متى يكون العمل مقبولاً؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد:

          فيا أحباب محمد – صلى الله عليه وسلم.

          إن شريعة الإسلام تقوم على ركنين أساسيين هما:  (1) الإيمان الصادق ، (2)والعمل الصالح.

أولاً :الإيمان الصادق:  هو الذى يجعل صاحبه يخلص العبادة لله الواحد القهار.  ويلجأ إلى الخالق – عز وجل فى الدعاء والرجاء فيكرر قوله تعالى: (إياك نعبدُ وإياك نستعينُ) ،  (3) فى سورة الفاتحة.

          نخصك ياالله بالعبادة – ونخصك بطلب الإعانة ، فلا نعبد أحداً سواك – لك وحدك نذلُ ونخض ونستكين ونخشع– وإياك ربنا نستعين على طاعتك ومرضاتك ، فإنك المستحق لكل إجلال وتعظيم ، ولا نملك القدرة على عوننا أحد سواك.

          علمنا الله تعالى

          كيف نتوسل عليه فى قبول دعائنا فقال احمدوا الله واثنوا عليه ومجدوه ، والتزموا له بأن تعبدوه وحده ولا تشركوا به وتستعينوه ولا تستعينوا بغيره.

ومن آداب الدعاء:

          حمد الله والثناء عليه وتمجيده – وزادت السنة الصلاة على النبى – صلى الله عليه وسلم – ثم يسأل حاجته فإنه يستجاب له.

          يعنى من العبد العبادة ، ومن الله سبحانه العون – وهذه الآية هى التى بين الله وبين عبده.

بمعـــنى: (1) لا نعبد إلا إياك ، (2) ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة.  والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين (إياك نعبد) هنا تبرؤ من الشرك (وإياك نستعين) تبرؤ من الحول والقوة ، والتفويض إلى الله عز وجل – وهذا المعنى فى(فاعبده وتوكل عليه). (قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا) سورة تبارك.

ثانياً: والعمل الصالح: هو أفضل وسيلة لمن أراد النجاح فى دنياه وأخراه.

          القرآن كله عجب – كله حكم – كله تعليمات سُلوكية – لقد كرر الله تعالى فى القرآن العمل الصالح.

ومن هنا نجد:  أن لفظ عملاً صالحاً قد تكرر فى القرآن فى عدد من السور ويجب على المسلم أن يأخذ به.

          ولابد أن يكون فى التكرار مهمة والعمل الذى تعمله لابد أن يجمع بين حاجتين لكى يكون عمل صالح (1)  الصواب ،    (2)  الإخلاص.

أولاًالصواب:  يؤدى العمل على مواصفات الشرع – طبق الشريعة والسنة.

ثانياًالإخلاص:  هذا العمل يكون لوجه الله.

          ولقد جمعهم الله تعالى فى آخر سورة الكهف الآية (110):

          (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).

معـنى عمل صالح:  يعرض على الله فيقول الله هذا عمل مضبوط عمل شرعى – عمل دينى ليس فيه بدعة – أما إذا عملت عمل فيه بدعة فهو مردود مصداقاٌ لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

          فإذا تركت النواهى التى أمرنا الله بالبعد عنها ، وفعلت الطاعات التى حثنا عليها فهذا هو العمل الصالح ويكون عليه إمضاء الله.

          …  أى عمل أو أى فعل لابد له من نية وتكون نيتك لله مثال (1):

صلة الرحم:

(1)تُشيعُك الملائكة 70 ألف ملك – ملائكة أمامك وخلفك وعن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك ، (2) وتغمرك الرحمة من رأسك إلى رجليك وأنت ذاهب لزيارة قريب هذا العمل عليه إمضاء ربنا بالقلم الأخضر الكبير:  (أنا الله راض عن فلان).

العكـس: إذا كان العمل فيه شبه إجرام أو حرام أو نهى الله عنه يبقى معاذ الله.  (أتبعناهم فى هذه الدنيا لعنة).

          وماذا أخذوا المجرمين؟  (وهم يوم القيامة من المقبوحين).

          فيجب علينا أن لا أقول إلا لله – ولا أقعد إلا لله ولا أمشى إلا لله.

هناك سيدنا الخضر:  واحد جآء له يوم عرفةوقال له تعالى نشهد يوم عرفة لكى نلحق الحج…  فقال الخضر:  لا إله إلا الله هو اليوم عرفة – اذهب أنت الله يعوضنا خير.

