الحياءُ من الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،،

          فإن من الصفات الكريمة ، والمناقب الحميدة ، التى تدل على عمق الإيمان وطهارة القلب وصفاء النفس:  صفة الحياء التى ما وجدت فى شئ إلا زانته ، وما فقدت من شئ إلا شانته.

          وضد الحياء:  الفُحش والبذاءة وفى الأثر:  (الحياءُ من الإيمان والإيمانُ فى الجنة والبذاءُ من الجفاء والجفاءُ فى النار).

          ومن أقوال السيدة عائشة – رضى الله عنها قالت:  (لو كان الحياءُ رجلاً لكان رجلاً جميلاً صالحاً ، ولو كان الفُحشُ رجلاً لكان رجلاً قبيحاً سيئاً) إن المتدبر للقرآن الكريم تراه قد تحدث عن فضيلة الحياء فى مواطن متعددة ومدح الذين يتصفون بهذه الفضيلة ، ومن ذلك قوله تعالى فى سورة القصص الآية (25):

(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ).

          وقد جآءت هذه الآية بعد آيات وتقص علينا ما كان من سيدنا موسى عليه السلام حيث رأى امرأتين لا تستطيعان مزاحمة الرجال فى سقى غنمهما ، فزاحم موسى الرجال وسقى لهما غنمهما ، فلما عادتا إلى أبيهما وقصتا عليه مروءة سيدنا موسى عليه السلام أرسل إحداهما إليه لتقول له:  إن أبى يدعوك لمقابلته ، ليكافئك على مُروءتك وعلو همتك.  والشاهد هنا قوله سبحانه (تمشى على (إستحياء))  أى:  جآءت تلك المرأةُ إلى سيدنا موسى وهى تمشى إليه ملتزمة لخلق الطهارة والعفاف والحياء.

          وفى موضوع آخر نرى القرآن يتحدث عن قوم كانوا يأتون إلى بيت النبى – صلى الله عليه وسلم – فى وقت طعامه ويجلسون فى انتظار حضُور الطعام ، ثم يتحدثون فى أمور شتى ، وكان هذا السلوك يتضايق منه النبى – صلى الله عليه وسلم – إلا أنه لشدة حيائه ، ولسمو أدبه ، كان لا يبدى لهم ذلك فنزل قوله تعالى فى سورة الأحزاب الآية 53:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ).

          يا من ءامنتم بالله حق الإيمان لا تدخلوا بيوت النبى – صلى الله عليه وسلم – إلا بإذنه لكى يدعوكم إلى طعام حل وقت تناوله دون إنتظار منكم فى بيته إلى وقت نضوج هذا الطعام ، فإذا ا انتهيتم من الأكل فانصرفوا غير مستأنسين لحديث يدور بينكم ، فإن إنتظاركم وكثرة كلامكم فى بيته – صلى الله عليه وسلم – يؤذيه ويُؤلمه إلا أنه – صلى الله عليه وسلم – لشدة حيائه ، ولعظيم أخلاقه ، يستحى أن يفاتحكم فى هذا الأمر مع أن ذلك من حقه وأعلموا أن الله تعالى لا يمتنع عن بيان الحق وإظهاره …

          وإذا ما اتجهنا إلى السنة النبوية المطهرة ، وجدنا كثيراً من الأحاديث النبوية الشريفة ، كلها تدعو المسلم والمسلمة إلى التحلى بفضيلة الحياء ، التى تدل على مكارم الأخلاق ، وعلى طهارة النفس ، وعلى يقظة الضمير ، وعلى الخوف من الله عز وجل …

          وتارة نراه – صلى الله عليه وسلم – يوضح لنا أن الحياء لا يأتى من ورائه إلا الخير فيقولُ:  (الحياءُ لا يأتى إلا بخير).

          وتارة نراه – صلى الله عليه وسلم – يصرحُ بأن فضيلة الحياء من أصول الإسلام، ومن أسس أخلاقه فيقولُ:  (إن لكل دين خُلقاً ، وإن خُلق الإسلام الحياء).

          وصفةُ الحياء من حيث مظاهرها تنقسم إلى أقسام ، أعلاها وأسماها الحياءُ من الله تعالى ففى الحديث الشريف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال:  (استحيُوا من الله حق الحياء) ، فقال قائل: يارسول الله ، إنا نستحى من الله والحمدلله.  فقال: (ليس ذلك ولكن الحياء من الله حق الحياء:  أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وأن تذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).

          إن من صفات الخالق عز وجل صفة الحياءُ.  بمعنى صفة ترك ما لا يليقُ بجلاله وكماله وكرمه ففى الحديث الشريف:  (إن الله تعالى حى كريم يستحى إذا رفع الرجلُ يديه إن يردهما صفراً) ، ولقد كان النبى – صلى الله عليه وسلم – من صفاته أنه أشد حياء من العذراء فى خدرها ، وذلك فى غير حقوق الله تعالى وتبعات الدعوة.

          فعلينا أن نتحلى بهذا الخلق الكريم وبذلك نكون ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه.

 

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً