أمثلة تاريخية فى الطلاق

                                     بسم الله الرحمن الرحيم     

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

حوادث تاريخية فى الطلاق

طلاق عبدالرحمن بن أبى بكر الصديق لعاتكة:

تزوج عبدالرحمن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت من أجمل نسآء قريش – وشاعرة حسنة الخلق.

وكان عبدالرحمن من أحسن الناس وجهاً وأبرهم بوالديه ، فلما دخل عليها غلبت على عقله وأحبها حباً شديداً ، شغله عن تجارته ، وقيل أنها شغلته عن الصلاة كيف؟

فإن أباه مر عليه وهو فى عليه له يناغيها فى يوم جمعة وأبوبكر متوجه إلى الجامع، ثم رجع وهو يناغيها ، فقال أبوبكر: (يا عبدالرحمن أجمعتى أصليت الجمعة؟  فقال: أوصلى الناس؟  قال أبوبكر:  نعم ، فقال: يابنى إنى أرى هذه المرأة قد أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها ، قال عبدالرحمن:  لست أقدر على ذلك.  قال أبوبكر:  أقسمت عليك إلا طلقتها.  وقد أمره أيضاً النبى – صلى – الله عليه وسلم – بطلاق هذه المرأة.  فطلقها – فجزع عليها جزعاً شديداً ، وامتنع عن الطعام والشراب ، فقيل لأبى بكر أهلكت عبدالرحمن.

فمر به يوماً وعبدالرحمن لا يراه وهو مضطجع فى الشمس ويقول أبيات يصف حبه لعاتكة:

فلم أر مثلى طلق اليوم مثلها                              ولا مثلها فى غير شئ يٌطلق

فسمعه أبوه ، فرق له ، وقال له:  راجعها يا بنى ، فراجعها وأعطاها حديقة على ألا تتزوج بعده.

فأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف – أصابه سهم من أبى محجن فقتله ، فجزعت عليه جزعاً شديداً وقالت فى رثائه قصيدة جميلة ومن ضمنها هذا البيت:

فآليت لا تنفك عينى حزينة                                 عليك ولا ينفك جلدى أغبرا

ثم تزوجها عمر بن الخطاب فى زمن خلافته ، ولما خطبها قالت له:  كيف الخلاص من وعد ابن أبى بكر وحديقته؟  فاستفتت على بن أبى طالب ، فأفتى برد الحديقة إلى أهله لتتزوج.

ولما تزوجها عمر بن الخطاب دعا الناس إلى وليمة ، وكان هذا فى السنة الثانية عشرة للهجرة ، فأتوه.  فلما فرغ عمر من الطعام وخرج الناس قال له على بن أبى طالب:  (ياأمير المؤمنين أتأذن لى فى كلام عاتكة ، حتى أُهنيها وأدعو لها بالبركة).

فذكر عمر ذلك لعاتكة ، فقالت:  إن أبا الحسن فيه مزاح فأذن له يا أمير المؤمنين ، فأذن له – فرفع جانب من الحذر فنظر إليها ، فإذا ما بدا من جسمها وهو البراجم ، مضمخ بالخلوق.  فقال على لها:  يا عاتكة ألست القائلة:

فآليت لا تنفك عينى حزينة                                 عليك ولا ينفك جلدى أغبرا؟

فقال عمر:  كل الناس يفعلن ذلك.

ولما قتل عنها عمر بن الخطاب – تزوجت بعده الزبير بن العوام ، وكان رجلاً غيوراً، وكانت تخرج إلى المسجد – ويقال أن الزبير قعد لها فى الطريق عند سقيفة بنى ساعدة وكانت عجزاء بادتة فضرب عجيزتها بيده (المؤخرة) ، وهى خارجة لصلاة العشآء ، فامتنعت بعد ذلك – ثم قتل عنها الزبير على يد عمرو بن جرموز بوادى السباع وهو نائم فرثته بقصيدة.

وبعد موت الزبير قيل:  إن عليا خطبها ، فأرسلت إليه:  إنى لأ ضنُ بك يابن عم رسول الله عن القتل.

فكان على يقول:  من أحب الشهادة الحاضرة فليتزوج عاتكة.

ثم تزوجت محمد بن أبى بكر الصديق – قتل عنها بمصر.  فقالت:  لا أتزوج بعده أبدا إنى لأحسب أنى لو تزوجت جميع أهل الأرض لقتلوا عن آخرهم.

ويقال:  إن الحسن بن على تزوجها بعد موت محمد بن أبى بكر ، ويقال:  إن مروان بن عبدالملك خطبها بعد الحسن فامتنعت عليه ، وقالت:  ما كنت لأتخذ حماً بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وتوفيت سنة حوالى 40 هـ ..

المثال الثانى للطلاق وهو الحسن بن على:

إن على – كرم الله وجهه قال:  يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق.  فقال رجل من همدان ، لنزوجنه ، فما رضى أمسك ، وما كره طلق.

وكان لا يفارق امرأة إلا وهى تحبه ويقال:  إن أحصن 9  امرأة.

المثال الثالث للطلاق هو الحجاج وطلاق هند:

كانت هند بنت النعمان أحسن أهل زمانها فوُصف للحجاج بن يوسف الثقفى حُسنُها ، فذهب يخطبها وبذل لها مالا جزيلا وتزوج بها – وشرط لها عليه بعد الصداق 200,000 درهم ، ودخل بها – ثم إنها ذهبت معه إلى بلد أبيها (المعرة).

(وكانت هند فصيحة أديبة) فأقام بها الحجاج فى المعرة مدة طويلة ثم إنه رحل بها إلى العراق ، فأقامت معه ما شآء الله ثم دخل عليها فى بعض الأيام وهى تنظر فى المرآة وتقول:

وما هند إلا مهرة عربية                                    سليلة أفراس تحللهما بغل

فلما سمعها الحجاج انصرف راجعاً ، ولم يدخل عليها – ولم تكن علمت – فأراد طلاقها – فأرسل إليها عبدالله بن طاهر – ومعه 200,000 درهم وهى التى كانت عليه.

وقال الحجاج:  ياابن طاهر طلقها بكلمتين ، ولا تزد عليهما ، فدخل عليها عبدالله بن طاهر وقال:  يقول لك أبومحمد الحجاج:  كُنت فبنت (بمعنى:  كنت زوجة والآن طُلقتى) ، وهذه 200,000 درهم التى كانت لك عليه.  فقالت:  (أعلم يابن طاهر أنا والله كنا فى حمدنا، وبنا فما ندما وهذه 200,000 درهم التى جئت بها بشارة لك بخلاصى من كلب ثقيف).

فبلغ ذلك أمير المؤمنين – عبدالملك بن مروان ، ووصف له جمالها فأرسل إليها يخطبها ، فأرسلت إليه كتاباً تقول بعد الثناء عليه:  اعلم يا أمير المؤمنين أن الإناء قد ولغ فيه الكلب.

فلما قرأ عبدالملك الكتاب ضحك من قولها وكتب إليها:  إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب فأغسلى الإناء يحل الإستعمال.

فلما قرأت كتاب أمير المؤمنين فكتبت إليه بعد الثناء عليه:  ياأمير المؤمنين ، والله لا أحل العقد إلا بشرط ، فإن قلت:  ماهو الشرط؟  قلت:  أن يقوم الحجاج بحملى من المعرة إلى بلدك التى أنت فيها – ويكون ماشياً حافياً.

فلما قرأ عبدالملك الكتاب ضحك ضحكاً شديداً – وأرسل إلى الحجاج وأمره بذلك.

فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب وأمتثل ولم يخالف.  فذهب إلى هند يأمرها بالتجهز.  فتجهزت وسار الحجاج فى موكبة حتى وصل المعرة (بلد هند) فى محل الزفاف ، وركب حولها جواريها وخدمها ، وأخذ الحجاج بزمام البعير يقوده ويسير بها – فجعلت هند تضحك مع الهيفاء وصيفتها.

ولم تزل تضحك وتلعب إلى أن قربت من بلد الخليفة ، فرمت بدينار على الأرض ، ونادت:  ياحمال ، إنه قد سقط منا درهم فارفعه إلينا.  فنظر الحجاج إلى الأرض فلم يجد إلا ديناراً.  فقال:  إنما هو دينار – فقالت:  الحمدلله ، سقط منا درهم فعوضنا الله ديناراً.

فخجل الحجاج ، وسكت ولم يرد جواباً.

المثال الرابع للطلاق:  طلاق الفرزدق ونوار:

نوار كانت بنت عم الفرزدق الشاعر المشهور ولما بلغت خطبها قريب لها ، فأرسلت إلى الفرزدق ، وكان رئيس قومه ، تخبره أنه قد رضيت بهذا الغريب.

فقال:  لن أزوجك منه حتى تشهدى الملأ على نفسك أنك قد رضيت بمن زوجتك.

فأرسلت النوار إلى رؤسآء العشيرة ، فلما اجتمعوا أعلنت أنها وكلت الفرزدق فى تزويجها.

فقام وقال: (سمعتم أن النوار قد ولتنى أمرها ، وأشهدكم أننى قد زوجتها من نفسى).

فغضبت من هذا التصرف وأبت إمضاء زواج لم تفكر فيه ، وأرادت الذهاب إلى عبدالله بن الزبير أمير الحجاز وكانوا ينادوا له بالخلافة فى ذلك الوقت.  فلم يستطع أحد من قبيلتها معونتها على ذلك خوفاً من الفرزدق.

وأخيراً وجد نفر من الشبان من الشجاعة ما دفعهم إلى الذهاب معها إلى مكة ومقابلة أمير الحجاز بن الزبير ، غير مبالين بهجآء الفرزدق الشاعر العربيد.

