(ماذا أستفدنا من حديث الإفك)

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى

أما بعد،،،

          فالآن وقفات تحليلية متأنية لحديث الإفك ، سورة النور الآية (23 : 25):

          (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25))

          لابد من وقفة عند حديث الإفك ، ففي هذا الحديث كما وصفه الله سبحانه وتعالى خير كثير لأن أية قصة في القرآن الكريم ليست مقصودة لذاتها ، إنما المقصود أن يستنبط منها قواعد في الآداب العامة ، وفي المعاملات ، وهذا حديث الإفك خير كما قال الله تعالى:  (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير).

          ولنا وقفة عند هذا الحديث نجد أنه كان بأمر الله ، (1)  فكان من الممكن ألا تكون القرعة من نصيب السيدة عائشة – رضي الله عنها – مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذه الغزوة ، (2)  وكان من الممكن ألا يكون لها حاجة إلى قضاء الحاجة ، لو لم تذهب لقضاء الحاجة لما كانت هذه القصة ، (3) وكان من الممكن ألا ينقطع عقدها ، وهي تقضي حاجاتها ، (4)  وكان من الممكن إذا عادت أن ينتظرها النبي – صلى الله عليه وسلم ، (5)  وكان من الممكن حُمل الهودح أن يشعر من حمله أنه فارغ.

          فترى أن هذا الحديث وقع بأمر الله.

          ونستنبط من هذا التحليل أن كل شئ وقع أراده الله ، لذلك فلا تأس على ما فات ، ولا تقل:  لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل:  (قدر الله ما شآء فعل) ، فكلمة لو تفتح عمل الشيطان.

          ولقد أشار ربُنا عز وجل في قص ص كثيرة ، وفي آيات كثيرة إلى ذلك ، سورة يوسف الآية (21):

          (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21))

          والله غالب على أمره ، يدبر الأمر فوق عرشه كما يشآء.

          فهذا الحديث وقع بهذا الشكل ، لو تابعنا هذا التحليل (6)  كان من الممكن ألا يأتي صفوان ، (7)  وكان من الممكن أن يتفقدها النبي – صلى الله عليه وسلم – فيأمر أصحابه أن يعودوا الموقع ليأخذوها.

          إذاً هذا ترتيب إلهي ، فيه حكمة ما بعدها حكمة ، من أجل أن يظهر كل إنسان على حقيقته.   (صفوان بن المعطل)

أولاً:  من الوقفات التحليلية لحديث الإفك:

          بشرية النبي – صلى الله عليه وسلم – ربنا سبحانه وتعالى يخاطب النبي ويأمره أن يبلغنا أنه بشر لئلا يعبده الناس من دون الله ، لئلا يقال:  إنه إبن الله.

          فربنا سبحانه وتعالى في هذا الحديث (حديث الإفك) أراد أن يعلمنا أنه بشر ، كما أراد أن نرى بأعيننا أنه بشر ، نبي كريم عنده زوجة طاهرة عفيفة مؤمنة قانتة لله عز وجل – والناس يتحدثون أنها زنت ماذا يفعل؟  كيف له أن يتقي هذا؟

          ليس في إمكانه أن يثبته ولا في إمكانه أن ينفيه ، ولقد تأخر الوحي ، لو أن الوحي جآء بعد يوم أو يومين لما كانت ثمة مشكلة على حقيقته ، (1) فمن كان في قلبه مرض ، (2) من كان يُبطن العداوة ، (3) من كان يتمنى أن تشع الفاحشة في الذين آمنوا ظهر على حقيقته ، (4)ومن كان مؤمناً يحسن الظن بنبيه ، وبأهل بيته قاس الأمور على نفسه.  فقال:  يا أم أيوب لو أنك مكان عائشة أتفعلين ما يقال عنها؟  قالت: لا ، والله لا أخون رسول الله ، وقال أبوأيوب:  أما أنا فوالله لا أخون النبي في أهله ، وصفوان أفضل مني وعائشة أفضل منك ، هؤلاء المؤمنون الصادقون ، هؤلاء الذين يحبون نبيهم ويحسنون الظن به ، هؤلاء الذين ينزهون نبيهم وأهل بيته عن كل دنس.

