أسمآء الجنة ومن أهلها؟

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على منقذ البشرية وهادي الإنسانية محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

أما بعد ،،،،،

          فأول ما نذكر عن دار الرحمة ، دار السلام ، دار المأوى ، دار الخُلد ، دار النعيم ، دار الجلالا – دار الرضوان – ومن أجل هذه الدار أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين حتى يبعدوهم عن الشر ويحملوهم على فعل الخير.

          وهذه الدار هي التى نسعى من أجلها فيصلى المصلون ويصوم الصائمون ويحج الحاجون ويزكي المزكون ويتصدق المتصدقون ويذكر الذاكرون.  جعلني الله وإياكم من أهلها….

معنى الجنة :

في اللغة :  هي الحديقة التى تكثر فيها الأشجار وتلتف – أو البساتين الحديقة التى تزين بالزروع والثمار.

الدليل أن الجنة بمعنى الحديقة قول الله تعالى في سورة القلم الآية (17):

          (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ).

          يقول الله تعالى: (إنا بلوناهم)  كفار قريش امتحناهم واختبرناهم بالآلاء والنعم لعلهم يشكرون فلم يشكروا ثم بالبلاء والنقم مثل القحط – الجدب والقتل لعلهم يتوبون كما بلونا أصحاب الجنة – أصحاب الجنة أقسموا أن يقطعوا ثمارها في الصباح الباكر قبل أن يعلم المساكين حتى لا يعطوهم شيئاً – (فطاف عليها طائف من ربك) ، أرسلنا عليها نار أحرقتها (فأصبحت كالصريم) الليل المظلم الأسود الشديد السواد…

          هذه الحديقة بأرض اليمن بالقرب من صنعاء وكانت هذه الأرض لرجل يؤدي حق الله تعالى منها فلما مات وصارت إلى ولده (وكانوا كثيرون) فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها أبتلاهم الله بأن أحرق جنتهم – وكانوا أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام بيسير ، والذى طاف عليها هو جبريل عليه السلام.

          نعيم الجنة لا عين رأته ولا أُذن سمعته ولا خطر على قلب بشر ، وإذا سمعنا في القرآن أو الأحاديث شيئاً عن أسماء النعيم في هذه الجنة فهذا مجرد اسم يذكره الله عز وجل ، أما حقيقة هذا الاسم من الفاكهة والنعيم فهو شئ لا يمكن أن يخطر على بال إنسان فإن الله ذكر الرومان أو النخيل في دار الجنة في الآخرة فليس معناه أن النخيل هناك مثل النخيل عندنا في الدنيا ، أو الرومان هناك مثل الرومان هنا وإنما كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما:  (ليس في طعام الجنة ولا فواكها مما فى الدنيا إلا الإسم أما حقيقة المسمى فلا يخطر على قلب بشر).

          ولابد أن الله بقدرته سيُرى أحبابه في هذه الدار أشياء مبهرة لأننا نرى حُكام الدنيا وعلماء الدنيا والمخترعين والمبتكرين يصنعون في بعض الأوقات أشياء مبهرة تكاد تكون خارقة للعادة مثل:  إختراع الذرة – وشق النواة – سفن الفضاء – والأقمار الصناعية …

          شق النواة:    كناية عن شطر (قسم) جزئيات الذرة.

          وإذا كان أهل الدنيا مع كونهم من بنى الإنسان وهم من بني البشر العاجزين القاصرين محدودي الأجل استطاعوا بالعقول التى أنعم الله بها عليهم أن يفعلوا هذه العجائب فما بالكم بمن خلقهم .

          لابد أن يكون في الآخرة أشياء مبهرة جداً جداً جداً.  ولولا أن الله سوف يُنشئنا إنشاءً آخر ويزودنا (1) بعقول أثبت ، (2) وأرواح أقوى وأشرف ، (3) وأبدان أصلب وأقوى.

