سودة بنت زمعة أم المؤمنين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد:

فإنها صحابية جليلة من السابقات إلى الإسلام ، هاجرت الهجرتين الحبشة والمدينة المنورة.

إنها أم المؤمنين سودة بنت زمعة قالت عنها السيدة عائشة:  (ما رأيت امرآة أحب إلىٌ أنأ كون فى مثيلتها من سودة بنت زمعة).

هجرتها الأولى:  هاجرت سودة مع زوجها وابن عمها: (السكران بن عمرو بن عبد شمس) رضى الله عنهما وعاشا فى رحاب النجاشى ذلكم الملك العادل أطيب حياة فى ظل الإيمان واالتوحيد.

فلما عادا إلى مكة وجدا أن قريشاً مازالت تقف بالمرصاد لدعوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتسلط على أصحابه صنوفاً وألواناً من العذاب.

مرت الأيام وسودة وزوجها بصحبة الرسول وبصحبة القرآن الكريم وسنته لكن الأيام لا تسير على وتيرة واحدة والسعادة لا تدوم ولقد فاضت روح السكران إلى بارئها ، صبرت سودة صبراً جميلاً ورضيت بقضاء الله.

وتأثر الرسول – صلى الله عليه وسلم– أيما تأثر ، فما كادت (خولة بنت حكيم) تذكرها له ، حتى مد يد الرحمة إليها يسند شيخوختها ، ويهون عليها الذى ذاقت من قسوة الحياة.

زواج مبارك:  بعد وفاة السيدة خديجة – رضى الله عنها ، وكان الرسول حزيناً لفراقها ، فتجرأت واحدة من فضليات نسآء الصحابة وهى (خولة بنت حكيم) لتعرض هذا الأمر على رسول الله – صلى الله عليه وسلم.  قالت: يا رسول الله ألا تتزوج ؟  قال: من ؟  قالت:  إن شئت بكراً ، وإن شئت ثيباً ؟.

      قال:  (من البكر ؟) قالت خولة:  ابنه أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبى بكر.  قال: (ومن الثيب ؟) قالت: سودة بنت زمعة آمنت بك ؟  على ما أنت عليه.  قال: (فاذهبى فاذكريها علىَ) (رواه الطبرانى).

فذهبت إلى سودة وأبيها وكان شيخاً كبيراً فقالت: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة ؟  فقالت سودة:  فى دهشة وما ذاك يا خولة ؟

قالت خولة: أرسلنى رسول الله لأخطبك عليه ، ثم قالت: وددت ذلك ولكن أدخلى على أبى فاذكرى له ذلك.

دخلت خولة على أبى سودة وحيته بتحية أهل الجاهلية وقالت:  (أنعم صباحاً ثم عرفته بأن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب يذكر ابنته سودة.  قال:  إن محمداً كفء كريم وتمت الموافقة على الزواج ، وجآء الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى بيت أبيها عقد عليها وأصدقها أربعمائة درهم.  (رواه الطبرانى).

أصبحت سودة أماً للمؤمنين ومكثت عند النبى – صلى الله عليه وسلم – نحو ثلاث سنوات حتى تزوج عائشة – رضى الله عنهما.

وكانت سودة دائماً تحاول أن تملأ الفراغ الذى تركته السيدة خديجة رضى الله عنهما ، فكانت تخفف عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما كان يلقاه من اضطهاد المشركين.

ولم يكن يخطر ببالها أن تصبح فى يوم من الأيام أماً للمؤمنين وزوجة لسيد الأولين والآخرين ولكنها إرادة الله وذلك فضل الله يؤتيه من يشآء ، والله ذو الفضل العظيم.

وعرفت سودة من اللحظة الأولى التى جمعتها بزوجها ، أن (الرسول) هو الذى تزوجها ، لا (الرجل) الذى لم تجرده النبوة من بشريته.

وأيقنت دون ريب ، أن حظها من الرسول بر ورحمة ، لا حب وتآلف

كانت سودة تقوم على بيت النبى – صلى الله عليه وسلم – حتى جآءت (عائشة بنت أبى بكر) فأفسحت لها (سودة) المكان الأول فى البيت ، وحرصت على أن تتحرى مرضاة العروس الشابة ، وأن تسهر على راحتها.

وهبت ليلتى لعائشة:لقد أراد النبى الكريم أن يسرح سودة سراحاً جميلاً كي يعفيها من وضع أحس أن يؤذيها ، فانتظر – صلى الله عليه وسلم – إلى أن جآءت ليلتها ، فأنباها مترفقاً بعزمه على طلاقها.  وسمعت النبأ ذاهلة ، فهمست فى ضراعة: (أمسكنى ، ووالله ما بى على الأزواج من حرص ، ولكنى أحب أن يبعثنى الله يوم القيامة زوجاً لك ، وفجأة لاح لها خاطر سكنت له نفسها ، فقالت فى هدوء:  (أبقنى يا رسول الله ، وهب ليلتى لعائشة ، وإنى لا أريد ما تريد النسآء) (لابن حجر فى الإصابة).

      فقبله االنبى – صلى الله عليه وسلم ، وفى ذلك نزلت: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) سورة النساء الآية (128). 

شهادة التاريخ لسودة – رضى الله عنها:

لقد كانت للسيدة (سودة) رضوان الله عليها مواقف خالدة يشهد لها التاريخ:

أولاً:  لقد كانت المودة والرحمة تسود بيت النبى – صلى الله عليه وسلم – وكانت سودة – رضى الله عنها تمازحه كثيراً وتضحكه وتدخل السرور والبهجة على نفسه.

ثانياً:  لقد كانت رضى الله عنها كريمة وسخية لا تميل إلى زخرف الدنيا ، فكلما جآءها مال كانت تؤثر به من حولها رغبة فى ثواب الله عز وجل.

      فقد بعث إليها (عمر بن الخطاب) رضى الله عنه بغرارة دراهم فقالت:  ماهذا ؟  قالوا: دراهم ، وأخرجت الدراهم كلها فى سبيل الله.

قضاء الله نافذ:

(1)          تعايشت سودة – رضى الله عنها – مع كتاب الله وسنة النبى – صلى الله عليه وسلم – بقلبها وجوارحها سنوات طوال ، لكن جآء اليوم الذى دخل الحزن قلبها فلقد توفى رسول الله ورحل إلى الرفيق الأعلى.

وحسبها أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قد مات وهو راض عنها وسوف تكون زوجة له فى الجنة االتى فيها االنعيم الدائم.

ولقد امتدت بها الحياة إلى آخر خلافة (عمر بن الخطاب) رضى الله عنه ونامت على فراش الموت وفاضت روحها إلى بارئها.

إنها قدوة حسنة لنسائنا وبناتنا العفيفات الطاهرات – رضى الله عنها وأسكنها الفردوس مع االنبيين والصديقين وحسن أُولئك رفيقاً.

( والحمدلله رب العالمين )

اترك تعليقاً