هؤلاء قاسوا الأمور على أنفسهم وأحسنوا الظن ، فكان هذا الحديث (حديث الإفك) أبرز (أظهر) المخلصين الصادقين ، وأبرز المنافقين والفاجرين ، لذلك قال الله عز وجل في سورة آل عمران الآية (179):

(مَاكَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ(179))

بمعنى:  هذا وعد من الله لرسوله بأنه سيميز له المؤمن من المنافق ، الله عز وجل لن يترك المؤمنين مختلطين بالمنافقين حتى يبتليهم فيفصل بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فعل فى غزوة أحد حيث ظهر أهل الإيمان وأهل النفاق ، لابد لله عز وجل أن يعقد شيئاً من المحنة يُظهر فيها وليه ويُفضح بها عدوه ، يعرف به المؤمن الصابر من المنافق الفاجر ، كما ميز بينهم يوم أحد.

          لله أساليب كثيرة فعل هذا يوم الخندق ويوم أحدق الكفار والمشركون بالمدينة ، ويوم خان اليهود عهدهم مع النبي على عادتهم ويوم انكشف ظهر النبي عليه الصلاة والسلام ، وأصبح الإسلام قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية(11 ، 12):

          (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12))

          قالوا:  أيعدنا صاحبكم أن تُفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته وأما المؤمنون الصادقون فقد وصفهم الله عز وجل بقوله في سورة الأحزاب الآية (23):

          (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23))

ثانياً:   من الوقفات التحليلية للحديث (حديث الإفك) سورة المؤمنون الآية (30):

          (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30))

          إن موضوع الخندق كان إمتحاناً دقيقاً لأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحديث الإفك إمتحان آخر دقيق لهم ، ونحن في كل زمان ، وفي مكان لابد من إمتحانات ، سيسقط فيها من يسقط ، وينجح فيها من ينجح ، فهذه الإمتحانات تتكرر ، والتاريخ يعيد نفسه وفي كل بيت هناك إمتحان.

مثال1:  قد يؤمن الرجل بالله عز وجل ويتوب إليه ويفعل الصالحات يضيق رزقه ، ويضيق ، ويضيق ، ماذا يفعل؟

          يعصي الله؟  أيأكل مالاً حراماً؟  إن هذا التضييق في الرزق إمتحان من الله عز وجل.

          قد يعرض للإنسان موقف يخلو يخلو فيه بإمرأة لا تحل له ، ماذا يفعل؟  أيغادر المكان؟  أم يبقى؟  إمتحان.

          والله الذى لا إله إلا هو ما من مؤمن يقول:  إني مؤمن إلا وهو معرض للإمتحان عشرات المرات في اليوم ، فقد يمتحن الإنسان (1) بالمال ، بوفرته ، بفقده ، (2) يمتحن بالنسآء ، (3)يمتحن بالقوة ، يقوى فيطغى أم ينصف؟  (4) يضعف فيزل أو يصبر؟

          فربنا سبحانه وتعالى يقول:  (إنا كنا مبتلين) كما جاء في سورة المؤمنون الآية (30) فحديث الإفك:  (لاتحسبوه شراً لكم بل هو خير)  لماذا؟

          لأن المؤمنين ظهروا على حقيقتهم ، وبرزوا كنجوم المتألقة في السماء.

    والمنافقون ظهروا كالوحول تحت الأقدام ، وظهر فرحهم بأن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

ثالثاً:   من الوقفات التحليلية لحديث الإفك (موقف الرسول الكريم):

          أشار العلماء إشارة دقيقة جداً ، السيدة عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو رسول الله ، وسيد الخلق ، وحبيب الحق حينما تحدث الناس عنها ما كان بإمكان النبي أن يبرئها كأن الله عز وجل أراد أن يمتحنها ، فلما نزلت براءتها بادرت إلى السجود لله عز وجل ، وحمده وحده ، لم يملك النبي الكريم لهذه الزوجة المخلصة العفيفة الطاهرة أن يبرئها حتى برأها الله عز وجل في قرآنه الكريم.

          وكانت السيدة عائشة – رضي الله عنها – تقول:  كنت أظن أن يرى النبي رؤيا تبرئني ، فكنت أقل من أن ينزل في قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.  لماذا؟  أنزل الله براءة عائشة في كتابه؟

(6)لأن أهداف المنافقين تتعدى الأشخاص بمعنى:  قال بعض العلماء:  إن المنافقين ما أرادوا في حديث الإفك أن ينالوا من السيدة عائشة بقدر ما أرادوا أن ينالوا من النبي عليه الصلاة والسلام ، بل إنهم ما أرادوا أن ينالوا من النبي الكريم بقدر ما أرادوا أن ينالوا من هذه الدعوة الجديدة ، التى جآءت نوراً للناس.

          إن المنافقين لم يتمكنوا من أن يردوا دعوته ، ولم يتمكنوا أن يقارعوه الحجة بالحجة ، فعمدوا إلى ترويج قصص ملفقة عن حياته الخاصة.

          لذلك تولى الله عز وجل بقرآنه الكريم تبرئة هذه السيدة العفيفة الطاهرة ، فعن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال:

          ” إن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت:  أي الناس أحبُ إليك؟  قال:  عائشة.  فقلتُ:  من الرجال؟  فقال:  أبوها.  قلت:  ثم من؟  قال: عمر بن الخطاب فعد رجالاً “     أخرجه البخاري ومسلم والترمذي

(7)ما الحكمة من إنقطاع الوحي في فترة الإفك؟

          إنقطاع الوحي شهراً كاملاً جعل هذه القضية تنضج ، (1) فهذا يتكلم ، (2) والذى سمع وتكلم ، (3) هذا وقف موقفاً محايداً ، (4) وهذا وقف موقفاً فيه حسن الظن ، (5) وهذا وقف موقفاً فيه إساءة ظن ، (6) وهذا سمع وسكت ، (7) وهذا سمع وأشاع ، (8) وهذا سمع وفرح (9) هذا سمع وحزن له مقام ، (10) هذا الذى فرح له درك في النار ، وهذا الذى روج يحاسب على ترويجه ، وهذا الذى سكت يشكر على سكوته ، وكل إنسان من المؤمنين وقف موقفاً دقيقاً جداً سُجل عليه مصداقاً لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية (181):

          (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا (181))

          هذا القول سجل عليهم ، وسوف يعرض عليهم يوم القيامة وسوف يحاسبون عليه حساباً عسيراً ، فالإنسان عليه أن يضبط لسانه.

          الشاعر يقول:

          إحفظ لسانك أيها الإنســـــــان                                   لا يلدغنــــــك إنه ثُعبـــــان

كم في المقابر من قتيل لسانه                          كانت تهاب لقاءه الشجعان   

          إذا كنت أيها الإنسان تحفظ لسانك خوفاً من بطش إنسان فما قولك إذا كان الواحد الديان سيحاسبك ، وكما قال حذيفة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

          “إن قذف مُحصنة ليهدم عمل مئة سنة”  البزار في مسنده – الحاكم في المستدرك

خامساً:  موقف المؤمن من هذه الأحاديث: = عفيفة – سليمة الصدر – نقية القلب عن كل سوء.

          أتمنى ، وأتمنى من كل قلبي أن ينضبط المؤمن ، ألا يخوض في أعراض الناس ، وألا يخوض فيما ليس له به علم ، ألا يتهم من دون دليل قطعي ، هذا اللسان يحاسب عليه الإنسان وفي الحديث عن أنس بن مالك قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جارُه بوائقه”             أخرجه أحمد في سنده

          إذا كنت مع الله ، وإذا كنت بريئاً فأبشر ، فإن الله سبحانه وتعالى لابد أن ينصرك ، فلابد أن يظهر حقيقتك ، ولو لغا الناس ، ولو لاك الناس بعض الأحاديث بألسنتهم ، ولم يبالوا بالحقيقة ، فالنبي – سيد الخلق وحبيب الحق وهذه زوجته الطاهرة المطهرة ، ومع ذلك قالوا المنافقون في المدينة (1) أقوالاً لا اساس لها من الصحة ، (2) وشككوا الناس بها ، (3)وعاش النبي وعاشت زوجته وعاش أبوها الصديق – رضي الله عنه – وعاشت أمها شهراً من الحزن والألم من البكاء المستمر ، إلى أن تولى الله سبحانه وتعالى بقرآنه تبرئتها.

