          فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (نعم خذوه) ، فجرى أبوبصير وهو يصرخ: كيف تعيدونني بعد أن سرت هذه المسافة ، قال النبى:  (اصبر لعل الله يجعل لك ولغيرك مخرجاً).

          خرج معهم أبوبصير – وعند آبار على جلسوا ليستريحوا.  فأخذ أبوبصير سيف واحد منهم فقتله – والثاني خاف وجرى إلى المدينة لأنها الأقرب وأبوبصير وراءه بالسيف توجه المشرك إلى المسجد.

          تعجب النبى – صلى الله عليه وسلم وقال:  (لقد رأى هذا الموت – ذُعراً).

          فقال الرجل:  قُتل صاحبي وإني لمقتول.

          دخل أبوبصير ، وقال:  (يانبي الله ..  وفت ذمتك وأدى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم وأمتنعت بديني أن أُفتن فيه).  النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  (نعم) ، قال المشرك: سلمه لي – قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (لقد فعلت).

          فقال أبوبصير:  يارسول الله دعني أسكن المدينة – قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (لا . أكون بذلك ناقض للعهد).

          فقال أبوبصير:    دعني أذهب حيث أشآء..

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (أنت حر – أنت ليس تحت أمرى).

          فقال الرسول عليه الصلاة والسلام:  (ويل أمه ، مسعرُ حرب لو كان معه رجال).

المعنى:  (لو هذا معه رجال ليشعل الحرب – وهذه رسالة معناها ياأبا بصير أستمر في إزعاج هؤلاء الكفار).

          لم يرجع أبوبصير إلى مكة ، ولكنه جآء إلى مكان يسمى العيص به كثير من الكهوف والأشجار ، وأنتشر الخبر ووصل إلى المسلمين الذين في مكة ولا يستطيعون أن يهاجروا ، أول من ترك مكة هو أبوجندل بن سهيل ولم يذهب إلى المدينة لأنه عارف يعلم جيداً أن النبى – صلى الله عليه وسلم – سوف يعيده إليهم – ولكنه توجه إلى العيص وكون مع أبوبصير عصابة تهدد قوافل قريش.

          ثم بدأ المسلمون الآخرين الذين في مكة في الذهاب إلى العيص وسار عددهم (70) رجلاً وبدأ يهاجمون قوافل قريش ويقطعوا عليهم الطريق.

          وأرسلت قريش إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – وقالت:

          (يامحمد أين العهد الذى بيننا وبينك؟)  قال:  (أنا على العهد).  قالوا: فما بال أبوبصير وأصحابه؟  قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (أنا سلمته لكم).  قالوا: لو قتلناهم لا تتدخل.  قال النبي – صلى الله عليه وسلم:  (أنا لا أتدخل بيننا هدنة).

          فأرسلت قريش جيشاً إلى العيص للقضاء على أبوبصير وأصحابه ، فرفض أبوبصير الخروج إليهم مثل حرب العصابات ، ثم رجع الجيش.

          ثم بدأ المسلمون الجدد الذين يُسلمون من قريش ومن غيرها من القبائل يهاجرون لمساعدة أبوبصير في العيص حتى سار عددهم 300 رجلاً ، لم تستطع قريش أن تقضي على هذا الخطر بسبب قوة أبوبصير والذين معه (1) من جرأتهم ، (2) وقدرتهم القتالية ، (3) وحرب العصابات التى أتخذوها.

          ما مرت قافلة – ولم يقتصر أبوبصير في الهجوم على قوافل التجارة  بل منع أيضاً قوافل الطعام.

          فأنقطع الطعام عن مكة وأنتشرت المجاعة – أرسلت قريش أباسفيان على رأس وفد إلى المدينة ، وقال:  (يامحمد إنا نُناشدك الله والرحم أن تُؤوى إليك هؤلاء فلا حاجة لنا بهم).

          وبذلك نزلت قريش عن الشرط الذى أملته تعنتاً ، وقبله المسلمون.

          قُبل الرسول – صلى الله عليه وسلم – هذا وتنازل عن هذا الشرط الذى أعتبره المسلمون أنه في صالح الكفار ولكنه في الحقيقة في صالح المسلمين – ونادى النبى – صلى الله عليه وسلم – عمر وقال: (أنظر كيف حدث؟).  قال:  يارسول الله قد علمت أن رأيك أكثر بركة من رأى.

          واستمر صلح الحديبية سنتين فقط ولكن مدة الصلح عشر سنوات ، وذلك لأن قبيلة بكر التى دخلت في حلف قريش قد هاجمت قبيلة خزاعة التى دخلت في حلف النبى – صلى الله عليه وسلم – وقتلت كثيراً من رجالها.

وأخــــــــــيراً:

          وقد أبى المسلمون عقيب صلح الحديبية أن يردوا النسوة المهاجرات بدينهن إلى أوليائهن – لماذا؟.

(1)لأنهم فهموا أن المعاهدة خاصة بالرجال فحسب.

(2)أو لأنهم خشوا على النسآء اللاتي أسلمن أن يضعفن أمام التعذيب والإهانة – وهن لا يستطعن أن يفعلن مثل أبوجندل وأبوبصير …

          فإن إحتجاز من أسلم من النسآء تم بتعاليم القرآن.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة الممتحنة الآية (10):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).

          بعد صلح الحديبية جآءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة من مكة إلى المدينة فلحق بها أخوها عمار والوليد ليرداها إلى قريش ، فنزلت هذه الآية الكريمة – فقال صلى الله عليه وسلم: (كان الشرطُ في الرجال لا في النسآء).

وقال ابن عباس:  كانت المرأة تُستحلف أنها (1) ما هاجرت بغضاً لزوجها ، (2)ولا طمعاً في الدنيا ، (3) ولا عشقاً لرجال من المسلمين ، (4) وأنها ما خرجت إلا حباً لله ورسوله ورغبة في دين الإسلام.

          يقال لها إحلفي بالله أي قولي بالله الذى لا إله إلا هو ما خرجت إلا رغبة في الإسلام لا بغضاً لزوجي ولا عشقاً لرجل مسلم..

(لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).

          لأن الإسلام فصم تلك العصمة التى كانت بين الزوج وزوجته.

          (إذ حرم الله نكاح المشركات ، وإنكاح المشركين – ولهذا لم يأذن الله تعالى فى ردهن إلى أزواجهن الكافرين).

                                                                     ( والحمد لله رب العالمين)

 

 

اترك تعليقاً