هناك من يشك فى وجود عذاب قبر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد:

فكثير من الناس ينكرون عذاب القبر ويقولوا ليس هناك نص فى القرآن ينص على وجوده.

ولقد سالنى مجموعة من رجال الأعمال عن عذاب القبر قالوا:  نحن نشك فى وجود عذاب قبر والأحاديث التى تتحدث عنه أحاديث موضوعة (كاذبة) ليست من أقوال النبى – صلى الله عليه وسلم.

وكان الرد عليهم بآيات من القرآن الكريم توضح أن هناك عذاب قبر للكافر والعاصى من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم.

الآيات الدالة على عذاب القبر فى القرآن الكريم ، منها ما جآء فى سورة التوبة ،طه وغافر ، الطور ، ثم التكاثر.

أولاُ:  سورة التوبة الآية رقم (101):حيث يقول الله عز وجل:

      وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ”. بمعنى:

العذاب الأول:المصائب فى أموالهم وأولادهم وأنفسهم.

العذاب الثانى:عذاب القبر.

هذا وعيد لهم نافذ فيهم لا محالة وهو أن الله تعالى سيعذبهم فى الدنيا مرتين مرة بفضحهم أو بما شآء من عذاب ومرة فى قبورهم ، ثم بعد البعث يدخلهم عذاب النار وهو العذاب العظيم.

(2)  أن الله تعالى يعذبهم فى الدنيا بالقتل والأسر ، وعند الموت بعذاب فى القبر ثم فى الآخرة يردون إلى عذاب جهنم الذى أعده الله للكفار والفجار والعصاه.

ثانياًسورة غافر الآية (46):  حيث يقول الله تعالى:

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب 

بمعــنى:النار يحرقون بها صباحاً ومساءً ، والمراد بالنار هنا نار القبر وعذابهم فى القبور بدليل قوله تعالى بعده (ويوم تقومُ الساعةُ أدخلوا  آل فرعون أشد العذاب).

      أى ويوم القيامة يقال للملائكة:  أدخلوا فرعون وقومه نار جهنم التى هى أشد من عذاب الدنيا (وهى الهاوية) فى الدرك الأسفل من النار.

فى هذه الآية إثبات عذاب القبر ونعيمه إذ آل فرعون تعرض أرواحهم على النار صباح ومساء.

وقال بعض التابعين:  هذه الآية تدل على عذاب القبر بعد الموت.

وكان أبو هريرة إذا أصبح ينادى:

(أصبحنا والحمدلله وعُرض آل فرعون على النار).

وإذا أمسى نادى:  أمسينا والحمدلله وعُرض آل فرعون على النار.  فلا يسمع أبا هريرة أحد إلا تعوذ بالله من النار).

ذكره النحاس فى معانى القرآن.

والعكس صحيح كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم:

(وإن المؤمن إذا مات عُرض روحه على الجنة بالغداة والعشى).

ثالثاًسورة الطور الآية (45):(47):  حيث يقول الله تعالى:

فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ(.)يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً ولا هم يُنصرون 

 

(وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يعلمون )

بمعــنى:  اتركهم يا محمد يتمادون فى ضلالهم حتى يلاقوا ذلك اليوم الرهيب يوم القيامة ، الذى يأتيهم فيه العذاب الشديد (وإن للذين ظلموا) أنفسهم بالكفر والتكذيب والمعاصى لهم عذاب شديد بعد الموت قبل عذاب الآخرة وهو عذاب القبر كما قال ابن عباس – رضى الله عنه: (ولكن أكثرهم لا يعلمون).  لا يعلمون أن العذاب نازل بهم.

رابعاًسورة طه الآية (124)،(125):  قال الله تعالى:

”(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ونحشرهُ يوم القيامة أعمى)  124

(قال ربى لما حشرتني أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا”)

بمعــنى: من أعرض عن دين الله وعن تلاوة القرآن ولم يعمل بما فيه (فإن له) جزاءً من الله له (معيشةً ضنكاً) عيشة ضيقة تضيق بها نفسه فلم يشعر بالسعادة وإن اتسع رزقه (يشعر بالغم فى الدنيا) كما يضيق عليه قبره ويشقى فيه طيلة حياة البرزخ إلى يوم القيامة.  ويحشر يوم القيامة أعمى لا حجة له ولا بصر يبصر به وقد يُعجب لحاله ويسأله ربه (لما حشرتنى أعمى وقد كنت بصيراً) فى الدنيا كنت بصيراً.