          لولا  أن الله تعالى سيهيئونا في الآخرة تهيئة أخرى لما أستطاعنا أن نتحمل أن نرى هذا الجمال والكمال والجلال – ولولا أن الله عز وجل سيقدرنا على تحمل رؤية هذه المبهرات لن نستطيع أن نثبت أمام جمال الله وما أعده لعباده في دار الجنان.

          والقرآن كما أعطى النار بعض الألقاب والأوصاف الأخرى وذكرنا ذلك مثل كلمة الجحيم أو الحُطمة أو الدرك الأسفل أو الهاوية إلى آخر تلك الأسماء السبعة.

          فإنه أعطى الجنة أوصاف أولاً : دار السلام :

          السلام هو الأمن – أن تعيش في أمان مع نفسك ومع غيرك ولا تعكير صفُ ولا زلزلة ولا بغضاء ولا قلقلة.

          (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)

          ثانياً : دار الخُلد:

          (وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار).

          وهناك أدلة على أن الله عز وجل سيذبح الموت ذبحاً وينادي يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت ، فيزداد عباد الرحمن فرحاً بنعيمهم ولأنه لا يعكر أبداً بموت ولا نغص ولا خروج من الجنة (وما هم منها بمخرجين).

          وكذلك يزداد أهل النار حسرة لأنهم فيها مخلدون.

          ثالثاً : جنة النعيم:

          (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم) سورة لقمان الآية (8).

          لما فيها من مُتع للنفس ونعيم للأرواح والأبدان والعقول.

          رابعاً : جنة المأوى:

          (عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) سورة النجم الآية (14 ، 15).

          بمعنى:  جنة المبيت – وهى الجنة التى يصير إليها المتقون لأنها تأوى إليها أرواح المؤمنين وهى تحت العرش فيتنعمون بنعيمها ويتنسمون بطيب ريحها..

          خامساً :جنة الرضوان:

          (ورضوان من الله أكبر).

         سادساً : دار القرار:  كما قال القرآن على لسان مؤمن آل فرعون في سورة غافر الآية (39):

          (ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار).

          فالجنة هى دار الاستقرار ونحن في الدنيا غير مستقرين فكل واحد منا يعيش قلق لأننا ننتظر الموت بين لحظات وأخرى فلا استقرار في الدنيا ولا تلاقي دائم بل لابد من: (1) الفراق ولابد من (2) الوداع ولابد أن يفترق الزوج عن زوجه والأب عن أولاده والأم عن عيالها والحبيب عن أحبابه إما أن يسبقهم وإما أن يسبقوه.

          الحياة عبارة عن:

(1)ميلاد ثم موت أو مهد ثم لحد أو لقاء ثم فراق ، أما الإستقرار الكامل عند الله في جنة الخلد جنة القرار جنة الجمال وجنة الجلال وفيها النظر إلى وجه ربنا عز وجل ، وهي النعمة الكبرى لا تعدلها نعمة أخرى أبداً من متع الأرواح والعقول والنفوس والأبدان .

          وبما أن الجنة غيبُ من غيب الله عز وجل وليست هي في هذه الدار واقعة تحت أبصارنا نحس بالبصر أو السمع أو نلمسها باليد – هذا شئ غيب مُدخر في علم الله لا يمكن الوقوف عليها أو الإحاطة بها أو إدراكها إلا يوم أن نصل إليها فعلاً.

          وبما أن الجنة لون من ألوان الغيب فلا يصح أن نتكلم عن الجنة بمجرد العقل أو الاستنتاج أو الإجتهاد فهي أمور غيبية لا نمشي فيها خطوة واحدة إلا معنا الدليل من كلام الملك الجليل أو رسوله النبيل.   كما قال العلامة عبداللطيف مشتهري.

          إذا تكلم الله عن الجنة فهو الدليل ونأخذ كلامه حُجة لأنه هو الذى خلقها – وإذا تكلم رسوله فهو المبلغ عن الله وهو الوسيط الذى بلغنا هذا الدين (القرآن) والحكمة (السنة).

          فنأخذ كلامه على العين والرأس.

