ما هي الأعمال التى تُدخلنا الجنة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على منقذ البشرية وهادي الإنسانية محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

 

أما بعد،،،،

 

          فنجد أن الناس الأبرار الأطهار الأخيار يسهرون بالليل ويصومون بالنهار ويعبدون الله عز وجل حق عبادته طمعاً وأملاً في رحمة الله في هذه الجنة.

          فما من أحدا نبى ولا رسول ولا إنسان ولا جن إلا هو يأمل في أن يُمتعه الله عز وجل بهذه الدار دار الجنة ومنهم من أخطأ في الوسيلة وأخطأ في الطريق فظن أن الجنة بالمجان من غير عمل ومن غير جهاد – وكذبوا في زعمهم فإن الجنة غالية والله لم يرخصها أبداً.

          (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)  حديث رسول الله.

          سلعة الله هي البيعة التى بايع بها عباده المؤمنين ، والشئ الغالي دائماً يبذل من أجله والشئ الرخيص ثمنُه رخيص (من يخطب الحسناء يصبر على البذل).

          ونحن نتتبع آيات الجنة وأهلها والموعدون بها في كتاب الله فقد أردنا أن نتحدث عن الجنة من رحاب القرآن ومن رحاب كلام سيد الأنام ومصباح الظلام صلى الله عليه وسلم.

          ولنصف الجنة ونصف أهل الجنة حتى يكون هذا حافزاً لنا

          رب العزة جل جلاله حرصاً منه تعالى على إسعادنا فإنه يريدُ بنا اليسر فيقول:  شد حلكم وأنتم في طريقكم إلي (وإن إلى ربك المنتهي) ينتهي كل شئ إلى الله – ناس ينتهوا إلى الله وهم خاسرين ، وهم كالحون ، وناس ينتهوا إلى الله وهم قد أفلحوا لأنهم (1) زكوا هذه النفوس ، (2) وطهروا هذه الأرواح ، (3) وصانوا هذه الأمانة ، (4) وحققوا هذا الإيمان.

          كلنا مسافرين طائع أم عاصي – ليس هناك مهرب الأرض تتساوى والجبال (ينسفها رب نسفاً).

          (وحُملت الأرضُ والجبال فدُكتا دكة واحدة).

          (ويوم نسيرُ الجبال وترى الأرض بارزة).

          (وبارزوا الله الواحدُ القهار).

          من صفات أهل الجنة

          (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)

          ينفقون في العسر واليسر في الشدة والرخاء في الصحة والمرض في الأفراح (العرس والولائم) ، وفي المآتم (في الضراء) ، وفي جميع الأحوال ينفقونها بالليل والنهار سراً وعلانية أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله تعالى والإنفاق في مراضية والإحسان إلى خلقه من قريباتهم وغيرهم بأنواع البر.

          ثم إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملون وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم.

          والله يقول في الحديث القدسي:

          (يا أبن آدم أذكرني إذا غضبت ، أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فمن أهلك).

          ويقول رسول الله تعالى – صلى الله عليه وسلم:

          (من كظم غيظاً وهو يقدر على نفاذه ملأ الله جوفه أمنا وإيماناً).

مثال:   ورُوى عن ميمون بن مهران أن جاريته جآءت ذات يوم بصحفة فيها مرقة حارة وعنده اضياف فعثرت فصبت المرقة عليه فأراد ميمون أن يضربها.  فقالت الجارية:  يامولاي أستعمل قول الله (الكاظمين الغيظ)  قال لها قد فعلت.  فقالت أعمل بما بعده (والعافين عن الناس).  فقال:  قد عفوت عنك. فقالت الجارية: (والله يحب المحسنين).  قال ميمون:  قد أحسنت إليك فأنت حرة لوجه الله.

          (والعافين عن الناس)  لا يعملون غضبهم من الناس بل يكفون عنهم شرهم ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل.

          (والله يحب المحسنين)  فهذا من مقامات الإحسان.  وفي الحديث

          ثلاث أقسم عليهم:  (1) ما نقص مال من صدقة.  (2) وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، (3) ومن تواضع لله رفعه الله.       رواه الحاكم في المتدرك

الحديث (2):  عن أُبي بن كعب قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (ومن سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعفُ عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه).

الحديث (3):  وعن ابن عباس – رضي الله عنهما قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  إذا كان يوم القيامة ناد مناد يقول:  (أين العافون عن الناس هلموا إلى ربكم وخذوا أجوركم وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة).

ماهي أسباب المغفرة وأسباب الجنة؟

          هي الأعمال الصالحة كما أن جهنم لها أسباب وأبواب:  (1)  العين تدخل جهنم بالنظر إلى المحرم ، (2) الأذن تدخل جهنم بالإستماع إلى المحرم ، (3) اليد تدخل جهنم بالبطش والمد المحرم ، (4) الرجل بالسعي إلى ما حرم الله ، (5) الفرج بالإطلاع على العورات المحرمة ، (6) اللسان والأسنان والبطن بالأكل الحرام ، (7) القلب سوء الظن –الحقد -الحسد- البغضآء .

          نرجع إلى أسباب المغفرة ..

          إذا كان الأم والأب يحن على أولادهم قراط فإن الله أحن وهو أقرب إلينا بالتأئبين.

   ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي 🙁 ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب إلى أين تذهب ألك رب غيري …  أهل ذكري ..  أهل مجالستي .  وأهل شكري ..  أهل زيادتي ..  وأهل طاعتي ..  أهل محبتي ، وأهل معصيتي لا أُقنطهم من رحمتي ،إن تابوا إلى فأنا حبيبهم وإنلم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب ليطهرهم من الذنوب والمعائب ، الحسنة 

عندي بعشر أمثالها وقد أزيد والسيئة عندي بواحدة وقد أعفوا ، وإن استغفروني غفرتها لهم .     

          رحمتى سبقت غضبي وعفوي سبق عقوبتي وحلمي سبق مؤاخذتي وأنا أرحمُ بعبادي من رحمة الأم بأولادها.

          ويقول بعض الصحابة عندما يضيق صدره أو يحل به نائبة: (مصيبة)

          (ياربي يا أرحمُ بي من أمي وأبي).

          أمي وأبويا لو طالوا الدنيا كلها سوف يجبوها لي ولكن قدرتهم محدودة وعلمهم محدود وإل مات أبوه وإل ماتت أمه ولكن أنت حي لا تموت ، وكل لحظة أنت معي.

          (اللهم أغفر وأرحم وأعفو عما تعلم فأنت الأعزُ الأكرم).

     ثانياً :(المغفرة هي التوبة إلى الله).

          وشروط التوبة عدم الإصرار.    مثال:  يعود إلى ذكر معائب جيرانه .

          فإذا استغفرت بلسانك وقلبك مُصر على المعصية فهذا خداع لله – والمستغفر من الذنب وهو مُصر عليه مستهزء بربه.

          فأشترط الله عدم الإصرار وعدم الإستمرار في المعصية.

          لو فُرض أن بعد أن عاهدت الله تغلبت عليك الشهوة تاني ووقعت في المعصية – فلا تيأس – المهم ساعة التوبة لا يكون عندك إصرار بقلبك وكذلك الندم على ما فات – ورد المظالم إلى أهلها إذا استطاعت إقلاع عن الذنب وعدم العودة.

          قال ابوبكر الصديق رضي الله عنه حدثني علي وصدق علي:

          (ما من عبد أذنب ذنباً فقام وتوضأ كما أمر الله فاسبغ ثم صلى ركعتين لا يحدث نفسهُ فيهما بشئ من الدنيا ثم أستغفر الله إلا غفر الله له).  وتسمى ركعتين سُنة التوبة.

صيغ الإستغفار:

1-   سبحان الله وبحمده استغفرُ الله إن الله كان تواباً.

2-   تبت إلى الله ورجعت إلى الله.

3-   سيد الإستغفار أن يقول العبد:  (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوءُ بذنبي فأغفر لي فإنه لا يغفرُ الذنوب إلا أنت).  رواه البخاري.

(1)إذا تاب العبدُ أنسى الله الحفظة ما عمل ، (2) وأنس جوارحه ما عمل ، (3) وأنسى بقاع الأرض ما عمل حتى يأتي يوم القيامة وليس عليه شاهد بذنب لأن الأرض التى عملت عليها الذنب تشهد وأعضائك (اليد والرجل والجلد).

