قصة سيدنا هود عليه السلام

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين ، والمبعوث رحمة للعالمين ، وصلى الله عليه وعلى آله أجمعين.

 

أما بعد:

فقد تكلمنا عن نوح عليه السلام وكيف كان مثالاً للداعية الحنون الرفيق الصبور عليهم 950 سنة وهو يدعوهم ومع ذلك لم يؤمنوا وظل بدون يأس إلى أن أوحى الله تعالى إليه إنه لا يؤمن من قومك إلا من قد ءامن ، فعندها دعا عليهم.

فكان أول تدمير لقوم كذبوا نبيهم ، كان بالطوفان الذى أغرق الأرض ، ورأينا كيف بادت ومحت البشرية ولم يبقى إلا ذرية نوح عليه السلام مصداقاً لقوله تعالى: (“وجعلنا ذريتُهُ هُمُ الباقين”)

ومن بين ذرية نوح كان ابنه سام وينتسب إليه العرب وبنو إسرائيل ومن أحفاد سام جآء هود عليه السلام.

نسب هـود عليه السلام :

هود بن عبدالله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح.

ومن هنا يسمى قوم هود ، قوم عاد وأيضاً يُسمون إرم لأن هؤلاء أجداد هود عليه السلام (إرم ذات العماد).

وكان قوم هود يسكنون فى منطقة الأحقاف جهة اليمن من جنوب شبه الجزيرة العربية.

وسورة الأحقاف هذه نسبة إلى المكان الذى تسكنه عاد ، وموضع بلادهم اليوم رمال.

معنى الأحقاف:

وهى جبال من الرمل ، وهذا المكان الآن يسمى بالربع الخالى جنوب الجزيرة العربية. (“واذكر أخا عاد إذ أنذر قومهُ بالأحقاف ، وقد خلت النذور من بين يديه ومن خلفه”).

وقد أنذر هود قومه ، وليكن أول نذير لقومه.  فالنذارة متصلة وسلسلة الرسالة ممتدة.

وكانوا يتفننون في صناعة مساكنهم ، وكانت أحب المساكن إليهم الخيام ، ولكنها لم تكن خيام عادية فكانت خيام ضخمة ويتفاخرون بها وقال الله عنهم: فى سورة الفجر: (“ألم تر كيف فعل ربُك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التى لم يخلق مثلها فى البلاد )(8)”.

وتسمى عاد إرم وهى تسمى عاد الأولى – وأما عاد الثانية وهى ثمود.

وكانوا بدواً ذوى خيام تقوم على عماد ، وقد وصفوا فى القرآن بالقوة والبطش ، فقد كانت قبيلة عاد هى أقوى قبيلة فى وقتها.

تفننوا فى الصناعة وخاصة فى المساكن والمدن والشوارع حتى كانت تروى عنهم العجائب فى ذلك.  فكانت لهم مساكن السهول يسكنون فى الخيام وينحتون القصور فى الجبال مع أنهم يسكنون السهول.

وكانت لهم الشوارع الضخمة فى مدنهم حتى يبالغ بعض الرواة أنهم كانت أسوارهم من الذهب والفضة (والله أعلم).

ولكن بالتأكيد الذى جرى فى عاد لم يجرى فى مكان آخر (لم يخلق مثلها فى البلاد)(8) سورة الفجر.

وكانوا عرباً (يتكلمون اللغة العربية مصداقاً لهذا الحديث الذى يرويه ابن حبان فى صحيحه: (“إن النبى – صلى الله عليه وسلم – يحدث أبى ذر عن الأنبياء فقال: “منهم أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر”) عليهم الصلاة والسلام.

وردت قصة هود – عليه السلام – فى سور متعددة من سور القرآن الكريم.

وهناك سورة كاملة تسمى بسورة هود والأعراف ، المؤمنون ، والشعراء، والأحقاف ، والذاريات ، والفجر.

وذكر هود عليه السلام فى القرآن الكريم سبع مرات.

بعد نوح عليه السلام ، وبعد الطوفان والقضاء على البشر فى كل الأرض بدأ البشر ينتشرون مرة أخرى من المنطقة التى ساكنها نوح عليه السلام.  وقد سكن نوح شمال الشام جنوب تركيا ، ومنها انتشرالناس فى فلسطين وفى  جنوب الجزيرة.  وكان الناس كلهم على التوحيد إلى أن جآءت عاد ووسوس لهم الشيطان مع تطاول المدة فبدأوا يعبدون الأصنام مرة أخرى “أول من عبد الأصنام بعد قوم نوح كانت عاد”.

قال ابن كثير: وكانت لهم أصنام ثلاثة (صدا – صمودا – وهرا).

قال المفســرون:

إنهم كانوا بيض – ضخام – طوال (ءادم 60 ذراع) فكانوا فى طول ءادم عليه السلام تقريباً – مصداقاً لقوله تعالى:

(“واذكروا إذ جعلكم خلفآء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بصطة (.) فاذكروا ءالآء الله لعلكم تفلحُون”) الأعراف (69).

فلقد كان من حق الإستخلاف وهذه القوةوالبسطة أن تستوجب شكر النعمة والحذر من البطر وإتقاء مصير الغابرين (مثل مصير قوم نوح)، ثم إنهم كانوا يبنون فوق المرتفعات بنياناً يبدو للناظر من بعد كأنه علامة.  وأن القصد من ذلك كان هو التفاخر والتطاول بالمقدرة والمهارة ومن هنا سماه الله عبثاً (تعبثون) وينفقون المال فى الترف والزينة.

إن عاداً كانت قد بلغت من الحضارة الصناعية مبلغاً يذكر حتى لتتخذا المصانع لنحت الجبال وبناء القصور مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الشعراء (129):( وتتخذون”مصانع لكم تخلدون”)  وهى مبانى عالية كالحصون أو خزانات الماء وتتخذونها قصوراً مشيدة محكمة ترجو البقاء فى الدنيا كأنكم لا تموتون ، وما أنتم بخالدين ، وإنما مقامكم فيها قليل.

قوم عاد عتاه غلاظ – يتجبرون حتى يبطشون ولا يتحرجون من القسوة فى البطش.  وصلت بهم القوة أن ما أحد وقف أمامهم وكانوا هم المسيطرون على كل البشر فى ذلك الوقت.

قال الفخر الرازي:

      وصفهم الله تعالى بثلاث أمور: 

(1)          إتخاذ الأبنية العالية وهو يدل على السرف وحب العلو.

(2)          إتخاذ المصانع (القصور المشيدة والحصون) وهو يدل على حب البقاء والخلود.

(3)          الجبارية وهى تدل على حب التفرد بالعلو ، وكل ذلك يشير على أن حب الدنيا قد ملك عليهمحياتهم حتى خرجوا عن حد العبودية.

(“وإذا بطشتم بطشتم جبارين)”(130) الشعراء.

هود عليه السلام يذكرهم بنعم الله عليهم (وهى النعم المعهودة فى ذلك العهد وهى) أمدهم الله سبحانه وتعالى بكل أسباب الحضارة والنعيم.  كانت عندهم مياة فى جنات ، أولاد – أموال – قوة – أجسام – مصانع ، ولكنهم ما حمدوا الله سبحانه وتعالى.  بل سيطروا على البشر وبداوا يستكبرون ودائماً الكبر اساس البلاء منذ معصية إبليس وقالوا: “من أشدُ منا قوة” فى سورة فصلت الآية (15).

وهذا شعور كاذب يحسه الطغاه.  الشعور بأنه لم تعد هناك قوة تقف إلى قوتهم وينسون:  (“أو لم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة”) قوم هود غفلوا عن قدرة الله ولم يعلموا أن الله العظيم الذى خلقهم وخلق الكائنات ، هو أعظم منهم قوة وقدرة.

عذاب اللــه

لما طغت عاد وتمردت على نبى الله (هود) عليه السلام ن ولم ينفعها التذكير والإنذار وتمادت فى طريق العصيان ، حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين ، حتى اشتد عليهم الجهد والبلاء ، وأخذوا يطمعون فى المطر ، وفى يوم من الأيام عندما أراد الله أن يعذبهم إذا أقبلت سحابة سوداء من بعيد فاستبشروا وقالوا جآء المطر ، جآء الغيث.  فلما اجتمعوا تحت السحابة هبت عليهم الريح.  وكانت ريحاً عقيماً ، وسلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ، فأهلكهم الله وأبادهم ، وصارت أجسامهم كأنها أعجاز نخل خاوية.

دمرت الريح كل شئ كل ثمارهم وخيامهم واشجارهم ومصانعهم.  ما بقى إلا المساكن التى نحتوها فى الجبال.  هذه الريح لم تكن تحمل مآء ولا حياة كما توقعوا ، إنما تحمل الموت والدماء وتترك كل شئ تأتى عليه كالميت الذى تحول إلى فتات.

الريح قوة من قوى هذا الكون ، وجند من جنود الله ، يرسلها فى إطار مشيئته وفى الوقت المقدر على من يريد بالهلاك والدمار، ونجى الله عز وجل هوداً والذين آمنوا معه برحمته من ذلك العذاب الغليظ مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الأحقاف (24)،(25):

“(فلما رأوهُ عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطُرنا (ج) بل هو ما استعجلتم به (.) ريحٌ فيها عذاب أليم (24) تُدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنُهُم (ج) كذلك نجزى القوم المجرمين)”(25).

كما نجى نوحاًومن معه من قبل فى الفلك المشحون ، وتلك سنة الله فى عباده ولن تجد لسنة الله تبديلاً ، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.

وكانت هذه نهاية عاد ، وعاش بعدها المؤمنون فى هذا المكان ومات هود عليه السلام ودفن فى حضرموت.

وطويت صفحة قوم هود – عليه السلام ،كما طويت من قبلهم صفحة قوم نوح: “وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون”.

 

العبر والعظات والدروس النافعة من هذه القصة

(1)          إن الغرور والبطر والتباهى بالقوة وشدة البطش يؤدى إلى أسوأ العواقب.

(2)          مداومة التذكير بنعم الله – تعالى – على عباده ، وبيان أن هذه النعم تزداد بشكر الله ، وتنمو بطاعته حيث يقول هو لهم:(“يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السمآء عليكم مدراراً ، ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين”).

(3)          أن الداعى إلى الله تعالى ، عندما يخلص فى دعوته ويعتمد عليه – سبحانه ، فى تبليغ رسالته ، ويغار عليها كما يغار على عرضه أو أشد فإنه فى هذه الحالة سيقف فى وجه الطغاة المناوئين للحق كالطود الكبير دون مبالاة بتهديدهم ووعيدهم لأنه قد آوى إلى ركن شديد وهو الله.

( والحمد لله رب العالمين)

 

 

 

 

( والحمد لله رب العالمين )

 

اترك تعليقاً