من شروط الإيمان أن يؤمن الإنسان بالغيب.

          وإذا لم يفهم شئ من أمور الغيب فيسلم لرب الغيب.  مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (3) من صفات المتقين:

          (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).   

          لأن الإسلام منه قسم غيب بل الأصل الذى نسعي إليه وهو البعد عن النار ودخول الجنة والفوز برضوان الله كله غيب.

          ومن شروط المؤمن الذى يؤمن:

          بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أنه يرضي بكل ما جآء عن الله عز وجل.

مثال:  إنسان دخل كلية أو مدرسة فعليه أن يتبع نظامها ، فما دمت نطقت بالشهادتين وآمنت بالله يجب ان تؤمن وترضي وتسلم عن كل ما جآء عن الله سواء فهمت أم لم تفهم (والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون).

          ومن أجل هذا وجدت أنه لا بد لي وأنا أتحدث عن الجنة أن استنبأ من الله أقول يارب أنت الذى خلقت الجنة قول لي عنها – (والله ما فرط في الكتاب من شئ).

          معايا الدليل والمصباح الذى ينير لي الطريق – أول شئ في الجنة أن أرى القرآن الذى أنزله الله كتاباً معصوماً كتاباً قيماً غير ذي عوج – هناك بعض عينات لأن القرآن لا يُحصى – نأخذ بعض العينات ونماذج وأمثلة علشان نُكون فكرة عن الجنة فقط وعن أهلها.  من أهلها؟.

          وماذا يعملون؟

          نحن نتكلم من أجل أن نحاول أن نكون من أهل هذه الدار لأنها هي المستقر وبعد أن نأخذ بعض آيات الله نستشير حبيب الله خير الأنام ومصباح الظلام وبذلك تكتمل عندنا المعلومات.

          يقول الله تعالى:   (نزلنا إليك الكتاب تبياناً لكل شئ).

          قال ابن عباس: (لو ضاع لي عقالُ بعير لوجدته في كتاب الله)

          كل ما تتبحر في القرآن وكل ما تخدم القرآن (1) بالعمل ، (2) والتطبيق ، (3)والتدبر لآياته كلما فتح الله عليك إشراقات وفتوحات وعلمك ما لم تكن تعلم.

          إذا كان بعض الناس حافظين القرآن والله لم يُعطيهم إشراق ولا صفاء فهذا لأنهم أقاموا حروفه وضيعوا حدوده ، والقرآن ليس حروف فقط – القرآن ليس ألفاظ يُتلى إنما هو كتاب نزله إليك مباركُ ليدبروا ءاياته.

          فتدبر الآيات وتتبع الآية وما فيها من عظمة ونقف عند الآية يوم أو أثنين ونسأل العلماء ما معنى هذه الآية ، لو أخذت جملة واحدة من آية أو سطر وتمعنت وتدبرت وفهمت معناها لكان خيراً لك من ألف ختمة بدون تدبر وفهم.

          (عمر بن الخطاب)

          استمع ذات ليلة إلى قارئ يتهجد بالليل ويقرأ سورة الطور فلما وصل إلى قوله تعالى:

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)مَا لَهُ مِن دَافِعٍ)(8).

          صرخ عمر في الشارع وهو يسمع كلام الله وخر مغشياً عليه ولم يفق إلا بعد أن عثر عليه المارة وهم خارجين لصلاة الفجر ، وفي الظلام وجدوا جثة فحركوا ورشوا مآء قالوا مالك ياأمير المؤمنين؟.  قال:  ما هي إلا آية من كتاب الله انصدع لها قلبي وخشيت أن عذاب ربي واقع – فتخيل عمر أن عذاب الله واقع فعلاً ، فهؤلاء كانوا عايشين مع القرآن – بل يعيشون في القرآن وبالقرآن.