ونزلت النوار على (خولة بنت منظور بن زيان) زوجة عبدالله بن الزبير وورد على أثرها الفرزدق – ونزل على أبناء عبدالله بن الزبير ومنهم حمزة يمدحهم ويستعين بهم على أبيهم.

وكان عبدالله بن الزبير رجل جد وصدق ، شديداً فى الحق ، فانتصر لقضية النوار – وأدرك الفرزدق ذلك قبل أن يصدر من ابن الزبير ما يؤكده ، فأخذ يشيع عنه أنه قد وقع فى هوى النوار وأنه يعمل على طلاقها ليتزوجها هو ، ثم أنشأ قصيدة سب فى ابن الزبير.

وانتشر هذا الشعر ، وسمعه ابن الزبير.

وحدث أن مر بالفرزدق يوماً ، فعمز عنقه حتى كاد يدقها ثم استدعى النوار فقال لها: إن شئت فرقت بينكما ، وقتلته حتى لا  يهجونا أبدا ، وإن شئت سيرته إلى بلاد العدو.  فقالت:  ما أريد واحدة منها ، فقال:  فإنه ابن عمك وهو فيك راغب فأُزوجك إياه ، فقالت: نعم.  ورجع الفرزدق منتصراً ، زوجه ابن الزبير بنفسه – ولكن الفرزدق لم يظفر بقلب النوار مطلقاً  لماذا؟  لبعد ما كان بينهما من فروق.  فهو من الشذوذ والحموح ، أما هى فسليمة الفطرة.

ومن هنا عاش معها كارهة له.  ولم تكف عن مطالبته بالطلاق حتى استجاب لها ، ولكن بشروط:

(1)ألا تترك منزله ،   (2)  ولا تتزوج رجلاً بعده ،    (3)  وألا تمنعه من مالها ما كان يأخذه منها مدة زواجهما.

ورضيت النوار بذلك مقابل شرط واحد ماهو؟

أن يُشهد الفرزدق على طلاقها الحسن البصرى فقيه العصر.  فوافق وطلقها.  ولما خرجت من ذمته ندم ثم قال شعراً.

ويقــــال:

إن الفرزدق تزوج على النوار من حدراء بنت زيد بن بسطام الشيبانية ، وأصدقها مائة من الإبل – وكان يفضلها على النوار.   (وهذا من كتاب أعلام النسآء).

المثال الخامس من الطلاق: الوليد بن يزيد يطلق سُعدى:

لما طلق الوليد زوجته سُعدى ، ثم تزوجت اشتد ذلك عليه وندم ندماً شديداً على ما كان منه.  فدخل عليه أشعب ، فقال له الوليد:  هل لك أن تبلغ سعدى عنى رسالة ، ولك عشرة آلاف درهم؟قال:  أقبضنيها.  قال له:  هات رسالتك وقال له بيتين من الشعر فيهما الحب واللوع والندم لفارقيها.

أسُعدى هل إليك لنا سبيل               ……..                     ولا حى القيامة من تلاق؟

فاستأذن عليها – فقال:  ياسيدتى أرسلنى إليك الوليد برسالة ثم أنشدها الشعر.  فقالت لجواريها:  عليكن بهذا الخبيث ، فقال:  الوليد دفع إلى عشرة آلاف درهم ، فهى لك وأعتقينى لوجه الله.

فقالت:  والله لا أعتقك أو تبلغ إليه ما أقول لك.  قال أشعب:  ياسيدتى فاجعلى لى جُعلاً.  قالت:  لك بساطى هذا ، قال:  قومى عنه ، فقامت.  فأخذه وألقاه على ظهره ، وقال:  هات رسالتك.  فقالت: 

أتبكى على سُعدى وأنت تركتها       ……….         لقد ذهبت سعدى فما أنت صانع؟

فلما بلغه الرسالة ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وأخذته كظمة.  فقال لأشعب اختر منى إحدى ثلاث:

( أ ) إما أن أقتلك ،     (ب) وأما أن أطرحك من هذا القصر ،     (ج) وإما أن ألقيك إلى هذه السباع فتفترسك.

فتحير أشعب ، وأطرق مليا ثم قال:

(ياسيدى ، ما كنت لتعذب عيناً نظرت إلى سعدى ، فتبسم وخلى سبيله)  (فى كتاب العقد الفريد).

المثال السادس للطلاق:  المغيرة بن شعبة:

ممن اشتهر بكثرة الطلاق المغيرة بن شعبة ، طلق امرأته لما رأها تتخلل صباحاً ، ثم ندم.

وقال عنه ابن المبارك:

كانت تحت المغيرة أربع نسوة.  فصفهن بين يديه ، وقال:  أنتن حسان الأخلاق ، طويلات الأعناق ، ولكن رجل مطلق فأنتن الطلاق).     كتاب النجوم الزاهرة ج1 ص141.

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

اترك تعليقاً