أيهما أفضل صدقة السر أم صدقة العلن؟

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الشفيع المشفع يوم الزحام وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه عدد من صلى وصام وحج إلى يوم القيامة.

أما بعد،،،،

فالعطايا المسنونة:

ويقصد بها ما يعطيه الإنسان لغيره من المحتاجين سُنة وليس مفروضاً عليه بل يؤديه ابتغآء وجه الله تعالى ورغبة فى زيادة الأجر والثواب عند الله وكذلك فى إذكاء روح التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع المسلم.

إذ من المعلوم أن الفرق بين الفرض والسُنة أن الفرض هو ما أفترضه الله على الإنسان ويجب عليه أدأه.  وأما السُنة فهى بأختيار الإنسان إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها.

والعطايا المسنونة هى:

          الصدقة – الهدية – الهبة – النفقة – الوصية.

أولاً:  الصدقة:

          فهى عطية تُعطى للفقير المحتاج وليست مفروضة وليس لها مقدار وغالباً ما تُعطى الصدقة للمحتاجين.

فضيلة الصدقة فى الكتاب:  

          قال الله تعالى فى سورة الحديد الآية (7):

(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ).

بمعـــنى:  صدقوا بأن الله واحد وأن محمدا عبده ورسوله ، وتصدقوا من الأموال التى جعلكم الله خلفاء فى التصرف فيها ، فهى فى الحقيقة لله لا لكم.

          قال فى تفسير التسهيل لعلوم التنزيل:  أن الأموال التى بأيديكم إنما هى أموال الله لأنه خلقها ، ولكنه متعكم بها وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها ، فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء فلا تمنعوها من الإنفاق فيما أمركم مالكها إن تنفقوها فيه.  والمقصود التحريض على الإنفاق والتزهيد فى الدنيا.

          أن العبد يرث المال عمن سبقه ويموت ويتركه لمن بعده فلا يدفن معه فى قبره…

الآية الثانية:

          (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) سورة الحديد الآية (11).

بمعــــنى:   من ذا الذى ينفق ماله فى سبيل الله ابتغاء رضوانه يعطيه الله عز وجل أجره على إنفاقه مضاعفا وليس هذا فقط وله مع المضاعفة ثواب عظيم كريم وهو الجنة.

          قال ابن كثير فى تفسيره:

          المنفق جزاءه جميل ورزق باهر فى الجنة ، ولما نزلت هذه الآية قال (أبو الدحداح الأنصارى):  يارسول الله:  وإن الله ليريد منا القرض؟  (نعم يا أبا الدحداح).  قال:  أرنى يدك يارسول الله ، فناوله يده ، قال:  فإنى قد أقرضت ربى حائطى ، أى بستانى – وله فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه هى وعيالها ، فجاء أبو الدحداح فناداها:  يا أم الدحداح قالت:  لبيك ، قال أخرجى فقد أقرضته ربى عز وجل ، فقالت:  ربح بيعك يا أبا الدحداح ونقلت منه متاعها وصبيانها.  جزء (3) صــ 448.

          فإن النبى – صلى الله عليه وسلم – سُئل عن أفضل الصدقة فقال:  (وأن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقى قلت:  لفلان كذا ولفلان كذا).  أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة.

          وأن يخفى صدقته لقوله تعالى:  (وإن تخفُوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) وألا يمُن لقوله تعالى:  (لا تُبطلوُا صدقاتكم بالمن والأذى) سورة البقرة الآية (264).

          وأن يستحقر كثير ما يعطى لأن الدنيا كلها قليلة وأن يكون من أحب أمواله لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (92):

          (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

          (وله أجر كريم):  يعنى الجنة ….

لمن تعطى الصدقة:

          اتفق أهل العلم على أن الصدقة تعطى للمحتاجين من الفقراء والمساكين سواء كانوا مسلمين أو غير مسملين وهذا يدل على تفرد الإسلام بالسماحة التى لا تفرق بين إنسان وآخر بلون أو دين وتعطى الصدقات كذلك لإقامة المشروعات النافعة للمجتمع من مساجد ومدارس وبناء مستشفيات لخدمة الضعفاء والمحتاجين.

مقدار الصدقة:

          ليس للصدقة مقدار معين فيكفى فيها القليل والكثير أجره أعظم والرضا بالقليل فى الصدقة له حكمة عالية عند الله تعالى ألا وهى أن يُفتح الباب لأكبر عدد من الناس ليشاركوا بالصدقة فتقبل الصدقة منهم بأقل شئ حتى ولو بشق تمرة مصداقاً لحديث السيدة عائشة – رضى الله عنها – نقلاً عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (تصدقوا ولو بشق تمرة فإن الله يتقبلها ويبر بيها حتى تكون مثل أُحد يوم القيامة).

          ثم تقول قول الله تعالى فى سورة الزلزلة الآية (7 ، 8):

(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(8).

من آداب الصدقة فى الإسلام:

          للصدقة فى الإسلام آداب كثيرة نذكر منها:

(1)            أن يتصدق الإنسان وهو صحيح قادر حتى لا تؤثر الصدقة عليه.

(2)            ألا تصحب الصدقة بالمن والأذى – من المتصدق على من يأخذ الصدقة.  والمنُ يعنى:  أن يُذكر الإنسانُ المتصدق من تصدق عليه بأنه أحسن إليه يوماً وهذا يفسد الصدقة ويبطلوها مصداقاً لقوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى) سورة البقرة (264).