          كان القرآن ليس شئ أجنبي كل شهرين ثلاثة نقول هاتوا القرآن عليه التراب شبر (كان القرآن يجري في عروقهم مجرى الدم ويسلُكُه الله في أبدانهم مسلك الروح كانوا يعيشون به (1) عبادة ، (2) وخُلق ، (3) ومعاملة ، (4) وسلوك ، (5) وظن ، (6) وأفكار يعيشون به إعتقاداً وتوحيداً ، وبهذا العيش والتعايش مع القرآن نصرهم الله عز وجل.

          …  فلابد أن نستهدي بالقرآن لكي نعلم فى موضوع الجنة ماهو نعيم الجنة؟  أهلها شكلهم أيه؟  أوصافهم أيه؟  نحاول نحب الصالحين كما قال الإمام الشافعي رحمه الله.

          أحبُ الصالحين ولستُ منهم            …                لعلي أنالُ بهم شفاعة

          وأكره من تجارته المعاصي            …                وإن كنا سواء في البضاعة

          أنا أحب الصالحين ولكن أنا ليس منهم أنا مُقصر لعل الله تعالى يرزقني بواحد طيب يشفع لي يوم القيامة – وأكره العصاه وإن كنتم معهم فأنا عاصي مثلهم.

          هذا تواضع من الإمام الشافعي القريشي الهاشمي – رحمه الله.

          الذى شهد له جميع السلف بعلو كعبه في العلم، والعمل ، والإخلاص ، وكان يقول رأيتُ النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنا ابن سبع سنين  فقال:  أتدري من أنا؟  قلت: أنت مني وأنا منك.  لأن الشافعي ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى هاشم بن عبدالمطلب ومن ناحية أمه فاطمة ينتهي نسبها إلى فاطمة الزهراء ومن جهة زوجته حميدة ينتهي نسبها إلى عثمان بن عفان ، ووضع النبي – صلى الله عليه وسلم – فمه على فمي فجرى ريقُه إلى ريقي ، فعرفت ما بين السمآء والأرض ، وكدت أن أُجن فقلت يارسول الله:  (والله إني أخشى على نفسي فأمسك بصُرتي هكذا وضغط عيها فسكن ظاهري وتفجر باطني بالعلم).

المهـــم:   إن القرآن في نصوصه عن الجنة وعن أهل الجنة ويعبر القرآن بالمفرد مرة (بالجنة) ومرة بالجمع (جنات) وهذا ليس فيه تناقض ممكن يكون لك ملكُ في القاهرة وملك في الاسكندرية وأسيوط وبنها – الغردقة – مارينا – والعين السخنة

          ومهما أردت أن تعرف صفة الجنة فاقرأ القرآن فليس وراء بيان الله بيان.

          وإذا كان الله عز وجل سوف يعدد الجنات لبعض الناس معناها؟  يملكون أملاكاً قصوراً فخمة مدهشة في عدة جنات وليس في جنة واحدة ممكن يكون لك في جنة الفردوس قصر – ويكون لك في جنة الخلد قصر ويكون لك في جنة المأوى قصر جعلنا الله وإياكم من أهل السعد.

وللجنة ثمانية أبواب:

          فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد.

          ويقول الله تعالي في سورة الزُمر الآية (73):

          (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا).

          زُمراً:  جماعات متفرقة متتابعة.

          حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان فعمدوا إلى إحداهما كما أُمروا فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أذى ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم ، فلم تتغير أشعارهم بعدها أبداً ، ولا تشعث رءوسهم كأنما دهنوا بالدهان (الكريمات) ، ثم أنتهوا إلى الجنة:

          (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).

          ثم تلقاهم الولدان يطيفون بهم كما تطيف ولدان أهل الدنيا بالحبيب يقدم عليهم من غيبة يقولون له:  أبشر أعد الله لك من الكرامة كذا – فينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فتقول:  أنت رأيته؟  فيقول أنا رأيته وهو بأثري – فيستخفها الفرح حتى تقوم إلى عتبة بابها ، فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح أحمر وأخضر وأصفر من كل لون ثم يرفع رأسه فينظر إلى سقفه فإذا مثل البرق ولولا أن الله تعالى ثبته  لذهب بصره ثم يطأطئ راسه فإذا أزواجه (وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة)..