          (شهد عليم سمعهم وأبصارهم وجلودهم – وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا – قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شئ).

          فالرب يرضى عنك بالتوبة ويبدل السيئات حسنات – يقول الله للصفحة السوداء أتمحي ولا يترك مكانها فاضي يرفع السيئة ويضع بدل منها حسنة – يرفع العقوق ويضع البر – يرفع البخل ويضع الكرم يرفع الزنا ويضع العفاف مصداقاً لقوله تعالى:

          (أولئك يُبدلُ اللهُ سيئاتهم حسنات) ، (وكان اللهُ غفوراً رحيماً).

الآية:  (أولئك جزاؤهم مغفرةُ من ربهم وجناتُ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها ونعم أجرُ العاملين )

          رتب الله تعالى بفضله وكرمه غفران الذنوب لمن أخلص في توبته ولم يصر على ذنبه.  ومدح هذا الجزاء فقال:  (ونعم أجر العاملين).

المؤمن لا يقع وإذا وقع وجد متكاُ وهو رحمة الله.

          واحد فعل فاحشة (وكلمة فاحشة) ده عمومية بمعنى كل ذنب ورد فيه وعيد وتهديد في الكتاب والسُنة وعلى رأس هذه الفواحش الزنا ، واللواط ، وشرب الخمر ، والقتل ، والربا ، والسحر التولي يوم الزحف.  والذنوب تتفاوت والطاعات تتفاوت ومن هنا جعل الله الجنة درجات حسب الأعمال وجعل جهنم دركات والله يفتح الباب لمن اقترف فاحشة مثل (شرب الخمر) هذا ذنب بينك وبين الله لم تظلم فيها أحد فهذا حق من حقوق الله ، وكذلك واحد أفطر في رمضان – (2)  الغبيبة والنميمة يسمى حق آدمي وهذا الذنب بينك وبين الناس وكذلك الربا.

          هناك أوقات يُغشى إبليس على العقل فينسى المؤمن ربه فيقع في المعصية ويتوحل وتذهب السكرة فينتبه فيقول يارب.  فيقول الله: (أنا منك قريب وأنا لك مجيب).

          وفى سورة الزُمر الآية (20):

(لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ

  بين الله تعالى أن للمتقين غرفاً فوقها غرف لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا (غُرف مبنية) قال ابن عباس:  مبنية من زبرجد وياقوت – وهي جامعة لأسباب النزهة (تجري من تحتها الأنهار) ووعدهم الله ذلك وعداً لا رجوع فيه.

          لهم غُرف:  منازل رفيعة عالية في الجنة.

          الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم غرف في الجنة من فوقها غرف وهى العلية تكون فوق الغرفة تجرى من تحتها الأنهار من تحت القصور والأشجار أنهار المآء واللبن والعسل والخمر – وعدهم الله تعالى بها وعداً حقاً فهو منجزه لهم إذ هو تعالى لا يخلف الميعاد.

          مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف فوقهم كما تتراءون الكوكب الغائر في الأفق من المشرق إلى المغرب لتفاضل ما بينهم).  قالوا:  يارسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟  قال صلى الله عليه وسلم:  (بلى والذى نفسي بيده رجال ءامنوا بالله وصدقوا المرسلين).

          (اللهم اجعلنا من أهل الغرف يارب العالمين).

          عن جابر – رضي الله عنه قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (إن فى الجنة غرفاً من أصناف الجوهر كله يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها وفيها من النعيم واللذات والسرور ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)

          قال جابر:  قلت يارسول الله ولمن هذه الغرف؟

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (لمن أفشى السلام وأطعم الطعام وآدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام).

          قال:  قلنا يارسول الله ومن يطيق ذلك؟

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (أُمتي تُطيق ذلك وسأخبركم عن ذلك ، (1) من لقى أخاه فسلم عليه أو رد عليه فقد أفشى السلام ، (2) ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى يشبعهم فقد أطعم الطعام ، (3) ومن صام شهر رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد آدام الصيام ، (4) ومن صلى العشاء الآخرة وصلى الغداة في جماعة فقد صلى بالليل والناس نيام).                   صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

          وهناك آية تنفعنا جداً في الجنة وأوصاف أهلها في سورة التوبة الآية (111):

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

أسباب نزول هذه الآية: 

          نزلت في البيعة الثانية وهي بعية العقبة الكبرى وكان عددهم أكثر من سبعين رجلاًُ (72) رجلاً فقال عبدالله بن رواحه للنبى – صلى الله عليه وسلم: (أشترط لربك ولنفسك ما شئت) ، فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (أشترطُ لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً واشترطُ لنفسي أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم).

          قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟  قال النبى:  (الجنة).  قالوا:  ربح البيع.  فنزلت هذه الآية وهي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.

          فمن العبد تسليم النفس والمال ومن الله الثواب والنوال فسمى هذا شراء وهو عوض عظيم .

هل هي معاملة شفوية أو مسجل؟  بل هو وعد مسجل في الكتب السماوية التوارة والإنجيل والقرآن – وأن الجهاد ومقاومة الأعداء أصله من عهد موسى عليه السلام.

          (ومن أوفى بعهده من الله) لا أحد أوفى بعهده من الله .

          وهذه الآية في الجنة وفى أوصاف أهلها كان لها دور كبير جداً في حفذ همم الصحابة والتابعين ونهضهم إلى ميادين القتال غير متأخرين ، فكان إذا سمع أحدهم القارئ يتلو هذه الآية كأنك اشعلت جسده نار بكل قوة يندفع إلى المعركة كأنه عروس تزف إلى عريسها ، وكانوا يختارون من القراء الصالحين دائماً وكان دائماً مع الجيش إمام صالح حافظ القرآن قبل أن يبدأ المعركة يصلوا ركعتين لإستعانة قضاء الحاجة ثم يأمرون هذا القارئ أن يقرأ هذه الآية وحدها.

          وحكى لنا العلماء رحمهم الله أنه في أحد المعارك الحربية الإسلامية بعد أن تجهز الجيش كان من جملة هذا الجيش مجاهد عظيم صالح يسمى (سعيد بن زيد).

          ومضى الجيش بعد أن سمعوا هذه الآية وكان سعيد يلقي نفسه على الموت لا يبالى وسبحان الله ربنا يرجعه سليم وكان في اليوم يقتل 100 أو 200 ويرجع سليم وكان زميله يقول له:  أنا بستغرب أنت بترجع سليم كيف؟

          وسعيد يقول له:  أنا حريص على الشهادة – وفي إحدى الليالي إجهاد شديد وزميله يرى هذا فقال له:  أقسمتُ عليك بالله ياسعيد أن تدخل الخيمة لتنال بعض الراحة – نام نصف ساعة (جهاد بالنهار وهو صائم وبالليل قيام ليل).

          قال له سعيد:  الرحيل قرب والوقت لا يتحمل غداً ننام نومة دائمة – فبر بقسم زميله – وجلس زميله أمام باب الخيمة.  فقال بينما أنا على باب الخيمة سمعت صوتاً في داخل الخيمة فرفعت باب الخيمة لم أجد أحداً إلا سعيد يتحدث وهو نائم ويقول:  مرحباً بالعُيناء المرضية (3) مرات ، ثم يمد يده كأن يتناول شئ ثم ترجع يده برفق ثم يقول:  ما أُريد أن أرجع ما أُريدُ أن أرجع بقوة – فجآءه زميله خاف أن يكون من تعبه حصل له مس أو شئ في دماغه نتيجة الإجهاد فحركه وصحاه فقام من نومه مذعوراً رش عليه ماء وسقاه فقال سعيد:  أين أنا؟  قال زميله:  أنت في الخيمة يا سعيد.  قال أنت الذى صحتني جزاك الله عني.  ولم يقل شراً فقال له صديقه قل خيراً.

          قال:  كيف أكون خيراً ، وقد حرمتني من أعظم متعة خلقها الله.  فقال صديقه:  أقسمتُ عليك بالله للمرة الثانية أن تروي لي ماذا رأيت؟؟

          لا تنكر علي أنا رأيتك تمد يدك وسمعتك تتكلم.  فقال سعيد:  أرأيتُ وسمعتُ  تكتم علي حتى أموت ولا تخبر أحداً.

          قال صديقه:  أُعاهد الله أن أكتم عليك حتى تموت؟

          قال سعيد:  بينما أنا نائم إذ رأيت كأن القيامة قد قامت وكأن الناس ينتشرون على غير هدى ، وإذا بي أسمع نداً أين سعيد بن زيد؟  فجآء لي بثلاثة فرسان على فرسين منهما ملكين وقالوا أركب يا سعيد أركب إلى حيث وعدك الله ، فركبت وهم يُحيطان بي حتى أنطلقت وإذا بي وحدى ورأيت قصر كأنه البياض أو المرمر أو السحاب الأبيض ولا يكاد بصري يرى آخره ولم أرى مثله قط.

          فخفت علي من أمامه بعض الحور يتلقينني بالترحاب ويقلن لي (1) مرحبا بك ياسعيد ، (2) طاب عملك ، (3) وحسنت نهايتك ، (4) ونحن إليك بالأشواق ، وظننتُ أن الشمس تخرجُ من وجوههن من البياض والجمال ، فقلت لمن حولي من الملكين هل هؤلاء هُن الحور العين الموصوفات في القرآن؟  قال الملكين:  لا هؤلاء من بعض الخُدام ، فأمضي إلى طريقك ، وهذه العملية قد تكررت من قصر إلى قصر كل مرة يرى الحور العين أجمل وأجمل من سابقتها ، نسى السابقات وأنشغل بالحاضر ، ينقلهُ الله من جمال إلى ما هو أجمل حتى أنتهيتُ) إلى قصر قد تخلف الملكين وقالا هنا أهلك اللاتي وعدك الله لأنه لا يحل أن ندخل معك فادخل.  قال:  فدخلت فرايت ثلاثة من الحور العين وسطهن كأنها الشمس توزع نورها على من حولها ، قاموا لي وقابلنني فهممت أن أمد يدي إليهن وقلنا مرحباً ياسعيد فقلت للوسطى من أنت؟  قالت:  أنا العيناء المرضية – فقال:  مرحباً بك ياعيناء يامرضية فردت إلي يدي فى رفق وقالت:  ياسعيد أصبر فإنك لا تحل لنا ولا نحل لك ولكن ستفطر عندنا بعد ثلاثة أيام وهنا قد صحاه صديقه.

          فقال له صديقه:  هنيئاً لك ياسعيد ياليتني كنتُ معك فأفوز فوزاً عظيماً – فقام سعيد في هذا اليوم فضاعف من مجهوده وجهاده وإجتهاده حتى كان أهل المعسكر الإسلامي يتفرجون عليه كيف ينجو سعيد من الموت ، ويتحدثون عنه

ويقولون سعيد قتل اليوم 3 آلاف – مش عارفين هذا ، هل هذا الرجل ملك أم بني آدم.

          زميله لا يتكلم يقول سبحان الله لو تعلمون ما أعلم لتفعلون مثل ما يفعل – قال وفي اليوم الثالث الموعود فكان جهاده أضعاف اضعاف ما جاهد حتى إذا دنا قرص الشمس للسقوط فقد جآءته ضربة في نحره فخر على جنبيه وهو يقول:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

          فجري صديقه هنيئاً لك ياسعيد ما تُفطر عليه الليلة فسمعته يبتسم وهو يقول:

(فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)(55).

          مرحباً بك ياعُيناء يامرضية.

          كل هذا ببركة هذه الآية التى معنا (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة).

          فلما علم المؤمنون بأن أموالهم ليست ملك لهم وما هي إلا وديعة يتمتع بها الإنسان مؤقتاً ثم يطلبها الله إليه.

          إن الله اشترى أموالهم وأرواحهم – المال والروح كأن الروح ده ليس ملكي.  الأموال التى موجودة في البنوك ليس ملكي وديعة ولكن ملك الله فإذا طلبني الله للجهاد – وإذا طلب مني مالا للأيتام أو لبناء مسجد تبرع – البائع المؤمنون – المشتري الله – الثمن: الجنة ، السلعة (البضاعة):  الروح والنفس والمال.

          وكما قال الشاعر:

          وما الأموالُ والأهلُون إلا ودائعُ

                                                ولابد يوماً أن ترد الودائعُ

 

(  الحمدلله رب العالمين  )

 

اترك تعليقاً