من أمثلة التوبة أيضاً

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد:

أولاً:  من أمثلة التوبة:  توبة غافل:

أصل هذه القصة منشورة فى كتاب (العائدون إلى الله) لمحمد عبدالعزيز المسند.

رجل تعرف على رفقاء السوء فصار (1) يطيل معهم السهر ، (2) ويكثر من السفر تدنس معهم بالمعاصى وتلوث بالخطايا والمآسى – وفى إحدى الليالى عاد الرجل من إحدى سهراته وعقارب الساعة تشير إلى الثالثة ، فلم يجد زوجته ولا ابنته فى لقائه ولكن كانوا فى سُبات عميق – فاتجه إلى الحجرة المجاورة ليكمل ما تبقى من ساعات الليل فى مشاهدة بعض الأفلام الساقطة من خلال جهاز الفيديو ..

تلك الساعات التى ينزل فيها ربنا عز وجل فيقول:  هل من داع فأستجيب له ؟  هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فأعطيه  سؤاله ؟ ..  هل من مذنباً تائباً أتوب عليه ؟ ..

وفجأة ..  فُتح باب الغرفة ، فإذا هى إبنتى الصغيرة 5 سنوات نظرت إلىٌ نظرة تعجب وإحتقار ، وقالت: (يابابا عيب عليك ااتق الله ..) رددتها ثلاث مرات ثم أغلقت الباب وذهبت ، أصابه ذهول شديد ، فأغلق جهاز الفيديو وجلس حائراً من الذى أنطق ابنته االصغيرة بتلك الموعظة الكبيرة.

لحظات حتى أرتفع صوت المؤذن منادياً لصلاة الفجر – توضأ الرجل وذهب إلى المسجد لأداء الصلاة وكلمات ابنته تشق سمعه وتحرك دمعه – وسجد الإمام وسجد الرجل وهى أول سجدة له منذ سبع سنين ..  حتى أنفجر فى بكاء شديد لا علم له بسببه.

ثم رجع إلى البيت فلم يذق طعم االنوم حتى ذهب إلى العمل ، فلما دخل على أصحابه استغربوا حضوره مبكراً على خلاف عادته ، فسأله صاحبه عن السبب فأخبره بما حدث له – فقال له صاحبه: أحمد الله أن سخر لك هذه البنت الصغيرة التى أيقظتك من غفلتك ولم يأتك الموت وأنت على تلك الحال.

وعاد الرجل إلى بيته وكله شوق لرؤية ابنته .. حبيبته ..  سبب هدايته .. دخل الرجل بيته فأستقبلته زوجته باكية ..  إن إبنته قد ماتت – يقول الرجل: لم أتمالك نفسى من هول الصدمة وأنفجرت بالبكاء – وبعد أن هدأت نفسى تذكرت أن ما حدث لى ما هو إلا ابتلاء من الله عز وجل ليختبر إيمانى – فحمدت الله عز وجل ، وأخذت الطفلة وغسلتها وكفنتها وصلينا عليها ثم ذهبنا بها إلى المقابر قال لى صاحبى:  يجب أن تدخلها أنت فى القبر.

فيقول:  فحملتها والدموع تملأ عينى ووضعتها فى القبر …  أنا لم أدفن ابنتى ، وإنما دفنت النور الذى أضاء لى الطريق فى هذه الحياة ، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها لى ستراً لى من النار ، وان يجزى زوجتى المؤمنة الصابرة خير الجزاء.

ثانياً:  ومن أمثلة التوبة أيضاً:  توبةُ ضعيف:

      رجل أمارات المشيب عليه واضحة – حدثنا:  أنه لم يتب إلا بعد سن الأربعين وأما قبل هذا السن كان من جند إبليس اللعين ، (1)  كان لا يعرف المسجد إلا فى المناسبات ، (2) وكان يترك االجمع والجماعات ، (3) وأعتاد الفطر فى رمضان وترك الصلوات ، (4) فترك الحج وامتنع عن الصدقات ،   (5) استعبدته االنزوات والشهوات.

      قال لى هذا الرجل:  كان لا يعيش لى ولد – كلما ولدت امرأتى مات ولدها، وبعد طول مأساة قلت فى نفسى:  لم لا أطلب من رب الأرض والسماء أن يحفظ لى هذا الفضل والعطاء ؟

      وقد أنعم الله عليه بولد ، (1) فصار يدعُ الله طويلاً ، (2) ويحمده كثيراً ، وأخذ يتوسل إلى الله بربوبيته – وغناه وفقرى – عدله وجورى – وحلمه وجهلى – وعزته وذلى – وقدرته وعجزى – وصبره وجزعى – وقوته وضعفى – يارب أبق لى الولد فإنك كريم.

      فما زال الرجل يدعو ويشكو ويتوجع حتى استجاب الله دعائه – وحقق له رجائه – فحفظ له االنسل فعاهد الرجل ربه على الإنابة والأوبة والإستقامة والتوبة.

      ويقول الرجل:  وها أنا تائب منذ عشرين عاماً وأسأل الله تعالى حسن الخاتمة عند الممات ، بغفران الذنوب ومحو السيئات ورفعة المنازل وعلو الدرجات…

ثالثاً:  ومن أمثلة التوبة أيضاً:  توبةُ القاتل:

فإن الله تعالى يقبل توبةُ القاتل مصداقاً لقوله تعالى فى سورة النساء الآية (116):(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) 

      وهذه الآية واردة فى شأن من مات على غير توبة فلا يُغفر له شركه وكفره، أما ما دون ذلك من الكبائر ومنها القتل فهى تحت إمكان المغفرة – أما من تاب قبل موته فإن التوبة تجُب ما قبلها من الشرك والقتل العمد والعدوان أهون من الشرك فتكون االتوبة منه أولى وأحرى بالقبول.

      ومن الأدلة قوله تعالى:

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا

تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا

إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

      فالتائب مغفور له ذنوبه جميعاَ.  الدليل: (وإني لغفار لمن تاب).

      كل من تاب ، تاب الله عليه ومن الأدلة أيضاً حديث الإسرائيلى الذى قتل مائة نفس فلما تاب ، تاب الله عليه.

رابعاً:  توُبةُ المغُتاب:

المغتاب:  هو الذى يغتاب الناس ،  الغيبة:  هى ذكر العيب بظهر االغيب

وقد عرفها النبى – صلى الله عليه وسلم بقوله: (الغيبة: ذكر أخاك بما يكره) فقال له قائل: (أفرأيت إن كان فى أخى ما أقوله ؟).

فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).

والغيبة: محرمة بإجماع المسلمين ، وقد أجمع الإجماع على أأنها من الكبائر لماذا ؟  لأنها مما ثبت فيها الوعيد االشديد.

ماذا أفعل لكى أتوب من الغيبة ؟

(1)أن تقلع عن ذلك.          (2) أن يعزم على أن لا يعود.

(3)الندم على ما فات.        (4) أن يتحلل من الذى أغتابه.

وقال آخرون:  لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد الأذى ما إذا لم يعلم بما كان منه.

(1)          يُثنى عليه بما فيه فى المجالس التى كان يذمه فيها الصحيح أنه يحتاج إلى علامة.

(2)          أن يرد عنه الغيبة بكل طاقته.

والحديث يقول:  (كفارة من اغتبته أن تستغفر له).

(3)          ذكر محاسن المغتاب فى الأماكن التى أغتابه فيها ، أما إذا قال له واعترف بأنه أغتابه الذى يحدث:

( أ )    يؤذيه إذا سمع ما رمى به.

(ب)     لا يصفو له أبداً – وتبقى العداوة بينهما ..  والله لا يريد ذلك.

خامساً:  تُوبةُ الزُناة:

يقول الشيخ السيد سابق:  (فإن تاب كل من الزانى والزانية (1) توبة نصوحاً بالإستغفار والندم والإقلاع عن الذنب وأسأنف كل منهما حياة نظيفة ، فإن الله يقبل توبتهما ويدخلهما برحمته فى عباده الصالحين مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الفرقان الآية (68) : (70):

(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ

النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن

يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69)إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ

وَعَمِلَ

عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(70).

مثال:  روى ابن جرير الطبرى:

أن رجلاً من أهل اليمن أصابت أخته فاحشة فأمرت الشفرة على أوداجها فأدركت – فاووها حتى برأت ، ثم إن عمها أنتقل بأهله حتى قدم المدينة ، فقرأت القرآن ونسكت (تعبدت وتزهدت) ، حتى كانت من أعبد نسائهم، فخطبت إلى عمها ، وكان يكره أن يدلسها (كتمان أمرها وإخفاء فحشها) فأتى عمر فذكر ذلك له ، قال عمر بن الخطاب: (لو أفشيت عليها لعاقبتك ، إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه.

وفى رواية أن عمر بن الخطاب قال: (أخبر بشأنها ؟ تعمد إلى ما ستره الله فتبديه ، والله لئن أُخبرت بشأنها أحداً من االناس لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، بل أنكحها بنكاح العفيفة المسلمة.

وعن عبدالله بن مسعود – رضى الله عنه – أنه سُئل عن الرجل الذى يزنى بالمرأة ثم يتزوجها فتلا هذه الآية عشر مرات فلم يأمرهم بها ولم ينهاهم عنها – الآية فى سورة الأعراف الآية (153):

(وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ

إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).

سادساً:  توبةُ أكلة الربا:

      يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة البقرة الآية (278 – 279):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(278)فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ(279).

(1)          على آكل الربا أن يتوب ويُقلع عن كل المعاملات الربوية فوراً وذلك أن الربا كان محرماً فى الأديان ومذكور فى كتاب الله تعالى ، كما حكى عن اليهود فى قوله تعالى فى سورة النساء الآية (161):

(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ). 

(2)          وذكر فى قصة شعيب عليه السلام أن قومه أنكروا عليه وقالوا:

(قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا) سورة هود الآية (87). 

(3)          معنى لا تظلمُون: أى يأخذ الزيادة ، ولا تُظلمُون: يترك رؤوس الأموال.

بل لكم رُءُوس أموالكم من غير زيادة عليه ولا نقص منه.

كيف تتوب من الربا ؟  أحل الله االبيع وحرم الربا:  لماذا حرم الله الربا ؟

الربا تًعلم الناس الكسل – وهو جالس مكانه يعطى 100 جنيه – 120 جنيه بدون عمل ولا بيع ولا شراء.

قال علماؤنا أن سبيل التوبة من الربا فليردها على من أربى عليه – كان مسافرُ أو ترك سكنه ، يطلبه إن لم يكن حاضراً ، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه ، يقول يا رب هذا من فلان.

لمن يتصدق ؟  إلى المساكين أو إلى ما فيه صلاح المسلمين.

ولنفرض أنها لم يبحث عن الذي أخذ منه الربا وتصدق بهذا الكسب الربوى =  وكان صاحب العائد الربوى معروفاً – وهذا ليس سبيلاً للتوبة … لاينفع …  كأنه لم يتب لأن صاحب العائد الربوى أمامه وهو أولى بنقوده ..

الشرح:  اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بترككم ما بقى لكم من الربا ..  أدلة تحريم الربا من القرآن:

(1)           ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) سورة البقرة الآية (275).

(2)       (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(130)وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(131) سورة آل عمران.

سابعاً:  توبةُ تارك الصيام:

      يجب على من أفطر فى رمضان بأكل أو شرب بغير عذر القضاء وذلك قول جماهير العلماء (إجماع الأئمة الأربعة أبوحنيفة …..) ، (واتفقوا على أن من تعمد الأكل والشرب صحيحاً مُقيماً فى شهر رمضان أنه يجب عليه القضاء) فلا إطعام عيله ، واحدة فرطت فى قضاء رمضان حتى أدركها رمضان آخر ؟؟.

الدليل: رُوى عن أبى هريرة – رضى الله عنه – عن االنبى – صلى الله عليه وسلم قال فى رجل أفطر فى شهر رمضان من مرض ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) سورة البقرة الآية (184).

الذين يطيقونه: لا يستطيعون الصيام ، فمن تطوع خيراً:  زاد فى الفدية.

قال: (يصوم الذى أدركه ثم يصوم الشهر الذى أفطر فيه ويطعم لكل يوم مسكيناً) أخرجه الدار قطنى.

(3)          امرأة حامل أو مرضع وتخاف على ولديها هل تصوم وهل عليها قضاء؟ الحامل والمرضع تفطر رمضان إذا خافت على ولديها وتطعم عن كل يوم مسكين ولا قضاء عليهما.  (وهذا هو الرأى الراجح)

(4)          وروى عن أنس بن مالك أنه ضعُف عن الصوم عاماً فصنع حفنة من طعام ثم دعا بثلاثين مسكيناً فأشبعهم.

ماذا يفعل الرجل الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما ؟

   فيطعما مكان كل يوم مسكيناً وروى عبد الله بن عباس – رضى الله عنه – أيضاً أنه قال لأم ولد حبلى أو مرضع أنت من الذين لا يطيقون الصيام ، عليك الجزاء (الإطعام) ولا عليك القضاء.

ثامناً:  توبةُ تارك الصلاة:

   وأما التاركُ للصلاة عمداً فمذهب الجمهور أنه يأثم وعليه القضاء إذا كانت مدة قليلة شهر مثلاً – ولكن إذا كان تارك للصلاة سنتين فيه أن: (1) يكثر من التطوع كما قال ابن تيمية – رحمه الله ، (2) والإستغفار ، (3) ويكثر من الصدقات.

تاسعاً:  توبةُ تارك الزكاة:

   يقول الشيخ السيد سابق:  رحمه الله تعالى:

   (من مضى عليه سنون ولم يؤد ما عليه من زكاة لزمه إخراج الزكاة عن جميعها.  سواء علم وجوب الزكاة أم لم يعلم …).

خاتمـة:

      من أجل هذا يا إخواني قد أطالنا النفس فى هذا الدرس وأنا ليست نادمة على أنى إطللت النفس فى هذا الدرس بالذات وقد عملته على ثلاث دروس..

      لأن الواقع أن هذه المشكلة يأتى الشيطان من ناحية اليأس أحياناً – يأتى للشباب ويقول له أنت خربتُها فى الدنيا (ولم يعد لك للصلح باب مع الله) فأكثرت لكم من االنصوص حتى لا ييأس يأس ….

      (اهجر المعاصى والذنوب)  تأخذ ثواب المهاجر فى سبيل الله (من مكة إلى المدينة).

 

( والحمدلله رب العالمين )

اترك تعليقاً