كيف نزلت الأحكام الإسلامية ؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد:

      فمبدأ التدرج فى التشريع بارز بروزاً واضحاً فى فرض كثير من العبادات كالصلاة والزكاة وتحريم الخمر كما قررته نصوص كثيرة من نصوص الوحى قرآناً أو سنة.

(1)         (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير)

 

سورة البقرة الآية (106).

(2)(      وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لكل أجل كتاب  38 يمحو اللهُ ما يشاء ويثبت وعنده أُمُ الكتاب )   سورة الرعد الآية   38،  39

(3)         وقوله صلى الله عليه وسلم:

(نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها.  فإن فى زيارتها تذكرة )

 باب زيارة القبور مختصر سنن أبى داود .

فأحكام القانون الإسلامى ما شرعت دفعة واحدة ، وإنما استغرق تشريعها طيلة مدة النبوة ثلاث وعشرين سنة .

ومن الأحكام التى جآء بها الوحى الإلهى على سبيل التدرج في عصر الرسالة ما يلي

(1)          التدرج فى تشريع الصلاة:  الصلاة أفضل

رابطة جمعت المسلمين وألفت بين قلوبهم بحيث شملت اليوم والأسبوع والسنة ، كما شملت الجماعة والأُمة .

فهى على مستوى الجماعة خمس مرات فى اليوم ، ومرة في الأسبوع يوم الجمعة ومرتين في السنة في عيدي الفطر والأضحى ، ثم على مستوى الأُمة كلها في الحج الأكبر على عرفات ، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا سمع بلالاً ينادي للصلاة يقول 🙁 أرحنا بها يا بلال )

حيث شرعت الصلاة فى أول الأمر ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ، وكان من مظاهرها الركوع والسجود ، وكان العرب حديثي عهد بالإسلام ولم يتعودوا على ذلك – فلما علموا  فضلها واطمأنت نفوسهم لها جآء الحكم النهائي .

فزادها الله فجعلت خمس صلوات فى اليوم والليلة على سبيل التدرج . الدليل على ذلك حديث السيدة عائشة – رضى الله عنها – إنها قالت : (فرضت الصلاة ركعتين في الحضر والسفر ،فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر).

(2)          التدرج فى تشريع الزكاة:

والزكاة تشمل إخراج الشخص المسلم جزءاً من ماله على سبيل الوجوب إلى الفقراء والمساكين ، وهذا شيء لم يعرفه العرب قبل الإسلام ، لذلك جآء تشريعها على مراحل:

 

1.  كانت زكاة الأموال غير معنية ولا محدودة بل ترك الأمر للمتصدق حسبما يدفعه إليه إيمانه وسخاؤه ، قال تعالى : (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو……..

وقد فسر ذلك الحديث – فقد روى (أن رجلا آتى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ببيضة من ذهب أصابها في بعض المعارك ، فقال خذها مني صدقة فأعرض عنه النبي – صلى الله عليه وسلم- حتى كرر عليه مراراً ،فقال هاتها مغضباً ثم قال صلى الله عليه وسلم : يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس ، إنما الصدقة عن ظهر غنى) 

 

 

مصداقاً لقوله تعالى في سورة التوبة الآية 60 (إنما الصدقاتُ للفقرآء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل( ص) فريضة من الله والله عليم حكيم) .

 

(3)          التدرج فى تشريع الصوم:   كان الصوم معروفاً عند أهل مكة وكان المسلمين يصومون عاشوراء قبل الهجرة ثم صاموها بعد الهجرة وجوباً ،وصوم رمضان شرع في السنة الثانية من الهجرة .

 

أما صوم رمضان فقد شرع أول الأمر على التخيير بين الصوم والفدية إلى أن فرض في السنة الثانية مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون

أَيَّامًاً معدُودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفرة فعدة من أيام أُخر (ص) وعلى الذين يُطيقونه فديةُ طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كُنتم تعلمون)

(183،184).

والآية الثانية ظاهرة فى أن المطبق مخير بين الصوم والفدية وهى إطعام مسكين ، وأن الصوم خير من الفدية

 

 ثم نزل قوله تعالى:

   شهرشش(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) سورة البقرة الآية (185).

فكان نزول هذه الآية رافعاً لرخصة الإفطار والإستعاضة عنه بالفدية .

(4)          التدرج فى تشريع الحج:  كان الحج معروفاً عند العرب قبل الإسلام وكانت لهم فيه عادات مألوفة منها :

 

(أ) الطواف بالبيت عُراياً ، (ب)تقديمهم أيامه أو تأخيرها حسبما تقتضيه مصلحة كبرئهم وهو ما يُعرف بالنسئ .

