بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،،،
فكان أبوبكر الصديق في الجاهلية من وجهاء قريش وأشرافهم وأحد رؤسائهم. وكان من بني تيم وكانت الأشناق ، وهي الديات والمغارم ، فكان إذا حمل شيئاً فسأل فيه قريشاً صدقوه.
ولقد كان الصديق في المجتمع الجاهلي شريفاً من أشراف قريشاً ، وكان من خيارهم ، ويستعينون به فيما نابهم ، وكانت له بمكة ضيافات لا يفعلها أحد.
(تاريخ الدعوة عن يسرى محمد: ص 42)
قال العلماء:
صحب أبوبكر الصديق النبى – صلى الله عليه وسلم – من حين أسلم إلى حين توفى لم يفارقه سفراً ولا حضراً ، إلا فيا أذن له عليه الصلاة والسلام في الخروج فيه من حج وغزو ، وشهد معه المشاهد كلها ، وهاجر معه ، وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وهو رفيقه في الغار ، مصداقاً لقوله تعالى في سورة التوبة الآية (40):
(ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).
وقام بنصر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مواضع كثيرة ، وثبت يوم أُحد ويوم حنين ، وقد فر الناس.
وقد أشتهر أبوبكر الصديق بعدة أمور:
أولاً: العلم بالأنساب:
فهو عالم من علماء الأنساب وأخبار العرب ، وكان أستاذ الكثير من النسابين كعقيل بن أبي طالب وغيره ، وكانت له مزية حببته إلى قلوب العرب وهي: (أنه لم يكن يعيب الأنساب).
فقد كان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها ، وبما فيها من خير وشر.
مصداقاً للحديث الذى روته أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أبابكر أعلم قريش بأنسابها). (أخرجه مسلم)
وقريش تعترف للصديق بأنه أعلمها بأنسابها وأعلمها بتاريخها ، وما فيه من خير وشر ، فالطبقة المثقفة ترتاد مجلس أبي بكر لتنهل منه علماً لا تجده عند غيره ، ومن أجل هذا كان الشباب النابهون والفتيان الأذكياء يرتادون مجالسه دائماً ، إنهم الصفوة الفكرية التى تود أن تلقي عنده هذه المعلوم.
ثانياً: تجارته:
كان أبوبكر في الجاهلية تاجراً ، ودخل بُصرى من أرض الشام للتجارة ، وأرتحل بين البلدان ، وكان رأس ماله أربعين ألف درهم (40,000 درهم) وكان ينفق من ماله بسخآء وكرم عُرف به في الجاهلية. (الخلفاء الراشدين)
وطبقة رجال الأعمال ورجال المال في مكة ، هي كذلك من رواد مجلس الصديق ، فهو إن لم يكن التاجر الأول في مكة ، فهو من أشهر تجارها ، وبطيبته وحسن خُلقه تجد عوام الناس يرتادون بيته ، فهو المضياف الذى يفرح بضيوفه ، فكل طبقات المجتمع المكي تجد حظها عند الصديق رضوان الله عليه.
(التربية القيادية للغضبان جزء1 ص115).
ثالثاً: حب قومه له:
قال ابن إسحاق في (السيرة) أنهم كانوا يحبونه ، ويعترفون له بالفضل العظيم والخلق الكريم ، وكانوا يأتونه لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.
وقد قال له ابن الدغنة حين لقيه مهاجراً: (إنك لتزين العشيرة وتعين على النوائب وتكسب المعدوم – وتفعل المعروف). (البخاري – كتاب مناقب الأنصار)
رابعاً: لم يشرب أبوبكر الخمر في الجاهلية:
فقد كان أعف الناس في الجاهلية ، حتى إنه حرم على نفسه الخمر قبل الإسلام (السبب) أنه مر برجل سكران يضع يده في العذرة (الغائط) فضلات الإنسان ويقربها من فيه ، فإذا وجد ريحها صرفها عنه ، فقال أبوبكر: إن هذا لا يدري ما يصنع.
وفي رواية لعائشة: (ولقد ترك أبوبكر وعثمان شرب الخمر في الجاهلية).
وقد سُئل أبوبكر هل شربتة الخمر في الجاهلية؟
قال: أعوذ بالله ، فقيل: ولم؟ قال: (كنت أصون عرضي ، وأحفظ مروءتي ، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً لعرضه ومروءته). (تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص49)
خامساً: لم يسجد لصنم:
قال أبوبكر – رضي الله عنه – في مجمع من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ما سجدت لصنم قط (أبداً) ، وذلك لما ناهزت الحلم (كبر وسنه 14 سنة) أخذني أبوقحافة بيدي فأنطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام ، فقال لي: هذه آلهتك وذهب ، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمنى فلم يُجبني ، فقلت: إني عار فاكسني فلم يُجبني ، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه.
وقد قال الأستاذ/ رفيق العظم (كتاب أشهر مشاهير الإسلام جزء 1/12)
عن حياة الصديق في الجاهلية: إن إنسان نشأ بين الأوُثان حيث لا دين ولا شرع للنفوس قائد ، وهذا مكانه من الفضيلة واستمساكه بالعفة والمروءة .. لجدير بأن يتلقى الإسلام بملء الفؤاد ، ويكون أول مؤمن بهادى العباد.
لله در الصديق – رضي الله عنه – فقد كان يحمل رصيداً ضخماً من القيم الرفيعة ، والأخلاق الحميدة ، وقد شهد له أهل مكة بتقدمه على غيره في عالم الأخلاق والقيم والمثل ولم يكن له عندهم عيب إلا الإيمان بالله ورسوله.
لقد أجمع أهل السُنة أن أفضل الناس – بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أبوبكر ، ثم عثمان ، ثم علي ، ثم سائر العشرة المبشرين بالجنة ، ثم باقي أهل بدر ، ثم باقي أهل أُحد ، ثم باقي أهل البيعة ، ثم باقي الصحابة.
وعن سعيد بن المسيب قال: كان أبوبكر من النبى – صلى الله عليه وسلم – مكان الوزير ، فكان يشاوره في جميع أموره ، وكان ثانيه في الإسلام ، وثانيه في الغار ، وثانيه في العريش يوم بدر ، وثانيه في القبر ، ولم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقدم عليه أحداً. (أخرجه الحاكم)
(( والحمدلله رب العالمين ))