أعنى على نفسك بكثرة السجود

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،،،

          عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ومن أهل الصفة – رضي الله عنه قال:  كنتُ أبيتُ مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأتيه بوضوئه وحاجته ، فقال:  (سل). فقلت:  أسألك مرافقتك في الجنة.  فقال: (أو غير ذلك). قلت:  هو ذاك ، قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود).                  رواه مسلم

          كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يبالغ في إكرام من خدمه وأسدى إليه معروفاً ، فيعطيه أكثر مما أعطى ، ويوليه عناية خاصة ، ويفضله بالقرب منه والدخول عليه والجلوس معه ، وقد يرفع الكلفة بينه وبينه ، ويعفو عنه إن أخطأ ويثني عليه إن أصاب ، لا لأنه يخدمه فحسب ، ولكنه يفعل ذلك معه مثوبة له على إخلاصه في حبه له وطاعته لله عز وجل.

          وكان – صلى الله عليه وسلم – على درجة من الخلق الفاضل والكمال الوافر ، يخفض جناحه لجميع المؤمنين ، فلا يتعالى على أحد منهم مهما كان شأنه في الناس ، فالناس عنده سواسيه كأسنان المشط ، وهذا معروف من سيرته – صلى الله عليه وسلم.

          فهذا هو خادمه ربيعة بن كعب يبيتُ معه ليقضى له حاجته فأجلسه يوماً بالقرب منه وقال له:  سل.  أى أطلب ما تشآء مني ، وهو واثق – بالله وعز وجل – أنه مهما طلب فإنه – صلى الله عليه وسلم – سيكون عند حسن ظنه به ، فيدعو الله عز وجل أن يحقق له مطلبه.

          فما كان من هذا الخادم العاقل النبيل إلا أن طلب مطلباً هو من أعظم المطالب على الإطلاق وهو الجنة.

          والجنة دار رحمة الله ، لا يدخلها إلا من أحبه الله – رضي الله عنه.

          والرسول – صلى الله عليه وسلم – قد أعجب بهذا الطلب أيما إعجاب ولم يفاجأه هذا الطلب ، لأن خادمه رجل قد شغلته العبادة عن دنياه وجعل الآخرة منتهى بغيته ، ومحط آماله ، ولذلك قابل الرسول – صلى الله عليه وسلم – هذا المطلب بسؤال يعرف الجواب عنه ، فيقول وهو في غاية السرور: (أو غير ذلك).

بمعنى:  هل أنت راغب في الجنة رغبة تامة مؤكدة لا تطلب سواها شيئاً من أمور الدنيا.

          فإن الجنة عروس يغلو مهرها ويعز وصلها إلا على من صحت نيته في خطبتها ، وسلم قلبه في حبها ، وكان مهيئاً لدفع مهرها.

          ومهرها أن يجاهد المرء نفسه في طاعة ربه عز وجل ، ويسهم بنصيب وافر في الميدان الذى يجيد الإسهام فيه.

أولاً:  إما أن يجاهد في سبيل الله فيقتل ويُقتل فيستحق وعد الله تعالى الوارد في قوله جل شأنه من سورة التوبة الآية (111):

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ….).         

ثانياً: إما أن يلزم محرابه فيكثر من الصلاة ولا سيما في جوف الليل.

          ولله سبل كثيرة في إرضائه ، وبلوغ درجات القرب من ساحة رحمته.  مصداقاً لقوله تعالى في سورة العنكبوت الآية (69):

(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

          وكان هذا الخادم – رضوان الله عليه – من أهل الصفة ، وهم الذين كانوا يسكنون المسجد ويجعلون بينهم وبين الناس صفة بمعنى ساتراً يسترهم ، ولا مال لهم ، ولا قدرة لهم على الكسب ، فوصف له الرسول – صلى الله عليه وسلم – ما يناسب حاله من الجهاد فقال له:  (فأعنى على نفسك بكثرة السجود).

بمعنى:  فإن كنت تريد الجنة حقاً وصدقاً من أعماق قلبك فإني سأدعو لك الله أن يحقق رجاءك بشرط أن تعينني على نفسك الأمارة بالسوء بكثرة السجود.

          أى:  بكثرة الصلاة.

          وقد عبر عنها الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالسجود لأن السجود أشرف ركن في الصلاة ، فهو الوسيلة المثلى التى يعبر بها العبد لربه عن خالص حبه وكمال عبوديته ومنتهى خضوعه وتواضعه لخالقه ومولاه.

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

 

 

اترك تعليقاً