رملة بنت أبى سفيان (أم حبيبة)أُم المؤمنين .

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

رملة هذه سيدة:  (1) ليس ينقصها مركز اجتماعى ، (2) ولا منصب ، (3) ولا شهرة بيت العز كله – وتتنازل عن بيت الزعامة وبيت العز لأنها شمت فيه روح الكفر والأصنام والخرافات واختارت طريق الله طريق الإسلام وهى تعلم تمام العلم أن طريق الإسلام كله صعوبة وأنها سوف تتحمل من أهلها كل عنت فكانت حلاوة الإسلام فى قلبها تطغى على كل التضحيات– وهى تعلم أنها تسلك طريق كله أشواك وكله الآلآم ولكن أنستها حلاوة الإيمان مرارة الآلآم.

فسبحان من وفقها وسبحان من هداها ، وسبحان من أتاها الخير كله.  رملة كانت قد تزوجت فى مكة أيام الشرك والجاهلية واحد اسمه (عُبيد الله بن جحش) ولما جآء الإسلام رغم الحصار القاتل حول المؤمنين الضعفاء فى مكة.  كيف تسرب الإسلام إلى هذا البيت بيت أبى سفيان؟؟  الذى كان يحرك مكة كلها بأصبعه.

لماذا رب العزة يختار عينات؟

من أجل أن يأتى واحد ويقول إن الذين ءامنوا بمحمد – صلى الله عليه وسلم – كانوا فقراء مثل عبدالله بن مسعود – وصهيب وبلال الحبشى – الذين لا يجدون ما يأكلون – هنا ربنا يقول انظر إلى هذه المرأة رملة بنت أبى سفيان وهى عربية صميمة.

ولما جآء الإسلام هدى الله قلبها وأسلم معها زوجها عُبيد الله ، ولكن كان إسلامه ضعيف مزعزع وهو قد تزوجها من أجل مركز أبوها.

رملة هذه لم تطق أن تكتم إسلامها.  مع أن الرسول نبه على المسلمين أن يكتموا إيمانهم حتى يقوى الإسلام …  ولكن رملة أعلنت فى جوف بيت أبيها بأنها مسلمة رغم أنف أبيها وأخواتها وبنى حرب بن عبد شمس.  وهذا يعتبر عندهم طعنة فى صدر الزعامة أبى سفيان يضرب المسلمين الفقراء ويتشطر عليهم ثم يجد ابنته وليس ابن – أبوها قال لها:  يارملة أنا شايف أنك فى عزله – فيه حاجة؟  قالت:  نعم ، أمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولاً ، قال:  هكذا فى وجهى؟  قالت:  وأتمنى من الله أن يهديك الله.  الرجل لم يتحمل كيف تخرج البنت عن طوع أبيها؟  وكما قال الله تعالى فى سورة الفتح الآية (26):

(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).

الحمية:  العصبية  =  الغضب الشديد  –  الكبرياء بالباطل

قال: ماذا أقول للناس..  واستخدم أبوها كل أنواع العنت – كان لا يريد أن يخرج هذا الخبر إلى الناس فاستعمل معها التعذيب الصامت كيف؟  وهو يسد فمها بشى فيه مآء ليكون فيه بعض الهواء حتى لا تختنق ولا تصرخ –  (1) ويضرب لكى لا تستطيع أن تستغيث ،  (2) ويلف الضفائر الخاصة بها على يده ويمسح بها الأرض وإذا تعب سلمها لأخيها معاوية ابنه – حتى أن شعرها تناثر شعرة شعرة وتصبح صلعاء وهى فى منتهى الثبات وتقول:  (إفعل ما تشآء آمنت بربى وحبه ملءُ قلبى) ، وأشتد عليها العذاب.

وفى أوقات الراحة كانت رملة تتسرب وتذهب إلى بيت الأرقم بن أبى الأرقم – وتسمع من النبى آيات الله تُتلى فتعود بشحنة الإيمان.

(جددوا إيمانكم أكثروا من قول لا إله إلا الله).

فكانت تتعب فى البيت ثم تذهب وتسمع القرآن وترى وجه الرسول عليه الصلاة والسلام.

ولما الحالة اشتدت.  أمرهم الرسول بأمر من الله أن يهاجروا إلى الحبشة لأنها أرض صدق وإن بها ملك لا يظلم عنده أحد وكان من ضمن المهاجرات رملة وزوجها عُبيد الله – وكانت متألمة عند سفرها لأنها سوف تُحرم من رؤية وجه النبى – صلى الله عليه وسلم.

فقال لها النبى  – صلى الله عليه وسلم:  كلما نزل سوء على إحداكن نزل على قلبى – وكما قال فى حديثه:  (لا يصابُ أحدُكم بشوكة فما دونها إلا وجدتُ ألمها فى قلبى) (132) مسلم ومسلمة عذاب بالليل والنهار كل ذلك مصب على الرسول لأنه حامل همهم ، الرسول متألم من أجلهم لماذا؟  المؤمنون هولآء بيتعذبوا ليه؟  من أجل الله ومن الذى عرفهم طريق الله؟  الرسول…من صور العذاب؟

الذين يحرمون من الأكل والشرب – واللبن يجف فى صدر المرأة والصغير سوف يموت من الجوع – كل ذلك الآلام – ربنا قال له: صرحنا لهم بالهجرة.

وفى ليلة السفر رأت رؤية: (أن قمراً فى ليلة التمام سقط من السمآء فى حجرها) ، وعجبت كيف يسقط قمر السمآء فى حجرى؟؟؟

وقصت هذه الرؤية على رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقال:  (إن صدقت رُؤياك فسوف يجمع الله بيننا على خير).

فذهبت – واستمرت فى الهجرة مع باقى المسلمين والمسلمات يبُاشرن شعائر الدين فى حُرية وأكرمهم الله بالنجاشى فعلاً وأسلم الرجل وقال:  لو استطعت أن أترك ملكى هذا لذهبت إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – فى مكة وغسلت التراب عن قدميه بدموع عينى وقامت عليه ثورة ضده ولكن ثبت وهو صادق 100%.

الهجرة إلى الحبشة كانت تسمى نوع من الإيواء المؤقت – رملة أنجبت ابنتها حبيبة وسميت بأم حبيبة.

ثم رأت رؤية أخرى أن زوجها عُبيد الله نُسخ نصفه الأعلى كلباً ونصفه الأسفل خنزيراً بمعنى:  رأسه رأس كلب وجسمه جسم خنزير – فأصبحت متشآئمة وتتفل عن يسارها وتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وحولت جنبها ، وكما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إذا رأى أحدكم ما يكره (1) فليتفل عن يساره ثلاثاً ، (2) ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (3)وليتحول عن جنبه فإنها لا تضره).

ذهبت إلى عثمان بن عفان وقالت: رأيتُ رؤية لزوجى ، فقال عثمان:  لقد تعودنا منك على الرؤيا الصح.  وإذا بالأنباء تأتى لها بأن زوجها تنصر وغير دينه.  كان إسلامه ضعيف.

تصورى واحدة سيدة:  (1) تركت أبوها أبوسفيان بحالة ولقيت فى سبيل الله ما لقيت ، (2) ثم يأتى زوجها ويتنصر وأبو أبنتها ، (3) فجآء ليحاول معها لكى تتنصر فطردته.

واعتزلت (رملة) الناس شاعرة بالخزى لفعلة زوجها ، وأغلقت الباب عليها ، لا تريد أن تلقى الناس فى دار هجرتها ، ولا سبيل لها إلى أرض الوطن ، لأن أبوها يعلن حرباً شرسة على النبى الذى صدقته وآمنت به…

زواج النبى – صلى الله عليه وسلم – من رملة:

ومرت فترة من الزمن وهى فى عزلتها الحزينة ، فما شعرت ذات يوم إلا وطرقات على بابها – وفتحت (أم حبيبة) الباب ، فقالت الجارية:  (إن الملك يقول لك:  وكلى من يزوجك من نبى العرب ، فقد أرسل إليك ليخطبك له!).

ماذا فعلت رملة عندما سمعت هذا الخبر السار؟

(1)            نزعت سوارين لها من فضة فقدمتها إليها حلاوة البشرى.

(2)            أرسلت إلى (خالد بن سعيد بن العاص) فوكلته فى زواجها.

قال النجاس:  (إن محمد بن عبدالله كتب لى أن أزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان ، فاتجه إليه خالد بن سعيد ، فقال النجاشى:  (فزوجها من نبيكم ، وقد أصدقتُها عنه أربعمائة دينار وقيل:  أربعة آلاف.  قال خالد بن خالها الأموى (من بنى أُمية):  (قد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وزوجته أم حبيبة).

وأؤلم لهم النجاشى وليمة الزواج قائلاً:  (اجلسوا ، فإن من سُنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزوج).  وأولم عليها عثمان بن عفان لحماً وثريداً (فتة).

وباتت بنت أبى سفيان وهى (أم المؤمنين) وزوجة لخاتم النبيين والمرسلين ، وبذلك فإن الله قد عوضها خيراً.

وفى الصباح جآءت الجارية تحمل إليها هدايا نسآء الملك من عود وعنبر وطيب ، وتقبلت (أم حبيبة) الهدية شاكرة ، فاحتفظت بها حتى حملتها معها إلى بيت النبى.

ما هدف الرسول – صلى الله عليه وسلم – من عقد قرانه على رملة؟

(1)            يريد أن يحميها ويسندها من صدمة تنصر زوجها.

(2)            الرؤيا التى رأتها قبل أن تهاجر إلى الحبشة (إن قمراً سقط من السمآء فى حجرها) وليس هناك قمر إلا سيد البشر محمد – صلى الله عليه وسلم.

(وإذا أراد الله أمراً هيأ له الأسباب وفتح لأجله ألف باب).

وانتقلت إلى بيت النبوة فى المدينة ، وأولم عثمان بن عفان وليمة حافلة نحر فيها الذبائح وأطعم الناس.

واستقبلت نسآء النبى زميلتهن (أم حبيبة) بشئ من المجاملة ، ولم تر (عائشة) فيها أول الأمر ما يشعل غيرتها ، إذ كانت رملة تدنوا من عامها الأربعين ، وليس لها سحر صفية، ولا ملاحة جويرية ، ولا حسن أم سلمة ، ولا جمال زينب.

وأبدت عائشة استعدادها لقبول الزوجة الجديدة فى صفها ، لكن بنت أبى سفيان لم ترضى أن تكون تابعة لأخرى.  وأنكرت عائشة كيف أن رملة لم تسعى لكسب رضاها – وأيضاً أنكرت رملة على عائشة الزهو الطامح إلى الإستئثار بالنفوذ فى بيت النبى.

وبلغ (رملة) أن قريشاً نقضت عهد (الحديبية) وأيقنت أن زوجها (محمد) صلى الله عليه وسلم لن يسكت على ضيم ولن يرضى أن يغدر به ، فهل تراه يغزو مكة؟  وفيها أبوها ، وإخوتها وعشيرتها.

اجتمع رأى المشركين فى مكة على إرسال أبى سفيان بن حرب.  وليمض إلى (محمد) خصمه الألد ، يسأله الموادعة والمسالمة!

وصل أبو سفيان إلى المدينة ودخلها ليلاً ، وقابل ولد صغير فقال له أبوسفيان: أين بيت رملة؟  قال الولد:  رملة من ؟  فقال له أبوسفيان: (رملة بنت أبى سفيان).  قال الولد: لا توجد واحدة اسمها رملة لم يربيك أباً ولا أُماً ، نحن عندنا أم المؤمنين.  قال أبوسفيان: نعم هى هل تعرف بيتها.  قال الولد: نعم ، ولكن من أنت؟  لعلك عين (جاسوس).  قال أبوسفيان: معى أمانة لها أعطيها لها وأنا ليس عين.  قال الولد:  أمشى معى وحيث وقفت قف ، لما وصلا إلى البيت سأل أبوسفيان: هل الرسول عندها الليلة؟  قال الولد: لا.  حتى الولد عارف متى يمر الرسول على السيدة رملة.  (هناك تلاحم بين القمة والقاعدة).

موقف رملة من أبيها أبوسفيان:

وقفت تجاهه بادية الحيرة ، لا تدرى ماذا تفعل؟  أو ماذا تقول؟

أدرك (أبوسفيان) ما تعانيه ابنته ، تقدم من تلقاء نفسه ليجلس على الفراش ، فاختطفت الفراش وطوته فى إعزاز ، سألها لماذا طويت الفراش.  قالت (رملة): (هو فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وأنت رجل مشرك (نجس) فلم أحب أن تجلس عليه) ، وأنصرف مقهوراً.

سمعت أم المؤمنين (رملة) ما جرى لأبيها (أنه عاد كما جآء) فما زادت على أن دعت لزوجها بالنصر ، وقد رأته يتخذ أهبته للمعركة الفاصلة فى البيت الحرام.  ونسآء النبى – صلى الله عليه وسلم – يراقبنها وهى فى موقفها ذاك الدقيق الحرج.

توجهت (رملة) إلى السمآء ، تدعو الله أن يهدى أبوسفيان إلى الإسلام.  وأحست طمأنينة وسلاماً ، فتلت قوله تعالى من سورة الممتحنة الآية (7):

(عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

وصل الخبر بما كان من لقاء النبى – صلى الله عليه وسلم – بأبى سفيان فقال (العباس بن عبدالمطلب) لأبى سفيان:  (ويحك يا أبا حنظلة ، فأسلم ثكلتك أمك وعشيرتك).

قال أبو سفيان:  (فما الحيلة فداك أبى وأمى؟).  فأردفه (العباس) وراءه على الدابة ، وسار به خلال المعسكر مساراً بعشرة ألاف من المسلمين أوقدوا نيرانهم لتلقى الرعب فى قلوب المشركين ، حتى وصل إلى النبى – صلى الله عليه وسلم فقال له: (ويحك يا أبا سفيان ألم يأذن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟ ، ويحك يا أبا سفيان ألم يأذن لك أن تعلم أنى رسول الله؟ قال:  (إن فى النفس منها حتى الآن شيئاً).  ولكن (أبا سفيان) ما لبث أن أعلن إسلامه.

فقد أكرمه النبى – صلى الله عليه وسلم فقال:  (من دخل دار أبى سفيان فهو آمن).

فهتفت أم حبيبة وقد هزها الفرح ، وسجدت لله شاكرة.  وقامت لترى وقع النبأ الجليل على عائشة ، وحفصة ، ومن تلك اللحظة لم تقبل أن تتحداها (عائشة).

وظلت ما عاشت ، تقف لعائشة بالمرصاد ، وتتصدى لها كلما أسرفت أو أشتطت فى اعتدادها بمكانتها.

الفراق المؤلــم:

          مرت الأيام سريعة متوالية ومرض الرسول – صلى الله عليه وسلم – مرضه الأخير وانفطر قلب أم حبيبة حزناً على وفاته – صلى الله عليه وسلم ، الذى كان لها نعم الزوج ، ونعم الحبيب وظلت على عهدها عابدة قائمة صائمة وطال بها الأجل ، حتى أصبح أخوها معاوية بن أبى سفيان – رضى الله عنه – خليفة للمسلمين.

حان الرحيـــل:

          دعت إليها (عائشة) بنت أبى بكر فقالت لها وهى تحتضر:  (قد كاد أن يكون بيننا ما يكون بين الضرائر ، فتحلليننى من ذلك؟  فحللتها (عائشة) وأستغفرت لها.  وعندها أضاء وجه رملة الشاحب بنور الرضى وهمست:  (سررتنى سرك الله).

          وكذلك فعلت مثل ذلك مع (أم سلمة) زوج النبى ، ثم رقدت بسلام – ودفنت فى البقيع فى المدينة المنورة فى سنة 44 هجرية.

كم عدد الأحاديث التى روتها عن النبى؟

          لها فى الكتب الستة 65 حديثاً (خمسة وستون حديثاً).

          رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.

(  والحمدلله رب العالمين  )

اترك تعليقاً