كيف محى الله التمييز العنصرى فى ليلة الإسراء والمعراج؟

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فإن الإسراء والمعراج يقعان قريباً من منتصف فترة الرسالة مكثت ثلاثة وعشرين عاماً ، وبذلك كانا علاجاً مسح متاعب الماضى ، وضع بذور النجاح للمستقبل.

          والواقع أن حكمة الله اقتضت أن يصبر الله على نبيه إلى ما يقرب من نصف مدة النبوة – مدة نُبوته 23 سنة منها 13 سنة فى مكة وعشر سنوات فى المدينة – وأسرى به وعرج به.

          وهى تقريباً نصف المسافة – قبل الهجرة بستة عشر شهراً ليلة الإثنين من رجب فالله يقول له: (تعالى ياحبيبى نغسل عنك الآلام لأنك تعبت 12 سنة وسوف تتعب 11 سنة أخرى إلى أن تموت.  وتجديد لجميع طاقتك وقواك – عليه الصلاة والسلام.

          والعجب أن موضوع الإسراء والمعراج الذى يتكلم فيه العلماء فى أواخر شهر رجب من كل عام كان عقب ما ناله من أذى فى ثقيف يوم الطائف – يوم أن لجأ إلى هذا البلد على أمل أن يجد فيه عوض عن مكة ، فلقى فيه من العنت والآلام أ     أضعاف أضعاف ما كان يلقاه فى مكة نفسها – ودعى بالدعاء المشهور: (أللهم إليك أشكو..) فعقب هذا أكرمه الله بحاجتين – وهو فى طريق العودة جآء عداس النصرانى وأسلم على يده.

          الجن سمعوا منه وءامنوا على يده وقد سجل القرآن هذا الإيمان فى سورة الجن الآية (1):

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا).

          وقال تعالى فى سورة الأحقاف الآية (29):

          (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا).

          الجن يأمر بعضهم بعضا بالأدب لسماع كلام الله ومع أنهم جن وشياطين إلا أنهم يدركون عظمة هذا القرآن.

          كانوا من الجن الذين ءامنوا وطبعاً هناك فرق بين الجن والشياطين لأن الشيطان بحكم طبيعته مطبوع على العصيان والتمرد ، وإن كانت المادة التى خلقوا منها واحدة كلهم (من مارج من نار) إلا أن الجن قابل للإيمان والكفر – وكما حكى الله عنهم فى سورة الجن الآية (11):

          (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ).

          كان إسلام عداس وإسلام الجن كان أملاً عظيماً وسط هذه الجراح التى اصطدم بها الرسول – صلى الله عليه وسلم – فى الطائف.

          ليلة الإسراء والمعراج هى الليلة التى لها المقام الأعلى والمنزلة العليا عند الله وعند خالص المؤمنين ، وهى (1) الى بها أصبحنا خير أمة أخرجت للناس ، (2) وهى الليلة التى شرف الله فيها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بكل أنواع التشريف ، (3) فهى ليلة الزعامة والرياسة الحقيقية.

          فقد صلى النبى – صلى الله عليه وسلم – بكل الأنبياء ومن ورائهم الملائكة فى بيت المقدس – وتأدب هو وتأخر ليقدم أباه إبراهيم الخليل إماماً – فأخذ إبراهيم بيده وقال: (تقدم يامحمد فأنت الإمام).

          فصار بذلك زعيماً لكل نبى ولكل رسول بل لكل ملك ، أصبح هو الشخص الأول والنفر الأول عند الله عز وجل.

          فياليت المسلمين ينتبهوا لهذا السر العظيم الموجود فى ليلة الإسراء والمعراجياليتهم ينتبهوا فأبقوا على هذه الزعامة وبقيت هذه الزعامة فى بلادهم وعند روءسائهم وعند حكوماتهم ليصيروا بذلك متبعين لسيد العالمين صلى الله عليه وسلم.

          ليلة الإسراء والمعراج مع أنها ليلة الزعامة فهى ليلة العلو وليلة السمو فقد صعد فيها النبى – صلى الله عليه وسلم – وعرج ووصل إلى أماكن لم يحلم بها نبىُ من قبل ولا ملك مقرب مع أن الملائكة هم سكان السموات ولكنهم لم يصلوا إلى هذه الأماكن العالية حتى أن الله قال له:  (ياحبيبى نقلتك من مكان إلى مكان ومن علو إلى علو حتى لم يبق لغيرك مطمع فيما وصلت إليه).

