تفسير بعض آيات من سورة الحشر

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          والحشر هو الإجلاء لليهود بعد غدرهم وكفرهم ونقضهم لليهود ، حيث حشرهم الرسول من مكانهم فى بنى النضير وأجلاهم عن المدينة حيث ذهبوا إلى حيث لا رجعة – منهم من ذهب إلى خيبر – ومنهم من ذهب إلى الشام – ومنهم من ذهب إلى إخوانهم من اليهود تيمآء أو وادى القرى أو فدك – إلى أن تم إجلائهم نهائياً فى عهد عمر بن الخطاب – رضى الله عنه.

          ونسأل الله عز وجل أن يطهر كل الأرض العالمية من رجس اليهود ودنسهم وكفرهم وظلمهم.  سورة الحشر هذا هو عنوانُها.

          بعض الناس تظن أن هذه السورة تتكلم عن الحشر يوم القيامة بعد أن يُبعث الناسُ من قبورهم إلى الله عز وجل – ولكن ليس هذا هو المراد من العنوان السورة.

          بل معنى سورة الحشر أى اليوم الذى حشرنا فيه اليهود وأخرجناهم من أماكنهم ومن بيوتهم وحشروا وهم مطأطئ الرءُوُس – مكسورى النفوس صاغرين أذلاء.

          واليهود كما علمنا القرآن أشبه شئ فى غدرهم بالثعابين اللادغة إذا وجد الثعبان قوة أمامه ولى إلى جحره واختفى – وإذا شعر ببرد شديد اختفى – وسُمى إختفائه المبيت الشتوى – إلى أن ينتهى موسم الأمطار.  فإذا جآء دفء خرج ليعود للدغه وبطبيعتة المؤذية .

          واليهود هم كذلك إذا وجدوا قوة ضاغطة أمامهم ، فإنهم (1) ينكمشون ، (2)ويبكون ، (3) ويتظاهرون بذلة والضعف ويصرخون للعالم كله نحن قومُ مضطهدون – ادركونا (1) هتلر حرقنا فى أفران النيران – (2) العالم كله طردنا ونحن غلابة ، (3)جدنا إبراهيم الأول – وجدنا إسحاق وجدنا يعقوب ويستدرون عطف العالم بمثل هذه الكلمات.

          ونحن أبناء عموم العرب ، فنحن أبناء إسحاق وهم أبناء إسماعيل وكان إسحاق أخو إسماعيل ولا داعى للخصومة.

          (وهذا أيام أن يجدوا ضغطاً وقوة من المسلمين)

          وإذا وجدوا ضعفاً استغلوه أبشع إستغلال ، وخرج الثعبان من جحره ليعود إلى لدغه وطبعه ، وهاهم الآن لا يعباون لا برأى عام ولا بمجلس الأمن وقراراته ولا بما يسمونه هيئة الأمم المتحدة ، ولا يعبأون بما يسمونه العرب أو بجبهة التصدى (من العرب) و 100 مليون عربى من الخليج العربى الثائر إلى المحيط الهادر – كل هذا دجل فارغ فى نظر اليهود …  ولا يعبأون أيضاً 1500 مليون مسلم – هؤلاء عند اليهود صفر على الشمال.

          …  سورة الحشر كيف حُشر اليهود؟؟

          كان وقتها الإسلام قوى والمسلمون أقوياء وعلى رأسهم سيد الأنبياء – صلى الله عليه وسلم – الذى أذل الله أمامه الجبابرة وأحنى رءُوُس الاكاسرة (حاش لله أن يذل من اتبع نبيه أو تبع شرعه ومنهاجه).

          (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) سورة المنافقين الآية (8).

          والله يقول فى سورة الفتح الآية (29):

(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ).

          وهذا وصف أتباع محمد – فإن أى إنسان رجل أو امرأة لا تجد عنده هذه الصفات الشدة على أعداء الله والتراحم مع أحباب الله فعلم أنه ليس بمسلم حتى لو صام وصلى وأدعى أنه مسلم لأن الله وصف من مع النبى – صلى الله عليه وسلم – بهذه الصفات).

          (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ)  =  مبتدأ.

          الخبر:  ( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا).

          …   صفات ثلاثة للمؤمنين:

          (1)شدة على الكافر ، (2) رحيم بأخيه المؤمن ، (3) مواظبة على الركوع والسجود للملك المعبود عز وجل.

          من غير هذه الصفات لا إيمان ، وإن تظاهرنا باللافتات والواجهات والإعلانات والشعارات والله لا يخُدع بالإدعاءات.

          يهود بنى النضير ، كانوا أمام قوة زاحفة إسلامية – ممثلة فى الربانيين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم حزبُ الرحمن وجنود القرآن وأهلُ الإسلام – الصحابة – رضى الله عنهم.

          فحق لله أن يذل أمامهم اليهود ومن يساعد اليهود فلا يمكن أن يثبت باطل أمام حق.  حتى قال علىُ بن أبى طالب:

          لو لم يبقى فى الدنيا إلا ذرة واحدة من الحق

                                                          لكفت أن تزلزل أمامها جبال الباطل

          والصحابة لم يكونوا ذرة ولكن رجال (1) هدى الله قُلوبهم وهدى بهم ، (2)ونصرهم ونصر بهم ، (3) ومكنهم ومكن بهم ، (4) ومكر بهم لهذا الإسلام المكر الطيب الحسن.  حتى انتقلوا إلى الآخرة بعد أن تمت النعمة وكشفت الغمة.

          لو سألك سائل وقال لك:  حشر إيه واليهود طول عمرهم منصورين؟

الرد:  أنت ليس دارس.  ربنا قال:  (ضُربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءوا بغضب من الله).

          والراحة لا تأتى لليهود إلا فى أوقات تُعد بالأشهر أو السنين (بحبل من الله وحبل من الناس) ربنا يقول:  نحمل عنهم الغم شوية علشان جدهم إبراهيم الذى ينتسبون إليه زورا ، (2) وساعات ربنا يشد حيلهم بحبل من الناس بالقوى التى تساعدهم مثل أمريكا – وغيرها من الدول الأوربية ، ولكن هم طول عمرهم الرب كاتب عليهم…  الرب الذى قال السمآء سمآء والأرض أرض وآدم آدم قال:  إن اليهود دول هم أذلة إلى يوم القيامة.

          (وإذ تأذن ربُك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسُومُهم سوء العذاب) هذا قرار إلاهى – هذا قرار من الله.

          سيدنا موسى يقول للرب سبحانه:  ماذا تفعل فيهم يارب؟  قال الرب: ( سأنصرهم حيناً إذا استقاموا واهزمهم إذا إعوجوا.)

          وهذا هو الذى مخوفنى …

          أنتم تعلمون أن الله نصر اليهود على لبنان – سوريا – مصر – والعرب سنة 67.

          الله سبحانه ينصر إسرائيل على العرب ليس حباً فى إسرائيل وإنما هم عصا فى يد القدرة الإلهية يؤدب بها ويعذب بها العرب.

          واقسم بالله إننا لو استقمنا مع الله  وأصبح العنوان تبعنا متفقاً مع الحقيقة والموضوع والله العظيم لا يُبقى الله على اليهود يوماً واحداً – لو صدقنا مع الله فى الدعوة والعمل والتطبيق وإقامة الحدود وتطبيق شريعته ما صبر اللهًُ على اليهود يوماً واحداً ونسفهم نسفاً – ولأهلكهم من داخل أنفسهم بالطاعون بالمرض بالهزيمة بالرعب وكما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (نُصرتُ بالرعب مسيرة شهراً كاملاً).

          أى أن أعدائى كان الرعبُ يُقذف فى قلوبهم قبل أن ألقاهم بشهر كامل لما يسمعوا أن الجيش المسلم قد اقترب منهم يخافوا ويجروا ويرفعوا رايات الإستسلام.

          ولكن الله لا يفعل هذا معنا لماذا؟  لماذا لا ينصرنا الله بالرعب؟

          لأننا عندنا المواخير مفتوحة – ومحاربة الله (1) بالخمور ، (2) والنسآء ، (3)والرشوة ، (4) والعربدة ، (5) والتعرى ، (6) والتكشف والفضائح.

          الذى يطلب منى النصر أفواة طاهرة وأيدى نقية.

          كما نبه الله على الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال الله تعالى:  (يا أخا المنذرين ويا أخا المرسلين بلغ قومك ألا يدخلوا بيتاً من بيوتي إلا (1) بقلوب سليمة ، (2) وفروج طاهرة ، (3) وأيدى نقية ، (4) وألسنة صادقة )   وكما جآء فى الحديث الذى رواه الحذيفة بن اليمان.

بمعنى:  لا يدخلون المساجد إلا أن يكون عندهم هذه الصفات.

          (وبلغ قومك أنهم لو واحد دخل بيت من بيوتي وأخذ يدعونى وهو بالقلب غير السليم والفرج غير الطاهر والأيدى غير النقية وباللسان غير صادق ، فإنى ألعنه مادام قائماً بين يدى حتى يتوب إلي).

          لأنه داخل يستهزء بربنا لماذا؟

          لأن اليد (1) تقبل الرشوة ، (2) وتضرب ، (3) وتقتل ، (4) وتظلم – الفروج زفت على العورات والحرمات والألسنة كاذبة – وبعد ذلك يقول:  الله أكبر – مالك يوم الدين.

          (يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون).

          هذه مقدمة من أجل سورة الحشر جآءت فى السنة الرابعة من الهجرة فى بنى النضير …

          الرب لما يأتى ينظر إلى الأمة الإسلامية لا ينظر إلى عشرات الموحدين فى المساجد لا – إنما ينظر إلى الأمة كلها من الفلبين شرقاً إلى المحيط الأطلنطى غرباً ومن حدود تركيا شمالاً إلى جنوب أفريقيا – ينظر إلى أكثر من 1500 مليون مسلم لما يكون فيهم 20 ألف صالحين وصالحات أو مليون.

          الرب يقول:  إيه المليون من الصالحين والصالحات الملتزمين بالنسبة إلى 1500مليون مسلم – كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم – فى رواية البخارى.

الحديث:  (ما أنتم فى الأمم إلا كالشعرة البيضاء فى الثور الأسود).

          فى أى مكان هذه الشعرة كيف نحصل عليها؟  ياترى فى رجله أم فى رقبته – تخيل (ثور كله أسود وفيه شعرة بيضاء).

          أى أن نسبة الصالحين الملتزمين الطيبين المؤمنين بالنسبة للعالم الفاجر الغادر الخاسر الكافر كنسبة الشعرة البيضاء فى الثور الأسود.

          ومع ذلك رب العزة جل جلاله يقول:

          هذه الشعرة البيضاء أنا بأكرم الثور كله من أجلها – الثور الأسود أبقى عليه وأؤجل ذبحه من أجل هذه الشعرة البيضاء.

          وكان بن مسعود يصلى طويلاً بالليل ، وكلما استيقظ ولده الصغير يجد أباه يصلى فيقول:  ألا تنام يا أبتى؟  يقول ابن مسعود:  (أسترح ياحبيبى فمن أجلك قُمتُ) أنا أُصلى لكى يبارك الله فيكم فى أولادى وزوجتى ثم تلا قول الله تعالى: (وكان أبوهُما صالحاً).

          أى أن الله من أجل صلاح الأب والجد أكرم عياله وعيال عياله (الحفدة) وحفظ لهم الكنز ، وسخر لهم سيدنا موسى وسيدنا الخضر لتجديد بناء الحائط الذى كان تحته الكنز..

(1)     أول سورة الحشر عجب:

(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

          هذه  هى البداية لسورة الحشر.

(2)     ويشترك معها سورة الصف:

(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(3)    ويشترك معها ولكن بتغيير صورة الفعل سورة الجمعة:

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).

(4)    ويشترك فيها سورة الأعلى التسبيح فى أولها:

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى).

(5)    ويشترك معها سورة التغابن:

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(6)    يشترك معها فى التسبيح سورة الحديد:

(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(7)    ويشترك معها فى التسبيح سورة الإسراء (سورة بنى إسرائيل):

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

ومصداقاً للحديث:  هذه هى سور التسبيح:

إن فى القرآن سوراً هى سور التسبيح وإن فيها (آية هى خيرُ من ألف آية).

إنما بدأت السورة بتسبيح الله عز وجل لأن الله مكن فيها عباده (1) المسبحين ، (2) المهللين ، (3) المكبرين ، (4) العابدين ، (5) الموحدين ، مكنهم من رقاب يهود بنى النضير ونصرهم عليهم.

فكان من إشارات القرآن أن يبدأ السورة بتسبيح الله عز وجل إشارة إلى أن كل من سبح لله وكل من ذكر الله وكل من عبد الله طوع الله عز وجل له الكون له ، فمن طوع نفسه لله طوع الله له الكون كل من خضع لله عز وجل أخضع الله له الكون.

كما جآء فى الآثر:

(يا عبدى أطعنى تكن عبداً ربانياً تقول للشئ كن فيكون).

وليس هذا حديثاً نبوياً ولا حديثاً قدسياً ، وإنما هو حكمة من حكم السلف – تدل على أن الإنسان إذا ألتصق بربه ولاذ بجانبه وعبدهُ واستغرق فى ذكره ، وآدام التأمل فى ملك الله وملكوته.

فلما جآءت غزوة بنى النضير:

وأفاء الله على رسوله المال الشئ الكثير منه – قال الرسول هذه هى فرصة تكلم الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع الأنصار:

(الخير الذى جآء لنا لم يأتى بواسطة حرب منكم ولا من المهاجرين – لا أحد ضرب بالسيف ولا ركب فرس ولا جمل).

