أصحاب اليمين وأصحاب الشمال يوم القيامة تابع / سورة الواقعة الآية 27 : 56

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فمن أراد أن يعلم الأولين والآخرين ، وأخبار أهل الجنة وأخبار أهل النار ، وأخبار أهل الدنيا ، وأخبار أهل الآخرة ، فليقرأ سورة الواقعة.

          وذكر أبوعمر بن عبدالبر في التمهيد:  أن عثمان بن عفان دخل على ابن مسعود يعوده في مرضه الذى مات فيه فقال:  ما تشتكي؟  قال:  ذونبي ، قال عثمان:  فما تشتهي؟ قال ابن مسعود:  رحمة ربي ، قال:  أفلا ندعو لك طبيباً؟  قال:  الطبيب أمرضني ، قال:  أفلا تأمر لك بعطاء. قال: لا حاجة لي فيه. قال: يكون لبناتك من بعدك.  قال ابن مسعود:  أتخشى على بناتي الفاقة من بعدي؟  إن أمرتهن أن يقرأن سورة الواقعة كل ليلة ، فإني سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:

(من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقه أبداً).         ذكره ابن كثير في تفسيره والألوسي في روح المعاني.

          كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور.

          تحدثنا في الدرس الماضي عن أن الناس جميعاً يوم القيامة يفرزون إلى أصناف ثلاث:  السابقين ، وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال:

          (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12).

هؤلاء الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله ، وقتهم وعلمهم ومالهم وطاقاتهم وإمكاناتهم

كلها موظفة في سبيل الخير.

          وأصحاب اليمين هم المقتصدون الذين طبقوا منهج الله عز وجل واستحقوا الجنة ولكن بمرتبة أقل من السابقين السابقين.

          أما أصحاب الشمال فهم المكذبون الضآلين ، هؤلاء لهم مصير أسود يوم القيامة.

          (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)

هؤلاء في الدرجة الثانية ، هؤلاء فعلوا المباحات ، أطاعوا رب الأرض والسماوات ، أعطى جزءاً من وقته للدين ، أما تجارته هي الأصل ، أعمال ، بيته ، نعيمه ، نزهاته هي الأصل ، لكن يخاف الله ويرجو الدار الآخرة ، صلى وصام وحج وزكى وانضبط لكن ما زاد على ذلك (ساعة لقلبك وساعة لربك).

          أصحاب اليمين منزلتهم دون المقربون

          نعيم أصحاب اليمين في الجنة:

          (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)

          الأوصاف الآن من البادية ، شجر السدر اسمه النبق له أشواك ، مخضوض منزوع شوكه ، فان سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر ، وفي الآخرة على العكس لا شوك فيه ، وفيه الثمر الكثير.

حديث:  أقبل أعرابي يوماً فقال:  يارسول الله ذكر الله في الجنة شجرة تُؤذي صاحبها ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (وما هي؟).  قال:  السدر ، فإن له شوكاً مؤذياً ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  أليس الله تعالى يقول: (في سدر مخضود) خضر الله شوكه ، فجعل مكان شوكه ثمرة.

          (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)    قال:  الموز

          هو شجر الموز – عن أبي سعيد الخدري – منضود:  مرصوص مصفوف

          طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل.

          (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)

          أحياناً يكون الإنسان عنده ظل في مزرعة ، ولكن يقول لك لساعتين فقط ، بعدها تأتي الشمس ، أما ظل الجنة ممدود ومستمر غير مؤقت.  والجنة كلها ظل لا شمس معه.

حديث:    عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، اقرأوا إن شئتم (وظل ممدود)   رواه البخاري ومسلم.

          قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه:  الجنة سجسج:  لا حر ولا برد  ، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

          (وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)

          ماء جار دائماً لا ينقطع يجرى في غير أخدود ، مآء مصبوب يجرى الليل والنهار.

          عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال:  (أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك).

          وكانت العرب أصحاب بادية وبلاد حارة ، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدلو والرشاء فوعدوا في الجنة خلاف ذلك.

          (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)

          أحياناً ينتهي الموسم لو كنت غنياً ، الفاكهة غير موجودة ، وأحياناً أخرى موجودة ولكن لا تملك ثمنها.

          إذاً فاكهة الدنيا أما مقطوعة أو ممنوعة:

(1)ممنوعة لإرتفاع ثمنها.             (2) ومقطوعة لإنتهاء موسمها.

          أما في الجنة الفواكة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، مستمرة ولهم ما يشآءون فيها.  لا تنقطع شتاءً ولا صيفاً ، بل أكُلها دائم مستمر.

          الفاكهة ليست مقطوعة بالأزمان ، ولا ممنوعة بالأثمان كما قالوا.

تعريف الجنة:

          (الجنة تُرابها الزعفران ، وحصاها اللؤلؤ والمرجان ، وملاطُها المسك الأذفر ، قصورُها عالية ، وأنهارُها جارية ، وحورها يرفون في حجال ، وأفضل كل ذلك سورة (القيامة) كشف الحجاب عن ذي الجلال).

          (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)

          (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)

          أماكن الجلوس عالية ومشرفة.  عالية ناعمة وفي الحديث:

          (إرتفاعها كما ما بين السمآء والأرض ، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام).    أخرجه النسائي والترمذي (عن أبي سعيد الخدري)

الفرش هنا كناية عن النسآء اللواتي في الجنة.

          ربنا سبحانه وتعالي لما أتى سيرة الفُرش ، لابد أن يأتي بالمتاع الذى عليه ، والقرآن مودب تقرأه البنت فلا يخدش حياءها.   (الفرش للرجل وزوجته).

والمعنى:  ونسآء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن ، والدليل على هذا الآية:

          (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)

قال الألوسي في روح المعاني:

      لا تستبعد هذا الحديث (إرتفاعها كما ما بين السمآء والأرض ، ومسيرة ما بينهما خمسمائة

عام) ، من حيث العروج (الصعود) والنزول ، فعالم الآخرة عالم آخر فوق طور عقلك ، هذه الفرش تنخفض للمؤمن إذا أراد الجلوس عليها ثم ترتفع به ، والله على كل شئ قدير.

          (فى الدنيا المصعد الكهربائي)

          (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)

          إن الله تعالى يخلقهن في الجنة خلقاً آخر في غاية الحسن بخلاف الدنيا ، فالعجوز ترجع شابة ، والقبيحة ترجع جميلة ، فجعلناهن عذارى ، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً.

بمعنى:  كل ما الرجل يتصل بزوجته ، ترجع بكر مرة ثانية.

          سألت أم سلمة النبى – صلى الله عليه وسلم – عن قوله تعالى:

          (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)

          قال:  (ياأم سلمة هن اللواتي قُبضن في الدنيا عجائز شُمطاً عمشاً رمصاً جعلهن الله بعد الكبر أتراباً على ميلاد واحد في الاستواء)  أخرجه الترمذي (تفسير القرطبي)

شُمطاً:    الشيب.

عُمشاً:     استمرار سيلان الدمع من العين مع ضعف الرؤية.

رُمصاً:     البيا          ضى الرطب الذى تقطعه العين.

الحديث الثاني:

          أتت عجوز.  فقالت:  يارسول الله أدع الله تعالى أن يدخلني الجنة فقال النبى – صلى الله

عليه وسلم:  (إن الجنة لا تدخلها عجوز).  فولت تبكي ، فقال:  (أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، فإن الله تعالى يقول:  إنا أنشأناهن إنشاء – فجعلناهن أبكاراً).

          (عُرُبًا أَتْرَابًا (37)

عُرباً:  هن العاشقات لأزواجهن المتحببات لهن اللواتي يشتهين أزواجهن.  فالعروب تبين محبتها لزوجها بشكل ودلع وحسن كلام – بمعنى:  إنها الحسنة التبعُل.

أتراباً:  من نفس السن بوعي وعقل – أحياناً يتزوج الرجل فتاة صغيرة تريد شوكولا لأن عقلها صغير ، فإذا كانت صغيرة تتعب الزوج من ضيق افقها ، وإن كانت كبيرة فيقول لك هي بسن أُمي ، مش مسعد جداً أن تكون زوجتك بمستواك الثقافي والإجتماعي تُعينك على أمر دينك ، إن هذه المكرمة لأصحاب اليمين.

          (أتراباً) على ميلاد واحد في الاستواء وسن واحدة ثلاث وثلاثين سنة ، يقال في النسآء:  أتراب ، وفي الرجال:  أقران ، وكانت العرب تميل إلى ما جاوزت حد الصبا من النساء وانحطت عن الكبر وقيل:  أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهما ولا تحاسد لا كما كن ضرائر متعاديات.

          (لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)

          وقد روى الترمذي ، عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن أصواتاً لم تسمع الخلائق بمثلها – يقلن:  (نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نيأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له).

الحديث الثاني:  وعن أنس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:

          (إن الحور العين ليغنين في الجنة يقلن:  نحن خيرات حسان خبئنا لأزواج كرام)   أخرجه الحافظ أبويعلي.

          سألت أم سلمة النبى – صلى الله عليه وسلم – عن الزوجة التى تتزوج أكثر من زوج أو يطلقها – قال النبى:  (يخبرها الله عز وجل يوم القيامة بين أحسنتهم خُلقاً ، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة).

          المرأة المؤمنة أول ما تدخل الجنة وترى الحور العين أمامها لأن كل رجل 72 حورية ، ليس هناك غيرة بين الزوجات وعراك مصداقاً لقوله تعالى:  (ونزعنا ما في صدورهم من غل).

          الحور العين يقمن حفل استقبال عظيم لنسآء الدنيا المؤمنات .

          سألت أم سلمة النبى – صلى الله عليه وسلم:   الحور العين أفضل أم نسآء الدنيا؟  قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (فضل نسآء الدنيا على الحور العين كفضل الظهارة على البطانة) قالت:  ولم ذاك؟  قال:  (بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن لله عز وجل).

          حتى أن الحور العين تقول:  لماذا يارب أنت تفضل نسآء الدنيا علينا؟

          قال:  هن حملن ولم تحملن ووضع ولم تضعن (وشاف الغلب ورضعوا الأولاد ، أم أنتن كن فيكون ولا أجعل أبداً من أسجدت لأبيه الملائكة وخلقتُه بيدي قدرتي لمن كان فيكون.  لولا نسآء الدنيا لم يأتي لكم أزواج من المؤمنين الصالحين.

          (لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)

          أنشأنا هؤلاء النسآء الأبكار لأصحاب اليمين ليستمتعوا بهن في الجنة الحور العين للسابقين ، والأتراب العُرب لأصحاب اليمين.

          (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40)

          لأنهم درجة ثانية ، فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (هم جميعاً من أمتي).

          (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)

          هذا هو النوع الخبيث ، اللهم جنبنا صحبتهم في الدنيا والآخرة فهم المكذبون الضآلين ،

هؤلاء لهم مصير أسود يوم القيامة.

عذاب أصحاب الشمال يوم القيامة:

          (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)

السموم:  الهواء الحار الذى ينفذ في المسام ، يدخل مسام يده يغلي جسمه من الداخل ، هذه الرياح حارة جداً تشوي جلودهم ، قوة وحرارة.

(1)حميم:  ماء حار قد انتهى حره ، إذا أحرقت النار أكبادهم وأجسامهم فزعوا إلى الحميم ، كالذى يفزع من النار إلى الماء ليطفئ به الحر فيجده حميماً حاراً في نهاية الحرارة والغليان:

          (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)   سورة محمد الآية (15).

قالوا:  النار سوداء وأهلها سود وكل ما فيها أسود.

(2) (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) الظل هو دخان النار لونه أسود ، هو ظل ولكنه حار يلفح الوجوه – صورة مرعبة الدخان – ليس ظل شجرة ولكن ظل لافح خانق – حار.

          (لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)

          وهذا الظل لا يضفى على من استغله برداً ، ولا سلاماً ولا سكينة ، وليس طيب الهبوب ، ولا حسن المنظر ، يزيد الإنسان عذاب على عذاب.

لماذا يارب هذا العذاب لأهل الشمال؟

          هؤلاء الذين فى (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45).

المترف هو الذى ينغمس في الملذات إلى قمة رأسه ، (1) ينفق المال بغير حساب ، (2) همه شهوته ، (3) همه بطنه ، (4) همه فرجه ، (5) همه أن يستمتع بالدنيا إلى أقصى درجة المترفون في القرآن الكريم قُربوا دائماً مع الكفار ، (6) زيادة النعمة على الحد المعقول.

          الترف كان السبب في عذابهم أغلبنا اليوم يطلبه يارب أعطنا الكماليات وكثر أموالنا – الترف:  (1) بدل ما يشترى عربية – عربيتين ثلاثة ، ترف بدل ما يشرب عصير ليمون – يشرب وسكي لأن الفلوس موجودة ، ولهذا تجدى نسبة الموتى في الأغنياء المترفين أضــــعاف

أضعاف نسبة الموتى في الغلابة الفقراء.

          أما من أرتكب المعاصي وأسرف فيها فقد بذر مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء الآية (27):

          (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27).

          (الله رب عطاء يعطي البرد على أد الغطاء).

          والله عز وجل قال في سورة الإسراء الآية (16):

          (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16).

ومن أعمالهم:    (أصحاب الشمال)

          (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46).

الحنث: الذنب الكبير هو الشرك ، الإنسان أحياناً يكون ضالاً فتلفت نظره يقول لك جزاك الله خيراً أما الإنسان المعاند الذى يصر على ذنبه وعلى خطأه وعلى شكه هذا له في الآخرة عذاب أليم.

          ولقد أخذ الله عليهم العهد ألستُ بربكم؟

          قالوا: بلى ، كانوا يقسمون أن لا بعث ، وأن الأصنام أنداد الله.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة النحل الآية (38):

          (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ).

          وكانوا يداومون على الذنب العظيم وهو الشرك بالله.

          لأن لفظ الإصرار يدل على المداومة على المعصية.

          (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47).

          هؤلاء أسقطوا من حساباتهم اليوم الآخر ، رأوا الدنيا هي كل شئ ، مع أن الدنيا في الحقيقة هي مزرعة الآخرة.

          إذا كانت الدنيا كل شئ والموت نهاية كل شئ ، هذا إستبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له.

          لما نكون تراب كيف يبعثنا الله؟

          (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51).

          قل لهم يا محمد إن الأولين من آبائكم والآخرين منكم لمجموعون.

          قل لهم يا محمد إن الخلائق جميعاً السابقين منهم واللاحقين ، سيجمعون ويحشرون ليوم الحساب الذى حدده الله بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر.

          (لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53).

          إنكم يا معشر كفار مكة ، الضالون عن الهدى ، المكذبون بالبعث والنشور ، لآكلون من شجر الزقوم الذى ينبت في أصل الجحيم – تحيا بلهب النار كما تحيا الشجرة ببرد الماء.

          هذه غيبيات ذكرها الله لنا ، ولا نستطيع أن نضيف عليها شيئاً ، يوجد بجهنم شجرة هي شجرة الزقوم ، هذه الشجرة تزعج من يمسكها ، فكيف من يبتلعها؟

          الحقيقة البلعوم حساس جداً ، فالشوك في الحلق لا يحتمل ومرة المذاق ، وكثيرة الشوك، لكن الجوع الشديد الذى أكل أمعاءهم يحملهم على أن يأكلوا منها (فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) هذه الآيات ينخلع القلب خوفاً ورعباً.

          فالإنسان قبل أن يكذب ، قبل أن يؤذي الناس ، قبل أن يعتدي عليهم ، قبل أن يأخذ ما ليس له ، قبل أن يعصي ربه ، قبل أن يدع الصلاة ، عليه أن يعد للملايين قبل أن يعصي لأن هذا

 مصير العُصاة.

        أما إذا عطشوا وما أشد عطشهم في هذا الحر الشديد ليس لهم إلا ماء يغلي يسلق البطون.

          (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54).

          وأحياناً تكون كوب الشاى أحر مما ينبغي تلدع اللسان ، الإنسان يتألم أشد الألم ، أحياناً الطعام يكون حار جداً يبقي يومين أو أكثر متألماً ، فكيف إذا كان ينبغي أن يأكل من شجر الزقوم وأن يشرب مآء حاراً يغلي.

          (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55).

          مرض الاستسقاء من أخطر الأمراض التى تصيب الإنسان والحيوان – الهيم:  هي الإبل التى أصابها مرض الاستسقاء.

          في الإنسان مركز يسمى مركز توازن السوائل ، هذا المركز ينظم أخذ السوائل ، أما كلما شرب ماء أكثر ، كان هذا الشرب صوناً لكليتيه ، فالكليتان صونهما بكثرة شرب الماء.

          الغدة النخامية وزنها نصف جرام تفرز عشرة هرمونات أحد هذه الهرمونات ينظم السوائل فلو اختلت هذه الغدة وقد لا تصدقون ينبغي على الإنسان أن يجلس بين الصنبور والمرحاض لأن سيشرب مئات الأمتار من الماء وسيطرحها ثانية ، فالإبل التى أصيبت بمرض الاستسقاء تشرب ماء غير معقول.

          (هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56).

          هذا الذى وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم ، هذه ضيافتهم وكرامتهم يوم القيامة ، هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة ، مشهد ينخلع القلب له ، من الذى يرويه؟

          خالق السموات والأرض..

          ورد أن الإنسان العاصي إذا جآءه الأجل يصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا بقول:  لم أرى خيراً قط.

          وأن المؤمن إذا رأى مقامه في الجنة من شدة الفرح يقول:  لم أرى شراً قط مع كل المصائب التى ساقها الله له في الدنيا.

 

 

(والحمدلله رب العالمين)

اترك تعليقاً