الغضب والوقاية منه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعـد:

فإننا إن شاء الله سوف نتحدث عن الغضب ، وعن مضاره وكيفية الوقاية منه فنقول وبالله التوفيق لقد ابتلى اللهُ الناس بالغضب وكلفهم وأمرهم بكظم الغيظ عندما يغضبون.

الغضب هو:

غليان الدم فى القلب – وعند الغضب يندفع الدم من القلب إلى العروق صاعداً إلى أعلى البدن والسبب فى ذلك: أن الغضب مخلوق من النار ومن خصائص النار التلظى والإستعار والحركة والإضطراب والإتجاه إلى أعلى.

وعند إندفاع الدم إلى أعلى البدن يحمر الوجه وتنتفخ الأوداج وتحمر العيون – وعندما يشتد الغضب: 

(1)          يُعمى صاحبها وتصمه عن كل موعظة ، فإذا وعظ لم يسمع بل يزداد ذلك غضباً.

(2)          وإذا أراد أن يراجع نفسه لم يقدر.

لماذا:لأن نور العقل  ينطفئ  فى الحال بدخان الغضب.

لأنه يتصاعد دخان مظلم عند شدة الغضب من غليان دم القلب إلى الدماغ والدخان يُغطى معادن الفكر (مراكز الفكر فى عقل الإنسان) وربما يزداد الدخان فتظلم عينيه حتى لا يرى بها.

ما هي علامات الغضب فى الظاهر؟

(1)          تغير اللون وشدة الرعدة فى الأطراف.

(2)          خروج الأفعال عن الترتيب والنظام (غير مركزة) واضطراب الحركة والكلام.

(3)          يظهر الزبد على الأشداق.

ولو رأى الغضبان قبح صورته ما تمنى لنفسه ذلك أبداً.

تنهانا السنة النبوية المشرفة عن الغضب وطلب الإنتقام – لأن الغضب هو فوران دم القلب وإرادة الإنتقام.

ولذلك نهاكم النبى – صلى الله عليه وسلم – فى أحاديث كثيرة عن ذم الغضب.

ورُوى أبو هريرة – رضى الله عنه – أن رجلاً قال:

يا رسول الله مرنى بعمل وأقلل ، قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (لاتغضب).  ثم أعاد عليه فقال:  (لاتغضب).

وعن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: “فإن الغضبُ يجمعُ الشرٌ كُلهُ”.

الحديث الثاني:

      وعن أبى الدرداء – رضى الله عنهُ – قال:  قال رجل لرسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم: دُلنى على عمل يدخُلنى الجنة.  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “لا تغضب ولك الجنة”. رواه الطبراني.

الحديث الثالث:

      وعن ابن المُسيب – رضى اللهُ عنهُ – قال:  بينما رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – جالس ، ومعُه أصحابُه وقع رجل بأبي بكر – رضى الله عنه –فآذاهُ ، فصمت عنُه أبوبكر –  ثم آذاه الثانية ، فصمت عنه أبوبكر ثم آذاه الثالثة فانتصر أبوبكر – فقام رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فقال أبوبكر – رضى الله عنه:  أوجدت (أغضبت) علىٌ يا رسول الله ؟ فقال رسُول اللهُ – صلى الله عليه وسلم: “نزل ملك من السمآء يُكذبُهُ بما قال لك، فلما انتصرت ذهب الملكُ وقعد الشيطانُ ، فلم أكن لأجلس إذن مع الشيطان”. رواه أبوداوود

الحديث الرابع :

وعن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال:

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

“ثلاثُ من كُنٌ فيه آوَاهُ اللهُ فى كنفه (أحاطه سبحانه بسياج رعايته وأعانه وأكرمه) إذا تحلى بخلال ثلاثة وستر عليه برحمته ، وأدخله فى محبته:

(“من إذا أُعطى شكر ، وإذا قدر غفر ، وإذا غضب فتر”) رواه الحاكم.

بمعــنى: أن الله تعالى سوف يحيط هذا الإنسان بسياج من رعاية الله ويُعينه ويكرمه إذا هو تحل بخلال ثلاثة:

أ .   الثناء على من صنع فيك معروفاً وتكافئيه.

ب.   ستر ذنوب من أساء وعدم الإنتقام منه إذا سهل أخذ الثأر.

ج.   التحلم والإناة وإزالة أسباب الغضب من نفسه.

      ( وإذا غضب فتر:  هدأ وسكت ).

قال سيدنا عيسى – عليه السلام – ليحيى بن زكريا – عليه السلام:

إني معلمك علماً نافعاً:  لا تغضب.  فقال يحيى:  وكيف لى ألا أغضب؟ قال عيسى:  إذا قيل لك ما فيك ، فقل ذنب ذكرته فاستغفر الله منه ، وإن قيل لك ما ليس فيك فأحمد الله إذ لم يجعل فيك وهى حسنة سيقت إليك.

وفى الأثر:وعن ذى القرنين أنه:

لقى ملكاً من الملائكة فقال:  علمنى علماً أزداد به إيماناً ويقيناً.  قال الملك:  لا تغضب ، فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب ، فرد الغضب بالكظم ، وكن سهلاً ليناً للقريب والبعيد ولا تكن جباراً عنيداً.

وعن وهب بن منبه قال:  (يهودى وأسلم من التابعين)

“إن راهباً كان فى صومعته فأراد الشيطان أن يضله فلم يستطع ، فجآءه حتى ناداه فقال له:  افتح.  فلم يجبه.  فقال الشيطان: إفتح فإنى إن ذهبت ندمت.  فلم يلتفت إليه.  فقال الشيطان:  إني أنا المسيح.

قال الراهب:  وإن كنت المسيحُ فما أصنعُ بك !  أليس قد أمرتنا بالعبادة والإجتهاد ووعدتنا القيامة فلو جئتنا اليوم بغيره فلم نقبله منك ؟  فقال:  إنى الشيطان وقد أردت أن أضلك فلم أستطع ؟  فجئتك لتسألنى عما شئت فأخبرك.

فقال الراهب:  ما أريد أن أسألك عن شئ ثم قال: أخبرنى متى تقدر على بنى آدم ؟

فقال الشيطان:  الحدة ، إن الرجل إذا كان حديداً قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة.

وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عامله:

“أن لا تعاقب عند غضبك – وإذا غضبت على رجل فاحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه”.

قال على بن زيد:

“أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبدالعزيز القول ، فأطرق عمر زماناً طويلاً ثم قال:  “أراد أن يستفزنى الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله منى غداً ؟  (تقتص منى يوم القيامة).

 

وقال نبى من الأنبياء لمن تبعه:

“من يتكفل لى أن لا يغضب فيكون معى فى درجتى ويكون بعدى خليفتى؟ فقال شاب من القوم: أنا – ثم أعاد عليه – فقال الشاب: أنا أوفى بهفلما مات النبى– كان هذا الشاب فى منزلته بعده وهو ذو الكفل – يسمى بذلك لأنه تكفل بعدم الغضب ووفى به.

أحوال الغضبان:

(1)          أن يكون الغضب على من هو أقل منك وتستطيع أن تنفذ غضبك فيه، وفى هذه الحالة:  ينبسط الدم وتخف حمرة العينين – وتبدأ مظاهر الغضب فى التلاشى.

(2)          أن يكون الغضب على من هو أعلى منك ولا تملك ولا تستطيع أن تنتقم منه.  وفى هذه الحالة:  يأخذ الدم فى الإنقباض والإرتداد إلى القلب محدثاً فيه الكمد والحزن والغيظ.  وينقلب إحمرار الوجه إلى إصفرار وترتعد الأطراف.  ويكسو الشفاة لون أزرق وقد يصاب القلب نتيجة لذلك بأضرار صحية جسيمة.

(3)          أن يكون الغضب على من هو ند لك أو مساوى لك ، وتكون الغاضب فى شك من استطاعته الإنتصار أو إنقاذ غضبه فيحمر الوجه تارة ويصفر تارة أخرى.

إن الغضب فى غير الله تعالى يكون من الشيطان.

وإنما هناك الغضب المحمود – وهو غضب ينتظر إشارة العقل والدين وهو الوسط الذى وصفه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث قال:  “خير الأمور أوساطها”.

وكان النبىُ– صلى الله عليه وسلم – لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة الله.

وقال الإمام الشافعى:

من استغضب فلم يغضب فهو حمار.

ومن استرض فلم يرضى فهو شيطان.

وكما قالوا:

سريع الغضب بطئ الرضا ——–   هذا شر الناس.

بطئ الغضب سريع الرضا ——–    هذا خير الناس.

كيف نعالج الغضب

      يكون العلاج بالعلم والعمل معاً.

أولاً:بالعلم:أن يتذكر فضل كظم الغيظ وفضل العفو والرفق.  لأن الطمع فى ثواب ذلك قد يكون مانعاً من البطش والإنتقام وإنقاذ الغضب.  وربنا تبارك وتعالى يقول فى آل عمران (134):

      وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “(134).

ومن أقوال النبى –  صلى الله عليه وسلم:

فى كظم الغيظ  وكما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

“ما جرع عبدُ جُرعةً أعظم أجراً من جرُعة غيط كظمها ابتغاء وجه الله” جرع :  بلع

الحديث الثانى:

      وعنه أيضاَ “من كظم غيظاً – وهو قادر على أن يُنفذهُ دعاهُ الله على رُءوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيرهُ من الحور العين ماشآء”.

مثـال 1:   قال مالك بن أوس – رضى الله عنه:

غضب عمر على رجل وأمر بضربه ، فقلت يا أمير المؤمنين:

“خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين”.

فكان عمر يقول الآية ويتأمل الآية فتدبر منها وخلى سبيل الرجل.

فقال عمر:  صدقت فكأنما كانت ناراً فأطفئت.

ما هو سبب غضب عمر على الرجل ؟

يروى أن رجلاً قال لعمر:  والله ما تقضى بالعدل ولا تعطى الجزل. فغضب عمر حتى عرف ذلك فى وجهه.

مثـال 2:

أمر عمر بن عبدالعزيز بضرب رجل ثم قرأ قوله تعالى:

“والكاظمين الغيظ ……” فقال لغلامه خل عنه ..

إن يعلم الإنسان أن وطنه القبر وأن مستقره الآخرة – وأن الدنيا معبر يعبر عليها – فيتزود منها قدر الضرورة – لأن ماوراء ذلك من متاعها وبال عليه ومحل سؤال.

كيف نعالج الغضب ؟

أولاً :  بالعلـم :  أن يتذكر فضل كظم الغيظ وفضل العفو والرفق.

ثانياً:أن تُخوف نفسك بعقاب الله – وهو أن تقول:  قدرة الله علىٌ أعظم من قدرتى على هذا الإنسان ، فلو أمضيت غضبى عليه لم آمن أن يمضى الله غضبه علىٌ يوم القيامة وأنا أحوج ما أكون إلى العفو.

( أ )فقد قال الله تعالى فى بعض الكتب:

      “يا ابن آدم اذكرنى حين تغضب أذكرك حين أغضب”

(ب)  وبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خادمه إلى حاجة فأبطأ عليه فلما جآء قال له النبى – صلى الله عليه وسلم: “لولا القصاص لأوجعتك”

      أى القصاص فى يوم القيامة.

(ج)  ما كان فى بنىٌ إسرائيل ملك إلاٌ كان معه حكيم – إذا غضب الملك أعطاه صحيفة فيها:

      (1)  ارحم المسكين     (2) واخشى الموت  (3) واذكر الآخرة.

      فكان الملك يقرؤها حتى يسكن غضبه.

