كيف تقبل التوبة ؟( شروط قبول التوبة)

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد:

أولاً:  الإخلاص لله:

فإن التوبة عبادة يشترط لها ما يشترط لسائر العبادات من الإخلاص – كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمالُ بالنيات).

      فلابد أن يقصد التائب بتوبته رضا الله عز وجل – ودخول الجنة والنجاة من عذابه.

ثانياً:  الندم على فعل المعصية:  والندم توبة – والذنب إما أن يُحرق بنار الندم فى الدنيا أو يُحرق بنار الآخرة.

الحديث الأول:النادمُ ينتظر من الله الرحمة والمعجب ينتظر من الله المقت ، واحذروا عباد الله التسويف فإن الموت يأتى بغته ، (النادم ينتظر من الله الرحمة).

      لما أنت تندم وتتأسف على ما قد سلف منك فربنا يرحمك ويعتبر الندم توبة – وكأنك لم تعمل شئ. (المعجب ينتظر من الله المقت).

      واحدة تغلط وتتباهى بغلطها وتظلم وتفتخر بظلمها بأنها جبارة فعلت كذا وكذا.

وهناك مثالين للنادم والمعجب.

فى التاريخ الإسلامى وفى القرآن الكريم.

النـادم:  هو آدم عليه السلام حينما أكل من الشجرة وعاتبه الله.  (ألم أنهكما عن تلكُما الشجرة).

      لماذا أكلت يا آدم من الشجرة – قالا فى سورة الأعراف الآية (23):

(قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) سورة البقرة(37).

مثال للمعجب:

      إبليس لعنة الله عليه فى سورة ص (الآية 75 – 76):

(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ(75)قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(76).

      إبليس ليس بنادم – فيه كبر وإعجاب – غلط غلطة ويعاير ربنا:

      (قال ءاسجُد لمن خلقت طيناً).

       (قال أرءيتك هذا الذى كرمت علىٌ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذُريتهُ – إلا قليلاً).

      فرد عليه رب العزة سبحانه وتعالى:

      (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ(77)وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(78).

      … الذى جعل الله يتوب على آدم سرعة ندمه وإعترافه بالذنب ، والذى جعل الله يلعنُ إبليس هو الإصرار والإستمرار والعُجب.

      فشرط التوبة أن تكون على ندم (اللهم تب علينا يا أرحم الراحمين).

ثالثاً:  الإقلاع عن الذنب (عن الذنوب):

الحديث الأول:

      من أحسن فيما بقى                 أحسن اللهُ لهُ ما مضى

      ومن أسآء فيما بقى                 أخذهُ اللهُ بما بما مضى وبما بقى

      ولله المثل الأعلى – إذا فعل إنسان جريمة الحكم يكون مع إيقاف التنفيذ ، ولو فعل جريمة أخرى الحكم الأول يضاف الى الحكم الثانى ، الرسول – صلى الله عليه وسلم – يبلغنا أنت تبت إلى الله وحسنت الدوسية الخاص بك رب العزة يأمر الملائكة أن يمحوا الحاجات البطالة والخطأ الموجود فى الدوسية ويبدلها بأشياء أخرى صالحة.  (أحسن اللهُ لهُ ما مضى).

      مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الفرقان الآية (70):

(إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).

      وإن أساء فيما بقى من عمره خُتم له بالشر ، فإن الله سوف يحاسبه عن القديم والجديد.

      وكما قالوا: لا تستهين بالمعصية ولكن انظرى إلى عظيم من عصيت.

      ولا تحتقر الطاعة ولكن انظر إلى عظيم من أطعت.

شروط صحة التوبة:

(1)          الإخلاص – الندم على فعلها – الإقلاع عن الذنوب.

الله عز وجل يقول:

(يا عبدى إرجع إلى بابى أكتُبك من أحبابى).

الحديث الأول:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (من بلغ الأربعين من عمره ولم يتغلب خيرُه شره فليتجهز إلى النار).

      لا تقول مازال هناك وقت والله سبحانه وتعالى يقول فى سورة الأحقاف  الآية (15):

        (إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً).

      استمر فى الشباب والقوة حتى بلغ أربعين سنة وهو نهاية اكتمال العقل والرشدولذلك لم يبعث نبى قبل الأربعين.

      إذاً… الأربعين سنة ربنا سبحانه وتعالى يعتبرها حدود أنت لم تمشى على شرعى ولم تتبع أوامرى ولم تنتهى عن نواهى.

      والله سبحانه وتعالى يقول فى سورة النجم الآية (32):

      (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) 

      الله يتوب على المرء الذى يفعل الصغائر ثم يتوب منها مثل النظرة – الكلمة – فمغفرة الله واسعة تشمل كل ذنب من الصغائر.

