جويرية بنت الحارث (أم المؤمنين)

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

ولدت جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار – رضى الله عنها قبل الهجرة بأربعة عشر عاما ، ونشأت مترفة فهى ابنه سيد قومه وزعيم قبيلة بنى المصطلق ، وتزوجها أحد فتيان خزاعة واسمه (مسافع بن صفوان).

وكانت مضرب المثل فى الجمال والحسن والأدب ، ولم يدر بخلدها أبداً أن تصبح أماً للمؤمنين وأن الله تعالى سيجعلها مؤمنة وزوجة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم.

من هم بنو المصطلق؟

          هم حى من خزاعة ، كانوا يغطون فى ظلام الجاهلية بزعامة رئيسهم (الحارث بن أبى ضرار) ، وكانت أنباء انتصارات الرسول – صلى الله عليه وسلم – تقرع آذانهم وتقبض مضاجعهم ، ويزين لهم الشيطان أنهم أقوياء وقادرون على محمد – صلى الله عليه وسلم – بقيادة زعيمهم ومعه بعض رجاله ، وليجمعوا بعض القبائل على قتال المسلمين والقضاء على دعوتهم ، وكان هذا فى السنة السادسة للهجرة.

غزوة بنى المصطلق:

          خرج إليهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومعه من نسآئه (عائشة بنت أبى بكر) حتى قابلهم عند مآء يسمى (المريسيع) قريباً من الساحل ، وبدأت المعركة بترامى الفريقان بالنبل ثم حمل المسلمون حملة شديدة قوية على أعدائهم‘ فكان النصر المبين ، وسبى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – النسآء والذرارى والنعم والشياه ، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد قتله رجل من الأنصار ظنا منه أنه من العدو ، وقد كان من ضمن السبى (جويرية بنت الحارث) بنت زعيم القبيلة.  وكان اسمها (برة) ولكن الرسول الكريم سماها (جويرية).  وقفل راجعاً إلى المدينة.

فبينما الرسول الكريم جالس يوماً فى حجرة عائشة ، سمعت امرأة تستأذن فى لقاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وقامت (عائشة) على الباب لترى من تلك ، فإذا شابة حلوة ، مفرطة الملاحة (جذابة)(لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه) فى نحو العشرين من عمرها ، ترتجف قلقاً وذعراً.  (سيرة ابن اسحاق 3 ص 307).

السيدة عائشة ، وذكرت الأسيرة الحسناء قالت:  فوقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس ، فكاتبها على نفسها ..  وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد الإ أخذت بنفسه ،فبينما النبى عندى إذ دخلت عليه (جويرية) تسأله فى كتابتها.  (طبقات ابن سعد 8 ص 116).

قالت جويرية:  يارسول الله ، أنا بنت الحارث بن أبى ضرار ، سيد قومه ، وقد أصابنى من البلاء مما لم يخف عليك ، فوقعت فى سهم لثابت فكاتبته على نفسى ، فجئتك أستعينك على أمرى).  فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (فهل لك من خير من ذلك؟) ، سألت فى لهفة وحيرة:  (وما هو يارسول الله؟).  قال:  (أقضى عنك كتابتك ، وأتزوجك).  ففرحت فرحاً شديد وقالت:  (نعم يارسول الله).

بركة العروس:

ودخلت العروس بيت النبى ، وما من امرأة أعظم على قومها بركة منها ، أُعتق بزواجها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أهل مائة بيت من بيوت بنى المصطلق.

جويرية فى بيت النبى – صلى الله عليه وسلم:

عاشت جويرية فى رحاب بيت الحبيب – صلى الله عليه وسلم – من القانتات العابدات الصائمات القائمات ، وكان صلوات الله وسلامه عليه يعلمها القرآن والسنة.

روت السيدة جويرية:  أن النبى – صلى الله عليه وسلم – دخل عليها يوم جمعة وهى صائمة فقال لها:  أصمت أمس؟  قالت: لا ، قال: (أتريدين أن تصومى غداً).  قالت: لا.  قال: (فأفطرى).  أخرجه البخاري.

وعنها أنها قالت:  أتى على رسول الله وأنا أُسبح ثم أنطلق لحاجته ثم رجع قريباً من نصف النهار فقال:  (أما زلت قاعدة؟).  قلت:  نعم ، قال:  (ألا أعلمك كلمات لو وزنتهن جميع ما سبحت:  سبحان الله وبحمده عدد خلقه وزنه عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته ثلاث مرات).

موقف عائشة من جويرية بعد حادثة الإفك:

عندما انتهت محنة الإفك ، وعادت عائشة – رضى الله عنها – على بيت النبى معتزة بما أنزل الله فى براءتها من آيات ، واجهتها (جويرية ) بجمالها الأخاذ ، فما كان من عائشة إلا أن قالت فى زهو وهى تنقل بصرها بين جويرية ، وزينب بنت جحش ، وأم سلمة ، وحفصة:  (لم يتزوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم بكراً سوى).

وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم:

عاشت جويرية فى بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحلى وأجمل أيام حياتها ، ولكن الأيام السعيدة الخالدة تنقضى بسرعة وسرعان ما جآءت الأحزان ، ومات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنتقل إلى الرفيق الأعلى ، ففقدت بذلك أُمهات المؤمنين جميعهن زوجاً وحبيباً ومعلماً للبشرية جمعاء ، فحزنت جويرية وسائر أمهات المؤمنين بوفاته – حزناً شديداً لكنهن صبرن واحتسبن لينلن أجر الصابرات المؤمنات.

وقت رحيل جويرية:

وقد عاشت إلى أن أستقر الأمر بمعاوية (أمير المؤمنين فى الشام) وتوفيت بالمدينة سنة ستة وخمسين هجرية ، وصلى عليها (مروان بن الحكم) أمير المدينة ، وكانت حياتها كلها علماً وتسبيحاً ودعاء وذكر لله عز وجل ، وقد بلغت السبعين من عمرها.

ودفنت بالبقيع إلى جانب أمهات المؤمنين وبنات الحبيب – صلى الله عليه وسلم – رضى الله عنها وأسكنها فسيح جناته.

وقد روت عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أحاديث مخرجة فى الكتب الست ، ومن الرواة عنها عبدالله بن عباس – رضى الله عنهما.

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً