أزمة الزواج والعمل على حلها

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد:

فمعنى الأزمة:  هى الشدة والضيق – وتعقد الأمر وخطورة نتائجه وصعوبة حله.

أن نضج الفتى والفتاة عند سن البلوغ يجعلهما صالحين للزواج كنتيجة طبيعية للميل الجنسى القوى عند كل منهما.

لأن (1) هذا الميل الجنسى طاقة من الطاقات المودعة فى الجسم الإنسانى.

(2) وهو ثورة عنيفة فى داخل الأجهزة الجسمية التى يجب أن يفسح لها الطريق. (3) تحول كيماوى خطير يجب أن يتقى شره ولا يصح كبته كما لا تكبت الإفرازات التى يحاول الجسم التخلص منها (البول).

      يجب التنبه لأخطارها:

(1)          فأزمة الزواج قد تكون عند نقص العدد اللازم من الذكور والإناث.

(2)          وهذه الأزمة قد تكون محلية فى قرية أو مدينة وقد تشمل قطراً أو دولة بأجمعها – وقد تسود العالم كله (الحروب العالمية).

(3)          وقد تكون عند الإنصراف عن الزواج مع توافر الرجال الصالحين والنسآء الصالحات لتكوين الأسرة.

أولاً:وهذا الإنصراف قد يكون من المرأة عندما تصمم مثلاً على الزواج من شخص ذى مواصفات خاصة ، وضعتها مخيلتها لفتى أحلامها ، وهذه الصفات ليست متوفرة فى كثير من الرجال. (التى تريد وزير).

ثانياً:وقد يكون الإنصراف من الرجل عندما يصمم هو أيضاً على الزواج من امرأة فيها كل مواصفات الكمال التى يندر وجودها.

   ما هى النتائج التى تترتب على أزمة الزواج ؟؟ (عدم الزواج)

(1)          الشُبان فى ظل الأزمة قد يحاولون إيجاد منفذ لإرضاء الشهوة الجنسية بإتصال غير مشروع ، أو عبث بأشياء ترضى نزواتهم إلى حد ما.

(2)          وفى ظل أزمة الزواج تحاول الشابات البحث الجدى عن شريك مناسب للحياة – ولأن الفتاة لا تجرؤ أن تعمل مثل الولد تديناً أو تقيداً بالعرف الشديد.

(3)          فى ظل أزمة الزواج تلجأ الأمهات إلى طرق من : (أ) الدجل للعثور على ابن الحلال الذى يليق بالبنت التى تخشى أن يفوتها قطار الزواج ، وتتلافى تعليقات الناس ، (ب) توسيط المحترفات للخطبة.

واللجوء إلى الدجل وتصديق الخرافات فى هذا السبيل أمر قديم معروف وكان العرب فى الجاهلية يمارسونه عن طريق التمائم أو استنطاق الودع أو استفتاء الرمل.

ذكر السيد/ محمود شكرى الألوسى فى كتابه (بلوغ الأدب فى معرفة أحوال العرب).

أن المرأة فى الجاهلية كانت إذا عسر عليها الزواج ماذا فعلت ؟

(1)          نشرت جانباً من شعرها – أو كحلت إحدى عينيها وحجلت على أحدى رجليها وخرجت ليلاً وهى تقول: يالكاح (أبغى النكاح قبل الصباح) فيسهل أمرها وتتزوج قريباً.

ماهو الحل ؟؟

والمفكرون بحثوا كثيراًفى إيجاد حل لهذه الأزمة – وكان البحث على أساس من نظريات أو من إجراءات غريبة عن مجتمعنا الشرقى وديننا الإسلامى. ولم يهتدوا إلى الحل على الرغم مما بذلوا من جهد –لماذا فشلوا ؟؟

لأنهم لم يسترشدوا بهدى الله ، أو لم يرتضوا الحل الذى شرعه الدين.

فما من شك

أن هذه المشكلة لم تنشأ فى بلادنا الإسلامية إلا بعد أن ضعف سلطان الدين على النفوس.

(2)          نظرة الناس إلى الزواج كأنه شركة تجارية يستغل فيها كل من الطرفين ما عند الآخر.

(3)          وفهموا أن المهور هى أثمان تدفع للنسآء أو أوليائهن فاشتطوا فيها.

(4)          وأن الجهاز وما يتبعه عنوان لقيمة المرأة فصرفوا همهم إليه.

ولو نظرنا إلى الأسباب التى ولدت مشكلة عدم الزواج لوجدنا أنها تتصل بأحوال إقتصادية أو خُلقية أو نفسية أو أحوال مدنية عامة.

أولاً:  الأسباب الأقتصادية:

      لكل من الرجل والمرأة نصيب فى الأسباب الإقتصادية التى نتجت عنها أزمة الزواج ونصيب المرأة أو وليها يظهر فى:

(1)          التعسف فى تقدير المهر وما بعده مما يسمى بالشبكة والهدايا الأخرى.

(2)          نفقات حفل الخطوبة والعقد والزفاف.

(3)          إعداد الجهاز للعروس.

(4)          اشتراط مسكن له مواصفات خاصة.

أولاً:  المهـر:

إن المهر ليس قيمة للمرأة تباع أو تشترى به ، ويساوم عليه كما يساوم على الحيوان والمتاع – بل هو عنوان لتكريمها.

قال الله تعالى:  (وآتُوا النسآء صدُقاتهن نحلة).

نحلة:بمعنى فريضة واجبة.

فقد أمر الله تعالى المؤمنين بأن يعطوا النسآء مهورهن فريضة منه تعالى فرضها على الرجل لأمرأته.

ولو كان لقيمة المهر دخل فى تقويم المرأة وتكريمها لكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والسلف الصالح أولى بمراعاة ذلك ( 400 درهم مهر زوجات رسول الله –صلى الله عليه وسلم)

وهناك الحرث بن هشم الذى ساق ابنته ومهرها إلى زوجها ورد إليه كل ما دفعه إليه ، وبهذا راج سوق بناته وتزوجن بسرعة.  وكذلك (سعيد بن المسيب) الذى دفع المهر للزوج ليعطيه للعروس.

الرجل الذى يُطلب منه أن يدفع المهر الغالى – يريد أن يحضره من أى وجه كان ثم يسدده إن كان ديناً بعد أن تتم إجراءات الزواج ويدخل بزوجته التى تلجئه إلى نفقات أخرى.   (ماذا يحدث) ؟

تسوء حالته المالية – تصورى أنت ما يحدث من آثار سيئة على الزوجة أولا وبالذات.

ثانياً:  أما الهدايا التى تتبع المهر:

      تكاد تكون منتشرة بين جميع الشعوب – والإسلام لا يرهق الناس.

ثالثاً:  الحفـلات:

      الحفلات التى تقام لمناسبة الزواج عند الخطوبة أو العقد أو الزفاف لها أصل من الدين – ولكن بغير الصورة التى نراها اليوم عند المسلمين مثل شرب الخمر – الرقص وغيرها – ولكن يكون هناك غناء من صاحبات العروس وهن بعيد عن الرجال – ويجتمع الرجال للعقد وبعد العقد الوليمة.

رابعاً:  إعداد الجهاز للعروسين:

      والجهاز ليس عنواناً لتقدير المرأة فرب امرأة (1) ضعيفة الدين ، (2)وغير كريمة الأصل ، فرشت بيت زوجها بفاخر الأثاث – ونجد عروس أخرى خاتم ذهب فى أصبع ، فإن سعادة الزوجين ليست من هذه بل فى (1) الأخلاق ،( 2)الدين( 3) والتوافق فى الإحساس ،( 4) وتبادل عواطف الحب.