          نستنبط من حديث الإفك:

(1)أنك إذا كنت على حق فلا تخشى إلا الله.

(2)وإذا كنت على حق فاطمئن إلى أن الله لابد أن يظهر الحق ، لأنه هو الحق والحق من أسمائه.   فإذا كنت بريئاً ومظلوماً فأبشر ، فلابد أن تظهر قضيتك على حقيقتها ، ولابد أن تظهر براءتك ويظهر طيبك ، والله سبحانه وتعالى يتولى ذلك.

قال بعضهم: (سؤال مهم)     لم لم يعلن النبي للناس أن هذه الزوجة السيدة عائشة بريئة من هذه التهمة؟؟

          لقد كان النبي حكيماً إلى أقصى درجة ، لأنه لو أعلن براءة زوجته فإنه طرف في القضية إنها زوجته ، إذاً لأخذ كلامه من قبل أعداء الإسلام ، ومن قبل المنافقين على أنه تخطية ، على أنه محاباة ، وعلى أنه دفاع بغير حق ، ولكن النبي – صلى الله عليه وسلم – أظهر حكمته على أعلى مستوياتها ، حيث إمتنع هو على أن يدلى برأي في هذا الموضوع.

سابعاً:  من الوقفات التحليلية (لحديث الإفك):       ((الصبر والموقف المعتدل))

          كان إذا دخل على عائشة من قبل (حديث الإفك) يقول:  كيف عوش؟  وكان إسماً محبباً لها ، كان النبي زوجاً مثالياً ، وكان مما أثر عنه أنه إذا دخل بيته كان بساماً ضحاكاً.

          وهو الذى قال:  “لا تكرهُوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات”.

          راوي الحديث:  عقبه بن عامر وأخرجه أحمد في مسنده.

          كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته فكأنه واحد في هذا البيت ، هذا المقام العظيم الذى كرمه الله به لم يكن يستخدمه في البيت ، كان يركب الحسن والحسين عل ظهره الشريف ، مصداقاً للحديث الذى رواه جابر – رضي الله عنه – قال:  “دخلت على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يمشي على أربعة ، وعلى ظهر الحسن والحسين – رضي الله عنهما – وهو يقول:  (نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما).   أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.

ثانياً:   وكان يتسابق مع السيدة عائشة ، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت:  “إنها كانت مع النبي في سفر قالت:  فسابقته فسبقته على رجلي ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني ، فقال: هذه بتلك”.

          الرسول – صلى الله عليه وسلم – عودها الإيناس ، لكنه عندما راج هذا الحديث (حديث الإفك) أخذ موقفاً آخر ، دخل عليها فقال:  كيف بتكم؟  فالذى أريد أن أقوله:  إن النبي ظهرت حكمته في أعلى مستوياتها ، وظهر صبره ، أنت أحياناً يأتيك خبر فيهز كيانك – يأتيك خبر يفقدك توازنك ، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – كالجبل الراسخ ، كالطود الأشم ، لم يتزلزل

ترك الأمر لله عز وجل ، ووقف موقفاً حكيماً.

ثامناً:  من الوقفات التحليلية حرمة سوء الظن بالمسلم:

          شئ آخر ، علمتنا القصة أنه يُحرم على المؤمنين سُوء الظن بإخوانهم ، لذلك جاء في بعض الأثر أنه:  “من أساء الظن بأخيه فقد أساء الظن بربه”.

          وشئ آخر في حديث الإفك الذى قال الله عنه:  (لاتحسبوه شراً لكم بل هو خير).

          وهو أن من عُرف بالصلاح لا يُعدل بهذه المعرفة عنها إلى ظن السوء لخبر يلقيه إنسان فمثله كمثل بناء شامخ ، هذا البناء لا ينهار بكلمة ، لا ينهار إلا بقنابل ،بناء من الأسمنت المسلح متين ، له أساس ، بناء راسخ ، سمعة المؤمن غالية على الله سبحانه وتعالى ، بقناؤه الراسخ لا يهتز بكلمة يقولها إنسان لذلك فالله عز وجل أدبنا في كتابه الكريم فقال في سورة الحجرات الآية (6):

          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6))

          أن القاذف الذى لغط بأعراض المؤمنات أو بأعراض المؤمنين مكذب شرعاً ما لم يأت بالشهداء الأربعة ، فإي قاذف يقذف امرأة أو رجلاً فهو مكذب شرعاً ما لم يأت بالشهود ، وعلى أولى الأمر أن يقيموا عليه حد القذف وهو ثمانون جلدة.

تاسعاً:  من الوقفات التحليلية من حديث الإفك أيضاً:

          شئ آخر يستنبط من هذه القصة وهو الحث على ستر المؤمن وعدم هتك سره ، فمن آداب الإيمان أنك لو رأيت شيئاً لا يروق لك فلا ينبغي أن تُشيع هذا الخبر ، لأن إشاعة هذا الخبر تزلزل بعض الناس ، وتضعف الثقة بالمؤمن ، فكأن من لوازم الإيمان تكتم هذا الخبر – وإليك قصة:

          إن رجلاً تزوج امرأة ، وبعد أن مضى على دخوله بها خمسة أشهر كبر بطنها ، وكانت على وشك الوضع ، فما شك أبداً من أنها قد زلت قدمها قبل أن يقترن بها ، فجآءها بمولد وولدت ، وأخذ هذا الوليد ، ودخل إلى أحد المساجد القريبة من بيته بعد أن نوى الإمام صلاة الفجر ، ووضع هذا الوليد في زاوية المسجد ، وأتم مع الإمام ، فلما سمع المصلون صراخ هذا الوليد ، تحلقوا حوله ، فتقدم وكأنه لا علم له بالقصة فقال:  ماهذا؟  قالوا:  تعال أنظر ، وليد صغير ، فقال:  أعطوني إياه أنا أكفله ، فأخذه ، ودفعه إلى أمه بعد أن تابت على يديه ، وحفظ سرها ، هذا الرجل يسكن إلى جوار المسجد ، رأي الخطيب المسجد في منامه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائلاً له:  (يافلان بلغ جارك فلان أنه رفيقي في الجنة) ، فهذا عمل عظيم.

          إذا كان بالإمكان أن تستر ، إذا كان بالإمكان أن يتوب هذا الإنسان على يديك فليس القصد أن تفضحه ، القضد أن تأخذ بيده ، القصد أن تُعينه على الشيطان ، لا أن تُعين الشيطان عليه.

مثال1:  أن سيدنا عمر حينما جآءه رجل وقال:  ياأمير المؤمنين رأيت فلاناً وفلانة خلف النخيل يتعانقان ، فخفقه بالدرة وقال له ما معناه:  ماذا فعلت أنت بهذا الخبر ، (1) الإسلام لا يحب أن تُشيع الفاحشة ، (2) ولا يحب خبر السوء ، (3) ولا يحب الفضيحة.

          إذا بلغ الإمام الموكل بإقامة الحد حادثة زنى فلا عفا الله عنه إن عفا ، ولكن إذا كان بإمكانك أن تدراً الحدود بالشبهات أن تستر ، أن تصلح ، أن تعين أخاك على الشيطان فأفعل.

          وهؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا توعدهم الله بعذاب أليم في الدنيا والآخرة.

عاشراً:  من الوقفات التحليلية من حديث الإفك:

          وقد سُئل أحد أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو سيدنا الحسن:  ما معنى إشاعة فاحشة؟  وما حدها؟

          فقال:  “هو الرجل يتكلم عنده في حق رجل فيشتهي ذلك ولا ينكره ، يشتهي أن يشيع هذا الخبر” ، وما أعرف معصية يعاقب عليها بالرغبة فقط مثل هذه المعصية.

          “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة”

          لم يقل الله عز وجل:  إن الذين يشيعون الفاحشة ، بل قال:

          (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة).

          لم يقل الله عز وجل:  إن الذين يشيعون الفاحشة ، بل قال:

          (إن الذين يحبون) فالعقاب على محبتك على أن تشيع الفاحشة.

أخواتــــــي:

          هذه بعض الإستنباطات التى وردت في كتاب الله تحت قوله تعالى:

          (( لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير )).

          وقد يمتحننا الله سبحانه وتعالى بإمتحان يمحص الله به المؤمنين من الفساق ، والمؤمنين من المنافقين.

 

((والحمدلله رب العالمين))

 

 

 

اترك تعليقاً