(فضل قيام الليل)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

كان قيام الليل فرضاً على النبى – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه لقوله تعالى في سورة المزمل الآية (1 ، 2 ، 3):

(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا)(3).

ثم نسخ بقوله تعالى الآية (20) من نفس السورة:

(عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).

          أُترك التزمل والتلفف وأنشط لصلاة الليل ، والقيام فيه ساعات في عبادة ربك لتستعد للأمر الجليل والمهمة الشاقة ، ثم وضح المقدار الذى ينبغي أن يصرفه في عبادة الله فقال:  قم للصلاة والعبادة نصف الليل أو أقل من النصف قليلاً أو أكثر من النصف ، لا تقل عن ثلث الليل ولا تزيد عن الثلثين.

          وعلم تعالى أنكم لن تطيقوا قيام الليل كله ولا معظمه ، فتاب عليكم بالتخفيف (فاقرءُوا …) فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل وإنما عبر عن الصلاة بالقراءة.

          ولم يزل قيام الليل فرضاً في حق النبى – صلى الله عليه وسلم – لظاهر قوله تعالى في سورة الإسراء الآية (79):

          (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ).

          نافلة:  فريضة زائدة على الصلوات الخمس خاصة بك دون أمتك.

          قال بعض العلماء:  هو فرض نُسخ به فرض.

          وقد ذهب الحسن البصري وابن سيرين إلى:

          أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو على قدر حلب شاة.

            قيام الليل ليس فرضاً في حقنا ولكن تطوع وأنه كان فرضاً على النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى أن قبضه الله تعالى…

            قيام الليل سُنة مرغب فيها.

          وقد قال كثير من الفقهاء:أنه يأتي في المرتبة الأولى بعد الصلوات المكتوبة دليلهم:

          فقد روي مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال:  (أفضل الصلاة بعد المكتوبة ، الصلاة في جوف الليل ، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم).

فضل قيام الليل:

        وقد أثني الله تبارك وتعالى على قوام الليل ثناءً حسناً فقال في سورة الزمر الآية(9):

          (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).

          قانت:  مطيع لله ورسوله في أمرهما ونهيهما – وفي ساعات الليل تراه ساجداً في صلاته أو قائماً يتلو آيات الله في صلاته ، وفي نفس الوقت يحذر عذاب الآخرة ويسأل الله تعالى أن يقيه منه ويرجو رحمة ربه وهي الجنة أن يجعله الله من أهلها ، أهذا خير أم ذلك الكافر الذى قيل له تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار.       

وفي سورة الذاريات الآية (15 : 18):

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(15)آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ(16)كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17)وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(18).

أعطاهم نعيم مُقيم في دار السلام (الجنة) لماذا؟

محسنين:  قبل دخولهم الجنة محسنين في الدنيا فأحسنوا نياتهم وأعمالهم لله ربهم – كما أحسنوا إلى عباده لم يسيئوا إليهم بقول ولا عمل – يهجعون:  لا ينامون إلا قليلاً أكثر الليل يقضونه في الصلاة وهو التهجد وقيام الليل – وفي الجزء الأخير من الليل هم يستغفرون يقولون:  (ربنا أغفر لنا ذنوبنا وقنا …..).

          قال تعالى في سورة السجدة الآية (16 ، 17):

(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(17).

          إنهم يباعدون جنوبهم عن فرشهم في الليل لصلاة التهجد ، يدعون ربهم (دعاءً يتميز بخوفهم من عذاب ربهم وطمعهم في رحمته فهم يسألون ربهم النجاة من النار ودخول الجنة).

          (إنهم يتصدقون بفضول أموالهم زيادة على أداء الزكاة كالتهجد بالليل زيادة على الصلوات الخمس).

          ونتيجة الصلاة في جوف الليل والصدقات والإستغفار في الأسحار فلا تعلم نفس ما خبأ الله تعالى لهم من النعيم المقيم …

          قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:

          (لو أردت سفراً أعددت له عدة؟  قال: نعم.  قال:  فكيف سفر طريق القيامة؟  ألا

أنبئك يا أبا ذر بما ينفعك ذلك اليوم؟  قال:  بلى بأبي أنت وأُمي.  قال:  صم يوماً شديد الحر ليوم النشور – وصل ركعتين في ظلمة الليل. لوحشة القبور ، وحج حجة لعظائم الأمور – وتصدق بصدقة على مسكين – أو كلمة حق تقولها أو كلمة شر تسكت عنها).  

         ( ابن أبى الدنيا في كتاب التهجد).

          ويروى أن جبرائيل عليه السلام قال للنبى – صلى الله عليه وسلم:

          (نعم الرجل ابن عمر لو كان يصلى بالليل ، فأخبره النبى – صلى الله عليه وسلم – بذلك فكان يداوم بعده على قيام الليل) ، ليس فيه ذكر لجبرائيل.

          قال نافع:  كان يصلى بالليل ثم يقول:  يا نافع أسحرنا؟  فأقول: لا.  فيقوم لصلاته ثم يقول:  يا نافع أسحرنا؟.  فأقول:  نعم ، فيقعد فيستغفر الله تعالى حتى يطلع الفجر.

          وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (من أستيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات).  أخرجه أبوداود النسائي.

فضل قيام الليل في السُنة المشرفة:

          حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (أيها الناسُ أفشوا السلام – وأطعموا الطعام – وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام – تدخلوا جنة ربكم بسلام).  الترمذي بن ماجه.