      أى الذين يبتعدون عن الزنا واللواط (اللمم) ماقل وصغر من الذنوب.

قال القرطبى: الصغائر التى لا يسلم الإنسان من الوقوع فيها إلا من عصمه الله كالقبلة والغمزة والنظرة.

      إذاً (من بلغ الأربعين من عُمره ولم يتغلب خيرُهُ شره فليتجهز إلى النار) نسأل الله عز وجل أن يبعدنى وإياكم عن النار وغضب الجبار – آمين.

تستغفر له كيف؟  اللهم اغفر لى وله – اللهم اغفر لى ما أخطأت فى حقه.

      تقول: (اللهم اغفر له) كما جاء فى الحديث:

      (كفارة من اغتبته أن تستغفر له) أخرجه الخرائطى فى مساوئ الأخلاق فلابد فى التوبة من أن تصل الحقوق إلى أهلها.

رابعاً: العزم على ألا يعود للذنب:  فإن كنت تنوى أن تعود إليه عندما تسمح لك الفرصة فإن التوبة لا تصح.

مثـل:  رجل كان والعياذ بالله يستعين بالمال على معصية الله.  يشترى به المسكرات ، ويذهب إلى البلدان من أجل الزنا فأصيب بفقر ، وقال: اللهم إنى تبت إليك هو كاذب ، وهو فى نيته أنه إذا عادت الأمور إلى مجاريها الأولى فعل فعله الأول.

خامساً:  أن تكون فى زمن تُقبلُ فيه التوبة: فلابد أن تكون التوبة قبل حلول الأجل يعنى الموت ، فإن كانت بعد حلول الأجل فإنها لا تنفع التائب لقوله تعالى:

(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) سورة النساء الآية (18).

      وقال تعالى:

لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ(84)فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا

رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)(85).  سورة غافر الآية (84 ، 85).

وهذه توبة إضطرار فلا تنفعه ، ولا تقبل منه لابد أن تكون التوبة سابقة (قبل الموت).

إن الله سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين.

سادساً:  ردُ المظالم:

      كما قال النبى – صلى الله عليه سلم:

      (من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض ، فليتحلله اليوم من قبل ألا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات).

(رواه البخارى فى المظالم والترمذى)

      فيجب على المسلم والمسلمة أن يردا المظالم إلى أهلها قبل أن يكون التعامل بالعملة الصعبة بالحسنات والسيئات ، فى وقت لا يستطيع المؤمن أن يزيد فى حسناته حسنة أو ينقص من سيئاته سيئة ، ولذا قال النبى – صلى الله عليه وسلم:

      (اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة).  (رواه البخاري)

أمثلة للتوبة:

(1)توبة رجل بعد موت صديقه من المخدرات:

يقول التائب:  كنت أترنح يمنة ويسرة ، وأصرخ بكل صوتى وأنا أتناول مع الشلة الكأس تلو الكأس ، واستمع إلى صوت مايكل جاكسون فى ذلك المكان الموبوء والملئ بالشياطين (الديسكو).

كل ذلك فى بلد عربى أهرب إليه كلما شجعنى صديق أو رفيق فأصرف فيه مالى وصحتى ، وأبتعد عن أولادى وأهلى …

وانطلقت بى هوى النفس إلى أبعد من ذلك البلد العربى وأصبحت من عُشاق أكثر من عاصمة أوروبية ، وهناك أجدُ الفجور بشكل مكشوف وسهل ومرن.

وفى يوم من الأيام أواخر شهر شعبان أشار علىٌ أحد الأصدقاء بأن نسافر إلى (بانكوك) وقد عرض علىٌ تذكرة مجانية ، وإقامة مجانية أيضاً ، ففرحت بهذا العرض ، وحزمت حقائبى وذهبت إلى (بانكوك) حيث عشت فيها إنحلالاً لم أعشه طوال حياتى.

وفى ليلة حمراء اجتمعت أنا وصديقى فى أحد أماكن الفجور وفقدنا فى تلك الليلة عقولنا – حتى خرجنا ونحن نترنح – وفى طريقنا إلى الفندق الذى نسكن فيه أصيب صديقى بحالة إعياء شديدة فأوقفت سيارة أجرة حملتنا إلى الفندق.

وفى الفندق استدعى الطبيب على عجل – وأثناءها كان صديقى يتقيأ دماً ، ونقله الطبيب إلى المستشفى ، وبعد ثلاثة أيام من العلاج عدنا إلى أهلينا وحالة صديقى الصحية تزداد سوءاً ، ونقل إلى المستشفى ولم يبق على دخول رمضان غير أربعة أيام.