          وقال له جبريل عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى – لماذا سميت بسدرة المنتهى؟  (1) ينتهى إليها ما يعرج من الأرض ولأنها الشجرة التى جعلها الله حدوداً للملائكة فيعرجون إليها وينتهى صعودهم. (2) ويهبطون منها بالأوامر الله إلى الأرض لا يزدون عنها أبداً فمنها وقف الأمين جبريل وتقدم النبى محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال له جبريل:  (تقدم – هنا يترك الخليل خليله قال جبريل: نعم فأنت لو تقدمت أخترقت وأنا لو تقدمت أحترقت ، وما منا إلا له مقام معلوم).  سبحان الحى القيوم الذى جعل لكل ملك منزلة.

وصف سدرة المنتهى:  فإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال (وهى الجرة العظيمة) فلما غشيها من أمر الله ما غشى ، تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها.

          وتقدم النبى وخاض فى غمرات الأنوار والأنوار أشكالاً وألواناً حتى سمع صوت الصديق وكأن الله عز وجل نقله إليه من الأرض – فقال الله:  (ياحبيب الله قف فإن ربك يصلى عليك).

          ووقف النبى مندهشاً أرسل للصديق من قبله ، وجآء هنا – هذا صوت أبوبكر من الذى جآء به هنا؟  ولكن الله علم بأن محمداً استوحش لما تركه جبريل فخلق الله له صوت أبوبكر لأنه أحب الناس إليه – فلما وقف النبى – صلى الله عليه وسلم – خطر بباله أن يُحيى ربه ماذا يقول له؟؟  فبماذا يُحيه؟  صباح الخير ياربى – مسآء الخير.

          فألهم اللهُ نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – أن يقول:  التحيات لله والصلوات والطيبات أو قال:  التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله) كل هذا قاله – فرد الله عليه التحية بأحسن منها وقال:  السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته – فمن الله عليه بالسلام وهو الأمان، ومن عليه بالرحمة (ورحمة الله) ومن عليه بالبركات.

(رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ).

          فلما قال الله هذا كان الخليل إبراهيم قد وصى نبينا محمداً وهو يمر عليه فى السمآء السابعة إنك مقابل الليلة ربك.  إذا أعطاك الله شيئاً فقل يارب وأمتى.

          فلما قال الله له:  السلام عليك أيها النبى ورحمةُ الله وبركاته ، أسرع الرسول وتذكر وصية إبراهيم وقال:  السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين بمعنى:  أى ياربى لاتخصنى بالسلام وحدى بل عمم السلام حتى يشمل كل مؤمن ومؤمنة وكل مسلم ومسلمة فى الأرض أو فى السمآء وهنا الآمين جبريل نطق بالشهادتين وهو على بعد لما سمع هذا الحوار العظيم بين الله وحبيبه وقال:  أشهد أن لا إله إلا الله واشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ، وهنا صلت الملائكة السمآء السبع على خير الأنام محمد – صلى الله عليه وسلم وعلى جده الخليل إبراهيم.  (اللهم صلى وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم).

          هى فعلاً ليلة العلو وهى أيضاً ليلة السمو – فياليت المسلمين حافظوا على هذه المنزلةوأن يكونوا دائماً فوق كل الأمم وفوق كل الدول وفوق كل الشعوب.  ويكونوا أعلى من كلها ليحافظوا على مركز النبى – صلى الله عليه وسلم الذين هم له أتباع.

          كانت  ليلة الإسراء والمعراج ليلة الزعامة فى بيت المقدس فى الأرض نهاية الإسراء وكانت ليلة العلو والسمو نهاية المعراج فى السموات فى الرحلة الأفقية وفى الرحلة الرأسية.

          وكانت مع هذا ليلة الإسراء والمعراج أيضاً ليلة القرب من الله فقد شُرع فيها الصوات الخمس – ولم تُشرع هذه الصلوات فى الأرض كما شرعت الزكاة وكما شرع الصوم وكما شرع الحج.