…  الكسب الذى ءاتانا من هذه الغزوة لا يسمى غنيمة ، لماذا؟

لأن ربنا قذف فى قلوب بنى النضير الرعب.

(وقذف فى قُلوبُهم الرُعب يُخربون بيٌوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين).

الغنيمة:  هى التى تولدت من بذل وجهاد ودفع أرواح وشهداء مثل غزوة بدرأحدحُنين.

          الغنيمة تقسم 5/4 على الجنود المحاربين – الذي يحارب وهو واقف له سهم والذى يحارب وهو راكب على الفرس سهمين – …  يتبقى من الغنيمة 5/1 تكون لآل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومصاريف بيت المال.

          قال الأنصار أموال بنى النضير لها حكم غير حكم الغنيمة يارسول الله؟

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (نعم).

          الفئ كله ملك للرسول – صلى الله عليه وسلم – ولذوى قرباه – (ولذى القربى).

قال الأنصار:  نحن لم نفعل شئ واصنع يارسول الله ما تشاء.

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (يامعشر الأنصار أنا أخيركم هل ترغبون أن يبقى المهاجرين معكم فى الدور والأموال ونقسم أموال بنى النضير بينكم).

          أو أن ترجع لكم أموالكم – والدور ونرفع أيدى المهاجرين عن أموالكم ونخصهم بهذه الفئ الذى جآء منحة من الله من أموال بنى النضير ونعمل توازن بين كفتين الميزان.

          قال الأنصار كلهم فى صوت واحد:  يارسول الله يبقوا مشتركين معنا فى الدور والأموال ونترك لهم هذا الفئ كله – إيثاراً منا لأخواناً لنا تركوا أموالهم وأهلهم ودورهم لله ورسوله.

          الله عز وجل أثنى على الأنصار ثناءً عظيماً مستفيضاً على الكرم.

          وقال الرب:  اعمل توازن وأعطى أموال الفئ كلها للمهاجرين ، (2) ورد أموال الأنصار لهم – لكى يكون كل واحد عنده رأس مال يستطيع أن يبدأ به حياة جديدة ، تعوضه عن حياة مكة.

          وأعطى النبى – صلى الله عليه وسلم – اثنين من الأنصار فقراء هو سهيل بن حُنيف وأبو دجانة.  الرب عز وجل ذكر كل هذا فى القرآن فى سورة الحشر.

          قبل أن نتابع – كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد أرسل إلى بنى النضير أخرجوا من المدينة والمهلة 3 أيام ، وفى رواية أخرى أمهلهم 10 أيام ، وقال لهم فى الإنذار والذى نجده بعد إنقضاء المدة قطعنا عنقُه.

          أرسل إليهم سراً الغادر المنافق عبدالله بن أُبى بن سلول وقال لهم:  أثبتوا فى دوركم ، (1) وابقوا كما أنتم فى حصونكم ونحن لا نُمكن محمد منكم – ويوم أن تغلبوا على أمركم ، (2) وتطلعوا من المدينة سوف نطلع معكم ، (3) وإذا حصل حرب سوف ننضم إليكم ، يُغريهم ويخدعهم ..

          فأرسلوا للرسول – صلى الله عليه وسلم وقالوا:  نحن لا نخرج من بيوتنا لا 3 ولا عشرة.

          …  رفضوا الفرصة التى أعطاها الرسول لهم وكان هذا بمثابة نكبة عليهم الجيش الإسلامى تحرك وبدأ الرسول – صلى الله عليه وسلم – يصل إليهم – هنا دخل بنى النضير الحصون وأخذوا معهم الزاد والزواد والأكل والشرب.

          هم انتظروا عبدالله بن سلول – لم يأتى كما وعدهم وينقذهم.

          المنافق من شأنه (1) أنه ضعيف وجبان ، (2) وأن كلامه أعلى من عمله.

          الرسول قال لهم فى الإنذار (خذوا كل حاجة تحملها الإبل حتى السلاح) ، فلما أطاعوا عبدالله بن سلول وتحصنوا فى الحصون قال لهم النبى:  (لا أترك لكم السلاح خذوا فقط ما تحمله الإبل).

          والرب عز وجل كان معطى الرسول سلاح مهم جداً لم يُعطه لأى نبى (نُصرت بالرعب مسيرة شهر كامل).

بمعنى:  أن الله عز وجل يُنزل الرعب والهلع والخوف والإضطراب فى قلوب أعداء النبى – صلى الله عليه وسلم – قبل أن يلقاهم بشهر كامل.

مهمــة جـــداُ:

          مادام الإنسان تزلزل من الداخل خلاص يبقى إستسلم لماذا؟  لأن الهزيمة والإنتصار لا يأتى من خارج نفس الإنسان بل يأتى من داخله – وهذه مسألة علمية تربوية مهمة والناس عنها غافلون.

          الناس فاهمة بأن الإنتصار يأتى من (1) كثرة السلاح ، (2) أو من كثرة المحاربين (3)  أو من حُسن التدريب.    كذب

          وياما جيوش عددها أكثر – وأسلحتها أحدث – وتدريبها أقوى ومع ذلك تُهزم – أنت لا تسأل عن المدفع ولكن تسأل عن اليد التى تضرب به.

          اليهود كانوا فاكرين أن حصونهم تحميهم وأن إرادتهم ملك بيدهم ، ولكن نظروا فوجدوا أيديهم وأرجلهم ترتعش – جعلهم رب العزة سبحانه غير قادرين على اتخاذ قرار – وكأى إنسان مريض يرتعش ولا يستطيع أن يقف =  فستسلموا.

          أى إنسان صمم على رأيه وعزم عليه بإرادته لا يمكن لأى إنسان أن يزحزحه عن هذا الرأى.

          المسلم كان يراوده عن دينه وأنهم سوف يزوجه بنت ملك الروم ويعطوه مال كثير – لكى يرجع عن دينه ويدخل فى النصرانية.

          سيدنا عمر بن الخطاب قبل رأس سيدنا عبدالله بن حذيفة لماذا؟

          ربنا أعطى هذا الرجل (1) قلب ثابت ، (2) وعزم من حديد ، (3) وإرادة من فولاز فحاول ملك الروم أن يدخله فى الدين النصرانى وقال له:

          أُزوجك أبنتى وأعطيك نصف ملكى – قال عبداله بن حُذيفة:  والله ولا ركعتين فى جوف الليل أتركهم.

          دخلت عليه فى الحجرة بنت ملك الروم – وكانت من أجمل خلق الله فتنة وإثارة وإغراء وكانت مشهورة أنه لا يثبت أمامها أحد إلا دقائق معدودات مهما كان عابد لابد أن يُفتن.

          وخرجت بعد ثلاث ساعات وهى مبهورة – قال لها:  أبوها ما النتيجة؟ 3 ساعات.  فقالت البنت:  (1) أول هزيمة لي أمام واحد مسلم ، والله ما أدرى أدخلتمونى على حجر أم بشر؟ ، (2) والله ما حدق فى البصر وما عرف أنى أنثى أو ذكر.

          كان الرسول – صلى الله عليه وسلم يقول:

          اللهم إنى أسألُك الثبات فى الأمر ، (2) والعزيمة على الرشد ، (3) والغنيمة من كل بر ، (4) والسلامة من كل إثم.

          قال تعالى فى سورة الحشر الآية (2):

(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ).

          العلماء قالوا:  (هو الذى أخرج الذين كفروا).

          لماذا نص الله تعالى على كفرهم مع أنهم أهل كتاب؟؟؟

          هناك فرق بين ما يسمى بأهل الكتاب وما يسمى بالكافرين.

          الكافر:  مشرك خالص لا يؤمن بعيسى ولا بمحمد ولا قرآن ولا إنجيل.

          أهل الكتاب:  مؤمن بالتوراة وموسى – أو مؤمن بالإنجيل وعيسى.  وإن كانوا غيروا وبدلوا – الرب هنا قال على اليهود بأنهم كفرة لماذا؟

          لأن كان بعض المسلمين لما أُمُروا بقطع النخيل وإحراقه – وسمعوا اليهود يقولون: (يا محمد إنك كنت تنهى عن الفساد فأصبحت تأمر به).

          بعض المسلمين تحرج من قطع النخل وإحراقه – وقال:  (ماذنب هذا النخيل الذى يسبح لله لماذا نحرقه؟  فدخل فى نفوسهم شئ من الإرتياب.

هل هذا حلال أم حرام:وكان بعض المسلمين الذين عندهم حمية قالوا: لماذا نترك بعض النخل – نريد أن نقضى (نشطب) عيه كله حتى لا يبقى لليهود شئ .

          تسمية القرآن ليهود بنى النضير بأنهم (الذين كفروا من أهل الكتاب) لماذا؟

          فهى حقيقة لأنهم كفروا بدين الله فى صورته العليا التى جآء بها محمد – صلى الله عليه وسلم.

          ويعبئ شعور المسلمين تجاههم تعبئة روحية تطمئن لها قلوبهم فيما فعلوا معهم – وفيما حل بهم من نكال وعذاب على أيديهم.

          قال: (ما قطعتم من لبنة أو تركتموها قآئمة على أُصولها فبإذن الله).

الحرب الإقتصادية:

          وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه – وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته ، لو منعنا البترول عن أمريكا شهر واحد تبقى طائراتها ودباباتها قطعة خشبية على الأرض.

          قبل أن تدخل الجيوش ممكن أن تحارب العدو من غير سلاح إقتصادياً.

غانـــدى:

        أيام كان الإنجليز فى الهند قال لهم:  إنا لا نستطيع أن نحاربكم وليس عندنا سلاح ، أنا ماشى معايا معزة نشرب من لبنها ، وعصا أدفع بها الكلب عنى – ولكن أمركم ياأهل الهند الذين يحبونى أن تقاطعوا البضائع الإنجليزية ، ولا نُعطيهم أى محصول من عندنا (لاقطن) ولا نشترى منهم ولا نبيع لهم.

          وبعد مدة قليلة الإنجليز أفلسوا إفلاساً يقينياً وأعلنوا جلائهم عن الهند بدون أن تدفع الهند طلقة رصاص.

          ما الذى جعل إسرائيل عايشة مع أنها محاصرة بالدول العربية من حولها.

          لو أحكمنا الحصار – ولكن الخيانة فى وسطنا – بعض الدول العربية ترسل البضاعة إلى دولة أوروبية – الدولة الأروبية ترسلها إلى إسرائيل – وكأنك ياأبوزيد ماغازيت.  الرسول – صلى الله عليه وسلم – لما حرق النخل وقطعه كان هذا إجراءً إقتصادياً.

قال ابن العربى:  للحشر أول ووسط وآخر – فالأول إجلاء بنى النضير والأوسط إجلاء خيبر ، والآخر حشر يوم القيامة.

الأول الحشر:  المراد بالحشر هنا هو الإجلاء والإخراج – أول خروجهم من المدينة وذهبوا إلى خيبر وبعضهم إلى الشام وبعضهم إلى فدك أو تيماء.

الحشر الثانى:  حتى جآء عمر فى الخرجة الثانية فاجلاهم جميعاً وقد عمل بوصية النبى – صلى الله عليه وسلم – قبل موته (اخرجوا اليهود من جزيرة العرب).

          ولو أن الرسول كان يعلم أو يأمل فى هؤلاء الأنجاس وان فى معاملاتهم خيراً أو فى معاشرتهم سلمياً خيراً وسلما لما وصى الخُلفاء من بعده من إخراج اليهود من جزيرة العرب.

          السلف الصالح يوم أن واجهوا أعداء الله فى المعركة برز واحد من جيش الإسلام وجند الإيمان ومن حزب القرآن وقال يخاطب جُنود الكفار:

          (والله لو كنتم فى السحاب لأنزلكم الله إلينا – ولو كنتم فى جوف البحار لأخرجكم الله إلينا حتى يُنفذ فيكم قدر الله).

          وما أعلها ، وما أحلها وما أسماها من عقيدة – جندى مسلم يخرج بهذه العقيدة من بيته لابد أن ينتصر حتى ولو مات شهيداً.

          حتى قال ملك الصين يومها:  ما ندرى أنحارب جناً أم بشراً.  (ماظننتم أن يخرجوا)

          أنتم يامسلمين لا تظنُوا أن يأتى يوم من الأيام أن يخرجوا من حصونهم من الذى يطلعهم؟  ليس هناك قوة على الأرض تستطيع أن تخرجهم القوة جآءت من السمآء.

          ما ظننتم أيها المؤمنون أن يخرجوا من أوطانهم وديارهم بهذا الذل والهوان ، لعزتهم وشدة بأسهم لأنهم كانوا أهل حلقه (سلاح كثير) وحصون منيعة حيث كانوا أصحاب حصون وعقار ونخيل وثمار.

          الكفار كانوا معتمدين على حصونهم – والمسلمين كانوا خآئفين بعض الشئ منهم ولا يتصوروا أن يطلعوا (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا).

          اليهود قد كانوا يحسبون حساب كل شئ إلا أن يأتيهم الهجوم من داخل كيانهم.  فهم لم يحتسبوا هذه الجهة التى أتاها الله منها.

          وهكذا حين يشآء الله أمراً يأـى له من حيث يعلم ومن حيث يقدر وهو يعلمُ كل شئ ، وهو على كل شئ قدير.

          (يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين) هذه عبرة كبيرة.

          أى يهدمون بيوتهم بأيديهم من الداخل – كانوا يخربونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم – تصورى الرب لكى يشفى غيظ قلوب المؤمنين يسلط العدو على نفسه يخرب بيته بيده – وأيدى المؤمنين من الخارج.

          فكانوا (1) يقلعون العُمد – (2) وينقضون السقوف ، (3) وينقبون الجدران – لئلا يسكنها المؤمنون حسداُ منهم وبُغضاً – وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب من ظاهرها ليقتحموا حصونهم.

          (فاعتبُروا ياأُولى الأبصار).

          اتعظوا بحال بنى النضير الأقوياء كيف قذف الله الرعب فى قلوبهم واجلوا عن ديارهم فاعتبروا ياأولى البصائر فلا تغتروا بقواكم ولكن اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه..

الله يقول:  لو لم أخرجهم من المدينة (بنى النضير) كنت أحضرت لهم عذاب شديد فى الدنيا بالقتل والسبى:  أُحكم المسلمين فيهم يذبحونهم أو أُبعث عليهم مرض الطاعون – ولكن الله أختار لهم أبسط عذاب وهو خروجهم من المدينة – وفى الآخرة لهم عذاب النار المؤبد.

لماذا يارب هذا العذاب فى الدنيا والآخرة؟

          (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله)  ذلك:  أى بسبب ذلك الجلاء والعذاب بسبب أنهم خالفوا الله وعادوه وعصوا أمره ، وارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم ، ونقض للعهود فى حق رسوله.

          (ومن يُشاق الله فإن الله شديدُ العقاب)  رقم (4)

          ومن يخالف أمر اللهويعاند دينه فالله ينتقم منه لان عذابه شديد وعقابه أليم.

هذه طبيعة اليهود:

          لو كنا ندرس فى كلية الحربية وطلبة الحربية – الذين يقومون بالدفاع عن البلد – ويدرسوا تاريخ اليهود فى القرآن الكريم – وكيف أن ربنا سبحانه نكس اليهود ولعنهم (وليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) وكذلك ندرسها لطلبة الشرطة والإعدادية والثانوية.

          وندرس التاريخ من صغرنا نطلع مشبعين بروح القتال وإرادة القتال ونعرف عدونا – ومن أساس الإنتصار أن تعرف عدوك.

          (شاقوا الله ورسوله) بمعنى المنافرة والمحادة.

الرد من الله:

          (ما قطعتم من لينة أو تركتمُوها قائمة على أصُولها فبإذن الله ويُخزى الفاسقين).

          المسألة ليست فوضى الذى قطع لم يقطع بمزاجه والذى ترك لم يترك بمزاجه – أنتم أيها الصحابة إلا يد القدرة – يد الإرادة الألهية أنتم الذين سخركم الله فى تنفيذ مراده فى بنى النضير ، وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه – وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته – وإرادة الله وراء هذا وذاك.

          وبذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة – وتشفى صدورهم مما حاك فيها وتطمئن إلى أن الله هو الذى اراد – وهو الذى فعل – والله فعال لما يريد – وما كان الصحابة إلا أداة لإنفاذ ما يريده الله.

          وقد علم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نخل بنى النضير له ، ولكنه قطع وحرف لماذا؟؟  ليكون ذلك نكاية لهم ووهناً فيهم حتى يخرجوا عنها – وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعاً ، مقصودة عقلاً.

          (وما آفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب).

          قال الله تعالى رداً عليهم:  (ما ركبتم إليهم خيلاً ولا إبلاً ولا أسرعتم عدواً إليهم لأنهم فى طرف المدينة (على بعد ميلين) ، (1) فلم تتحملوا سفراً ، (2) ولا تعبأ ، (3)ولا قتال ولا موتا ولا جراحات فلذا لا حق لكم فيها فإنها فئ وليست بغنائم.

          وكما قلنا إن حكم هذا الفئ أنه كله لله والرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل – (وذو القربى) المذكورين فى الآيتين هم قرابة رسول الله لماذا؟  لأن الصدقات لا تحل لهم – وليس لهم فى الزكاة نصيب.

          وهذه الآية لا تقتصر على الحكم (حكم الفئ) ، إنما تفتح القلوب على حقيقة أخرى كبيرة (ولكن الله يُسلط رُسُله على من يشآء).

          فهو قدر الله وسنته – وقد سلط الله حسب سنته فى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائه بنى النضير – فحاز المال بدون قتال ولا سفر فهو له دون غيره ينفقه كما يشآء ، وقد أنفقه صلى الله عليه وسلم – ولم يبق منه إلا قوت سنة لأزواجه – رضى الله عنهن وأرضاهن.

          …  كان قدر ذهاب محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه إلى بنى النضير مثل الشمس التى تحرك فى الصيف والشتاء – …  كل حركة الرسول إلى كل معركة كانت (1)بوحى من الله ، (2) وبقدر من الله.

          وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – من شدة رحمته إذا وجد عصفورة تذبح كان قلبه يعتصر بالدم – إنه ليس رجل حرب – إنه أول المسلمين.

بمعـــنى:  أول المسالمين – المسلم يريد حياة السلم ولا نلجأ إلى القوة إلا أن ندافع عن عقيدتنا وعن إخواننا المضطهدين.

          إذا مال الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى السلم (هذا أمر من الله).

          وإذا مال إلى الحرب أمر من الله مصداقاً لقوله تعالى فى سورة التحريم الآية (9):

          (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).

          هذا أمر من الله لرسوله بجهاد الكفار (1) بالسيف ، (2) وشن الغارات عليهم حتى يُسلموا – والمنافقون بالقول الغليظ والعبارة البليغة المخيفة الحاملة للوعيد والتهديد.

          …  على المنافقين باللسان ، وعلى الكافرين بالسنان.

          الرب يضع الدواء على قدر الداء.

          الآية رقم (7) من سورة الحشر:

(مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

          ما رد الله من أموال أهل القرى التى ما فتحت عنوة ولكن صلحاً فتلك الأموال تقسم فيئاً على قرابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهم بنو هاشم وبنو المطلب – واليتامى الذين لا عائل لهم ، والمساكين الذى مسكنتهم الحاجة ، وابن السبيل: المنقطع عن بلاده وداره وماله. لماذا كل هذا؟  ما علة ذلك؟

          بينها الله تعالى بقوله:  (كيلا يكون) المال (دولة) متداولاً بين الأغنياء منكم ولا يناله الضعفاء والفقراء.

          فمن رحمة الله وعدله أن يقسم الفئ على هؤلاء الأصناف المذكورة.

          فى هذه الآية قاعدتين هامتين:

          الأولى:  قاعدة كبرى من قواعد التنظيم الإقتصادى الإجتماعى فى المجتمع الإسلامى (لكى لا يكون دُولة بين الأغنياء منكم).

          الثانية:  قاعدة كبرى فى التشريع الدستورى للمجتمع الإسلامى (ومآءاتكُم الرسولُ فخُذُوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

          ولهذا أقام الإسلام بالفعل.

          نظامه على أساس هذه القاعدة (قاعدة ألا يكون المال دولة بين الأغنياء وممنوعاً من التداول بين الفقراء – فكل وضع ينتهى إلى أن يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الإقتصادية الإسلامية ، كما يخالف هدفاً من أهداف التنظيم الإجتماعى كله.

          ففى الزكاة:  جعل حصيلتها 2,5 % من أصل رؤوس الأموال النقدية والعشر أو نصف العشر فى جميع الحاصلات (زكاة الزروع) ، وما يعادل ذلك فى الأنعام (زكاة الحيوان) ثم جعل 5/4 الغنيمة للمجاهدين فقراء وأغنياء ، بينما جعل الفئ كله للفقراء.

          الإسلام يقول:  على كل حاكم مسلم إذا وجد المال أصبح متداول بين طبقة خاصة من الأغنياء يعملون فى الإحتكار والربا حتى كونوا أو جمعوا أكبر قدر من الأموال عندهم وبقية الشعب محروم – فيجب على الحاكم أن يسرع ويضرب بيد من حديد على هذا الإحتكار ، وعلى هذه الرأسمالية الجشعة وأن يعيد التوازن بين طبقات الأمة.

          فإن الحروب والمذابح ما قامت إلا من تحت رأس تجمع المال فى جانب (حتى لا يكون دولة بين الإغنياء منكم).

          وهذا نص صريح فى القرآن وإنه لم يأتى لنا من أمريكا أو روسيا آتى من عند الله نفسه – لا تجعلوا الأموال متداولة بين الأغنياء ويحرم منها الفقراء.

          هناك ناس يموتون من كثرة الأكل والترف وناس تموت من الأنيميا وضعف البنية ومن عدم وجود غذاء أى شعب هذا؟

          شاهدت فى التلفاز المصرى واحد مذيع مع ضيفه الصحفى الشهير وهو يقول:  لقد حضرت أفراح قد تكلفت 16 مليون جنية – وفى نفس الوقت رب أسرة مرتبه 300 جنية – إن هذه الأسرة تبات بدون عشاء.

          والحديث يقول:

          (ما ضاع فقير إلا ببخل غنى ، إن الله سألهم ومعذبهم عذاباً شديداً).

          ولهذا وزع الرسول فئ بنى النضير على المهاجرين برضا الأنصار حتى يعمل توازن بين عنصرى الأمة.  (المهاجرين والأنصار).

 (والحمد لله رب العالمين)

         

 

اترك تعليقاً