 

(ج) طوافهم بأصنامهم وذبح القرابين لها إلى أن تم الفتح الأكبر(فتح مكة) وفرض الحج بعد ذلك على

المسلمين. ثم جآءت السنة التاسعة من الهجرة فأمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – أبا بكر 

رضى الله عنه – على الحج . 

و حج أبوبكر بالناس على ما تعودوا:  (1)

العريان منهم عريان ، (2) والمؤتزر مؤتزر ،(3) والمشرك منهم على شركه ، ويؤدي مناسكه على ما تعود .

 

ثم أرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – علياً- رضى الله عنه- بسورة برآءة وكان مما أعلمه للناس :

 

(1) أنه لا يحج بعد هذا العام مشرك (2) ولا يطوفن بالبيت عُريان .

وفى السنة العاشرة للهجرة دار الزمان دورته فحج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حجة الوداع 

1.              وهى حجته الوحيدة بعد الرسالة.

2.              علم الناس مناسك الحج المعلومة.

3.              أبطل عوائد الجاهلية التى كانت متأصلة فى نفوسهم.

4.              وخطب لهم خطبة الوداع علمهم فيها أحكام الدين وأتم الله في هذه الحجة نعمته .

وأكمل تنزيل كتابه فى يوم عرفه ، وكان يوم جمعة .

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) سورة المائدة الآية (3).

وبذلك نرى أن الله ترفق بهم وتدرج معهم .

(5)          التدرج فى تشريع الربا:

1.  بُعث النبىُ – صلى الله عليه وسلم – والربا نظام اقتصادي ثابت وأحد طرق التعامل المادي

فى النظام المالى العربى والعالمى وكان القضاء على هذا النظام يتطلب استعداداً نفسياًوأجتماعياً

واقتصادياً غير ما كان عليه القوم. وقد سلك القرآن الكريم هذه الأطوار.

1)              فى مكة وفى أرباب الأموال والمرابين نزل في سورة الروم – وهى مكية – قوله تعالى:

 

(وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فلا يربو عند الله وما آُتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأُولئك هُمُ المضعفون) (39)

 

فالآية:قارنت بين الربا والزكاة عند الله

فالربا نقص والزكاة مطهرة مكثرة للمال. 

وبهذا كانت الآية تنبيهاً لقبح الربا ، وليست نصاً في تحريمه وإن كان العرب يفهمون من هذا الأُسلوب الحض على تركه .

2)              وفى المدينة فى السنة الثالثة من الهجرة – عام أُحد – نزل قوله تعالى من سورة آل عمران الآية (130

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أضعافاً مُضافةً واتقوا الله لعلكم تُفلحون )

 

وهذه الآية نص فى تحريم الربا إذا كان أضعافاً مضاعفة واعتبر تركه واتقاءه سبباً للفلاح

3)              ولما قويت شوكة المسلمين ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وأصبحت النفوس مهيأة لتلقي التشريع النهائي نزل قوله تعالى :

(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) سورة البقرة الآية    275

فنص على تحريم الربا بكل أنواعه المضاعف منه وغير المضاعف.

4)              ونزل أيضاً قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) سورة البقرة الآية ( 276 

وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مُؤمنين

 

(278)فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بحرب من الله ورسوله وإن تُبتم فلكم رُوُوس أموالكم لا

 تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظلمون ( 279) سورة البقرة .

فدلت الآية الثانية منهما دلا لة قطعية على حرمة الربا مهما قل وأنه ليس لربا المال إلا رأس ماله من غير أن تظلم غيره أو يُظلمه غيره .

 

وهذه الآيات قد قيل أنها من آخر ما نزل من القرآن .

وقد تأيد هذا التشريع النهائى فى حجة الوداع بقوله صلى الله عليه وسلم :

 (كل ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه  ربا عمي العباس ) .

      فلم يكن هناك مجال بحلُ الربا فى أي صورة من صوره وعلى هذا استقر التشريع

 

الإسلامى إلى يومنا هذا.

(6)          التدرج فى تشريع الخمركانت الخمر – فى الجاهلية – عادة من عادات الأفراد والجماعات

 ومظهر من مظاهر نوادي السمر الشائعة بينهم يشربها عظماؤهم وأُولوا الأحلام ، كما يشربها السفهاء 

 

 والصعاليك اللهم إلا العقلاء الذين تنزهوا عن ذلك وعرفوا أنها أُم الخبائث وهم المتحنفون من العرب

 ولذلك مرت أحكام الخمر بأربع مراحل :

المرحلة الأولى:قوله تعالى:(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ) سورة النحل الآية ( 67 ).

 

ففهم العرب أن فى العنب رزق حسن ورزق غير حسن لفتاً للعقول والأذهان على أن السكر غير حسن دون إظهار حكم معين .

 

المرحلة الثانية:  نزل الجواب فى قوله تعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ

كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)

سورة البقرة الآية (219).

فبين – عز وجل – أن فيها منافع تجارية ثم وضح أنها منافع مصحوبة بإثم كبير – فعرف

 

العقلاء من يشربونها أنه يجب الإمتناع عن الوقوع في هذا الإثم ، رغم أنه لم يصدر أمر

 

صريح بتحريمها ..

ولذلك قال عمر – رضى الله عنه: (اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً )

تحريم الخمر بنص قطعى فى دلالته ولكن فى بعض الأوقات عندما نزل قوله تعالى في سورة

النسآء الآية (43): (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون) .

سبب نزول هذه الآية:  أن عبدالرحمن بن عوف – رضى الله عنه – دعا نفر من أصحاب 

 

 رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى طعام وشراب فأكلوا وشربوا ، حتى سكروا ، فلما جآء

 وقت الصلاة أمهُم فى صلاتهم وكانت جهرية وقرأ بهم فقال : ( قل يا أيها الكافرون أعبد ما

 تعبدون …)  فأنزل الله تعالى الآية الكريمة( 43 )

حتى لا يقع التحريف فى كلام الله.

ثم قال عمر مرة أخرى (اللهم بين لنا فى الخمر بياناً شافياً ) .

تحريمها قطعياً فى كل الأوقات وبأى قدر حيث روى أن أحد الأنصار دعا أحد المهاجرين

 

على لحم جزور فأكلا وشربا الخمر حتى سكرا ، فقام أحد المهاجرين يرتجل شعراً فيه هجآء

 

الأنصار – فقام الأنصارى فشجه بالحية بعير كانت في يده وكاد المهاجرين والأنصار يتقاتلون

 

 وتقع الفتنة بينهم بسبب خطورة الخمر .

فنزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تُفلحون (  90 )

 

إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بينكم العداوة والبغضآء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر

 

 اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أنتم مُنتهون  ( 91)

وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين )

(92). سورة المائدة .

قال عمر بن الخطاب حينما سمع ذلك:

(انتهينا يارب انتهينا يارب).

فى الآيات قرن الله عز وجل الخمر والميسر بالأصنام المحرم عبادتها بإعتبارها رجساً وهذا

 

يدل على أنها أشد من الحرمة كشدة الحرمة في عبادة الأصنام .

(7)          التدرج فى تشريع الزنا:كانت عقوبة الزوانى من النسآء في صدر الإسلام الحبس في البيوت حتى يتوفاهُن الموت .

 وكانت عقوبة الزناة من الرجال الإيذاء بالقول والتصريح باللسان ، حيث نزل في ذلك قوله تعالى :

  (وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل اللهُ لهن سبيلا ( 15)

 

وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فأذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً )

(16) سورة النساء.

ثم جعل الله – عز وجل – العقوبة بعد ذلك الجلد مائة لغير المحصن والرجم بالحجارة حتى الموت للمحصن ، وذلك لقوله تعالى فى سورة النور الآية ( 2 )

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخُذكم بهما رأفة في دين الله إن

 كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )

 

 

وقد ثبت أن النبى – صلى الله عليه وسلم –

رجم ماعزاً والغامدية وكاناً مُحصنين (أى متزجين)

لأن عقاب الزانى المتزوج الرجم – والزانى الغير متزوج عقابه الجلد .  وهذه المسائل هى

أشهر مسائل الأحكام التشريعية فى عصرالنبي – صلى الله عليه وسلم – التي تمثل ظاهرة

 التدرج فى أحكام التشريع ، والتى لا توجد الإ في عصر النبي- صلى الله عليه وسلم-

 دون غيره.

      وهكذا عندما تنصح أخ لك مسلم لا تعقد له الأمور، بل يجب عليك أن تأخذه على مراحل وبهدوء

 وبإبتسامة عريضة ، ولنا في كتاب الله الأسوة في التعامل مع البشر .

 

 

( والحمدلله رب العالمين )

 

 

 

 

اترك تعليقاً