مظاهر بر الوالدين (كيف نبرهم؟)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فبر الوالدين حق مقدس تقضى به الفطرة السليمة كما قال الشيخ الجليل عطية صقر فى كتابه (الوالدان والأقربون).

إن الآباء هم رؤساء المجتمعات الأسرية، والواجب على كل أعضاء مجتمع أن يطيعوا الرئيس ويحترموه لينتظم أمر الجماعة.

والبر مظهر من مظاهر التكافل والتضامن فى كل مجتمع وخصوصاً إذا كان الوالدان فى حالة يحتاجون فيها إلى المعونة، كمرض أو شيخوخة أوفقر.

كيف نبر الوالدين؟ أو ما هى مظاهر البر؟

1– طاعتها.  2- الإنفاق عليها.  3- عدم تفضيل الزوجة عليها.  4-  محبة أصدقاء الوالدين وأقاربهم وبرهم.   5-  عدم التأفف منهم.     6- عدم نهر الوالدين.  7- معاملتهما بالرحمة.  8- الدعاء لهم بالرحمة. 9-  ذكر العلماء ألواناً أخرى من البر للوالدين.

أولاً:  طاعتهما:

      كيف تكون الطاعة؟

      بتحقيق رغباتهما، وتجنب ما يسئ إليهما، مع الإستجابة والارتياح للتنفيذ وذلك لإدخال السرور على قلبهما.

مثال (1) للطاعة:

      فإن إسماعيل عليه السلام قد أجاب أباه حين أخبره أنه رأى فى المنام أن يذبحه فقال:فى سورة الصافات الآية (102):

 (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)

      مع أن الموت لا يحبه أحد، وبخاصة لمن كان فى سن مبكرة (13 سنة) ولكنه قال: يا أبى أمضى لما أمرك الله به من ذبحى فستجدنى صابراً إن شاء الله.

      وهذا جواب من أوتى الحلم والصبر وامتثال الأمر، والرضا بقضاء الله.

      والطاعة تكون فيما شرعه الله، وفيه منفعة للوالدين، وليس فيه ضرر ظاهر على الولد.  فإذا أمراه بمحرم كالشرك أو السرقة أو ترك الصلاة المفروضة فلا يجب طاعتهما، بل تحرم بدليل قول الله تعالى فى سورة لقمان الآية (15):

      (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا). 

      لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق كما قررته السنة النبوية المشرفة.

مثال (2) للطاعة:

      سُئل ابن تيمية عن رجل سألته أمه أن يشترى لها ملحفة تخرج بها فقال ابن تيمية رحمه الله: (إن كان خروجها فى باب من أبواب الخير (البر) مثل أن تزور مريض أو جار أو قرابة أو لإداء واجب فلا بأس (اشتريها).

      وإن كان غير ذلك فلا يُعينها على الخروج.

      وكما جاء فى الحديث الذى رواه ابن حبان فى صحيح عن عائشة – رضى الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (من ألتمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس).

ثانياً:  الإنفاق عليهما:

      الإنفاق عل الوالدين مظهر من مظاهر البر فى المرتبة الأولى ويكون بالقدر الذى يكفيهما ويناسب مستواهما من مطعم وملبس وخدمة وغير ذلك، وهذا من المعروف الذى أمر الله سبحانه وتعالى الولد أن يصاحب به والديه (وصاحبهما فى الدنيا معروفاً).

      وكما قال ابن القيم:

فليس من بر الوالدين أن يدع الرجل أباه يكنس الكنيف ويوقد أتُون الحمام، وهو فى غاية الغنى واليسار وليس من بر أمه أن يدعها تخدم الناس، وتغسل ثيابهم …  ولا يصونها بما ينفقه عليها.

ما هو الغرض من بر الوالدين؟

      وأرى أن البر يجب أن يوفر للوالدين راحتهما وكرامتهما وللعرف دخل كبير فى تقدير ذلك، والغرض الأخير من البر هو كسب رضاهما، فليسلك الولد إلى هذه الغاية ما أستطاع من مسلك.

ثالثاً:  عدم تفضيل الزوجة عليهما:

      إن الطبع يشهد أن ميل الرجل إلى زوجته أقوى من ميله إلى والديه، لأنها موضع لذاته الجنسية والروحية، وقد يحمل هذا على التقصير فى حق الوالدين مادياً ومعنوياً، ينشأ بغض الام لزوجة أبنها، وتكثر المصادمات مع الحموات.

الحديث الأول:

      (إن إكرام الزوجة على الأم، والصديق على الأب من علامات الساعة) أخرجه البغوى فى مصابيح السنة.

الحديث الثاني:

      (عن عائشة – رضى الله عنها – قالت: أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقاً على الرجل أمه).