وكذلك لا يُعرض إنسان عن ذكر الله إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقُه، وكان فى عيشة فقر.  والصحيح أن المعيشة الضنك هو عذاب القبر مصداقاً للحديث الذى رواه أبوسعيد الخدرى وعبدالله بن مسعود عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (أتدرون فيمن نزلت هذه الآية ؟ (فإن له معيشة ضنكاً ونحشرهُ يوم القيامة أعمى).

أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ قالوا:  الله ورسوله أعلم.  قال النبى: (عذاب الكافر فى القبر – والذى نفسى بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً.  أتدرون ما التنين ؟؟  تسعة وتسعون حية لكل حية تسعة رءؤس ينفخن فى جسمه ويخدشنه إلى يوم القيامة ، ويُحشر من قبره إلى موقفه أعمى).

حديث آخر:وقال أبو هريرة: (يُضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه وهى المعيشة الضنك).

خامساًسورة التكاثر الآية (3):  حيث يقول الله تعالى:

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (.) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (.) كَلاَّسوف تعلمون (.) ثم كلا سوف تعلمون(.)

كلا لو تعلمون علم اليقين )

بمعـنى: (ألهاكُمُ التكاثر)  حيث قال الله تعالى شغلكم التباهى بكثرة المال للتفاخر بها (حتى زرتُمُ المقابر) دخلتم القبور لتبقوا فيها إلى أن تخرجوا منها للحساب والجزاء يوم القيامة.

      (كلا سوف تعلمون) لو تعلمون ما تجدونه فى قبوركم من عذاب.

(ثم كلا سوف تعلمون) التكرار للتهديد والإنذار وكذلك كرر الله تعالى الوعيد والتهديد.

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه – وعن شبابه فيما ابلاه – وعن علمه ماذا عمل به – وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟) .

 إذاً إثبات عذاب القبر وتأكيده بقوله حتى زرتم المقابر – كلا سوف تعلمون فى القبر.

وعن ابن مسعود عن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال:

(أُمر بعبد من عباد الله عز وجل أن يعذب فى قبره مائة جلدة – فلم يزل يسأل الله تعالى ويدعوه ويتشفع حتى صارت واحدة فامتلأ قبره عليه جمراً ناراً فلما ارتفع عنه أفاق فقال:  لماذا جلدتمونى ؟ قال:  إنك صليت مرة صلاة بغير طهور، ومررت يوماً على مظلوم استغاث بك فلم تنصره).

(السلسلة الصحيحة للألبانى – رحمه الله)

البهائم تسمع عذاب القبر (الدليل على ذلك):  فى صحيح مسلم عن زيد بن ثابت قال:  بينما النبى – صلى الله عليه وسلم – على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه.  فقال النبى:  (من يعرف أصحاب هذه القبور ؟ فقال رجل:  أنا.  فقال النبى: (إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذى أسمع).

المعــنى:  قال علماؤنا:  إنما حادت به البغلة لما سمعت من صوت المعذبين. وإنما لم يسمعه من يعقل من الجن والإنس لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن تدافنوا) فكتمه الله سبحانه عنا حتى نتدافن – ولولا أن كتمهُ الله عنا – فلا نقدر على القرب من القبر للدفن أو يهلك الحى عند سماع هذا العذاب (عذاب القبر).

      فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (والذى نفسى بيده إنهم ليعذبون فى قبورهم حتى تسمع البهائم أصواتهم).

وأخـيراً:وقد صحت الأخبار عن النبى – صلى الله عليه وسلم – فى عذاب القبر فلا مطعن فيها ولا معارض لها.

      وجآء فيما تقدم من الآثار أن الكافر يفتن فى قبره ويسأل ويهان ويعذب

      وأعلم أن عذاب القبر ليس مختصاً بالكافرين ولا موقوفاً على المنافقين ، بل يشاركهم فيه طآئفة من المسلمين المؤمنين وكل على حال من عمله ما أستوحيه من خطيئته.

 

( والحمدلله رب العالمين )

اترك تعليقاً