كيف نربى أولادنا؟

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          تربية الأولاد ينبغي أن تتضاعف في عصرنا الحالي عن العصور السابقة لكثرة المعوقات:

          فهناك التربية الإيمانية والتربية الخُلقية والتربية العقلية والتربية الجسمانية والتربية النفسية والتربية الإجتماعية.

          هذه الحقائق يحتاجها كل أب ويحتاجتها كل معلم.

          لابد أن نذكركم بالحقيقة الخطيرة وهي أن الإنسان مهما بلغ من نجاحات في الحياة الدنيا – لو بلغت أعلى منصب في الأرض ، ثم حققت أعلى درجة علمية في الأرض ، ثم جمعت أكبر ثروة في الأرض ، ولم يكن أبنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس لماذا؟

          لأن هناك ارتباطاً عضوياً ومصيرياً بين الأب وأبنه.

مثال 1:

          تمشى في الطريق ترى ثلاثة شباب يدخنون الأول لا تعرفه ، والثاني هو أبن أخيك لا سمح الله ولا قدر ، والثالث أبنك ، يا ترى ماذا يكون موقفك تجاه أبنك؟؟

          موقفك تجاه أبنك كالمرجل تغلي ، أقل غلياناً تجاه أبن أخيك ، أما الثالث فلا تهتم لأمره ، هذا المثل على دقته يؤكد أن هناك تواصل وتلاحم عضوي بين الأب وابنه وبين الأم وابنتها.

          من هنا جآء الدعاء القرآني الدقيق:  في سورة الفرقان الآية (74):

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

بمعنى:

          الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له – وقال الحسن البصري:  أن يرى الله العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعه الله ، ولا شئ أقر لعين المسلم من أن يرى ولداً ، أو ولد ولد أو أخاً أو حميماً مطيعاً لله عز وجل.

          إن الإنسان إذا بورك له في ماله ، وولده قرت عينه بأهله وعياله حتى إذا كانت عنده زوجة اجتمعت له فيها أمانة من جمال وعفة ونظر أو كانت عنده ذرية محافظون على الطاعة ، معاونون له على وظائف الدين والدنيا لم يلتفت إلى زوج أحد ولا إلى ولده – فتسكن عينه عن الملاحظة ، ولا تمتد عينه إلى ما ترى.  (وا جعلنا للمُتقين إماماً).

          قال ابن عباس والحسن:  (أئمة يقتدى بهم في الخير – هداة مهتدين دعاة إلى الخير اجعلنا أئمة في التقوى يقتدى بنا المتقون).

          أنت لا تصدق مشاعر الفرح والسعادة التى تنتاب الأب والأم حينما يروا ابنهم صالحاً ، إنسان متوازن يعمل بجد ، وله سمعة طيبة – أخلاقه عالية – منضبط بار.

أيتها الإخوة الكرام :

          من أجل أن يكون أبناؤنا إستمراراً لنا ، ومن أن نسعد بتربية الأولاد – من أجل أن تقر أعيننا بهم من أجل أن تكون الأسرة الإسلامية متماسكة – من أجل أن تنام قريرة العين إن رأيت ابنك صالحاً – والله الذى لا إله إلا هو يدخل على قلب الأب من السعادة والطمأنينة ما لا يوصف إن رأى ابنه صالحاً.

          والحقيقة إذا كان في العصور السابقة ينبغي أن تربى أولادنا ففي هذا العصر الإهتمام بتربية الأولاد ينبغي أن يتضاعف إلى ألف ضعف لكثرة المعوقات ولكثرة الصوارف.   بمعنى:  الآن مئات الأبواب التى تصرف الأبن عن طاعة الله – الفتن كلها يقظة – أينما نظرت – إذا أشتريت جريدة أو مجلة أو نظرت إلى الشاشة والشبهات مستعرة والشهوات في أوج إتقادها ، وقد ينجو الإنسان لكن نجاة الواحد منا لا تكفي إلا إذا نجا معه أولاده.

مستقبلنا بتربية أولادنا:

        والله الذى لا إله إلا هو لا أجد موضوعاً ينبغي أن يهتم به المسلمون كتربية الأولاد – ذلك أن الأولاد وهذه حقيقة خطيرة جداً ، الآن أولاد المسلمين هم الورقة الرابحة الوحيدة في أيدينا – يعني بشكل واقعي وبلا مجاملات ولا مبالغات لم يبق في أيدينا إلا أولادنا.  نحسن تربيتهم وينشأءوا على دين وعلى خلق.

          فحينما نهتم بهم معنى ذلك أننا نبني مستقبلنا بتربية أولادنا – ومن منا يصدق أنه بالإمكان أن تصل إلى الجنان من خلال تربية أولادك (التربية الدينية).

          ويجب علينا أن نفهم جيداً:  مستحيل وألف ألف مستحيل أن نطمع أن يكون ابنك صالحاً ، وأنت لست بصالح ، الطفل من خصائصه أنه يتعلم بالفكرة ، يتعلم بالصورة.

          الطفل يرى أن أبيه هو الإسلام.  فإذا فعل الأب معصية فهذه مشروعة ، لذلك لا يمكن أن نطمع أن يكون ابنك صالحاً وإن لم تكن أنت صالح – ومن السخف والغباء والسذاجة أن يحرص الأب أن يكون ابنه مستقيماً دينياً وصالحاً وهو ليس كذلك.

          ومن السخف والغباء والسذاجة أن تحرص الأم على أن تكون ابنتها إنسانة طيبة طاهرة عفيفة وهي ليست كذلك

الأبن أمانة في عنق والده عليه أن يهتم بدينه أولاً:

          هذه مشكلة الأب والأم أحياناً يتمنى أن ينجح ابنهم في التحصيل الدراسي فقط ، ولا يعنى بصلاته ، ولا بدينه

  أما حينما لا يعني بدينه وصلاته فلن يكون باراً بأبيه – (متى يكون الأبن باراً؟)

          حينما يكون الأبن قد تربى في بيئة إسلامية – وعرف قيمة طاعة الأب والأم – وقيمة الوالدين.

          فأولاً:  إن لم تهتم بدين لن يكون باراً بك ، والقصص التى تؤكد عقوق الأولاد الذين تفلتوا من منهج الله لا تعد ولا تحصى.

مثال 1:

          أنا أذكر شخصاً ترك ثروة فلكية أربعة آلاف مليون جنية وبعد يومين من وفاة والده رآه صديق والده في الطريق قال له:  إلى أنت ذاهب؟

          قال كلمة قاسية جداً ، قال له:  أنا ذاهب حتى أسكر على روح أبي.

          فالإنسان إذا لم يرب إبنه يكون قد ضيع الثروة كلها.

          أنا أقول الموضوع خطير جداً ، إن لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، لكن لا تتصور التربية تتم بخمس دقائق ، لا التربية تتم بعمر مديد – أنت حينا تزوجت يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا الأبن أمانة في عنقك.

          أن بعض العلماء قال:  إن أول واجبات الأب تجاه أبنائه أن يحسن إختيار أمهم – فالأم المؤمنة الطاهرة العفيفة الأصيلة.

مثال 2:

          شكا رجل إلى عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – عقوق ولده فأحضره وسأله عن سبب هذا العقوق ، فقال:  لئن كنت عققته فقد عقنى ، قال وكيف ذلك؟ قال:  لم يحسن أسمي (جُعران) ، لم يختر أمي (أمه مجاسية) ، اشتراها بأربعمائة

     درهم، وتركني دون تأديب (ولا علمنى من كتاب الله آية واحدة) ، فأدان عمر والده ، إذ كيف يطلب حقاً من ولده قبل أن يعطيه حقه؟.  فالحقوق تقابلها واجبات.

          قال عمر للأب:  فقد عققته قبل أن يعقك ، قم عني ، وجآء في الحديث:

          (أعينوا أولادكم على البر ، من شآء أستخرج العقوق من ولده).

          رواه الطبراني عن أبي هريرة – وسنده ضعيف.

