الإسلام دين السماحة واليسر

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله بديع السموات والأرض ، وصلى الله وسلم على إمام المتقين وخاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،،،

          فالإسلام كان حكيماً فى توجيهاته ، كريماً عندما قدر ضعف الإنسان ، فتعامل معه برفق وحنان كما يتعامل الطبيب الماهر مع مريضه على النحو الذى يكفل له السلامة.

          وأعلموا أن الله أرحم وأبر بعباده من الأم بأولادها مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (الله أرحم بعباده من الأم بولدها)  متفق عليه.

يسر الإسلام في المعاملات والعبادات والطهارة:

أولاً:  يسر الإسلام في المعاملات:

          إن الإسلام لم يغفل اليسر في الجانب الدنيوي ، فنجد أن الحياة أخذ وعطاء ، وبيع وشراء ، وإقراض واقتراض ، والأيام دول فمن يحتاجك اليوم فد تحتاجه غداً ، وعلى هذا فيجب علينا أن نعامل الناس بالذى نحب أن يعاملونا به ، فالمدين المعسر لا ترهقه ولا نكلفه من أمره فوق طاقته ولا نثقل عليه بالسداد وعلينا إنتظاره وإمهاله كما علمنا ربنا سبحانه وتعالى حيث يقول في سورة البقرة الآية (280):

          (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).

          فعلى الله أن يجعل له من الضيق فرجاً ، ومن الشدة مخرجاً ، فلا نأخذ بتلابيبه ونحول حياته إلى جحيم لا يطاق ليجد نفسه مضطراً إلى الإنحراف لأداء ما عليه من الديون ، فلو تجاوزنا عن المعسر تجاوز الله سبحانه وتعالى عنا (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء (89).

الدليل على هذ الكلام من السنة النبوية:

          قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شئ إلا أنه كان يخالط الناس ، وكان موسراً وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر.  قال الله عز وجل:  نحن أحق بذلك منه ، تجاوزوا عنه)  رواه مسلم.

ثانياً: يسر الإسلام في العبادات:

          شرع الله لمن كان مسافراً أو مجاهداً أن يقصر من الصلاة الرباعية ، ويُخطئ من يزعم أن الإتمام أفضل ، وأنه لا يشق على النفس فالقصر في الصلاة صدقة تصدق الله بها علينا فلنقبل صدقته مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (إن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه).

          وأباح الإسلام للمريض الذى يشق عليه أن يصلى وهو قائم يصلي وهو قاعد ، أو على جنبه مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب).   رواه أحمد والبخاري

أيها الأخوة:   إن المتبع للفقه الإسلامي ليجد فيه التيسير في أبهى صوره ، فعندما شرع الصوم راعى الإسلام ظروف المسافرين والمرضى الذين يشق عليهم الصوم وكل من فى حكمهم مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (185):

(فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).

          وعن جابر – رضي الله عنه – قال:

          كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في سفر فرأى رجلاً قد ظلل عليه فقال:  (ماله؟) قالوا: رجل صائم، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (ليس البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التى رخص لكم).

ثالثاً: يسر الإسلام في الطهارة:

          إن نعم الله علينا أكثر من أن يحصرها حد ، أو يحيط بها عدد مصداقاً لقوله تعالى فى سورة إبراهيم الآية (34):

(وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).

          ومن هذا المنطلق الرحب قدر الله أعذار عباده الطارئة رفعاً للإثم ودفعاً للحرج ، فأباح لهم التيمم عند المرض أو عند فقدان الماء توسعه منه على الناس ورحمة بهم مصداقاً لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (6):

(وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).         

          وفى الحديث أيضاً يدل على اليسر والسماحة وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:  كان أبو ذر في غنيمة له بالربذة فلما جآء قال له النبى – صلى الله عليه وسلم:  (يا أباذر) فسكت.  فرددها عليه فسكت.  فقال:  (يا أباذر ثكلتك أمُك). قال:  (إني جنبت).

          هو جُنب  =   على غير طهارة.

          فدعا له الجارية بمآء فجآءت به فاستتر براحلته فاغتسل ثم أتى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال له النبى:  (يجزئك الصعيد ولو لم تجد الماء عشرين سنة فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك).            رواه الطبراني في الأوسط.

          فاتقوا الله عباد الله وألزموا اليسر في سائر أُموركم الدينية والدنيوية ، وأعلموا أن رخص الله تتوالى على عباده في حلهم وترحالهم ، وصحتهم ومرضهم ، وصلاتهم وطهورهم ، وسائر أمورهم.

          هذا هو الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

          قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تُطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل).

                   رواه البخاري ومسلم.

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

 

 

 

 

اترك تعليقاً