حقيقة الرسالة المحمدية

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

        ولقد أثبت لنا التاريخ أن عتبة بن ربيعة المكنى بأبا الوليد جآء إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – وقال:  يامحمد أحدثك عن مهل- لقد جئت (1) بما فرق بين الآباء والأبناء ، (2) وسفهت عقول قومك ، (3) وضلالتهم ، (فإن كنت تريد من وراء هذا العمل رياسة رأسناك علينا حتى لا نقطع أمراً دون مشورتك ، (2) وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك مالاً حتى تكون من أغنانا ، (3) وإن كنت تريد زواجاً زوجناك أجمل بنت أو أمرأة فى العرب ، (4) وإن كان الذى يأتيك مس من الجن ألتمسنا لك العلاج حتى تشفى من هذا المرض).

        وكان هذا من البلاء الذى صُب على النبى – صلى الله عليه وسلم – كأن القوم فى شك من أمره أو كأنه طالب مُلك أو منفعة شخصية.

        فرد عليه النبى وقال:  (أفرغت ياأبا الوليد؟ قال: فرغت.   بسم الله الرحمن الرحيم:

(حم(1)تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(2)كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(3)بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)(4) سورة فصلت.

        حتى وصل إلى قوله تعالى الآية (13):

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ).

        تخير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذه الآيات من الوحى المبارك ليعرف محدثه حقيقة الرسالة والرسول. إن محمداً عليه الصلاة والسلام يحمل كتاباً من الخالق إلى خلقه يهديهم.

        واستمر يتلُوا هذه الآيات المباركات حتى وصل إلى سجدتها وسجد سجود التلاوة فى الآية (37 ، 38):

(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(37)فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ)(38).

        وأبو الوليد عتبة فى ذهول كامل من حلاوة ما يسمع ومن بلاغته وقد وضع يده خلف ظهره – فلما فرغ النبى من التلاوة قال:  (يا أبا الوليد أسمعت؟  هذا هو الذى عندي).

        ورجع أبوالوليد وقال:  يا أيها الناسُ كيف أنا فيكم؟  قالوا:  مُطاع مهاب مهيب.  قال:  والله لقد سمعت كلاماً ما هو بقول البشر.  قالوا:  سحرك محمد.  قال:  هذا رأى فاصنعوا به ما تشآءون.

        لما وجدوا أن عُظمائهم لا يستطيعون أن يصرفوا النبى عن دعوته أرادوا أن يهزموه من جهة الرسالة نفسها (من جهة تفكرهم).

        فذهب وفد منهم إلى اليهود فى المدينة وقالوا:  لقد خرج رجل يدعى النبوة – قال لهم اليهود عليهم لعائن الله فى البر والبحر والجو إن يسألوه فإن أجاب فهو نبى يوحى إليه ، وإن لم يجب فهو دجال من الدجاجلة – (1) أسألوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول ولم يعودوا؟. (2) عن رجل طواف طاف بالمشارق والمغارب؟  (3) عن الروح ما هى؟.  فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبى).

        جآءوا كفار قريش فرحين وقالوا: يامحمد أجبنا ونسى رسول الله أن يقول إن شآء الله غداً إذا جآء الوحى.  ولكنه قال: إذا كان الغد أُجيبكم على أمل أن جبريل ينزل عليه دائماً ، وسيقول له الجواب – ولأنه نسى أن يقول:  إن شآء الله انقطع الوحى.  وكان ذلك بلاء من السمآء إضافة إلى بلاء الأرض حتى شمت فيه الأعداء وقالوا:  (لقد تلاه ربه أو تركه مولاه) ثم نزل عليه الوحى إجابة بما سئلوا مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الكهف الآية (13):

أولاً(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).

        أنظر تفسير سورة الكهف كاملة فى قسم التفسيرعلى هذا الموقع كان عددهم (7) والكلب (8): (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) ، وظلوا فى الكهف 309 سنة 300 بالحساب الشمسى و 309 بالحساب القمرى.

ثانياً:ثم قصى عليهم قصة ذى القرنين فى سورة الكهف الآية (84 ، 85):

(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا(84)فَأَتْبَعَ سَبَبًا)(85).

        ذى القرنين رجل مؤمن صالح ملك شرق الأرض ومغربها وكان من أمره ما قصة الله تعالى علينا فى سورة الكهف.

ثالثاً:الروح:           قال تعالى فى سورة الإسراء الآية (85):

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً).

        الروح أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله تعالى مُبهماً له – ليعرف الإنسان عجزه عن  معرفةحقيقة نفسه مع العلم بوجودها (الروح من الأمر الذى لا يعلمه إلا الله).

        ووجهه الله سبحانه وتعالى فى ثنايا سورة الكهف (أنه لا يصح أن يعد وعداً من غير أن يربطه بمشيئة الله).

وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا(23)إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ)(24).سورة الكهف

        لا تقل يامحمد فى شأن تريد فعله مستقبلاً أى سأفعل كذا ، إلا تقول إن شاء الله – وأنه عندما لم يقل إن شآء الله ، فأدبه ربه تعالى إنقطاع الوحى 15 يوماً – وأنزل هذه السورة وفيها هذا التأديب له وقوله:  (واذكر بك إذا نسيت) أى إذا نسيت الإستثناء الذى علمناك فاذكره ولو بعد حين لتخرج من الحرج….

من مواقف الأعراب المشركين:

        وقال له رجل أعرابى وأراد أن يُعنته (يتعب قلبه من جهة التحديات) فقال يامحمد امرأتى حامل متى تضع ، (2) وناقتى حامل متى تلد ، (3) وأرضنا جدباء فمتى ينزل المطر ، (4) ومتى تقوم الساعة ؟؟

        ولما كان صلى الله عليه وسلم مرسلاً بهداية النفوس ولم يرسله الله ليكون حاوى أو يضرب الرمل – نزل قوله تعالى فى سورة الأعراف الآية (188):

(قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ). 

        وقال تعالى فى سورة لقمان الآية (34):

(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). 

        وهكذا كان جواب النبى – صلى الله عليه وسلم – صريحاً لا التواء فيه لم يملأ آذانهم بالوعود الكاذبة ولم يدعى الغيب بل ولم يدعى أنه ملك (قل إنما أنا بشر مثلكم) (قل لا أقول لكم إنى عندى خزائن الله) الذى يسلم (من أجل) أن يأخذ الخزائن ويغرف الأموال لا يُسلم يروح فى دهية – الذى يُسلم يدفع الضريبة وهى البلاء.

        قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (يامصعب يابن عمير حيثُ أنك أسلمت فاعد للبلاء جلباباً فإن البلاء أسرع إلى من يحُبُنى من سرعة الماء إلى منحدره).

        ثانياً:  وجآء له قوم بني صعصعة وأرادوا أن يسلموا وكان قوم كثيرين والرسول يعلمُ لو أنهم أسلموا سوف يُسلم على أيديهم خلق كثير ولكنهم أشترطوا عليه أن تكون (1)الخلافة لهم من بعده هو …. (2) وأن يكونوا وارثين له فى ملك الخلافة – ولما كان الرسول صادق فى دعوته يقول:  ده فرصة نكثر الإسلام وبعدها يحلها ربنا أبداً لقد بنى الرسول دعوته وأسسها على الصدق من أول لحظة فقال لهم: (الأمرُ لله يضعه حيث يشآء) – (والأرض لله يرثوها من يشآء من عباده) ده نبوة وليست ميراث ينتقل من الأب إلى الأبن.

قالوا:  أنُعطيك نحورنا وشبابنا يموت فى أثناء الجهاد والدفاع عن الإسلام وبعد ما تموت يأخذها غيرنا ...

        قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (هذا أمر سأترُكه للهفأما أن تدخلوا راضين بالدين وليس باشتراط وأما فاللهُ غنى عنكم وعن العالمين).

        ثالثاً:  وأراد الكفار أخيراً بعد هذا التحدى وبعد أن طلبوا منه عدة طلبات كما أنبأنا الله فى سورة الإسراء الآية (90 – 93):

(وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا(90)أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا(91)أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً(92)أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً)(93).

        لن نتابعك على ما تدعو إليه من التوحيد والنبوة لك والبعث والجزاء لنا حتى (1)تجرى لنا عيناً ماؤها تجرى على وجه الأرض لاينقطع ، (2) أو يكون لك بستان من نخيل وعنب والأنهار فى وسطها ، (3) أو السمآء تُقطع تسقط علينا قطعاً ، (4) أو تأتى أنت والله والملائكة وتكون المقابلة نراهم معاينة ، (5) أو يكون عندك بيت من ذهب تسكنه بيننا ، (6) أو تصعد بسلم ذى درج فى السمآء ولم نؤمن لك إذا طلعت السمآء حتى تنزل علينا كتاباً من عند الله نقرؤه ومنه يأمُرنا الله بالإيمان بك وإتباعك.

        وهذه ست طلبات كل واحدة اعتبروها آية وعندما يشاهدوها سوف يؤمنوا به..  واللهُ يعلمُ أنهم لا يؤمنون – فلذا لم يستجب لهم وقال لرسوله:  قل يامحمد لهم (سُبحان الله) متعجباً من طلباتهم أنا بشر ورسول فقط كل هذه الطلبات لا يقدر عليها عبد مأمور مثلى.  وإنما يقدر عليه رب عظيم قادر يقول للشئ كن…. فيكون!

        وبعد ذلك ذهبوا إلى أبى طالب

        وألحوا عليه أن يريحهم من محمد – صلى الله عليه وسلم – وحاول أبوطالب فوجد الصلابة والإصرار من نبينا عليه الصلاة والسلام – حتى قال له قولته المشهورة: (والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته).

        ورد أبوطالب على ابن أخيه اذهب فقل ما شئت وما أحببت وادع بما شئت فالوالله لم أسلمك لهم أبداً.

        فلما عرف الكفرة أن أبا طالب لم يُسلمُ لهم محمداً فتفقوا على قتل محمد ولكن كيف يقتلونه؟؟

        بدأوا يفكرون فلما تسرب الخبر إلى أبى طالب وخاف على ابن أخيه الذى يحميه ، مع أن أبا طالب على غير دينه ، ولكنها العصبية العربية حملته على الحميةوهذا يكون عار عند العرب أن الذى تشملهُ بحمايتك ورعايتك يُقتل وأنت موجود.

 

 

( والحمدلله رب العالمين )

 

اترك تعليقاً