قال الخضر:  وأنا نائم إمبارح بالليل وهذه عادتى كل ليلة.  نويت 120 نية كُلها فى رضوان الله.  ينوى الخير مسبقاً سواء عاش أم مات.  مثال: يقوم يصلى – وبعدها يرمى على أهل بيته السلام ويقول لهم كلمتين فى الخير – ثم يذهب إلى الغيط يزرع – والزراعة (تعتبر من العمل الصالح الدنيوى) مطلوبة شرعاً – وقعد يعدد 120 نية – وأنا لو ذهبت معك إلى عرفة سوف أعمل خير واحد فقط وأترك 120 نية وبذلك أكون خاسر…

          دول ناس يحاسبوا أنفسهم ويخطط لنفسه ، شوف هذا التخطيط الطيب المبارك.

          … إحسان العمل (الصواب والإخلاص).

          الصواب:  يؤدى العمل على شرع اله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم.

          الإخلاص:  يؤدى العمل بنية الإخلاص لله تعالى:

          الله عز وجل علم منك الإخلاص حتى لو غلطت – واحدة وهى مخلصة لله وأخطأت مثل الرجل الذى خرج يتصدق فجآءت الصدقة فى يد امرأة بغى – الناس فى الصباح يتكلمون واحد أعطى فلانة صدقة البغى.  يعطيها لناس طيبين وبيصلوا – قال الرجل:  لا إله إلا الله..

          وفى ثانى ليلة وضع الصدقة فى يد واحد حرامى ..  سمع الناس يقولون واحد تصدق على واحد حرامى قال الرجل:  لا إله إلا الله.  وفى ثالث ليلة وضع الصدقة فى يد واحد غنى – قال: أنا لم أتصدق إلا لما يأتى واحد عالم يرشدنى. (بغى – حرامى – غنى).

          وفى الليلة الرابعة بعد أن عزم ألا يتصدق جآء له ملك وهذا حديث صحيح وليست حكاية.  قال الملك:  أنت زعلان ليه قال الرجل:  ثلاث ليالى أتصدق وتأتى الصدقة فى غير أهلها.  قال الملك:  أنت بتعطى الصدقة بحسن نية وعندك إخلاص وال لأ.  قال الرجل: نعم قال الملك: ليس لك دعوة بالعواقب واترك العواقب لله – وأعلم أن المرأة البغى تاب الله عليها من الذنب والرجل الغنى تاب الله عليه من البخل (الماديات) وهو سوف يعطى الناس والحرامى تاب الله عليه من السرقة.

          … فالمخلص فى أداء عمله وحصل له إنحراف غصب عنه وليس متعمد الله سبحانه يتحملها.

مثال 2:

          بلال مؤذن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ليس عربى ولكنه من الحبشة ويطلع الشين سين فى (اشهدُ) قالوا: يارسول الله عندنا عرب كثير عمر أبوبكر – عثمان – على – عبدالله بن عمر – عبدالله بن عباس (أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود ليؤذن لنا). نزلت الآية (11) من سورة الحجرات:

          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ).

قال النبى – صلوات الله وسلامه عليه:  أنتم زعلانين من أيه؟  قالوا: زعلانين من الشين بتاعة بلال نصفها شين ونصفها سين قال النبى: (إن سين بتاعة بلال عند الله شين) لأنها بحسن نية وليس متعمد.

          وقد روى عن طاووس قال:  قال رجل: يارسول الله!  إنى أقف المواقف أريد وجه الله، وأحب أن يرى موطنى ، فلم يرد عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئاً حتى نزلت هذه الآية: (فمن كان يرجو لقاء ربه ….) وجآء رجل إلى عباده بن الصامت فقال: أنبئنى عما أسألك عنه ، أرأيت رجلاً يصلى يبتغى وجه الله ويحب أن يحمد – ويصوم يبتغى وجه الله ويحب أن يحمد ويتصدق يبتغى وجه الله ويحب أن يحمد – ويحج يبتغى وجه الله ويحب أن يحمد.  فقال عباده:  (ليس له شئ ، إن الله تعالى يقول:  أنا خير شريك – فمن كان له معى شريك فهو له كله لا حاجة لى فيه).

الحديث الثانى:

        وروى الإمام أحمد – عن شداد بن أوس – رضى الله عنه أنه بكى ، فقيل له: مايبكيك؟  قال شئ سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأبكانى.  سمعتُ رسول الله يقول:  (أتخوف على أُمتى الشرك والشهوة الخفية) ، قلت:  يارسول الله!  أتشرك أمتك من بعدك؟  قال:  (نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً وحجراً ولا وثناً ، ولكن يراؤون بأعمالهم ، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه).

مثال 1:(دعوة من صديقة إلى الإفطار).

          قالا:  سمعنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول:  (من صلى صلاة يرائى بها فقد أشرك ومن صام صياما يرائى به فقد أشرك) ، ثم تلا (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).

