قصة سيدنا صالح – عليه السلام

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وسلم تسليما كثيراً.

 

أما بعد:

ومرت الأيام ورجع الناس مرة أخرى إلى الكفر بوسوسة من إبليس اللعين الذى لا يترك البشر.  وقد ذكرت قصة سيدنا صالح مع ثمود فى 26 مرة فى سور منها: الأعراف – هود – الحجر – الإسراء – الشمس – القمر – فصلت – النمل – الشعراء.

نسبه عليه الســلام:

صالح بنى عربى من أحفاد ثمود بن عامر.

وهو صالح بن عبيد بن آسف ….  وينتهى نسبه إلى (سام بن نوح) وقد أرسله الله إلى قبيلة ثمود.

ثمود تركوا اليمن وانتقلوا إلى شمال الجزيرة العربية ، وسكنوا فى منطقة تسمى الحجر قريبة من خليج العقبة ، أختاروا الوثنية على التوحيد (عبادة الأصنام).

وكانوا عرباً من بقايا قوم عاد يتكلمون اللغة العربية مصداقاً للحديث الذى رواه ابن حبان فى صحيحه ، إن النبى – صلى الله عليه وسلم – يحدث أبى ذر عن الأنبياء فقال: ( “منهم أربعة من العرب هود – صالح – شعيب ونبيك يا أبو ذر)”

ويقول الله تعالى فى سورة الحجر (8): (“ولقد كذب أصحابُ الحجر المرسلين“)

الله سبحانه وتعالى – ذكر لا كيف كانوا ينحتون الجبال.  قدرة عجيبة وقوة هائلة ، هم الذين حكموا وورثوا الأرض ، مصداقاً لقوله تعالى:

“(واذكُروُا إذ جعلكم خلفآء من بعد عاد وبوأكُمُ فى الأرض تتخذوُن من سهولها قصُوراً وتنحتون الجبال بيُوُتاً (.) فاذكروا ءالآء الله ولا تعثوا فى الأرض مُفسدين“) الآية (74) سورة الأعراف.

نفس طريقة عاد لأنهم من قوم عاد وورثة عاد ، وكان اللهُ أنعم عليهم كما أنعم على عاد ، نفس طريقة عاد سهول فيها البيوت ، جبال فيها القصور، جنات ، ناس ، نعيم ، نخيل.  جدد لهم الله التجربة وأعطاهم الفرصة لعلهم يتعظون بما حدث لعاد ، ولكنهم كفروا بالله.

مميزات نبى الله صالح:

كان صالح حكيماً ، عاقلاً ، عالماً قبل النبوة وكانوا يرجعون إليه فى شورتهم.  وكان من أسرة كريمة شريفة بينهم فكانوا يأملون أن يكون له شأن بينهم ، فلما طالبهم بالإيمان وعبادة الله الواحد الأحد (لا إله إلا هو) رفضوا وقالوا: (“يا صالحُ قد كُنت فينا مرجُوا قبل هذا” (62) هود ، “قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيرهُ“) (61) هود.

فظل يدعوهم ، وهذه دعوة كل الأنبياء ، كل الأنبياء قالوا لقومهم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.

ذكرهم صالح ووعظهم ولكنهم رفضوا كما رفضت عاد وقالوا: (“أءُلقى الذكُر عليه من بيننا بل هُو كذابُ أشر)” (25) القمر.

لقد تحداه قومه فقالوا: “مآ أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين“.

تريد أن نتبعك أتى بآية ، وبدوا يشترطون نحن لا نقبل أى آية ونحن نختار الآية:

(1)          هذه الصخرة العظيمة أن تنشق وتخرج منها ناقة.

(2)          لابد أن تكون حامل بعشرة أشهر.

(3)          لابد أن يكون لونها أحمر.

(4)          أن تكون ضخمة جداً (أضخم ناقة فى الحياة).

(5)          وأن تشرب من البئر يوم ونحن نشرب يوم.

قال صالح عليه السلام:  “إن جآءتكم هذه الآية تُؤمنون ؟” قالوا: بلى.

فجمعوا الناس فى اليوم الموعود ، دعا صالح عليه السلام ربه وتزلزلت الأرض وانشقت الصخرة أمامهم ، وتخرج ناقة ضخمة من أضخم ما رءوا فى حياتهم ، بل أضخم ناقة فى التاريخ.

قال الله – تعالى على لسان صالح: “(ويا قوم هذه ناقةُ الله لكم آية فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذابُُ قريب”) هود (64).

لقد أضاف الله تعالى الناقة إليه تشريفاً لها لأنها خرجت من صخرة صماء بقدرته حسب طلبهم ، دعوها تأكل وتشرب فى أرضى ، ولا تنالها بشئ من السوء فيصيبكم عذاب عاجل لا يتأخر عنكم.

ماذا حدث بعد هذه المعجزة ؟

انقسم الناس فقليل منهم ءامنوا واتبعوا صالحاً عليه السلام ، وأما أكثرهم ظلوا على الكفر بعد أن رءوا الآية بأعينهم مصداقاً لقوله تعالى:

(“وءاتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها)” = ظلوا على الكفر.

الآية واضحة ما فيها شك – ظلت هذه الناقة بينهم تمشى بينهم ، تشرب يوم وهم يشربون يوم ويحلبونها وولدت أمام أعينهم ، وجآء ولدها على شكلها وكان يسير ورأها ما كانت لحظات سحر وتنتهى ، ولكن هى عاشت بينهم فترة طويلة.

فكانت هذه الناقة نعمة لو ءامنوا ولكنهم كفروا واجتمع الملأُ وتحاوروا وتشاوروا فى الأمر قالوا:

(1)          نخشى أن يتركنا الناسُ ويتبعون صالحاً.