          وقال سهل بن سعد:  (جآء جبريلُ إلى النبى – صلى الله عليه وسلم فقال:  (يا محمد عش ما شئت فإنك ميت – وأعمل ما شئت فإنك مجزي به – وأحبب ن شئت فإنك مفارقه – وأعلم أن شرف المؤمن قيام الليل ، وعزه أستغناؤه عن الناس).

وقت قيام الليل:

          يبدأ وقته في أول الليل إلى صلاة الصبح – ولكن الأفضل أن يكون في الثلث الأخير من الليل .

  لماذا؟  لأنه وقت يتجلى الله فيه على عباده وهو وقت الفتوح:  يفتح الله فيه للقائمين الذاكرين أبواب رحمته.  الدليل على ذلك؟

الحديث:  عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال:  (ينزل اللهُ عز وجل إلى سمآء الدنيا كل ليلة حين يمضى ثلث الليل الأول فيقول:  أنا الملك أنا الملك من ذا الذى يدعوني فأستجب له ، من ذا الذى يسألني فأعطيه ، من ذا الذى يستغفرني فأغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يُضئ الفجر).

ما الفرق بين قيام الليل والتهجد؟؟

          التهجد:  يكون بعد نوم والآجر فيه يكون أحسن.

          قيام الليل:  صلاته بعد العشاء بدون نوم.

          بعد صلاة العشاء تقول لنفسك أصلى تطوع لله عز وجل بعض الوقت:  (من شآء فليكثر ، ومن شآء فليقلل ..)  إذا كنت تريد أن تتعشى أتعشى ثم جدد وضوءك لأن الوضوء على وضوء نور على نور ، ومن جدد وضوءه فله عشر حسنات.

الحديث الثاني:

          قال أبو مسلم لأبي ذر:  أى قيام الليل أفضل؟  قال أبو ذر:  سألتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما سألتني فقال:

          (جوف الليل الأخير – وقليل فاعله)  رواه أحمد.

            العبادة في آخر الليل أفضل منها في أول الليل..

حديث:    عن عبدالله بن عمرو – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: 

          (أحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقول ثلثه وينام سدسه).

          والحكمة فى قيام الثلث المذكور؟  لأنه وقت الغفلة – ونزول الرحمة ومناجاة الرب.

وحكمة نوم السدس:  أن يستريح من وقفة الصلاة في الليل ، فيقوم نشطاً لتأدية صلاة الصبح وما بعدها من الأوراد إلى طلوع الشمس…

ركعات قيام الليل:

          صلاة الليل مثنى مثنى – وكان الرسول – صلوات الله عليه وسلامه – أنه كان يصلي بالليل 11 ركعة أو 13 ركعة بالوتر – وقد صلى 9 ، 7 لما كبر سنه – وقد روى في ذلك عدة أحاديث.

قضاء قيام الليل:

          من أعتاد القيام وغلبه النوم أو طرأ عليه عذر (مرض) منعه من القيام فله أجرى ما نوى – وأستحب له قضاؤه نهاراً.

          مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – لحديث عائشة:

          (ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كُتب له أجر صلاته ، وكان نومه عليه صدقة).   أبو داود – النسائي.

            يقضي قيام الليل ما بين صلاة الصبح وصلاة الظهر ..

هناك أسباب التى بها تيسر قيام الليل:

(1)     أن لا يكثر من الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام وكان بعض الشيوخ يقف على المائدة كل ليلة ويقول:

          (معاشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتتحسروا عند الموت كثيراً).

(2)     أن لا يتعب نفسه بالنهار في الأعمال ..  التى تعيا بها الجوارح وتضعف بها الأعصاب فإن ذلك مجلبة للنوم.

(3)     أن لا يترك القيلولة بالنهار ..  فإنها سُنة للإستعانة على قيام الليل.

(4)     لا يعمل الأوزار بالنهار ..  فإن ذلك مما يقسى القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة.  فالذنوب كلها تورث قساوة القلب وتمنع من قيام الليل وأخصها بالتأثير تناول الحرام ، لأن اللقمة الحلال تؤثر في تصفية القلب وتحريكه إلى الخير.

          وكما أن الصلاة تنهي عن الفحشآء والمنكر فكذلك الفحشآء تنهي عن الصلاة وسائر الخيرات.

          وقيل لغلام لماذا تقوم الليل كله؟؟

          قال:  إذا ذكرت النار أشتد خوفي – وإذا ذكرت الجنة أشتد شوقي فلا أقدر أن أنام..

          وكما حكى أن بعض الصالحين..

          رجع من غزوة فمهدت امرأته فراشها وجلست تنتظره فدخل المسجد ولم يزل يصلى حتى أصبح فقالت له زوجته:  كنا ننتظرك مدة فلما قدمت صليت إلى الصبح؟؟

          قال:  (والله إني كنت أتفكر في حوراء من حور الجنة طول الليل فنسيت الزوجة والمنزل فقمت طول ليلتي شوقاً إليها).

          وأعلم أخي المؤمن أن هذه النفحات بالليل أرجى (أفضل) لما في قيام الليل من صفاء القلب ..  وأندفاع الشواغل

          وفي الخبر الصحيح عن جابر بن عبدالله عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:  (إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلا أعطاه إياه).

          وكما قال النبى – صلى الله عليه وسلم:       (صل من الليل ولو قدر حلب شاة).

          والذى لا يستطيع القيام في وسط الليل فلا ينبغي أن تهمل إحياء ما بين العشاءين والورد الذى بعد العشاء ، ثم يقوم قبل الصبح وقت السحر فلا يدركه الصبح نائم.

((  والحمدلله رب العالمين  ))

اترك تعليقاً