قصة المائدة وموضوع الرهبانية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين.

 

أما بعد،،،،

 

          فهناك حديث عن ابن عباس وحديث آخر عن سلمان الفارسى وحديث عن عمار بن ياسر وغيرهم من السلف قالوا:

          (أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام 30 يوماً وقالوا:  ياعيسى لو عملنا لأحد فقضينا عملنا لأطعمنا ، وإنا صمنا وجُعنا فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السمآء.. ، وتطمئن بذلك قلوبنا ، قال عيسى عليه السلام:  (1) إن الله قد تقبل صيامكم ، (2) وأجابكم إلى طلبكم ، (3) وتكون لنا عيداً نفطر عليها يوم فطرنا ، (4) وتكون كافية لأولهم وآخرهم ، لغنينا وفقيرنا ، قام إلى مُصلاه ولبس ثياب الصوف وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله فى الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا ، فأنزل الله تعالى المائد من السمآء والناس ينظرون إليها وهى تنزل بين غمامتين ، غمامة من فوقها وغمامة من تحتها فقال عيسى:  اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها فتنة (نقمة) وأن تجعلها بركة وسلامة فهبطت بين يدى عيسى عليه السلام ، وهى مغطاة بمنديل – فخر عيسى ساجداً والحواريون معه وهم يجدون لها رائحة طيبة لم يجدوا مثلها أبداً ، فقام عيسى عليه السلام يكشف عنها وهو يقول:  بسم الله خير الرازقين .

ممن تتكون المائدة؟؟

          سبعةُ من الحيتان – وسبعةُ أرغفة خل ورُمان وفاكهة ومعها زيتون وشئ من اللحم ، مائدة فيها كل عناصر المائدة.  قال لهم عيسى كلوا – فأبت الحواريون أن يأكلوا منها خشية أن تكون عقوبة وفتنة فلما رأى عيسى ذلك دعا عليها الفقراء والمساكين والمرضى والمُجذمين والمقعدين والعُميان وقال عيسى:  (كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واحمدوا الله عليه) فبرئ كل سقيم أكل منها واستغنى كل فقير.

          فلما رأى ذلك الناس ازدحموا عليه فما بقى صغير ولا كبير ولا شيخ ولا شاب ولا غنى ولا فقير إلا جاءوا يأكلون منه – فجعلها عيسى عليه السلام نُوبا بينهم فكانت تنزل يوماً ولا تنزل يوماً كناقة ثمود (سيدنا صالح) ثم ترجع إلى السمآء والناس ينظرون إلى ظلها حتى تتوارى عنهم ، فلما تم اربعون يوماً أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام:  (ياعيسى اجعل مائدتى هذه للفقراء دون الأغنياء).

(1)   فتمارى الأغنياء فى ذلك وعادُوا الفقراء (الشك فيه) وتكلم منافقوهم فى ذلك فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا فى ذلك خنازير.   (لأن شُؤم المعصية يعم على الكل).

          وعن عمار بن ياسر – رضى الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (نزلت المائدة من السمآء خبز ولحم وأُمروا أن لايخونوا ولايدخروا ولايرفعوا لغد ، فخافوا وادخروا ورفعوا ) وهذا أصح . رواه الترمذي

لا يخونوا:  لا ينكروا ما أنزله الله إليهم.

          ولا يدخروا:  لا يحفظوه لايحتفظوا به زمناً طويلاً.

          ولا يرفعوا لغد:  المخالفة لأمر الله تعالى كلوا ما نزل.

          حديث الترمذى هو أولى وهو الأصح والله أعلم ، والمقطوع به أنها نزلت وكان عليها طعام يؤكل والله أعلم بنوعه لأن تعيين نوع الطعام الذى نزل لم يرد فيه نص قطعى من كتاب الله.

          إن النصارى لا يعرفون خبر المائدة وليس مذكوراً فى كتابهم ولكن المائدة نزلت مصداقاً لقوله تعالى فى سورة المائدة الأية (112 : 115):

(إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ(113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ)(115).

          إن الحواريين خلصان الأنبياء وأنصارهم – كما قال الله تعالى فى سورة آل عمران الآية (52):

(مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ).