          فهى ليلة القرب من الله والصلاة هى الإيمان بالله.  قال تعالى:

          (وما كان الله ليُضيع إيمانكم) سورة البقرة الآية (143).

          فسمى الله تعالى الصلاة هنا إيماناً – ومن هنا قال الرسول – صلى الله عليه وسلم:  (الفرق الذى بيننا وبين المشركين الصلاة فمن تركها فقد كفر) ، ولم يقل هذا على الصوم أو الحج أو الزكاة.

          ياليت كل مسلمة توصى بها زوجها وأمها وأختها وبنتها وأولادها وجيرانها وإخوالها وأعمامها.

          وآخر ما وصى به النبى قبل موته بلحظات الصلاة.  قال صلى الله عليه وسلم عند الموت: (يا عباد الله الصلاة الصلاة الصلاة وماملكت إيمانكم).

          ومازال يوصى بالصلاة حتى تلجلج لسانه وامتنع كلامه.

          وفى الحديث الذى رواه أحمد ومسلم عن أنس بن مالك – رضى الله عنه –( كيف فرضت الصلاة؟)

          ففرض علي خمسين صلاة كل يوم وليلة.  فنزلت إلى موسى – صلى الله عليه وسلم فقال:  ما فرض ربك على أُمتك؟  قلت:  خمسين صلاة.  قال: ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك ، فرجعت إلى ربى فقلت:  يارب خفف على أُمتى – فحط عنى خمساً فرجعت إلى موسى ، فقلت:  حط عنى خمساً ، قال: إن أُمتك لايطيقون ذلك فأرجع إلى ربك فأسأله التخفيف ، قال الله: يامحمد ، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ، (2) ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً ، (3) ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب له فإن عملها كتبت له سيئة واحدة.  (خمس صلوات فى الفعل وهم خمسون فى الأجر).

          الذين يحتفلون بالإسراء والمعراج من غير ما يعرفوا للصلاة قيمتها ولا أثارها.  تبقى عجيبة – وهذا دليل على فراغ العقل وأنت تجد سُرادقات منصوبة وكراسي ورايات مرفوعة ما هذا؟  عاملين حفلة علشان ليلة الإسراء و 4/3 الذين قاموا بهذه الحفلة لا يصلون عملوها رسميات حتى يقول الناس هؤلاء فرحين بالنبى – صلى الله عليه وسلم.

          يجب أن نعرف حق هذه الليلة فى القرب من الله ونغار على القرب وقد سرنا آخر الناس فى القرب من الله حتى فى أثناء الصلاة فنشغل عن الله كثيراً ، والمشاغل والوساوس كلها تحضر فى أثناء الصلاة.

          ليلة الإسراء والمعراج هى ليلة العلو وليلة السمو وليلة القرب من الله ، وهى أيضاً ليلة الذى محا الله فيها التمييز العنصرى – لا يوجد فرق بين عربى ولا أعجمى ، ولا يوجد فرق بين أبيض وأسود ولا يوجد فرق بين العبد والسيد.

مثال 1:  لقد رأى النبى – صلى الله عليه وسلم – أمام باب الجنة امرأة جميلة تتوضأ وكأن الشمس تخرج من وجهها جمالاً واعتدالاً – فالرسول طُمع قال: ياجبريل لمن هذه الجارية؟ قال: لرجل من العرب – قال النبى: أنت تعلم أنى عربى – قال: الرجل من قريش ، قال النبى: أنا قرشى – قال: لرجل من بنى هاشم ، قال النبى: أنا من بنى هاشم.

          قال جبريل: هذه امرأة زيد بن حارثة.  لم يوجد فى القرآن اسم أى صحابى إلا اسم زيد هذا.  مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الأحزاب الآية (37):

          (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا).

          هو ده الاسم الوحيد المذكور فى القرآن.  قال النبى: فلما علمت من أخى جبريل أنها لزيد فغضضت بصرى عنها.  فلما سمع زيد هذا بكى وقال: لما أعرضت عنها يارسول الله؟ قال النبى:  غيرة منك على امرأتك ، قال زيد: عليك أغار.

          زيد هذا كان عبداً للنبى – صلى الله عليه وسلم وأعتقه الرسول ….