          وكذلك قول الله تعالى فى سورة النحل الآية (97):

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

(2)من فعل الصالحات ذكراً كان أو أنثى بشرط الإيمان فلنحيينه فى الدنيا حياة طيبة بالقناعة والرزق الحلال ، والتوفيق لصالح الأعمال وقال الحسن البصرى:  لا تطيب الحياة لأحد إلا فى الجنة لأنها حياة بلا موت – وغنى بلا فقر وصحة بلا سقم – وسعادة بلا شقاء.  ولنجزينهم فى الآخرة بجزاء أحسن أعمالهم ، وما أكرمه من جزاء.

          …  الحياة الطيبة كما قال العلماء:

          هى الرزق الحلال – القناعة – توفيقه إلى الطاعات فإنها تؤديه إلى رضوان الله – السعادة – هى حلاوة الطاعة كما قال أبوبكر الوراق – الإستغناء عن الخلق والإفتقار إلى الحق – وقيل الرضا بالقضاء. والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله.

          وقال عز وجل فى سورة التوبة الآية (105):

(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

الشـرح:

          هذا وعيد من الله عالى للمخالفين أوامره ، بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى – وعلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى المؤمنين وهذا كائن لا محالة يوم القيامة.

          قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم يعمل فى صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة ، لأخرج الله عمله للناس كائناً ما كان).

          وقد ورد:  إن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر فى البرزخ كما ورد عن النبى – صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات ، فإن كان خيراً استبشروا به ، وإن كان غير ذلك قالوا:  اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا).  (أخرجه أحمد والطيالسى).

وفى الحديث الصحيح:  الذى أخرجه أحمد عن أنس بن مالك – رضى الله عنه:  (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته) ، قالوا: يارسول الله وكيف يستعمله؟  قال: (يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه).

          … هذا خطاب للجميع (وقل أعملوا) وسوف يطلع الله على أعمالكم وهذا صيغة أمر متضمنة للوعيد أن أعملوا ما شئتم من الأعمال فأعمالكم لا تخفى على الله ، وستعرض يوم الحساب على الرسول والمؤمنين وستُردُون إلى الله الذى لا تخفى عليه خافية – فيجازيكم على أعمالكم إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.

          ومن الملاحظات أن الآيات القرآنية ، وأن الأحاديث النبوية ، لم تطلب من المسلم (مطلق العمل) وإنما حددت نوعه ، فجعلت العمل المقبول عند الله تعالى هو العمل الصالح (1) الخالى من الرياء ، (2) ومن التفاخر ، (3) ومن مخالفة ما جآء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصدق الله إذ يقول فى سورة فصلت الآية (46):

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ).

          (من عمل صالحاً فلنفسه) ، من عمل صالحاً فى حياته بعد الإيمان فإن جزاءه قاصر عليه ينتفع به دون سواه ومن أسآء أى عمل السوء وهو ما يسوء النفس من الذنوب والآثام فعلى نفسه عائد سوءه الذى عمله ولا يعود على غيره – (وما ربك بظلام للعبيد).

          ليس الله عز وجل بذى ظلم لعباده – (نفى الظلم عن الله مطلقاً).

          فالله تعالى لا يعاقب أحداً إلا بذنبه – ولا يعاقبه إلا بجرمه.

          …  فمن أطاع فالثواب له – ومن أسآء فالعقاب عليه.

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم – عن الله عز وجل فى الحديث القدسى: (ياعبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بيتكم محرماً فلا تظالموا) أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة باب تحريم الظلم – وأخرجه أحمد فى مسنده.

          يا أحباب محمد – صلى الله عليه وسلم ..

          إن العمل الصالح يشمل كل عمل أحله الله تعالى من أعمال دنيوية كزراعة أو صناعة أو تجارة أو غير ذلك من الأعمال النافعة.

          ومن الأعمال التى تحدث عنها القرآن الكريم فى آيات متعددة:

          أعمال الصناعة التى تندرج تحت كل علم أو فن يمارسه الإنسان حتى يحسنه ويتقنه ويصبح حرفة له.

          ومن الآيات القرآنية التى حضت على الصناعة والتصنيع قوله تعالى فى سورة الحديد الآية (25):

          (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ).

          الميزان:  هو العدل وأمرنا به أو الآله المعروفة.

          ولقد بعثنا رسُلنا بالحجج والمعجزات البينات – وأنزلنا معهم الكتب السماوية التى فيها سعادة البشرية – وأنزلنا القانون الذى يُحكم به بين الناس ، بالعدل والحق ، وفسر بعضهم الميزان بأنه العدل وهو ما يُوزن به ويتعامل ليقوم الناسُ بالحق والعدل فى معاملاتهم.

          (وأنزلنا الحديد فيه بأسُ شديدُ) وخلقناه أو هيأناه للناس.

          روى عمر – رضى الله عنه :  أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن الله أنزل أربع بركات من السمآء إلى الأرض – الحديدالنارالماءالملح).

          الحديث فى كنز العمال – من رواية الديلمى فى مسند الفردوس عن ابن عمر (وأنزلنا الحديد) أى أنشأناه وخلقناه – أى أُخرج الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه (فيه بأسُ شديدُ) السلاح والكُراع أى فيه من خشية القتل خوف شديد.

          تتخذ منه كالدروع والرماحالتروس والدبابات وغير ذلك (ومنافع للناس) وفيه منافع كثيرة للناس السكين والفأس والإبرة.  وما من صناعة إلا والحديدُ آلة فيها هو للدنيا.

          وقال أبوحيان:  وعبر تعالى عن إيجاده بالإنزال كما قال: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) لأن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تُلقى من السمآء جعل الكل نزولا منها.

          …  المراد بالميزان فى الآية الكريمة:  العدل بين الناس.

          والمراد بإنزال الحديدخلقه وإيجاده لمنافع الناس.

          والصناعة من النعم التى علمها الله تعالى لبعض أنبيائه – فهذا سيدنا نوح عليه السلام علمه الله تعالى صناعة السفن ، وقرر القرآن ذلك فى آيات منها قوله تعالى:

(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ)سورة هود الآية (37).

          وأمرناه أن يصنع الفلك (السفينة) تحت بصرنا وبتوجيهنا وتعليمنا – إذ لم يكن يُعرف السفن ولا كيفية صنعها وتحت نظرنا وبحفظنا ورعايتنا.

          أعمل السفينة لتركبها أنت ومن آمن معك بمرأى منا وحيث نراك وكما قال ابن عباس – بحراستنا – وقيل المعنى:  (بأعيننا) بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيوناً على حفظك ومعونتك.

          (وهذا سيدنا داوود عليه السلام)

          علمه الله تعالى صناعة الدروع التى تحميه من سهام الأعداء فقال تعالى فى سورة الأنبياء الآية (80):

(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ).

          ومن مظاهر نعمنا على نبينا داود عليه السلام أننا علمناه صناعة الدروع ، يعلمها بطريقة محكمة متينة ، لتحميه وتحمى جنوده.

          وأيضاً كان داود يصنع أيضاً الخوص ، وكان يأكل من عمل يده وكان آدم حراثاً ، نوح نجاراً ، لقمان خياطاً ، طالون دباغاً ، فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس ، ويدفع بها عن نفسه الضرر.

الحــديث:

          قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (لأن يأخذ أحدكم حبله ، فيأتى بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها ، فكيف بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه).

بمعــنى:على الإنسان العاقل صاحب العزة والكرامة ، أن يتخذ كل الوسائل الشريفة للإستغناء عن سؤال الناس ، ولو أدى ذلك إلى أن يجمع الحطب ليبيعه ، فإنه متى فعل ذلك كان خيراً له من أن يمد يده لغيره سواء أعطاه هذا الغير أم حرمه.

          ولقد جآء فى الحديث الشريف عن أنس بن مالك – رضى الله عنه: أن رجلاً من الأنصار أتى النبى – صلى الله عليه وسلم – فسأله: فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم: (أما فى بيتك شئ؟)  فقال الرجل: بلى يا رسول الله ، فى بيتى حلس وقعب.

          حلس:  كساء غليظ يكون على ظهر البعير يلبس بعضه ونبسط بعضه.

          القعب:  إناء أو كوب نشرب فيه الماء.

          فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم: (أئتنى بهما) ، فأتاه بهما.  فأخذهما – صلى الله عليه وسلم – بيده ، وقال لأصحابه:  (من يشترى هذين؟) فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم ، فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (من يزيد على الدرهم؟).  فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين – فأعطاهما – صلى الله عليه وسلم – إياه.  ثم أخذ صلى الله عليه وسلم الدرهمين فأعطاهما للرجل وقال له:  (إشتر بإحدهما طعاماً لأهلك وإشتر بالدرهم الآخر قدوماً فأتنى به) ففعل الرجل ذلك – شد – صلى الله عليه وسلم – فى القدوم عوداً ، ثم قال للرجل:  (إذهب فاحتطب وبع ، ولا أراك خمسة عشر يوماً).

          ففعل الرجل ذلك ، ثم جآء إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد تلك المدة وقد أصاب عشرة دراهم ، فأشترى ببعضها ثوباً ، وببعضها طعاماً ، فلما رآه قال له – صلى الله عليه وسلم:  (هذا خير لك من أن تجئ يوم القيامة ، وقد ظهر فى وجهك ما يشوهه ويسوءه).

          العمل وسيلة من الوسائل التى تزيد المسلم عزة على عزته وشرفاً على شرفه ، فعن الحديث الشريف يقول – صلى الله عليه وسلم: (الأيدى ثلاثة:  فيد الله العليا ، ويد المعطى التى تليها ، ويد السائل السفلى).

          صدقت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

( والحمدلله رب العالمين )

اترك تعليقاً