(3)            يجب أن تُصحب الصدقة بالإخلاص والصدق فى النية حتى تقبُلها الله تعالى وألا يكون معها رياءً ولا سمعة فالرياءُ يحبط العمل.

معنى الرياء:  تحب أن تشوفه وهو يعطى الصدقة وهى علامة من علامات النفاق.

معنى السمعة:  يُحب أن تتكلم الناسُ عنه.

صدقة السر وصدقة العلن:

          إن الله تعالى يقارن بينهم فى قوله تعالى:  (إن تُبدوا الصدقات فنعما هى ، وإن تُخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم). سورة البقرة .

فأيهما أفضل:  لاشك فى أن كل منهما فيه أجر وفضل مع النية الصادقة لله.

          فصدقة العلن فيها تشجيع للمؤمنين لكى يكثروا من الصدقة إذا رأوا المحسنين يكثرون من الصدقة.

          وإن إظهار الصدقة إقامة لسنة الشكر وقد قال الله تعالى:  (وأما بنعمة ربك فحدث)  والكتمان كفران النعمة قد ذم الله تعالى من كتم ما آتاه الله عز وجل وقرنه بالبخل فقال تعالى:  (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله).

          وقال صلى الله عليه وسلم:  (إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى نعمته عليه)  أخرجه أحمد بن حنبل.

          وعلى هذا تكون صدقة الجهر قد حوت من المزايا الشئ الكثير.

أما صدقة السر:  ففيها خير كثير أيضاً مع صدق النية لله فإخفاء الصدقة فيه ستر على المسلم الذى يأخذها – وفيه منع لغرور المتصدق وخيلائه حتى يقبل عمله عند الله خالصاً وإذا أردنا أن نجيب عن السؤال أيهما أفضل؟

          بالطبع صدقة السر أفضل لأن أجرها أكثر ومنزلة صاحبها عند الله أعمق وأعلى…

          مصداقاً لقول النبى – صلى الله عليه وسلم:  (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما صنعت يمينُه).

        ومن خلال ذلك يتبين لنا:

          أن الرعاية الإجتماعية والتكافل الإجتماعى لم تعرفه البشرية ولم تعرفه الدنيا إلا من خلال تشريعات الإسلام التى أرساها وعلمها لنا النبى محمد – صلى الله عليه وسلم – من القرآن ومن السنة النبوية المشرفة.

          وهذا بدوره يدل على عظمة الإسلا م وأنه دين الرحمة ودين يدعو إلى الترابط الإجتماعى والحفاظ على حقوق ذوى القربى….

 

الأحاديث التى تبين فضل الصدقة:

(1)            قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه عقبة بن عامر: (كل امرئ فى ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس) ابن حبان.

(2)            عن أنس – رضى الله عنه قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (الصدقة تسد سبعين بابا من الشر)  أخرجه ابن المبارك فى البر.

(3)            وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال: وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه:  (تصدقوا ، فقال رجل: إن عندى ديناراً ، فقال: أنفقه على نفسك فقال:  إن عندى آخر ، قال: أنفقه على زوجتك ، قال: إن عندى آخر ، قال: أنفقه على ولدك ، قال: إن عندى آخر ، قال:  أنفقه على خادمك ، قال: إن عندى آخر ، قال صلى الله عليه وسلم: أنت أبصر به).

(4)            وعن عائشة – رضى الله عنها – قالت:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (ردوا مذ مة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لو صدق السائل ما أفلح من رده).

(5)            وقال عيسى عليه السلام:  (من رد سائلاً خائباً من بيته لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام).

(6)            وعن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (ما من مسلم يكسو مسلماً إلا كان فى حفظ الله عز وجل مادامت عليه منه رقعة).  أخرجه الترمذى.

(7)            وقال عروة بن الزبير:  (لقد تصدقت عائشة – رضى الله عنها – بخمسين ألفا وإن درعها لمرقع).(مثل الجلباب)

(8)            كان عبدالله بن عمر بن الخطاب – رضى الله عنهما – قال:  (كنت أتصدق بالسكر مصداقاً لقوله:  (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) والله يعلم أنى أحب السكر.

(9)            وقال عبيد بن عمير:  (يُحشر الناسُ يوم القيامة أجوع ما كانوا قط – وأعطش ما كانوا قط وأعرى ما كانوا قط ، فمن أطعم لله عز وجل أشبعه الله ومن سقى لله عز وجل سقاه الله ، ومن كسا لله عز وجل كساه الله).

فوائد الصدقة:

(1)            إن الملائكة تدعو لك فى زيارة أموالك.

(2)            إنها انتصار على الشياطين.

(3)            إنها تُطفئ غضب الله عز وجل.

(4)            إنها علاج وشفاء لكل الأمراض.

(5)            إنها تحمى عرضك وشرفك.

(6)            إنها تحسن خاتمتك قبل موتك.

(7)            الصدقة تسترك وتحميك من النار.

(8)            إنها تكون لك ظل يوم القيامة.

(9)            إنها تزيد وتبارك فى أموالك.

(10)      إنها تلين قلبك من القسوة.

(11)      الصدقة تُطفئ حر عذاب القبر.

(12)      إنها تطفئ خطاياك وتمسح ذنوبك.

(13)      تدفع البلاء عن المتصدق وأهل بيته.

(صنائع المعروف تقى مصارع السوء).

          الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال:  (اللهم أعطى منفقاً خلفاً وأعطى ممسك تلفاً).

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

 

اترك تعليقاً