مثال 3:

          امرأة أشتكت إلى النبى الكريم وقد سمع شكواها الله عز وجل ، قالت:  إن زوجي تزوجني وأنا شابة وذات أهل ومال وجمال ، فلما كبرت سنى – ونثر بطني ، وتفرق أهلي وذهب مالي قال لي:  أنت علي كظهر أمي – لي منه أولاد ، إن تركتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلى جاعوا – أنا أُربيهم وهو ينفق عليهم.

            هناك دوران متكاملان بين الأب والأم.

          الأب يكسب الرزق وينفق على أولاده والأم تربي.

          والحقيقة يمكن أن نقول أن هناك مؤسسات ثلاثة لتربية الأولاد:

(1)الأســرة             (2)المدرسة            الإعلام.

          فالآن مجتمع المدرسة غير منضبط ، والإعلام غير منضبط ، والمجتمع غير منضبط ، فهناك أجيال تلو أجيال تكون عبئاً على الأمة وليست في خدمتها.

          يا ترى هل نجعل البيت يقوم بهذه المراحل الثلاثة؟

القدوة الحسنة أحد أكبر الوسائل الفعالة لتربية الأولاد:

            البيت يقوم بدور المدرسة ثم يقوم بدور الإعلام.

          الأصل في البيت.  فالبيت عندما يكون منضبطاً:

(1)            يكفي أن يكون الأب صادقاً – فقد علم بنه الصدق.

(2)            الأم العفيفة فقد علمت أبنتها العفة – فلا يوجد وسيلة من وسائل التربية تعلو على القدورة – القدوة الحسنة أحد أكبر الوسائل الفعالة لتربية الأولاد.

وهي قد ذهبت مع أبنتها إلى الجارة – وكذبت على زوجها أمام أبنتها ، هي قد لقنتها الكذب (علمتها).

مثال 1:

لذلك النبى – صلى الله عليه وسلم – رأى امرأة قالت لأبنها:  تعال هاك ، فقال لها النبى – صلى الله عليه وسلم:  (ماذا أردت أن تعطيه؟  قالت:  تمرة) – قال:  (أما أنك لو لم تفعلي لعُدت عليك كذبة).

مثال 2:

          ذهب عالم من علماء المدينة لأخذ حديث من رجل من البصرة فلما ذهب رأى الرجل يوهم فرسه أنه معه أكل في حجره – فرجع العالم من دون أن يأخذ منه الحديث – قال:  الذى كذب على فرسه أحرى أن يكذب فى حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

          وكما قالوا في العقد الفريد جزء 1  صـ 197.

          (من أدب ولده صغيراً سُر به كبيراً).

          وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه:  ( يابُني قد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وقبل أن تولدوا ، فقالوا:  وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟  قال:  أخترت لكم أماً لا تُسبُون بها).

          الأب مادام مستقيما فهو أكبر مربي قبل المحاضرات والتوجيهات والنصح والمتابعةوالأم العفيفة أكبر مربية.

          ولكن المشكلة الآن فاقد الشئ لا يعطيه.

          لا يوجد إنضباط في البيت ، ولا صدق ولا عفة أحياناً – هناك تفلت ، لا يوجد إهتمام بالمبادئ الإخلاقية.  فلذلك الطفل ينشأ بأسرة متفلته – شئ طبيعي جداً أن يتفلت مع تفلت أبيه وأمه.

إذا كان ربُ البيت بالطبل ضارباً …………   فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

شكوى الآباء من الأبناء لماذا؟

          تجد أن الأب يشكى عقوق ابنه ويقول:  أنا ما حرمته من شئ – كنت أخذه إلى أفضل المدارس ، كنت آتيه بأفضل المدرسين – حتى أنى كنت أعلمه الموسيقى – ويتحدث عن الجانب المادي ، ويغفل تماماً أنه لم يعلمه الدين.

          يقول الأب:  الآن يضعني في بيت المسنين وما إلى ذلك.

          أحلى شئ عند كبار السن أن يعيشوا مع أولادهم.

          وعندما يرسل الأبن أبوه أو أمه إلى مأوى العجزة ، هذه أكبر إهانة له أو لها.

مثال 1:

          في مأوى للعجزة في فرنسا عملوا إستبياناً – ألتقوا مع 100 متقدم في السن سألهم:  ما هي أُمنيتك الأولى؟

          كان الرد:  أن يموت فقط ..  وهذه أُمنية المائة.

            أكبر سعادة تسعد الرجل الكبير أو الأم الكبيرة هي أن ترى أحفادها يلعبوا أمامهم.

الآب هو السقف والقدوة:

        قد تجد أباً ليس مسلماً – أسمه إسلامي وكنيته إسلامية ، وأبوه مسلم وأمه مسلمة، ولكن التعامل اليومي ليس مسلماً.

          كيف يطمع هذا الأب أن يكون ابنه مسلماً تقياً ورعاً نقياً طاهراً عفيفاً ، وهو ليس كذلك.

          هناك حالات نادرة يفوق الأبن أباه حتى في التدين ، هذه الحالات لا تعد قاعدة – القاعدة أن الأب هو السقف.

ما لم تكن أنت صادقاً لن يكن ابنك صادقاً.

ما لم تكن أنت عفيفاً لن يكون ابنك عفيفاً.

ما لم تغض أنت بصرك عن محارم الله لن يغض ابنك بصره عن محارم الله.

ما لم تكن أميناً لن يكون ابنك أميناً.

القصة الأولى:

          وهي أن إنساناً مسافر إلى بلاد الغرب ، ورأى فتاة تعلق بها أشد التعلق ، فأستأذن والده أن يتزوجها – فكان الجواب قاسياً جداً ، قال الأب:  إن تزوجتها فلست ابني.

          ثم خطر في بال هذا الشاب الذى تعلق بهذه الفتاة أن يغير رأي والده – فقال له:  (يا أبت لو أنها أسلمت أتسمح لي بالزواج منها).

          قال الأب:  (أسمح لك) ، فأخبرها أن العقبة الوحيدة في الزواج أن تسلم.  فسألته:  كيف أسلم؟.

          أشترى لها كتباً باللغة الإنجليزية عن الإسلام والقرآن ورسول الله والسيرة وما إلى ذلك – هي ذكية جداً أشترطت عليه أن تبتعد عنه أربعة أشهر لكي تستوعب هذه الكتب ، ولكي تقرأها جيداً بعيداً عن ضغوطه.  فحصل فراق أربعة أشهر.

          هذا الشاب عد هذه المدة لا بالأشهر ولا بالأسابيع ، ولا بأيام ولا بالساعات ولا بالدقائق بل بالثواني إلى أن مضت هذه الأشهر الأربعة.

          فالتقى بها وكان الخبر الذى أفقد توازنه – أنني أسلمت ، والإسلام حق ولكني لم أتزوجك لأنك لست مسلماً.

القصة الثانية:

          قال أخ مقيم في أمريكا.  سأل بنه:  هل نظفت أسنانك؟  فسكت ، سأله ثانية فسكت،

سأله ثالثة ، قال له:  نعم لا باللغة الإنجليزية – قال الأب له كيف؟  قال الولد:  أنا أنظفها دائماً ، اليوم لا – فعنفه الأب ، لماذا تكذب علي؟

          رد عليه الولد:  كلنتون يكذب في موضوع مونيكا.

          الأبن الصغير في المرحلة الإبتدائية ويتابع الأخبار وكلينتون كذب حينما أدلى بتصريحات غير صحيحة.

مثال 2:

          ابن يرى من أبيه كذباً في البيع والشراء أحياناً يكون الأبن في المحل والبضاعة ليست من أصل معين وليس عليها بلد المنشأ – المشتري يسأل عن منشأ البضاعة ، يقول الأب:  هذه البضاعة إنجليزية أو فرنسية وهي ليس كذلك ، الأبن ينتبه (أبوه يكذب).

  ( الحمد لله رب العالمين)

اترك تعليقاً