      إلى أن الأم يجب إيثارها إن تعارضت مصلحتها المشروعة مع مصلحة الزوجة لماذا؟ ذلك لأن الولد قطعة من أمه، وهى أبقى له فى الحب، وفى عسره ويسره وصحبته ومرضه بل إنها تشقى من أجل أن تعده، على الرغم مما تلاقيه منه.

مثال (1):

      تذكر القصص (أن ولداً ضجر من أمه، فحملها إلى الغابة ليلاً لتموت.  فلما تركها وحدها قالت له: أتعود إلى البيت وحدك؟  أنى أخشى عليك ضراوة الوحوش فى ظلمة الليل) لم تفكر فى نفسها.

أما الزوجة فقلبها فى كثير من الأحيان متقلب حسب غنى الزوج وفقره، وصحته ومرضه، وحسن عشرته وسوئها.

ذكر ابن قتيبة فى كتابه عيون الأخبار:

أن صخر بن عمرو الشريد أصابه جرح كبير فى قتال، فمرض منه طويلاً حتى مات به حوالى 165م قبل الهجرة النبوية، وكانت تمرضه أمه وزوجته سلمى بنت كعب التى كان قد خطبها فأبت ثم أسرها فى حرب بنى أسد ضد قومها بنى سليم، وخلصها وتزوجها.  وكانت هذه الزوجة إذا سئلت عن حاله وهو مريض قالت: (لا حى فيرجى، ولا ميت فينسى).

أما أمه فكانت تقول إذا سئلت عنه: أصبح بحمدالله صالحاً ولايزال بحمدالله بخير.

فلما سمع صخر قول زوجته، وعاتبها عليه، قالت: نعم قلته غير معتذرة، وأنشد شعراً يبين الفرق بيها وبين أمه وقيل: إن صخراً لما آفاق عمد إلى زوجته فعالقها بعمود الفسطاط (الخيمة) حتى فاضت روحها ثم نُكس من طعنته ومات.

إنى أحذر الزوج أشد التحذير أن تؤثر فيه كلمات زوجته المعسولة التى تنفثها فى أذنيه فى ساعة حلوة لذيذة وفى وسط الكلام شكايات من الوالدة أو الأخت أو الضرة بنصحه ألا تطغى عاطفته على عقله فيسرع إلى الإنتقام ممن تشكو منه.

نجد أن الزوج فى مشكلة عويصة أيُغضب والدته مثلاً ليرضى زوجته الحبيبة، أو يخسر حب زوجته التى أمتعته ليكتسب رضا والدته وكان هذا سبباً فى كثير من حوادث التفريق بين الزوج وأمه أو بينه وبين زوجته.

وهو فى هذه الحالة فى صراع قوى بين العاطفة والعقل – وبين الغريزة والدين، وبين الروح والمادة.  (ما العمل)؟

أرى من الخير أن تكتسب رضا الطرفين ….  كيف؟

فاستمع إلى الشكايات التى تشكيها لك زوجتك ثم: (1) أحكم بلباقتك وحسن حيلتك ، (2) يخفف بلطف حدة ما تشكو منه زوجتك وهون أمره ، (3) ثم هدئ ثائرتها بأن أمك فى آخر حياتها لم يبق لها إلا القليل ثم تستريح منها إلى الأبد ، (4) وأكذب عليها بأن أمك تحبها أو تود الخير لها.  وبهذا يكون الزوج قد أراح زوجته فى الإستماع إلى شكواها ، وأرحتها فى الحكم والكذب.

والكذب هنا مادام فى الإصلاح لا ضرر فيه.

ثم على الزوج وهو الابن أن: (1) يستمع إلى شكاة والدتك من زوجتك حتى تكسب رضاها ، (2) ثم أوعدها بإنك ستنتقم لها ، (3) ثم أنصح والدتك برفق بأن تعذر تصرفات زوجتك (ليس عندها خبرة – دى صغيرة) هذه الطريقة اللبقة أفادت فى حالات كثيرة، وتفادت الأسر به أزمات شديدة.

رابعاً:  محبة أصدقاء الوالدين وأقاربهم وبرهم:

إن هذا المظهر من البر الوالدين يدعو إليه الدين، لماذا؟

لإنه يدخل السرور على قلب الوالدين.  وحث عليها النبى – صلى الله عليه وسلم – فعن ابن عمر – رضى الله عنهما – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أبر البر صلة الولد أهل أبيه)  رواه مسلم.

وهذا الحديث وإن ذكره ابن عمر فى إكرام الأصدقاء بعد موت الوالد لكن اللفظ عام يتناول إكرام الوالدين فى إكرام الأصدقاء سواء أكان ذلك حال الحياة أم بعد الوفاة.