          نمارق مصفوفة:  وسائد ومرافق              وزرابي مبثوثة:  بُسُط فاخرة

          ثم أتكأ فقال:  (الحمدلله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).

          ثم ينادي مناد:  تُحيون فلا تموتون أبدا – وتقيمون فلا تظعنون أبداً – وتصحون فلا تمرضون أبداً – وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً – وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً فذلك قوله تعالى في سورة الأعراف الآية (43):

          (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

          وأول الآيات التى نبدأ بها في سورة البقرة الآية (25):

(وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

          أمر الله تعالى رسوله أن يبشر المؤمنين المستقيمين بما رزقهم من جنات تجري الأنهار من خلال أشجارها وقصورها والأنهار هي أنهار (الماء واللبن والخمر والعسل).

          وأنهار الجنة ليست في أخاديد وإنما تجرى على سطح الجنة منضبطة بالقدرة حيث شآء أهلها.

          وهذا من تمام النعيم أن يكون قصرك ومن تحته الأنهار.

          (الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) فالجنة تُنال بالإيمان والعمل الصالح ، وهذا تبشير الله لكل مؤمن عمل الصالحات وهذا التعبير ستقابله كثيراً في المصحف فكل آية جمع الله فيها بين الإيمان والعمل فمعناها أن الله لا يكتفي من عبده بمجرد العقيدة.

مثال:   (واحد مؤمن ولكن لا يصلي ولا يصوم) الإيمان بدون عمل كشجرة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار شجرة مقطوع أغصانها وأوراق  وثمار مجرد خشب جدر شجرة يُعطل الطريق – والأشجار التى لا تخرج الأوراق والثمار الأولى قطعُها وإحراقُها بالنار كما قال العلماء.

          (كلما رُزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذى رُزقنا من قبلُ).

          يتخيل المؤمن إن الملك قد أحضر هذا الصنف من قبل يقول له أنت أتيت به من قبل فيقول الملك:

          (كُل ياولى الرحمن فإن اللون واحد والطعم مختلف وهذا من عجائب الله تشابه في المظهر وإختلاف في الطعم).

          فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها ثم أُتوا منها في آخر النهار قالوا: هذا الذى رُزقنا من قبل – فإذا أكلوا منها وجدوا لها طعماً غير الطعم الأول.

          (ولهم فيها أزواجُ مُطهرةُ).

          أزواج:          جمع زوج  –  مطهرات عن دنس الطبع وسوء الخُلق.

          أزواج نقيات من كل أذى وقذر (من دم الحيض والنفاس – البصاق وسائر المعائب والنقائص – عرق له رائحة – بول براز).

          ونجد أن المرأة المسلمة المؤمنة الصادقة التى (1) أطاعت ربها ، (2) وصلت فرضها ، (3) وأطاعت زوجها ، (4) وصامت شهرها ، (5) وصانت عرضها يُقال لها يوم القيامة أدخلي الجنة من أي باب تشآئين فإذا دخلت الجنة مع زوجها فضلها الله على الحور العين

          الحور العين والملائكة يقولون يارب جعلت الدنيا لبني آدم فجعل لنا الآخرة؟

          يقول الله تعالى:  (ليس من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فيكون).

          المرأة المسلمة تعبت في الدنيا منذ أن تزوجت ولاقت الآلام في الحمل والولادة والرضاعة وتربية أولادها – وصبرها على ما تلاقيه من الزوج والأولاد ونظام البيت.  أما الحور لم يتعبوا والله قال لهم كونوا فكانوا.

          (وهم فيها خالدون)  باقون فيها لا يخرجون منها أبداً (وماهم منها بمخرجين).

ماهي صفات أهل الجنة؟

          أول صفة من صفات أهل الجنة في سورة الأعراف الآية (43):

          (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ).

          كيف ينزع الله الغل من الصدور؟

          والله الذى لم ينزعه بنفسه في الدنيا ينزعه الله له في جهنم ربنا يدخل الإنسان الذى عنده الغل النار ليطهره منه لكي يدخل الجنة سليم – فأنت إلحق نفسك من الآن لا تحقد على أحد – والله سبحانه سماه غل ومعنى الغل:  هو القيد الذى يُربط به الحيوان من رقبته أو رجله أو من أذنه مصداقاً لقوله تعالى:

          (إذ الأغلالُ في أعناقهمُ والسلاسل يسحبون).

(إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ).يس (8)

          كالفرس الذى تشد عليه اللجام  .

          والذى عنده الغل يبات تعبان ويُصبح تعبان وملك الله ماشي بنظام الذى أعطاه الله لا أحد يستطيع أن يشيل منه والذى شال منه لا يستطيع أحد أن يعطيه مصداقاً لقوله تعالي في سورة فاطر الآية (2):

(ماَ يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

          ولا ينال صاحب الغل إلا تعب القلب.

          وفى سورة الحجر الآية (45 : 47):

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)(47).

          (عيون ماء تفرح وتشرح الصدور والعين والبدن والعقل).

          الذين اتقوا؟  الفواحش والشرك في بساتين وعيون في سورة (الإنسان) ويقصد بالعيون هنا هي:  الأنهار الأربعة  ماء وخمر ولبن وعسل ، والله أعلى وأعلم.

          ادخلوا الجنة بسلامة من كل داء وآفة وبتحية من الله لهم.

          آمنين:  من الموت والعذاب والعزل والزوال.

          (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)(47).

          قال ابن عباس – رضى الله عنهما:

          (أول ما يدخل أهل الجنة  الجنة تعرض لهم عينان ، فيشربون من إحدى العينين فيذهب الله ما في قلوبهم من غل ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم

وتصفو وجوههم وتجرى عليهم نضرة النعيم).

          (على سُرر متقابلين)  أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض تواصلا وتحابُباً والأسرة تدور كيفما شاءوا فلا يرى أحد قفا أحد.

          فتلاقت آية الأعراف مع آية الحجر.

          إن الله لم يُبق في صدور أهل الجنة ما ينقصُ نعيمها أو يكدر صفوها كحقد أو حسدأو عداوة أو شحناء ولما طهر الله صدورهم أصبحوا في المحبة لبعضهم بعضاً إخواناً يضمهم مجلس واحد يجلسون فيه على سرر متقابلين وجهاً لوجه وإن إرادوا الإنصراف إلى قصورهم تدور بهم الأسرة فلا ينظر أحدهم إلى قفا أخيه.  لأنك لما تجلس مع أخيك أو صديقك أو حبيبك يبقى وجهك له أما الذى أنت زعلان منه أو فيه غل تعطيه جنبك وساعات ظهرك ولا تُطيق أن تجلس معه. 

          والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأعراف الآية (43):

            (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). 

          دخلتم الجنة برحمة الله وفضله ، إنكم ورثتم منازلها بعملكم ودخولها إياها برحمة الله وفضله كما يقال في الأثر الذى ذكره (الألوسي في روح المعاني):

          (ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار رُفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم:  هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ثم يقال:  ياأهل الجنة أُورثُوهم بما كنتم تعملون فتقسم بين أهل الجنة منازل أهل النار )

          وفي صحيح مسلم:

          (لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه في النار نصرانياً أو يهودياً).

          ويقول الله تعالى لهم:  كم تعبتم معي وكم سهرتُ الليالي (قيام الليل).

          اللهم زدنا ولا تنقصنا وأرضنا وأرضى عنا.

          كلمة الإرث تكررت في القرآن: 

في سورة المؤمنون:  الآية (10)

(أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ).

          في سورة مريم:  الآية (63):

(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا).

          في سورة الأعراف:   الآية (43):

          (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

          وفى سورة الشعراء:  الآية (85):

(وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ).

ومن صفات أهل الجنة:

          إقامة فرائض الله مصداقاً لقوله تعالى في سورة المؤمنون الآية (1 : 11):

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(9)أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(11).

        ((قد أفلح المؤمنون))

          يُخبر الله تعالى وهو الصادق الوعد بفلاح المؤمنين والفلاح هو الفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة ووصف هؤلاء المؤمنين المفلحين بصفات متصفاً بها.  فقد ثبت له الفلاح وأصبح من الوارثين الذين يرثون الفردوس يخلدون فيها وتلك الصفات هي:

          (الذين هم في صلاتهم خاشعون).

(1)            الخشوع في الصلاة:  بأن يسكن فيها المصلى فلا يلتفت فيها برأسه ولا بطرفه ولا بقلبه مع رقة قلب ودموع عين وهذه أكمل حالات الخشوع في الصلاة.

قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (أُنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ ((قد أفلح المؤمنون)) حتى ختم العشر آيات)  أخرجه الترمذي.

الخشوع:  محله القلب فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها لخشوعه إذ هو ملكُها.

وأبصر النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال:  (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه).  ذكره السيوطي في الجامع الصغير.

وكان الرجل من العلماء إذا أقام الصلاة وقام إليها يهاب الرحمن أن يمد بصره إلى شئ وأن يحدث نفسه بشئ من الدنيا.

وأختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها؟

والرأي الراجح والصحيح أنه من فرائض الصلاة وهو أول علم يرفع من الناس.

(2)            إعراضهم عن اللغو:  وهي كل قول وعمل وفكر لم يكن فيه لله تعالى إذن وعدم إلتفاتهم إليه.

اللغو:   ((والذين هم عن اللغو مُعرضُون))

إنه المعاصي كلها فهذا قول جامع يدخل فيه قول من قال:  هو الشرك وهو الفناء.

(3)            أداء الزكاة:  ((والذين هم للزكاة فاعلون))

أداؤهم لفريضة الزكاة الواجبة من أموالهم الناطقة كالمواشي والصامتة كالنقدين الذهب والفضة والحبوب والثمار ، وفعلهم لكل ما يزكي النفس من الصالحات.

(4)            حفظ فروجهم:  ((والذين هم لفروجهم حافظون))

من كشفها ومن وطء غير الزوج أو الجارية المملوكة بوجه شرعي – فهم غير ملومين في إتيان أزواجهم وما ملكت إيمانهم – ولكن اللوم والعقوبة على من طلب هذا المطلب من غير زوجة وجاريته.

(فأولئك هم العادون)  أى الظالمون المعتدون حيث تجاوزوا ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم.

(5)            مراعاة الأمانة والعهود:   ((والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون))

محافظتهم على ما ائتمنوا عليه من قول أو عمل ومن ذلك سائر التكاليف الشرعية حتى الغُسل من الجنابة فإنه من الأمانة وعلى عُهودهم وسائر عُقودهم الخاصة والعامة فلا خيانة ولا نكث ولا خُلف.

(6)            المحافظة على الصلوات الخمس:   ((والذين هم على صلواتهم يحُافظون))

بأدائها في أوقاتها المحددة لها فلايقدمونها ولا يؤخرونها مع المحافظة على شروطها من طهارة الخبث وطهارة الحدث وإتمام ركوعها وسجودها وإستكمال أكثر سننها وآدابها.

فهذه ست صفات إجمالاً وسبع صفات تفصيلاً فمن أتصف بها كمل إيمانه وصدق عليه اسم المؤمن وكان من المفلحين الوارثين للفردوس الأعلى جعلنا الله تعالى منهم

((أولئك هُمُ الوارثون))

فهم الوارثون أى يرثون منازل أهل النار في الجنة مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إن الله تعالى جعل لكل إنسان مسكناً في الجنة ، ومسكناً في النار فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار ويجعل الكفار في منازلهم في النار)  ذكره ابن كثير في تفسيره

          ((الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون))

          الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:  (فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تُفجر أنهار الجنة) أخرجه البخاري..

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً