لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعــد :

عن أبى موسى الأشعرى قال:  لما غزا رسول الله – صلى الله عليه وسلم خيبر – أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير:  فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (“اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً ، وهو معكم”.)

وأنا خلف دابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسمعنى وأنا أقول: (لاحول ولا قوة إلا بالله).

فقال لي:  “ياعبدالله بن قيس”  قلت:  لبيك رسول الله.

قال:  “ألا أدُلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة ؟”.

قلت:  بلى يا رسول الله.   فداك أبى وأمى.

قال:  “لا حول ولا قوة إلا بالله”.( رواه البخارى )

قال أبو موسى – رضى الله عنه:  لما توجه النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى غزوة خيبر وكانت فى السنة السابعة من الهجرة.

كلما صعدوا على أعاليه أو نزلوا رفعوا أصواتهم بالتكبير وهو شعار المسلمين فى الحرب والسفر ، ليشعروا أنفسهم بعظمة الخالق وكبريائه ، وليظهروا التواضع والخضوع له – جل شأنه – حيثما كانوا.

ولما ارتفعت أصواتهم جداً بالتكبير والتهليل أشفق عليهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو أرحم بهم من أنفسهم على أنفسهم فقال:  بأن الله – عز وجل – يسمع السر وأخفى ، وهو معهم أينما كانوا ، يعلم بأحوالهم الظاهرة والباطنة.

وأعلم أن المعية معيتان:

أ‌.       معية عامة.    ب.  معية خاصة بالمؤمنين.

أولاً:معية عامة:  تشمل جميع الخلق ، فهو معهم بعلمه وتدبيره ، وقضائه وقدره، لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السمآء. 

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الحديد الآية (4):

“(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ).

ثانياً:معية خاصة بالمؤمنين:  وهى معية توفيق وعون ونصر وتأييد ، وعفو وصفح ، ومغفرة ورحمة ، مصداقاً لقوله تعالى فى سورة النحل الآية (128):

(“إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)”.

وكلمة (وهو معكم) فى هذا الحديث تحتمل المعنيين ، فهو جل شأنه معهم بعلمه وعونه ، لأنهم من خيار الأتقياء المحسنين.

فقال أبو موسى الأشعرى:  لا حول ولا قوة إلا بالله.  فسمعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال له: “ألا أدُلُك على كلمة من كنز من كنوز الجنة ؟”.  فقال أبوموسى:  أخبرنى يا رسول الله ، وأفديك بأبى وأمى ، وهما أقرب الناس إلى ، وأرحمهم بى ، وأعزهم لدى.  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (“قل لا حول ولاقوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة)”.

ومعنى كونها كنزاً من كنوز الجنة:  أنها تشبه الكنز ، فكما أن الكنز فيه مال كثير ييسر للإنسان حصوله على ما يحب من متع الدنيا للإنسان فكذلك هذه الكلمة (لاحول ولا قوة إلا بالله) فيها أجر كبير ييسر للإنسان حصوله على المراتب السنية فى الجنة.

وقد وردت فى فضل هذه الكلمة العظيمة أحاديث كثيرة منها:

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟  قلت:  بلى يا رسول الله ، قال:  تقول:  (“لاحول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه”).  (الترغيب والترهيب جـ (3) صـ 444).

الحديث الثاني:  وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:  “من قال: ( لا حول ولا قوة إلا بالله كان دواء من تسعة وتسعين دواء ، أيسرهم الهم”).   (رواه الطبرانى فى الأوسط).

وإذا علمنا فضل هذه الكلمة فإن من الواجب علينا أن نكثر منها ، فإنها كلمة كافية شافية يعبر بها المؤمن عن تفويض أمره كله لخالقه ومولاه ويجد فيها أنسه وسلواه.إنها كلمة يثبت الله بها عباده فى البأساء والضراء ويقوى بها عزائمهم فى الشدة والرخاء ، ويرفع بها من شأنهم فى الدنيا والآخرة.  إنها كلمة ينزل الله بها السكينة فى قلوب المؤمنين فيزدادون إيماناً مع إيمانهم بقدر ما نطقت بها ألسنتهم، وآمنت بها قلوبهم.

إذاً كلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) تفيد أن الأمر لله يؤتى الملك من شاء وينزعه ممن شاء ، ويعز من شآء ، ويذل من شاء ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، له فى خلقه شئون يبديها ولا يبتديها ، يرفع أقواماً ويخفض آخرين.

نسأل الله تعالى أن يجمع قلوبنا على طاعته ، وأن يهدينا سواء السبيل.

( والحمدلله رب العالمين )

اترك تعليقاً