خامساً:  عدم التأفف:    (أُف: كلمة تضجر وكراهية وتبرم)

      لقد نهى الإسلام عن التأفف والتضجر من مطالب الوالدين، وعن التبرم بأوامرهما لإن ذلك يؤلمهما فليتقبل الولد أوامرهما ومعاملتهما بأدب ولو فى الظاهر قال تعالى فى الوصية بالوالدين إذا كبرت سنهما بوجه خاص:

      (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) الإسراء الآية (23).

      لماذا الله سبحانه وتعالى يوصى بهذا؟

      لأن المتقدم فى السن تتأثر أعصابه بسرعة، وتتغير انفعالاته وتشتد حاجته إلى من يساعده فتكثر مطالبه.

      فليس هناك أحد أقرب إليه وأولى به من ولده الذى رباه وتحمل مضاياته سنين طويلة، فالأب أو الأم يطمع أن يكافأ على معروفه معه على الأقل فلا ينبغى على الولد أن يخلف ظن أبيه.

سادساً:  عدم نهر الوالدين:  (ولا تنهرهما:  لا تزجرهما عما لا يُعجبك)

      وأيضاً جاءت الوصية به فى قوله تعالى سورة الإسراء الآية (23):

(وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)

      والنهر يكون غالباً عند إرتكابهما أمر مخالفاً فعدم النهر والقول الكريم مثلاً زمان فإذا رأى الإنسان أحد والديه على منكر – فالواجب عليه أن يؤدى ما عليه من إنكار ولكن بالإسلوب الذى دعا إليه القرآن: سورة النحل الآية (125):

      (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)

      وهناك طريقة مثلى فى التعامل مع الوالدين فى هذه الحالة، أن يعظمهما بالأسلوب المهذب الذى سلكه سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه آزر وعلى الرغم من أن أباه هدده بالرجم إن لم يسكت عن دعوته ولكن إبراهيم وعده أن يستغفر له الله.

      وقال العلماء:  لا يجوز للولد سبُ والديه ولا شتمهما على فعل المنكر جآء فى تفسير ابن كثير لما نهى الله عن القول السئ وهو (أُف) والفعل السئ وهو النهر أمره بالقول الحسن والفعل الحسن (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) الإسراء الآية (23).

      قولاً كريماً:  قولاً حسناً جميلاً ليناً.

سابعاً:  معاملتهما بالرحمة:

      وهذه المعاملة يدل عليهما قوله تعالى:

 (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) سورة الإسراء الآية (24)

      والمعاملة الرحيمة مجالها واسع، ومن أخصها هنا التواضع لهما والتذلل وأسلوب الآية يشعر بأن الأبن عندما يشتد عوده وتنفتح نفسه بالآمال العريضة، يكون الوالدان فى الطرف الآخر الذى يودعان به الحياة حيث يضعف العود.  ويقل أو ينعدم الامل فإن شبابه وقوته وآماله فيض من تربيتهما له.  وهما السبب المباشر فى كل ذلك بأمر الله وتقديره.

      فلينزل من أجوائه العالية، وليخفض جناحيه لولديه ويضع كل شبابه وقوته آماله فى خدمتهما التى هى رحمة بضعفهما وبإدبار الحياة عنهما.

ثامناً:  الدعاء لهما بالرحمة:

      هذا الدعاء جعله الله فى مقابل تربية الوالدين له حيث يقول الله تعالى:

      (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) سورة الإسراء الآية (24).

      وهذا يعتبر شكر قولي وهذا الشكر القولي بالدعاء هو أدنى درجات الشكر للوالدين.

      وكأن الله جعله فى نهاية الوصية بأنواع البر ليشعر الولد أو البنت بأنه هو الحد الأدنى لواجب الشكر.

      وكما جآء فى الحديث الشريف (من اصطنع إليكم معروفاً فجاوزه، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم، فإن الله شاكر يحب الشاكرين) رواه الطبرانى عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

      وهذا الدعاء ليس خاصاً بهما بعد الوفاة، فهو يكون فى حياتهما وبعد موتهما.

      وهنا حديث عن النبى – صلى الله عليه وسلم – عن بن عباس – رضى الله عنهما: (ممن أمسى مرضياً لوالديه وأصبح، أمسى واصبح وله بابان مفتوحان من الجنة.  وإن واحداً فواحداً، ومن أمسى وأصبح مسخطاً لوالديه، أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحداً فواحداً فقال الرجل: يارسول الله، وإن ظلماه؟  قال: وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه) إخرجه دار قطنى.

