بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
يحرم على الجُنب خمسة أمور:
(1)الصلاة ، (2) الطواف ، (3) مس المصحف وحمله ، (4) قراءة القرآن ، (5)المكث فى المسجد.
الجُنب: هو الذى لم يغتسل بعد الجماع مع امرأته.
أولاً: الصلاة مطلقاً: تحرم الصلاة مطلقاً فرضاً كانت أو نفلاً – حتى ولو كانت صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو سجدة شكر.
الدليـــل: لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور). رواه مسلم.
ثانياً: الطواف بالكعبة: يحرم على الجُنب الطواف بالكعبة.
الدليــل: لقوله – صلى الله عليه وسلم: (الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام ، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير). (رواه الحاكم والترمذى ).
ثالثاً: مس المصحف وحمله: يجوز مس المصحف بغلاف منفصل ، مثل أن يكون فى حقيبة واضطر إلى حمله.
(1) الأئمة الأربعة اتفقوا على عدم مس المصحف وحمله.
(2) رأى داود الظاهرى وابن حزم:
قالوا: يجوز للجُنب بمس المصحف وحمله.
دليلهم: بما ورد فى الصحيحين أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعث إلى هرقل كتاباً فيه (بسم الله الرحمن الرحيم):
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران الآية (64).
قال ابن حزم الظاهرى:
فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد بعث كتاباً وفيه هذه الآية إلى النصارى، وقد أيقن أنهم يمسون هذا الكتاب لأن ابن حزم يأخذ على ظاهر النص وليس على فعل النبى – صلى الله عليه وسلم – وعلى فعل الصحابة.
رد الجمهـور: لا مانع من مس ما اشتملت عليه من آيات القرآن كالرسائل وكتب التفسير – والفقه وغيرها ، فإن هذا لا يسمى قرأناً ولا تثبت لها حرمته.
… الرأى الراجح والصواب هو رأى الجمهور من العلماء.
رابعاً: قراءة القرآن: لا يجوز قراءة القرآن والإنسان جُنب (رأى الجمهور).
الدليــل: حديث على بن أبى طالب قال: (كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يحجبه شئ عن القرآن إلا الجنابة) (رواه أبو داود والترمذى).
( لا يقرأ الجُنب ولا الحائض شيئاً من القرآن).
الدليـل الثانى: حديث على كرم الله وجهه قال: رأيتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: (هكذا لمن ليس بجُنب ، فأما الجُنب فلا ولا آية). (رواه أحمد).
خامساً: المكث فى المسجد: يحرم على الجُنب المكث فى المسجد لحديث أُم سلمة – رضى الله عنها – قالت: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسجد فنادى بأعلى صوته: (إن المسجد لا يحل لحائض ولا لجُنب). (رواه الطبرانى وابن ماجه).
هل تحضر الجُنب والحائض درس العلم فى المسجد؟؟
تحضر درس العلم فى مصلى النسآء لأن المصلى أقل درجة من المسجد ، ولو تلوثت أمكن استدراكها وتنظيفها.
والمصلى شئ ملحق – والمسجد أصلى ….
النفــــاس:
النفاس فى اللغة: الولادة
النفاس فى الإصطلاح الفقهى: هو الدم الخارج من قُبُل المرأة بسبب الولادة وإن كان المولود سقطاً.
الولادة: إذا نزل المولود به الروح والنفس.
السقط: إذا نزل الولد بدون نفس أو إذا كان فى شهوره الأولى.
مدة النفاس:
(1) يرى الفقهاء أن أقل مدة النفاس لحظة – فلو انقطع الدم بعدها تغتسل وتصلى ، فإن رأت الدم بعد ذلك تنتظر حتى ينقطع (تترك الصلاة فى مدة نزوله) وتغتسل عند إنقطاعه وتصلى.
(2) الحنفية قالوا: أقله 25 يوماً.
(3) وأكثر مدة النفاس 40 يوماً – فإذا نزل عليها الدم بعد الأربعين لا تعتبره دم نفاس – بل تضع خرقة على فرجها تحجر بها الدم وتصلى. (وهذا هو مذهب أكثر أهل العلم).
الدليل: الحديث الأول: فعن أم سلمة – رضى الله عنها – قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أربعين يوماً). رواه أبو داود والترمذى).