          هل تستطيع أن تسأل ربك وهذا هو قول عائشة ومجاهد – رضى الله عنهما ، وكما قالت عائشة:  كان القوم أعلم بالله عز وجل من أن يقول وكان الحواريون  يشكون أن الله يقدر على إنزال مائدة فقال لهم (اتقوا الله):  اتقوا معاصيه وكثرة السؤال (لنأكل منها) لننال بركتها – (وتطمئن قُلوبُنا) تطمئن قُلوبنا إلى أن الله تعالى بعثك إلينا نبيا – (2)تطمئن إلى أن الله تعالى قد أختارك لدعوتنا ، (3) تطمئن إلى أن الله تعالى قد أجابنا إلى ما سألنا (4 تطمئن بأن الله قد قبل صومنا وعملنا ونتيقن قدرته فتسكن قلوبنا – (ونعلم أن قد صدقتنا) بأنك رسول الله – (ونكون عليها من الشاهدين) ونكون الشاهدين لله بالوحدانية ولك بالرسالة والنبوة (أنزل علينا مائدة).

          مائدة:  وهى التربيزة التى عليها الطعام.

          تربيزة بدون طعام (خُوان) (وآية منك) دلالة وحجة (وارزقنا وأنت خيرُ الرازقين).

أعطنا يا خير من أعطى ورزق لأنك الغنىُ الحميدُ.

          ويقول الله تعالى فى سورة المائدة الآية (115):

(فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ).

          وقد قال النبى – صلى الله عليه وسلم:

          (إن المنافقين وأصحاب المائدة فى الدرك الأسفل من النار )

لقد أتبع الله عز وجل بعد موسى بعيسى وأعطاه الكتاب المنزل عليه (الإنجيل).

معنى الإنجيل:

          هو أصل لعلوم وحكم ، وسمى انجيلاً لتنازع الناس فيه ، كل كتاب مكتوب وافر السطور يسمى إنجيل.

          وقد سُمى القرآن إنجيلا أيضاً فما هو الدليل على ذلك؟؟

الدليل:

          كما روى فى قصة مناجاة موسى عليه السلام أنه قال:  (يارب أرى فى الألواح أقواماً أناجيلُهم فى صدورهم فاجعلهم يارب أُمتى)  فقال الله تعالى له:  لا ياموسى تلك أمة أحمد عليه السلام (إنما أراد بالإنجيل القرآن) أنه يحفظ فى الصدور.

          وقد جعل الله عز وجل فى قلوب الحواريين المتبعون لدينه رأفة (مودة) فكان يواد بعضهم بعضا – هذا إشارة إلى أنهم أمروا فى الإنجيل بالصلح وترك إيذاء الناس ، وألان الله قلوبهم لذلك بخلاف اليهود الذين قست قلوبهم وحرفوا الكلم عن مواضعه.    وكذلك جعل فى قلوبهم الرحمة والشفقة.

          وقد ابتدع النصارى رهبانية وحملوا أنفسهم على المشقات فى الإمتناع من المطعم والمشرب والنكاح والتعلق بالكهوف والصوامع.

فما هى حكاية الرهبانية؟؟

          إن ملوكاً بعد عيسى عليه السلام ارتكبوا المحارم 300 سنة جآءت طائفة من النصارى (من كان بقى على منهاج عيسى) فانكروا عليهم هذه الأفعال فقتلوهم.
          يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – لابن مسعود:

          (يابن مسعود أختلف من كان من قبلكم من النصارى على اثنين وسبعين فرقة فنجى منهم ثلاثة وهلك سائرها:

الفرقة الأولى:   قامت بين الملوك وقاتلهم على دين الله ودين عيسى – عليه السلام – حتى قتلوا

الفرقة الثانية:  فرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك وأقاموا بينهم فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فأخذتهم الملوك وقتلتهم وقطعتهم بالمناشير وحرقتهم بالنيران (كانوا بنجران فى الفترة ما بين عيسى ومحمد).

الفرقة الثالثة:  فرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين قومهم فيدعوهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فساحوا فى الجبال وترهبوا فيها وهى التى قال الله تعالى فيهم (ورهبانية ابتدعوها) فمن آمن بى (بمحمد) واتبعنى وصدقنى فقد رعاها حق رعايتها ، ومن لم يؤمن بى فأولئك هم الفاسقون).

          وقال ابن كثير فى تفسيره:  (هم الذين ترهبوا لطلب الرياسة على الناس وأكل أموالهم بالباطل) مصداقاً لقوله تعالى فى سورة التوبة الآية (34):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ).

          الذين ابتدعوا الرهبانية لم يؤمنوا بمحمد – صلى الله عليه وسلم – وهم الذين تهودوا وتنصروا.

          مصداقاً لقول الله تعالى فى سورة الحديد الآية (27):

(ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً