نوح عليه السلام

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله مقلب القلوب وغفار الذنوب ، وستار العيوب ، ومفرج الكروب، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وخاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد:

 

مات إدريس عليه السلام ولم يبعث نبى وتُرك الناس على شريعة شيث وشريعة إدريس وشريعة أدم.  وانتشر الفساد وبدأ الناس يزدادون فى فسادهم ولكن ظلوا على التوحيد – وهذا مصداقاً لقول الله تعالى: “كان الناسُ أمةٌ واحدةٌ”.

وتكرر ذكر نوح فى القرآن فى 43 موضع ، وخاصة فى سورة هود ، المؤمنون ، نوح ، الصافات ، القمر.

يقول النبى – صلى الله عليه وسلم:

(“أرسل نوح إلى جميع أهل الأرض“).

فلذلك لما كفروا أغرق الله الأرض جميعاً.

من هو نوح ؟

ابن لامك بن متوشلخ بن إدريس بن يرد بن مهلايل بن أنوش بن قينان بن شيث بن أدم عليه السلام.

أُرسل إلى قومه وهو ابن 250 سنة مصداقاً لحديث أنس – رضى الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:لما بعث الله نوحاً إلى قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وبقى بعد الطوفان خمسين ومائتى سنة ، فلما آتاه ملك الموت قال يا نوح يا أكبر الأنبياء ، ويا طويل العمر ، ويا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا ؟ قال: مثل رجل بنى له بيت له بابان فدخل من واحد خرج من الآخر“.  ذكره السيوطى فى الجامع الكبير.

لماذا سمى نوحاً ؟

(1)          لأنه ناح على قومه آلف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى ، فإذا كفروا بكى وناح عليهم.

(2)          وذكر القشيرى:  إن نوحاً عليه السلام ، كان إسمه يشكرولكن لكثرة بكائه على خطيئته أوحى الله إليه يا نوح فسمى نوحاً.  فقيل: يارسول الله فأى شئ كانت خطيئته ؟  فقال: “إنه مر بكلب فقال فى نفسه ما أقبحه.  فأوحى الله إليه: “أخلق أنت أحسن من هذا“.

أولاد نوح عليه السلام:

(1)          سام ، حام ، يافث وكنعان.

قال ابن عباس – رضى اله عنهما: فولد سام العرب وفارس والروم وفى كل هؤلاء خير (فيهم بياض وأدمة).

(2)          وولد حام القبط والسودان والبربر  (سواد وبياض قليل).

(3)          وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج (الصفره والحمرة).

(4)          وكان له ولد رابع وهو كنعان الذى غرق فى الطوفان .

كيف بدأت عبادة الأصنام

مع طول المدة 1000 سنة الناس موحدين ولكن انتشرت المعاصى والفساد وكان بينهم بعض الناس الصالحين ، يروى البخارى عن ابن عباس فى تفسير قول الله تعالى: (23) سورة نوح:

وقالوا لا تذرن ألهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً“.

هؤلاء الأسماء كانوا قوماً صالحين بين أدم ونوح.  وكان لهم أتباع (تبع) يقتدون بهم ، لما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم وليتسلوا بالنظر إليها وانصبوا فى مجالسهم التى كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم  هذا نسر هذا ودا ، هذا يغوث ، هذا يعوق.  ففعلوا ولم تعبد وظل الناس على التوحيد.

فلما مات هذا الجيل (الذين يعرفوا قصة هذه الأحجار) فجآءت الأجيال التي لم تعرف قصتهم ولكن كانوا يتبركون بها ، ويتمسحون بها ، وعُبدت.

فجآءهم الشيطان فقال:كان أبآؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر“.

قال ابن عباس – رضى الله عنهما: (وسارت هذه الأوثان التى كانت فى قوم نوح سارت فى العرب فيما بعد).

وهناك حديث فى صحيح مسلم ، عن عائشة – رضى الله عنها قالت: “إن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة ، رأينها بالحبشة تسمى ماريا فيها تصاوير – لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال:إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصورا فيه تلك الصور أولئك شر الخلق عند الله يوم القيامة

هم كانوا أشخاص صالحين وعبدت الأصنام التى جعلت علامة عليهم وانتشر الشرك ، وسار هو الاصل حتى ما عاد فى البشر موحد.  كلهم كفروا إلا نوح عليه السلام ، بقى هو الوحيد على التوحيد.  ثم بعث الله نوح رسولاً.

جاء فى حديث البخارى قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “كان بين أدم ونوح عشر قرون”.

يقول الله تعالى فى سورة نوح الآية 1 : 4

إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم (1) قال يا قوم إني لكم نذير مُبين (2) أن عبدوا الله واتقوه وأطيعون (3)“يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم ‘لى أجل مُسمى (ج) إن أجل الله إذا جآء لا يؤخر(ص) لو كنتم تعلمون)

فكان يدعو قومه وينذرهم فلا يرى منهم مجيباً ، وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول:رب إغفر لقومى فإنهم لا يعلمون“.

وبذل جهداً عظيماً يذهب إليهم فى البيوت والإجتماعات ، ويذهب إليهم بالنهار وبالليل.  يُعلن إليهم ويسر لهم ، يكلمهم جماعات وأفراداً.

لبث نوح عليه السلام فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً لا يكل ولا يمل من دعوته لهم ، فما زادهم ذلك إلا فراراً من الهدى وإعراضاً عن الحق.  مصداقاً لقوله تعالى فى سورة العنكبوت (14):

(“ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه (.) فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون”.)

وفى ذلك الوقت كان يحكم قوم نوح ملك كافر فأمرهم جميعاً ألا يسمعوا نوح ، ولا يقابلونه ولا يتركوا عبادة الأصنام.

وهنا شكاهم نوح إلى الله تعالى وقال: إنهم عصوه ولم يتبعوه فيما أمرهم به من الإيمان.

بعد سبع قرون من الدعوة باللطف واللين دعا نوح عليهم بعد اليأس منهم.  مصداقاً لقوله تعالى: (21) ، (22)

“قال نوح رب إنهم عصونى واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارة (21) ومكروا مكراً كباراً”(22).

 

حيلة الملك لكي يقضى على دعوة نوح

رأى الملك أن بعض الناس بدأوا يتبعون نوح ووجد أن هناك ظاهرة كل الذين اتبعوا نوح فى رواية 10 فقط وأقصى عدد يذكره 80 خلال 950 سنة دعوة.

فلاحظ الملك أن كل أتباع نوح من الضعفاء والمساكين والفقراء والعبيد ليس لهم شئ فبدأ بحيلة عجيبة وأخذ يعرض على نوح عرضاً.

عرض الملك:قال : نحن نسمح للناس أن يكلموك وأن تدعوهم وقد نؤمن بك ولكن عندنا شرط.

قبل أن نتكلم معك ونجلس إليك ونتبع دعوتك تطرد هؤلاء المساكين ونحن أعزة – نحن قوم لنا مكانتنا.

فجآء هذا الشرط فى القرآن الكريم ، وجآء رد نوح عليه فى سورة هود حيث يقول رب العزة:

(“فقال الملأُ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين“)(27).

وجاء رد نوح عليهم كما ذكره الله تعالى فى سورة هود:

(“قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربى وءاتانى رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون“)

بمعــنى:

أنى على علم بالله تعالى وبصفاته وبماأمرنى به من عبادته وتوحيده والدعوة إلى ذلك.  وقد أعطانى ربى الحب والنبوة والرسالة والتوفيق لعبادته ، فعميت عليكم أنتم فلم تروها.  فماذا أصنع معكم ؟  أنجبركم أنا ومن آمن على رؤيتها والإيمان بها والعمل بهداها.

وعندها جآء الوحى من الله بأمر عظيم ، جآء جبريل يخبره بأمر الله: (“وأوحى إلى نوح أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد ءامن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون“) هود (36).

قُضى الأمر ، انتهى.  هذا أمر الله ، هذا حكم الله لا يستطيع أن يهديهم.  وهنا دعا عليهم نوح عليه السلام مصداقاً لقوله تعالى فى سورة نوح (26): (“وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً”)

(“فدعا ربهُ إنى مغلوب فانتصر)”(10) القمر.

قال نوح عليه السلام:

انتهت طاقتى ، انتهى جهدى – انتهت قوتى وغلبت على أمرى ، انتصر لدعوتك يارب انتصر أنت ، فالأمر أمرك ، والدعوة دعوتك وقد انتهى دورى.

وهنا جآء الوحى ببناء السفينة العظيمة. مصداقاً لقوله تعالى فى سورة هود (37):  (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا (ج) إنهم مغرقون)

وأمره الله سبحانه وتعالى أن يصنع الفلك تحت بصرنا وبتوجيهنا وتعليمنا، إذ لم يكن يعرف السفن ولا كيفية صنعها.

كان جبريل عليه السلام ينزل يوضح لنوح عليه السلام كيف يصنع السفينة وفى رواية أنه بنى السفينة فى مائة عام ، وما كان عنده شجر فكان يزرع الشجر ويبنى السفينة.  ويأتى بالحديد ويجعله مسامير مصداقاً لقول الله تعالى فى سورة القمر (13):  (“وحملناه على ذات ألواح ودسر)”. 

موقف الناس من بنآء السفينة:

الناس مستغربين لتوقف نوح عن الدعوة وبدأ يصنع سفينة فبدوا يسخرون منه كما ورد فى الحديث الشريف:

قالوا له يا نوح سرت نجاراً بعد أن كنت نبياً“.

يانوح سفينة على جبل ، تحمل هذا الفلك إلى البحر أو تحمل البحر إليها بدوا يستهزءون به.

وقد أنبآنا الله بهذا: (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه (ج) قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون (38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلُ عليه عذاب مقيم“) (39) هود.

وكلما مر عليه اشراف القوم وعليتهم يسخرون منه كقولهم يا نوح أصبحت نجاراً وهل تنقل البحر إليها أو تنقلها إلى البحر.  فيرد نوح سوف تعلمون مستقبلا من يأتيه عذاب يذله ويهينه ويكسر أنف كبريائه ، ويحل عليه عذاب النار يوم القيامة ، وهو عذاب دائم لا ينتهى أبداً.

 

 

( والحمد لله رب العالمين )

اترك تعليقاً