ثالثـاً:

أن يتفكر فى عاقبة الغضب ..  وأنه إذا أنفذ غضبه فى غيره.

نتيجته:(1) العداوة (2) والبغضاء (3) والصراع الذى لا يؤمن عواقبه.

رابعـاً:

      أن يرى الأشياء كلها بيد الله ومنه ، وأن ما يصيبه على أيدى الغير هو ما قدره الله وقضى به من الأزل.

خامساً:  من الأشياء التى تعالج الغضب:

أن يتفكر فى قبح صورته عند الغضب بأن يتذكر صورة غيره فى حالة الغضب ، ويتفكر فى قبح الغضب فى نفسه ومشابهة صاحبه للكلب الضارى والسبع – ومشابهة الحكيم الهادى – التارك للغضب للإنبياء والأولياء والعلماء والحكماء – وتخير نفسك بين أن يتشبه بالكلاب والسباع وأرذل الناس وبين أن يتشبه بالعلماء والأنبياء فى عادتهم لتميل نفسه إليهم.

سادساً:

      أن تحسن الظن بالله – وتعلم أن الخيرة فيما أختاره الله وأن الله لا يقضى له إلا بما فيه الخير.

مثـال 1:

فقد شتم رجل “سيدنا سَلمان الفارسي” وأنتم عارفين من هو سلمان؟

فرد عليه قائلاً:  إن خفت موازينى فأنا شر مما تقول ، وإن ثقلت موازينى لم يضرنى ما تقول.

مثـال 2:

      ورد أحد الصالحين على من شتمه قائلاً:

      “إن كنت صادقاً فغفر الله لى – وإن كنت كاذباً فغفر الله لك”.

كيف نعالج الغضب بالعمل

(1)        الإستعاذة:

أولاً:  تقول بلسانك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم – كما أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

مثـال 1:

كان رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم –إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال لها: “ياعُويش قولى اللهم رب النبى محمد اغفر لى ذنبى واذهب غيظ قلبى وأجرنى من مضلات الفتن”.

      فإذا لم يزل الغضب موجود ماذا نفعل ؟

(2)        أجـلس:إن كنت قائماً واضجع إن كنت جالساً وأقرب من الأرض التى منها خُلقت لتعرف بذلك ذل نفسك.

فأذا لم يزال الغضب موجود ماذا تفعل ؟

(3)          فليتوضأ بالماء البارد أو تغتسل فإن النار لا يطفئها إلا المآء مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

“إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تُطفأ النار بالمآء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ”.

مثـال 1:

      وقال عروة بن محمد – رضى الله عنه: “لما استُعملت على اليمن قال لى أبى: أوليت ؟ قلت: نعم ، قال: فإذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض تحتك ثم عظم خالقهما”.

مثـال 2:

      ورُوى أن أبا ذر – رضى الله عنه – قال لرجل فى خصومة بينهما: ياابن السوداء.  فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: “يا أبا ذر بلغنى أنك اليوم عيرت أخاك بأُمه”.  فقال أبو ذر: نعم. فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر أرفع رأسك فانظر ثم أعلم أنك لست بأفضل من أحمر فيها ولا أسود إلا أن تفضله بعمل”.

مثـال 3:

وقال المعتمر بن سليمان:

“كان رجل ممن كان قبلُكم يغضب فيشتد غضبه فيكتب صحائف وأعطى كل صحيفة رجلاً وقال للأول: (إذا غضبت فأعطنى هذه). وقال للثاني: (إذا اسكن بعض غضبى فأعطنى هذه). وقال للثالث: (إذا ذهب غضبى فأعطنى هذه).

وفى يوم اشتد غضبه فأُعطى الصحيفة الأولى فإذا فيها: “ما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك ان يأكل بعضك بعضا” ، فسكن بعض غضبه فأُعطى الثانية فإذا فيها: “ارحم من فى الأرض يرحمك من فى السمآء” ، ولما ذهب عنه الغضب فأُعطى الثالثة فإذا فيها: “خذ الناس بحق الله فإنه لايصلحهم إلا ذلك” بمعنى لا تعطل الحدود.

 

الآن نتكلم عن آيات كظم الغيظ:

      الآية الأولى 199 الأعراف حيث يقول ربنا عز وجل:

      “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)”.

بمعــنى:

ما أنزل الله هذه الآية إلا فى أخلاق الناس – وهذه الآية مكونة من ثلاث كلمات ، تضمنت قواعد الشريعة فى المأمورات والمنهيات.

(خُذ العفو)  دخل فيه صلة القاطعين ، والعفو عن المذنبين ، والرفق بالمؤمنين وغير ذلك من أخلاق المطيعين.

(وأمُر بالعرف)  صلة الأرحام – وتقوى الله فى الحلال والحرام – وغض الأبصار والإستعداد لدار القرار.

(وأعرض عن الجاهلين)  الحضُ على التعلق بالعلم ، والإعراض عن أهل الظلم ، والتنزه عن منازعة السفهاء ، ومساواة الجهلة الأغبياء ، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة.

والجاهلون:  الذين لم تستنر قلوبهم بنور العلم والتقوى – فقد سأل النبى – صلى الله عليه وسلم – جبريل فى معنى هذه الآية – فقال جبريل: “لا أدرى حتى أسأل ربى”.  فذهب فمكث ساعة ثم رجع فقال: “إن الله تعالى يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتُعطى من حرمك وتصل من قطعك”.

الآية الثانية:  134 آل عمران:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)”

بمعــنى:

يبين الله سبحانه صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة (دار السلام) ينفقوا فى سبيل الله وفى كل أحاينيهم من: (1) غنى وفقر ، (2) وعسر ويسر ، (3)وفى الرخاء والشدة ،  (4) وفى حالة الصحة والمرض.  (يبذلون أموالهم فى جميع حالتهم).

(والكاظمين الغيظ)  وكظم الغيظ رده فى الجوف – رجل كظيم: إذا كان ممتلئا غماً وحزناً – وهذا وصف لهم بالحلم وكرم النفس.

بمعــنى:  يمسكون غيظهم مع قدرتهم على الإنتقام.

(والعافين عن الناس)  وصف لهم بالصفح والتجاوز عن زلات الآخرين تكرماً وفعلهم هذا إحساس ظاهر – ومن هنا بُشرُوا بحب الله.

بمعــنى:يعفون عمن أساء إليهم أو ظلمهم ، والعفو عن الناس (أجل وأعظم) نوع من أفعال الخير.

مثــال 1:

ورُوى عن ميمون بن مهران أن جاريته جآءت ذات يوم بصحفة فيها مرقَة حارة ، وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقة عليه.  فأراد ميمون أن يضربها ، فقالت الجارية: يامولاى استعمل قول الله تعالى: “والكاظمين الغيظ” قال لها:  قد فعلت.  فقالت: أعمل بما بعدها “والعافين عن الناس”. فقال: قد عفُوت عنك ، فقالت الجارية: “والله يُحبُ المحسنين”.  قال ميمون: قد أحسنت إليك ، فأنت حرة لوجه الله تعالى.  ورُوى عن الأحنف بن قيس مثله.

ورُوى أنس بن مالك– رضى الله عنه – عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:

“إذا كان يوم القيامة نادى مناد:  من كان أجره على الله فليدخل الجنة”.  فيقال:  من ذا الذى أجره على الله ؟ فيقول:  “العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير حساب”.  أخرجه الحاكم فى المستدرك.

“والله يحبُ المحسنين” إن الله تعالى يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها يثيبهم على إحسانهم …  ومن هنا بشروا بحب الله تعالى لهم. وهو تشجيع على الإحسان فى القول والعمل.

 

 

 

 

 

( والحمدلله رب العالمين )

 

اترك تعليقاً