مثال 2:  (لا يوجد فرق بين أبيض وأسود فى شريعة الإسلام)

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم: تعالى يابلال أنا كلما أدخل الجنة اسمع صوت نعلك سبقنى فبما سبقتنى؟ والله ما دخلت جنةً إلا سمعتُ خشخشة نعليك فى الجنة تسبقنى. فبكى بلال وقال: أنا أسبقك ماذا تعمل؟ لكى تقلدك الأمة؟

          قال بلال: ما أحدثتُ فى ساعة من ليل أو نهار إلا توضأت ، وما توضأت إلا صليت ركعتين بوضوئى 1، وما أذنبت إلا أستغفرت 2، وما أنعم الله علي إلا شكرت 3، وما أبتلانى إلا صبرت.4  أيها الاخ المسلم قلد سيدنا بلال لكى تنعم بالجنة.

          وهذا هو بلال العبد الحبشى الأسود الذى أعتقه أبوبكر .  الذى كان عبدُ أمية بن خلف ..

الحكاية الثانية عن سيدنا بلال – رضى الله عنه:

          كان سيدنا بلال على لونه الأسود وكان واحد صحابى عربى أصيل اسمه جُندب بن جناده وكنيته أبو ذر الغفارى من قبيلة غفار وهى الآن فى الأراضى الأردنية.

          حدث بينه وبين سيدنا بلال عتاب – يعنى:  أخذ ورد فى الكلام سيدنا أبو ذر لم يسكت فقال له: اسكت يابن السوداء أمام الناس.  كلمة وحشة أوى – الخصومة انتقلت من كلام عادى وجدال بينهم فى حكم شرعى إلى الأم.

          سيدنا بلال عزت عليه أُمه من أبى ذر الذى يمدح الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيه.  (ما أقلت الغبراء ولا أظلت السمآء أصدق لهجةًًًًً من أبى ذر).

بمعنىعمر الأرض ما شالت ولا السمآء أظلت أصدق من أبى ذر عز على سيدنا بلال ولم يرد عليه ، وذهب إلى رسول الله وقال له:  أيمنعنى سواد أُمى من دخول الجنة؟؟

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم: لا المهم العمل والتقوى.  قال بلال:  صديقك أبوذر عيرنى بسواد أُمى؟  وقال: اسكت ياابن السوداء؟  قال النبى: أفعلها – قال بلال: أسأل الناس.  أرسل النبى إلى أبى ذر.  جآء أبوذر – فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم: أعيرته بأمه – قال أبوذر:  (هذه غلطة وتسرع ولا أدرى كيف نطقت بهذه الكلمة وكنت ساعتها متغاظ لأنه غالبنى بالحجة).

          ومع أن أبى ذر أعترف بأنه غلطان وكان متسرع ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يرحمه وقال:( إنك امرئ فيك جاهلية ) مازال الإسلام لم يطهرك من الجاهلية – مازال فيك عناصر وكبرياء من أيام كنت فى الجاهلية مع الكفرة –( طفُ الصاع – طفُ الصاع لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى ، ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

          قال أبوذر:  أنا تائب يارسول الله؟  أنا لا أدرى كيف قلت هذا ، نام أبوذر على جنبه فى الأرض ، وقال: يابلال تعالى ودُوس على خدى بنعلك حتى أرد لك إعتبارك.  الحق سقط – وأبوذر أنذل ذل ما أحد ذله – لم يستغل سيدنا بلال الموقف بل قال: قم يا أخى أباذر سامحك الله وغفر لى ولك. والله سبحانه وتعالى سجل هذا فى سورة الحجرات الآية (11):

          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ).

          لكى تكون موعظة لأبى ذر – ولمن فى زمنه ولمن يأتى من بعده..

كانت ليلة الإسراء والمعراج ليلة عالمية:

          لماذا كانت الرحلة إلى بيت المقدس ، ولم تبدأ من المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى مباشرة؟

          إن هذا يرجع بنا إلى تاريخ قديم ، (1) فقد ظلت النبوات دهوراً طوالاً ، وهى وقف على بنى إسرائيل – (2) وظل بيت المقدس مهبط الوحى – ومشرق أنواره على الأرض.  فلما أهدر اليهود كرامة الوحى – حلت بهم لعنة الله وقرر الله تحويل النبوة عنهم إلى الأبد – وبذلك جآءت الرسالة المحمدية إنتقالاً بالقيادة الروحية فى العالم من أمة إلى أمة ، ومن بلد إلى بلد ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية اسماعيل.

          وبذلك اعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين فى الإسلام.  وأن ينتقل إليه الرسول فى إسرائه.

          لكى يقول الله لنا اعتنوا بالمساجد – كل خير يبدأ من المسجد وكل خير ينتهى عند المسجد.

ليلة الإسراء والمعراج ليلة عالمية:

          جمع الله كل الأنبياء من آدم إلى آخرهم سيدنا عيسى عليه السلام وصلوا وراءه مأمومين لكى يُعرفهم الله أن الخاتم الأفضل جآء سيدُكم ومشرفكُم قد حضر – إبراهيم قال له: (تقدم فأنت الإمام) ، وفى السنة الصحيحة أن الرسول صلى بإخوانه الأنبياء ركعتين فى المسجد الأقصى.  فكانت هذه الإمامة إقراراً مبيناً بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى خلقه.

         الزمان والمكان بالنسبة لنا نحن – ولكن الذى أسرى بالرسول هو الله (سبحان الذى أسرى) تنزيه الله من كل سوء (كلمة سبحان دالة على كمال القدرة وبالغ الحكمة) صلوا على الذى أسرى –

          فقام محمد – صلى الله عليه وسلم وقال:  الحمدلله الذى خلقنى فاتحاً وخاتماً وأولاً وآخراص والحمدلله الذى أرسلنى رحمة للعالمين وكآفة للناس بشيراً ونذيراً – وأنزل علي القرآن فيه تبياناً كل شى وجعل أُمتى خير أمة أُخرجت للناس – وجعل أُمتى هم الأولون وهم الآخرون – وشرح لى صد رى – ووضع عنى وزرى – ورفع لى ذكرى.

          فقال إبراهيم عليه السلاموجعل الذل والصغار على من خالف أمرك ، وبهذا فقد ظهر فضل محمد عليكم جميعاً.

          الحمدلله الذى فضل أُمتى على كل الأُمم وحرم الجنة على كل الأنبياء وأمامهم حتى أدخلها أنا وأُمتى ..

          …  فهى ليلة التشريف والتكريم العالمية – التى كنا فيها أفضل من كل مخلوقات الله فى الأرض وفى السمآء – فياليتنا نغار على هذه السمعة ونحاول العودة إليها – ونكون عالميين بدل ما نحن نشحذ من أمريكا ومن روسيا – والقروض الخارجية والداخلية وبدل ما نحتاج لغيرنا ويكون عندنا التموين الخاص بنا – لو أحسنا استصلاح الأراضى – لو أحسنا استخدام المآء– لو عملنا هذا لا يوجد أحد أغنى منا لا فى السياسة ولا فى الاقتصاد.

بداية الإسراء:

          من بيت بنت عمه أم هانئ أخت على بن أبى طالب وكان قد صلى معهم العشاء وصلى معهم الفجر وا بين العشاء والفجر قال لقد أُسرى بى – فقال:  الله سوف أخبرهم (قالت أم هانئ:  فتعلقت بردائه وقلت: أنشدك الله ابن عم ألا تحدث بها قريشاً فيكذبك من صدقك – فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدى وخرج.  فقلت لجاريتى نبعة: فانظرى ماذا يقول؟  وماذا يقال له؟  فلما رجعت نبعة أخبرتنى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم.  ذهب إلى الحطيم محيط بحجر اسماعيل فوجد فيهم المطعم بن عدى ، عمرو بن هشام (أبو جهل).

          ونزل قول الله تعالى فى سورة الزمر الآية (33 ، 34):

(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(33)لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ)(34).

          فقال:  إنى صليت الليلة العشاء فى هذا المسجد وصليت به الصبح – وأتيت بين ذلك بيت المقدس – فبعث الله لى رهط من الأنبياء منهم إبراهيم – موسى – وعيسى – عليهم السلام.  فصليت بهم وكلمتهم – فقال أبوجهل كالمستهزئ: صفهم لى؟ فقال: أما عيسى: ففوق الربعة ودون الطويل – عريض الصدر – ظاهر الدم – جعد يعلوه صُهبة احمرار الشعر ، كأنه عروة بن مسعود الثقفى ، وأما موسى – عليه السلام – ضخم أسمر – طويل – كثير الشعر – غائر العينين متواكب الأسنان منزوة الشفتين – عابس.

          وأما إبراهيم – عليه السلام – فوالله لأشبه الناس بى خلقاً وخُلقاً ، فقال المطعم بن عدى: أشهد أنك كاذب – نروح القدس فى شهر ونرجع فى شهر ، وقال أبوبكر: أنا أشهد أنه صادق.  فقال أبوبكر: يامحمد صف لنا بيت المقدس – قال الرسول: فكربت (أصابته شدة وهم وغم) ما لم أكرب مثله قط لأنه ذهب وهو مشغول بربه والملائكة الذين قابلوه والنبيين الذين اصطفوا له ، فقمت بين حجر اسماعيل ومقام ابراهيم فجلى الله البيت أمامى كأنى أراه فأتاه جبريل – عليه السلام – فصوره فى جناحه فجعل يقول: باب منه فى موضع كذا – وباب منه فى موضع كذا – وأبوبكر يقول: صدقت صدقت – قالت نبعة: فسمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أبابكر إن الله عز وجل – قد سماك الصديق).

          قالوا: يامطعم دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس – يامحمد أخبرنا عن عيرنا.  (القافلة التى ذهبت إلى الشام للبيع والشراء ما أخبارها؟  قال النبى: قابلتها فى مكان كذا وهى راجعة – ومعنى ذلك أنها تكون عندكم يوم كذا – وهو يتكلم صبيحة المعراج يوم الاثنين – سوف تأتى القافلة يوم الاربعاء عند بزوغ قرن الشمس.  بعد بكره.

          وقد إنفلت منهم بعير من هواء البُراق فطار فى الجبل فنكسرت رجله – اسألهم  وسمعوا صوت النبى يقول لهم الجمل هنا – ودلتهم عليه ،ومنه مآء لبني فلان فلما هبطت أنا وجبريل فعطشت فشربت ما فيها ولم أبُقى شيئاً فسألهم؟ وفعلاً يوم الاربعاء قاموا كلهم من الفجر وقال الرسول:  لا يذهب إليهم أحد ويقابلهم لا نريد خيانة.  الرسول أوقف ناس مؤمنين فى آخر الطريق لكى يمنع أحد أن يذهب إلى رجال هذه القافلة لكى ينكروا مارءوا.

          وأبوجهل قال:  الآن برز قرن الشمس – قال أبوبكر – رضى الله عنه: الآن ظهر الجمل الأورق (الجمل الأسود) عليه غرارتان جآءت القافلة وجدت المسلمين مع الكفار فى إنتظارهم.

          الرسول فى الإسراء الله سبحانه جعله يرى المؤمنين الذين أكرمهم الله وجعله يرى المجرمين الذى عذبهم الله – رأى النعيم والجحيم والمعذبين والمنعمين ..

          أول مرة يجتمعوا – قالوا: نحن نريد أن نسألكم عن حاجة؟  هل رأيتم عجباً فى هذه الرحلة؟  قالوا: ليلة الإسراء سمعنا صوت شئ له حفيف شديد ما أحسسنا بمثله فى الهواء.  فعندنا بعير انكسرت رجله فالمسلمون كبروا – الله أكبر ،الله أكبر، الله أكبر.

          قمنا الصبح لم نجد المآء لكى نشربها – قال المسلمون الله أكبر، الله أكبر، هناك ناس كانوا قد ارتدوا عن الإسلام عندما أخبرهم الرسول بذهابه إلى المسجد الأقصى ولكن عادوا وأسلموا وأسلم عدد كبير ..  وكان يوم فرح وسرور.

          وفعلاً (لنريه من ءاياتنا) لم يرى الشمس والقمر ولكن تخطيط مستقبل هذه الأمة – الرحلة لم تكن خاصة بواحد يتنزه …لا – ولكن العجائب والغرائب الذى رآها النبى – صلى الله عليه وسلم – حتى كان فى رحلته أيضاً معلماً لنا وناصحاً لنا.

          وكما جاء فى قوله تعالى فى سورة التوبة الآية (128):

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).

 

( الحمدلله رب العالمين )

         

 

اترك تعليقاً