      ولو قلنا لو كان الجهاز عنوان تكريم للمرأة لكان أولى بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح – أخرج الإمام أحمد فى المناقب عن على:  كان جهاز فاطمة – رضى الله عنها (1) خميلة (بساطاً) ، (2) وقربة ماء ، (3)ووسادة من آدم – وفى بعض الروايات: وجُعل لنا سرير مشروط. أى فيه شرائط من خوض مفتول يشد به السرير (بنت سيد الخلق أجمعين).

خامساً:  اشتراط مسكن له مواصفات خاصة:

       لا يصح أن نشترط مسكن معين لأن كثير من البلاد الإسلامية تشكو أزمة المساكن – فلا ينبغى أن يكون ذلك عقبة فى سبيل تكوين أسرة – فإن سم الخياط مع الأحباب ميدان ، وإن الدنيا على سعتها ضيقة عند عدم التوافق الروحى والإنسجام النفسى.

وكان أبوبكر الصديق – رضى الله عنه – يقول فى قوله تعالى:

(إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) سورة النور الآية (32).

نفذوا ما أمركم الله به من الزواج ينفذ لكم ما وعدكم من الغنى.

وكان عمر بن الخطاب يقول:

(عجبى ممن لا يطلب الغنى فى الزواج ، وقد قال الله تعالى:

إن من أسباب أزمة الزواج الناحية الإقتصادي ثم الأسباب الخُلقية.

أكثر هذه الأسباب راجع إلى التأثر بالحضارة الغربية والتحلل من القيود الدينية ومن الأخلاق الإسلامية للفتاة والفتى.

سوء خلق الفتاة يظهر فى:(1) عدم محافظتها على شرفها ، (2) ومغازلتها للشباب دون حياء – تأثراً بالحرية التى تطاير شررها إلينا من البلاد الغريبة عنا فى أخلاقها ودينها ونظام حياتها.

      وهى الحرية التى تطورت إلى إباحية وشغلت كثيراً من الشبان ينصرفون عن الزواج من هؤلاء الفتيات لعدم الثقة فيهن ولأنهم أوجدن شكاً فى غيرهن من الفتيات المصونات.

      والذى جر الفتاة إلى هذا وقوعها تحت (1) تأثير الأفلام الغرامية المثيرة ، (2) قراءتها للصحف والمجلات الخليعة – الإنخداع بالآراء التحررية من دعاة السفور والإختلاط فى الأسواق– والجامعات والمصايف والحفلات العامة وغيرها.

وتأتى نقطة مهمة فى هذا وهو إهمال أولياء الأمور فى تربية بناتهم على مبادئ الفضيلة.

الفضيلة قد ضاعت من نفوس الآباء أنفسهم ، والتهاون فى مراقبة سلوك البنت تأثراُ بحرية الفتاة وعدم كبت عواطفها فى هذه السن.

هذه البنت التى تربت على هذه الحرية يظهر سوء أخلاقها بعد الزواج فى نظرتها إلى زوجها نظرة الصديق أو الزميل ومعاملتها له معاملة الند للند –كيف ؟(1) لا تُطيع له أمراً إلا بعد تلكوء ، (2) ولا تحقق له رغبة إلا بعد تمنع . (3)ولا ترحمه فترهقه بالكماليات.  ولو حاول تهدئة ثورتها لعدم تمكنه من إجابة طلبها خاصمته ، ولجأت إلى المحاكم.

فالرجل لا يفكر فى الزواج من هذه الفتاة العصرية أو يكون قد ذاق من قبل مرارته فى زواج سابق – فهو ينجو بنفسه عن تكرار التجربة التى يضيع فيها شبابه وشرفه.

وسوء خلق الفتى يظهر فى: فيما يأتى:

(1)          فهو يلجأ فى صرف شهوته ، التى هى الدافع القوى إلى الزواج إلى طريق الزنى –لماذا (أ) لضعف سلطان الدين على نفسه ، (ب) وتحلله من قيود الشرف والفضيلة  ما الذى جرأ الشاب على ذلك ؟

والذى جرأ الفتى على التمتع الجنسى غير المشروع وانصرف به عن الزواج هو سلوك الفتاة وسهولة إمتاع الفتى بما يريد منها –فما الذى يحوجه إلى الزواج ؟  وفى كل يوم له زوجة أو زوجات بغير تبعات ترهق ميزانيته.

(2)          كذلك يظهر سوء خلق الفتى فى (أ) عدم احترامه للرابطة الزوجية ، (ب) وفهمه أن المرأة أمة مستعبدة عنده ، (ج) فهو يقسو عليها ويعاملها كالخدم ، (د) وقد يتركها وحيدة فى البيت ويسهر هو بين أحضان الصديقات والخليلات.

إن عاقبة هذا الزواج هو الفشل فى أغلب أحواله.

والفتاة التى تسمع بمثل هذه المعاملة وهذا السلوك قد تُؤثر أن تبقى بدون زواج حتى يبعث اللهُ لها من يحترمها.

ثالثاً:  الأسباب الحضارية والمدنية:

      هذه الأسباب لها دخل كبير فى أزمة الزواج:

(1)          فإن المدنية أوجدت للإنسان كل مطالبه التى كان يصعب عليه الحصول عليها بدون الزواج – مثل إعداد طعامه وشرابه– وتهيئة ملابسه ومسكنه – كل ذلك بمجهودات حديثة وأى خادم يستطيع أن يعد للرجل كل ما يحتاجه من المطالب.

(2)          وكذلك أعدت المدنية للرجل كل ما يحتاجه من المتع الجنسية (كيف) بإباحة البغاء والترخيص لدور اللهو – وتبرير الإتصال مادام بالرضا – تحقيقاً للحرية التى دخلت كل الدساتير الحديثة.

رابعاً:  أسباب نفسية:

هناك أسباب نفسية لا صلة لها بالدين أو ثروة – بل هى أفكار ولدتها البيئة عند بعض الأشخاص صرفتهم عن الزواج فمن الناس من ضعفت إرادته عن تحمل أعباء الحياة الزوجية وضاقت نفسه ذرعاً بالمسئوليات التى هو فى غنى عنها. فهو فى تخوف من هذا الميدان (الزواج ومسئولياته).

ولو حاول أن يلجأ إلى مصارعة الأهوال الزوجية فسيكون بعد أن يفوت سن الكهولة وييأس من الحياة ، وناهيك بالأخطار المترتبة على هذا الزواج المتأثر من حرص الشابة التى تزوجها على استكمال متعتها التى كانت تحلم بها إلى جانب ما يتبعه من تدلل وإسراف فى اللهو والمتع.

على أن هذا الرجل يموت (أبتر) وإن أعقب فهى ذُرية ساخت بذورها ، فهى تعيش ذابلة ضعيفة – وإن قدر لولده أن يعيش فلن يكمل تربيته إلا الأوصياء بعد موته.

ومن الناس من شحت نفسه على الرغم من غناه فيصعب عليه أن يخرج الدرهم من جيبه – لذلك يؤثر البعد عن حياة فيها بذل وإنفاق يخشى منه الإملاق (الفقر).

ومنهم من لجأ إلى الزواج من الأجنبيات ، وفى ذلك من الخطورة ما فيه وإنى أهيب بأولياء الأمور أناشدهم وأُطالب أولياء الأمور ألا يضعوا العقبات فى سبيل زواج البنات ، فإن الزواج عصمة لهن والحياة الحاضرة وفتنهاالقوية تحتم على الناس أن يحصنوا أولادهم بالزواج ، فإن رقابة الدين والضمير قد تضعف فى هذا الجو الصاخب.

 

( والحمد لله رب العالمين )

 

اترك تعليقاً