      وذكر العلماء ألواناً أخرى من البر ومنها:

      عن أبى هريرة أن النبى – صلى الله عليه وسلم – رأى رجلاً ومعه غُلام، فقال للغُلام: (من هذا؟  قال: أبى، قال: فلا تمشى أمامه، ولا تستسب له، ولا تجلس قبله، ولاتدعه باسمه)          تستسب له:  لا تكن سبباً فى سبه

      أن من العقوق أن تسمى أباك بإسمه، وأن تمشى أمامه فى الطريق.

      ما روته كتب الأدب أن الحسن بن على أو الحسين:

      كان لا يواكل أمه، مع أنه من أبر الناس بها عنده 6 سنوات وإذا سُئل عن ذلك قال: أخاف أن تمتد يدى إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها (المحاسن والمساوئ للبيهقى).

      والناس فى زمننا يأكلون مع والديهم ولا يراعون هذا الأدب، إما لعدم الإحساس بقيمته، وإما لأن الوالدين يتغاضيان عن ذلك فلكل زمان عرفه، ولكل إنسان شعور ونيته.

أمثلة للبر الكامل من الولد تجاه والديه:

1           أن يكون مخلصاً فى معاملته للوالدين.

2-           باذلاً أقصى جهده فى سبيل إرضائهما.

على ما حدث من النبى – صلى الله عليه وسلم – مع من جعلهما كأمة الحقيقية فيروى أن فاطمة بنت أسد أم على بن أبى طالب، ماتت بالمدينة بعد أن أسلمت وهاجرت إليها، فخلع النبى – صلى الله عليه وسلم – قميصه وألبسها إياه، وتولى دفنها، وضطجع فى قبرها فلما سُوى عليها التراب سُئل عن السبب فى إكرامها هذا الإكرام فقال: ألبستُها لتلبس من لباس الجنة، واضطجعت فى قبرها لأخفف عنها ضغطة القبر، إنها كانت أحسن خلق الله صنعاً إلى بعد عمى أبى طالب) طبقات فقها اليمن ص 42.

مثال (2):

      إن الفضل بن يحيى كان هو وأبوه من رجال هارون الرشيد كان كثير البر بإبيه – وكان أبوه يتألم من إستعمال الماء البارد فى الشتاء، فلما دخلا السجن معاً لم يقدرا على تسخين الماء فكان الفضل يأخذ الإبريق النحاس وفيه ماء فيضعه على بطنه مدة لتنكسر البرودة بحرارة بطنه حتى يستعمله أبوه وذكرها ابن قتيبة فى عيون الأخبار ج 3 ص 98.

      ومهما يبذل الولد من الجهد فإنه لا يبلغ مدى البر اللائق بما قدمه له الوالدين.

مثال (3):

      جاء رجل إلى عبدالله بن عمر رضى الله عنهما – وقال له إن أمى قد خرفت عندى (خرفت – هذت) ونا أطعمها بيدى وأسقيها بيدى، واصب لها وضوءها، وأحملها على عاتقى فهل جزيتها؟  قال عبدالله بن عمر: لا ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت، والله يثيبك على القليل الكثير) غذاء الألباب ج1 ص 339.

مثال (4):      وهذه الحكاية روى مثلها على أنه حديث:

      (أن رجلاً كان يطوف حاملاً أمه، فسأل النبى – صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها؟ فقال: لا ولا بزفرة واحدة) أخرجه سليمان بن بريدة عن أبيه.

ما هو السر فى ذلك؟

      ولعل السر فى أن الإنسان مهما بذل من جهد، لا يستطيع أن يوفى أمه بالذات كل حقها من البر لماذا؟  لأنها كانت تقدم خدماتها إليه مخلصة مسرورة فرحة تتعب والتعب محبب لها فى سبيل راحته، ولا تضجر ولا تتألم من تواتر مطالبه بل تتمنى أن يعيش ويحيا طويلاً.

      ولكن الولد أو البنت إذا خدمت أمها خدمتها وهى متألمة نفسياً وإن لم تظهر ذلك وتتمنى أن يريحها الله من تعب خدمتها بموتها.  فالأم كانت مخلصة بقلبها والبنت غير مخلصة والأم كانت تتمنى حياتها والبنت تتمنى موت الأم.

      مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

(أن رجلاً قال للنبى – صلى الله عليه وسلم – إن أبواى بلغا من الكبر، وأنى ألى منهما ما وليا منى فى الصغر (بمعنى أنه يزيل عنهما القذى ما كان يزيلانه عنه صغراً) فهل قضيت حقهما؟ قال: (لا) فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما).

      وهناك شخص يضربوا به المثل فى بر أمه (أويس القرنى) فكان يحمل أمه على عاتقه، ويحج بها كل عام على ظهره.  حياة الحيوان للدمرى ج2.

      (إن الرسول قال لعمر بن الخطاب: إن استطعت أن يستغفر لك أويساً فأفعل).

( والحمدلله رب العالمين )

اترك تعليقاً