وقال الترمذى بعد هذا الحديث: قد أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تترك الصلاة 40 يوما- إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ، فإنها تغتسل وتصلى ، فإن رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعدها.
وهذا هو الرأى الراجح….
الطهر بين الدمين:
أولاً: الطهر بين الدمين أثناء الحيض: المرأة فى الحيض 7 – 8 أيام حيض ثم تقول انقطع الدم يوم وليلة أو يوم ثم نزل الدم مرة أخرى.
هل هذا الفاصل حيض أم طهر؟؟
الرأى الراجح والصحيح: إذا كان الفاصل يوم أو يوم وليلة يعتبر طويل وتكون هذه المدة مدة طُهر وليس بحيض ، أم إذا كان الفاصل أقل من يوم تُعتبر هذه المدة مدة حيض فلا تغتسل ولا تصلى ولا تصوم ولا يقربها زوجها.
الطهر بين الدمين أثناء النفاس: فى النفاس المرأة ينزل عليها دم الولادة 15 يوم أو 25 يوم – ثم بعد ذلك تطهر لمدة يوم أو يومين ثم ينزل الدم مرة أخرى.
الرأى الراجح: ما تطمئن إليه النفس من طول وقصر المدة بين الدمين. إذا كانت تعرفه من الأول أنه يتوقف الدم لمدة يوم أو يومين تصلى ، وإذا لم تعرفه تأخذ برأى أبو حنيفة والشافعى وتعتبر هذه الفترة من الحيض ولا تصلى ولا تصوم.
ما يحرم بالحيض والنفاس:
أولاً: الصـلاة: أجمع العلماء على حرمة الصلاة مطلقاً ولو صلاة جنازة أو سجدة شكر أو سجدة تلاوة .
ثانياً: الصـوم: ولو نفلا (صوم التطوع) فلا يصح ويحرم مع الحيض والنفاس إجماعاً.
الدليـل: حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (أبى سعيد الخدرى): (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصُم) قالوا: بلى – قال: (ذلك من نقصان دينها). رواه أحمد والبخارى – فى بيان نقصان دين المرأة.
مثـال 1: فإذا حاضت المرأة أو نفست فى نهار رمضان – ولو قبل الغروب بلحظة – بطل صومها – ووجب عليها قضاء ذلك اليوم.
ولو حاضت أو نفست فى أول اليوم أو نصفه جاز لها أن تأكل وتشرب ولا ينبغى لها مواصلة الصوم لأن ذلك لا يفيدها.
ولكن يستحب أن تستتر من الناس عند الأكل لحرمة الشهر العظيم.
هل الحائض والنفساء تقضى الصوم والصلاة فى فترة حيضها؟
الحائض والنفساء تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة.
الدليـل: حديث عائشة – رضى الله عنها: (كان يُصيبنا ذلك مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصلاة).
لماذا؟ ما هى الحكمة فى ذلك: إن الصلاة تتكرر فى اليوم والليلة خمس مرات فيشق عليها قضاؤها – بخلاف الصوم فإنه لا يأتى فى العام إلا مرة واحدة.
امرأة طهرت من الحيض والنفاس بعد العصر أو بعد العشآء ماذا تصلى؟
ماذا تصلى العصر والعشاء ، أم تصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء؟
الرأى الراجح:
هو إن إتسع الوقت للفرض السابق صلته ثم صلت العصر – وإن لم يتسع فلا تصلى إلا الفرض الحالى لماذا؟ لأن الله عفا عنها فى أيام الحيض – أفلا يعفو عنها فى هذا الفرض…
ثالثاً: ما يحرم بالحيض والنفاس: الطواف بالكعبة: يحرم على الحائض والنفساء أن تطوف بالبيت.
الدليل: لما روت عائشة – رضى الله عنها – قالت: (دخل علىَ النبى – صلى الله عليه وسلم – وأنا أبكى: فقال: (أنفست) قلت: نعم ، قال: (إن هذا شئ كتبه الله على بنات آدم فاقضى ما يقض الحاج غير ألا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى).
الحديث الثانى: عن ابن عباس – رضى الله عنهما – أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام ، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير).
رابعاً: دخول المسجد:
والرأى الراجح: هو أن الحائض والنفساء ممكن أن تجلس فى مصلى النسآء لتستمع العلم – لأن المصلى أقل درجة من المسجد ، والمصلى شئ ملحق بالمسجد – وليس المسجد لأن المسجد الأصل.
خامساً: قراءة شئ من القرآن:
الرأى الراجح: هو أن تقرأ الحائض القرآن للتعلم ولا تحمل المصحف للتعلم يجوز – أم إذا كانت قراءة القرآن للتعبد فهذا حرام لأنها ممنوعة منه.
سادساً وسابعاً: مس القرآن وحمله: فيحرم عليها مس القرآن وحمله لغير ضرورة عند الأئمة الأربعة.
دليلهم: حديث حكيم بن حزام أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال له: (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر). ولكن يجوز مسه وحمله لضرورة مثل خوف عليه من حرق أو غرق أو نجاسة.
الرأى الراجح: أنها لا تحمله إلا فى حقيبة أو ضمن متاع.
والمس حرام من باب أولى….
ثامناً: يحرم على الحائض والنفساء الوطء: فلا يجوز للرجل أن يجامعها حتى تطهر من حيضها أو نفاسها وحرمة ذلك ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
أولاً: الكتاب: قوله تعالى فى سورة البقرة الآية (222):
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
ويسألونك يا محمد عن إتيان النسآء فى حالة الحيض أيحل أم يحرم؟ فقل لهم: إنه شئ مستقذر ومعاشرتهن فى هذه الحالة فيه أذى للزوجين أثناء الحيض اجتنبوا معاشرة النسآء ولا تجامعوهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويغتسلن.
والمراد التنبيه على أن الغرض عدم المعاشرة لا عدم القرب منهن وعدم مؤاكلتهن ومجالستهن كما كان يفعل اليهود إذا حاضت عندهم المرأة فإذا تطهرن بالماء فأتوهن فى المكان الذى أحله الله لكم ، وهو مكان النسل والولد – القُبُل لا الدبر – والله يحبُ التائبين من الذنوب المتنزهين عن الفواحش والأقذار.
إن الله يحب المتطهرين من النجاسات والأقذار – فليتوبوا وليتطهروا ليفوزوا بحب مولاهم عز وجل.
ما هو الدليل على أن إجتماع الرجل بالمرأة أثناء الحيض حرام من السنة؟
ما رواه أحمد ومسلم عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لأصحابه حين نزلت هذه الآية:
(اصنعوا كل شئ إلا النكاح) وهذا يعنى المباشرة الحائض والنفساء ولا يقرب إلى المنطقة التى بين السرة والركبة.
قال علماؤنا: كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض ، وكانت النصارى يجامعون الحائض – فأمر الله بالعدل بين هذين…
قال قتادة: إن العرب فى المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بنى إسرائيل فى تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها فنزلت الآية.
وقال مجاهد: كانوا يتجنبون النسآء فى الحيض ، ويأتونهن فى أدبارهن مدة زمن الحيض – فنزلت الآية.
وفى صحيح مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت – فسأل أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النسآء فى المحيض) إلى آخر الآية – فبلغ ذلك اليهود – فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.
إجماع الأمة: لقد أجمع علماء الأمة الإسلامية على حرمة وطء المرأة وهى حائض.
قال الشافعى: إن جماع الحائض والنفساء كبيرة من الكبائر – وكما تكون الحرمة على الرجل تكون أيضا على المرأة إن أخفت على زوجها وجود الدم أو رضيت بالجماع دون مقاومة ولم تكن مكرهه.
للرجل حق الإستمتاع بزوجته ماعدا الفرج.
الدليل: سأل أحد الصحابة عائشة – رضى الله عنها – ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً.
قالت عائشة – رضى الله عنها: (كل شئ إلا الفرج).
المهــم: إن الرجل ينبغى عليه أن يتجنب مواضع الأذى – لأن دم الحيض والنفاس أذى بل هو ينبوع الأذى.
وقال النووى:
(1) لو اعتقد المسلم حل جماع الحائض فى فرجها صار كافراً مرتداً.
(2) ولو فعله غير معتقد حله ناسياً أو جاهلاً لحرمته – أو لا يعرف أن عندها الحيض فلا إثم عليه ولا كفارة.
فإن جامع عامداً مختاراً عالماً بالحرمة فقد ارتكب كبيرة ويجب التوبة منها الإتفاق.
والتوبة: عند جمهور الفقهاء: أن يتصدق بدينار إذا كان الدم أسود ، 2/1 دينار إذا كان الدم أصفر فى آخرها.
( والحمدلله رب العالمين )