وفى ذات مساء ذهبتُ لزيارة صديقى فى المستشفى ، وقبل أن أصل إلى غرفته لاحظت حركة غريبة ، ووقفت على الباب فإذا بصراخ وعويل ، لقد مات صاحبى لتوه بعد نزيف داخلى عنيف ، فبكيت وخرجت من المستشفى وأنا أتخيل أننى ذلك الإنسان الذى ضاعت حياته وأنتهت فى غمضة عين – وشهقت بالبكاء وأنا أتوب إلى الله.

وأنا أستقبل رمضان بالعبادة والإعتكاف وقراءة القرآن ، وقد خرجت من حياة الفسق والمجون إلى حياة شعرت فيها بالأمن والأمان والإطمئنان والإستقرار.

نعوذ بالله من سوء الخاتمة ، فمن قتلته المعاصى وخُتم له بعمل من أعمال أهل النار.

      هناك روشتة من الرسول لمحو الذنوب:

قال على – حدثنى أبوبكر قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلى ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له

(3) ومن أمثلة التوبة أيضاً:توبة سـفاح:

      يجب علينا أن نعجل بالتوبة – والتوبة كما تعلمون تمحو كل خطيئة ، قال الله تعالى:

(إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)

سورة الفرقان الآية (70)

التوبة والإستغفار الرسول المعصوم الطاهر كان فى كل جلسة يجلسها يقول: (ربى اغفر لى وتوب علىٌ إنك أنت التواب الرحيم) مائة مرة.  كان جلوسه على ذكر وقيامه على ذكر ، كما قال الله تعالى:

(واذكروا الله كثيراً لعلكم تُفلحون).

كونه معصوم وليس له ذنوب ولا أخطاء لماذا يستغفر ؟ لكى يعلمنا ، والله سبحانه وتعالى يقول فى سورة النور الآية (31):

 (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

      الفلاح – الفوز – السعادة – النجاح – تخلص من هموم الدنيا كل ذلك يأتى بعد التوبة … وهذا فعل أمر –  المعنى:  وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير فى أداء حقوق الله تعالى ، فلا تتركوا التوبة فى كل حال.

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الشورى الآية (25):

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)

أنا أتكلم هنا عن سعة رحمة الله ولم أحرض أحد على الشر ، قصة رجل قتل 99 شخص.  وقال: أنا أُريد أن أتوب إلى الله.  (1) فذهب إلى راهب مشهور بالعبادة. فقال له: أنا قتلت 99 شخص فهل لى من توبة ؟ فأستعظم الراهب الذنب واستكبره فى جناب الرب فقال له الراهب: قم ابعد عنى تحرقنى بنارك – قال: هى خسرانه خسرانه فقتله ، فكمل به المائة –ثم جاء الندم له مرة ثانية ، الله أراد أن يتوب.  ثم ذهب لواحد عالم. وقال له: أنا قتلت مائة فهل لى من توبة ؟  قال العالم:  من الذى يحول بينك وبين ربك ؟ قال: سبحان الله لى توبة – ما الذى أفعله ؟ قال العالم ولكن بشرط واحد ؟ (أن تنطلق إلى (أ) أرض الصالحين ، وبلاد الطائعين فإن بها أناساً يعبدون الله عز وجل ، فأعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء).

فأخذ عياله وزوجته وعزاله وطلع على أرض الصالحين وفى الطريق (قال الله لملك الموت ءائتنى بروحه) – فى منتصف الطريق بين القريتين الصالح أهلها والطالح أهلها– فنزلت ملائكة العذاب وملائكة الرحمة وهذا هو الميت الوحيدالذى حصل فيه التزاوج بين ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

فقالت ملائكة العذاب:  قتل مائة شخص وإنه لم يعمل خيراً قط.

وقالت ملائكة الرحمة:  إنه جآء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى.

ربنا بعث لهم حكم من الملائكة قالوا: نحن مختلفين من الذى يستلم روحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟

قال الملك:  قيسُوا المسافة بين البلدين فإذا كان قريب من بلده الشريرة اذهبوا به إلى جهنم ، وإذا كان أقرب إلى البلد الطيبة فإذهبوا به إلى الجنة.  ولكنه كان فى نصف الطريق بالملى.

فهنا أثناء قياس المسافة أرسل  الله سبحانه وتعالى – ريحاً عاصفة شديدة زحزحته إلى بلد الخير بشبر واحد (أى الله هذا الحديث).في  (البخارى ومسلم)

على الرغم أنه قتل مائة إنما لما ندم وتاب وعرف باب الله ربنا لم يرده ولم يكسفه.

حتى لو ملاءت الأرض فساداً وعناداً وإلحاداً مادمت (1) قد عرفت طريق الله ، (2) وندمت على ما فعلت ، (3) وعزمت على ألا تعود..  فأعلم أن الله يتقبل التوبة ولا تيأس من روح الله: (فإنه لا ييئسُوا من روح الله إلا القوم الكافرون).

(4) ومن أمثلة التوبة أيضاً:توبة قاطع طريق:

(الفضيل بن عياض)  كان قاطع طريق – حتى أمسى شعار القوافل بالليل قُوا أنفسكم شر الفضيل – وبينما الفضيل يستعد للقاء محبوبته ويتسلق جدار بيتها فإذا به يسمع قارئ يُرتل القرآن سورة الحديد الآية (16):

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ

مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)

ألم يأن:  ألم يجئ    أن تخشع:  أن تخضع وترق وتلين

الأمد:  الأجل أو الزمان…

فرجع القهقرى وهو يقول:  بلى والله قد آن !  فآواه الليل فى حزبه وفيها جماعة من المسافرين ويقول بعضهم لبعض:  إن فضيلاً يقطع الطريق – فأمنهم واستمر على توبته حتى كان منه ما كان من السيادة والعبادة والزهادة ثم صار علما يُقتدى به ويُهتدى بكلامه وأفعاله ، (إنى تبت إليك وجعلت توبتى إليك جوار بيتك الحرام).

ومن أقواله: (إنى لو عصيت الله فأعرف ذلك فى خُلُق حمارى وخادمى وامرأتى وفأر بيتى).

(5)ومن أمثلة التوبة أيضاً: (توبة الشاب الجاحد):

شاب نشأ يتيماً ، فتربى فى حجر أمه تقوم على رعايته.  عملت خادمة فى البيوت ، لتوفر له أسباب العيش والقوت – أدخلت الأم وحيدها المدرسة وصبرت… أتم الشاب دراسته الجامعية وبعث إلى الخارج من قبل الكلية.

ودعته أمه من الدموع بنهر قائله له:  أرسل إلىٌ بأخبارك طمئنى على أحوالك ، طالت غيبة الشاب حتى أتم دراسته وأنهى بعثته.  فعاد وقد أثرت حضارة الغرب فى شخصيته ، (1) فرأى الدين تخلفاً ورجعية.

التحق الشاب بعد عودته بوظيفة عالية – وسعى من أجل الزواج بفتاة غنية – وخلال ستة أشهر من الزواج كانت زوجته تكيد لأمه حتى أحدثت بينهما الفجوة والعتاب …  وفى ذات يوم اصطنعت زوجته البكاء وادعت على أمه الأكاذيب وخيرته بينها وبين العجوز الشمطاء – كيف تهجر محبوبته البيت جن جنون الشاب ؟  طرد الشاب أمه فى لحظة غضب – وبعد سوء فعله بساعات خرج يبحث عنها فى الشوارع والطرقات.  لم يجدها..  انقطعت أخبار الأم وشعر الشاب بألم الظلم ..  أُصيب الشاب بمرض السرطان – وأظلمت عليه الدنيا فى كل مكان– جآءت أمه المستشفى بعد سماع الخبر وكانت زوجته عنده, وقبل أن تدخل ألأم عليه طردتها زوجته ، وقالت: (ابنك ليس هنا..  ماذا تريدين ؟) اذهبى عنا …

فرجعت الأم من حيث أتت ..(1)  وبعد وقت طويل انتكست حالة الشاب النفسية ، (2) وفقد وظيفته ، (3) وتراكمت عليه الديون ، (4) وتمردت عليه محبوبته ، (5) وطلبت الطلاق – وكان وقع الخبر عليه أشد من القتل

خرج الشاب يبحث عن أمه الحنون وبعد طول بحث عثر الشاب على أمه تعيش فى دور المسنين (1) تأكل من صدقات المحسنين ، (2) تنتظر الموت بين الحين والحين.

يقول الشاب: دخلت عليها وما أن رأيتها حتى ألقيت بنفسى عند رجليها وبكيت بكاء مراً ، فما كان منها إلا أن شاركتنى البكاء.

بقينا على هذه الحالة ساعة كاملة.

وبعدها أخذتها إلى البيت وأقسمت على نفسى أن أكون طائعاً لها ، وقبل ذلك أكون متبعاً لأوامر الله ومجتنباً لنواهيه.

وها أنا الآن أعيش أحلى أيامى وأجمل ساعاتى مع حبيبة العمر مع أُمى..

 

( والحمدلله رب العالمين )

     

 

اترك تعليقاً