(2)          هذه الناقة أذتنا يوم كامل لا نمس الماء.

(3)          ثم إن هذه الناقة من ضخامتها تفر منا الإبل والأنعام (يخافون منها).

هذه النفوس العاتية التى لا تسمع موعظة ، ولا تقبل نصيحة ، والتى قد أعماها حب التمرد والطغيان ، وأصم آذانها عن قبول دعوة الله ، فاقدموا على عقر الناقة.  مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الشمس:

(“كذبت ثمود بطغواها (11) إذ انبعث أشقاها (12) فقال لهم رسول الله ناقة الله وسُقياها (13) فكذبوه فعقروها.  فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها (14) ولا يخاف عقباها”) (15).

وكان أول من سطا على الناقة الشقى اللعين مصداقاً لحديث رسول الله: “هو أشقى الأولين” (قدار بن سالم) أو (قدار بن سالف).

فعقر الناقة فسقطت على الأرض فابتدرها الرجال بأسيافهم يقطعونها وكانوا تسعة كما أخبر الله عز وجل: “وكان فى المدينة تسعةُ رهط يفسدون فى الأرض ولا يصلحون“.

رهط: أشخاص ، شباب فى منتهى الفساد ليس فيهم خير ولا صلاح.

العقر:  كسر الرجل.

اجتمع أهل القرية يقطعون اللحم ويأكلون من الناقة ، فالكل اشترك فى هذه الجريمة إلا القوم المؤمنين الذين رفضوا هذا الفعل.

لما جاء الخبر لصالح أسرع فإذا به يرى الناقة مذبوحة وفصلها مذبوح (ابنها) فناداهم (سورة هود (65):

“فعقروها فقال تمتعوا فى داركم ثلاث أيام ذلك وعد غيرُ مكذوب”.

 

المؤامرة على قتل صالح عليه السلام

 

     أول تدمير نزل على هؤلاء التسعة الذين توجهوا إلى بيت صالح ليدمروه وليقتلوه هو ومن معه ، ارتجت عليهم الأرض ونزلت عليهم الصخور فقتلتهم.

 

هـلاك ثمـود

قال ابن كثير:

      وأصبحت ثمود فى اليوم الأول من موعد حلول العذاب وقد اصفرت وجوههم ، اليوم الثانى وقد أحمرت وجوههم ثم أصبحوا فى اليوم الثالث وقد أسودت وجوههم كما أنذرهم صالح – عليه السلام – فلما انتهت الأيام الثلاثة ومع شروق الشمس جاءتهم:

(1)          صاعقة من السماء من فوقهم ورجفة شديدة من أسفل منهم – ففاضت الأرواح – هذه الأنواع من العذاب قد أخبر عنها القرآن فى الآيات الكريمة:  (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كان يكسبون“) فصلت (17).

(“فأخذتهم الرجفةُ فأصبحوا فى دارهم جاثمين“) سورة الأعراف.

(“إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتضر)” سورة القمر(31).

أول ما بدأ فى الأمر بدأت الرجفة:  بدأت الأرض تهتز وسقطوا على أرجلهم جثموا ما استطاعوا أن يقفوا.

(2)          ثم بدأت الصواعق تنزل عليهم.

(3)          ثم خُتم الأمر بصيحة (صوت من السمآء ملك) أهلكتهم أجمعين.

وأما صالح عليه السلام والذين ءامنوا معه فقد نجوا مما حاق بقومهم من العذاب ، وقد كان الذين نجوا مع صالح 120 من المؤمنين (مائة وعشرين) وأما الهالكون فكانوا أهل خمسة آلاف بيت كما يذكر (الألوسى).

 

وفاة سيدنا صالح عليه السلام

 

وقد عاش صالح بعد ذلك إلى أن توفاه الله تعالى فى نواحى الرملة من أراضى فلسطين.

وبقيت آثارهم إلى اليوم فمن يمر شمال غرب المدينة المنورة يرى مسكنهم إلى اليوم فى مدائن صالح ، حتى لا نشك إن هذه القصة حق ترك الله مساكنهم إلى اليوم.

وقد مر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالحجر وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين ، فلما نزل بهم عند بيوت ثمود استقى الناس من الآبار التى كانت تشرب منها ثمود فعجنوا منها وطبخوا ، فلما علم الرسول – صلى الله عليه وسلم – بذلك أمرهم أن يريقوا القدور وأن يعلفوا العجين الإبل ، وارتحل بهم حتى نزل البئر التى كانت تشرب منها الناقة وقال لهم – كما فى الصحيحين – (“لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكون باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوها عليهم أن يصيبكم ما أصابهم”).

وفى رواية أخرى:  “فإن لم تبكوا فتباكوا”.

ولقد كان الطغيان هو السبب فى تكذيب ثمود ، وكان كفرهم وعقرهم الناقة هو السبب فى إهلاكهم.

 

العبر والعظات من قصة سيدنا صالح عليه السلام

 

(1)          إن العقلاء من الناس يعتبرون بأثار الظالمين.

حيث قال الله لهم على لسان نبيهم فى سورة الأعراف الآية (79):

“فتول عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين”.

(2)          إن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب واستقرفى النفوس يولد فيها الشجاعة والقوة والإقدام والصراحة.

ونرى ذلك واضحاً فى القلة المؤمنة التى تزامنت بصالح – عليه السلام – وصدقته فى دعوته.

(3)          إن العقلاء المخلصين دائماً يستعملون فى دعوتهم الأساليب المنطقية الحكيمة مع غيرهم – وهذا ما نراه بوضوح فى كثير من جدال صالح مع قومه.

 

 

 

 

 

 

( والحمدلله رب العالمين )

 

 

اترك تعليقاً