أمثلة للتوبة النصوح

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أمابعد:

فما هى التوبة النصوح ؟  وهل أمر الله بها ؟ نعم

فى سورة التحريم فى الآية رقم (8) حيث يقول الله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا…) 

التوبة النصوح:التوبة الصادقة بأن لا يعاد إلى الذنب مرة أخرى ، أن يكره الذنب الذى أحبه – ويستغفر منه إذا ذكره.

(1)          هى الندم بالقلب – (2) الاستغفار باللسان ، (3) البعد عن الذنب (والإطمئنان على أنه لا يعود) ، (4) مهاجرة سيئ الأخلاق.

  تبدأ التوبة بالندم على ما كان – وتنتهى بالعمل الصالح والطاعة.

قال العلماء:التوبة النصوح هو أن (1) يقلع (يترك) عن الذنب فى الحاضر ، (2) ويندم على ما سلف منه فى الماضى ، (3) ويعزم على أن لا يفعل فى المستقبل ، وإن كان الحق للآدمى رد المظالم لأصحابها.     

سئل عمر بن الخطاب عن التوبة النصوح فقال:

هى أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب – كما لا يعود اللبن إلى الضرع.

التوبة الكاذبة:

(1)          بأن لا تهتم بالرجوع إلى الله بعد أن أذنبت ، (2) تؤخر التوبة حتى قرب خروج الروح فلا تقبل منها.

أقسام الناس فى التوبة:

القسم الأول:  شقية:

      هو من لا يُوفقُ لتوبة نصوح ، بل ييسر عمل السيئات من أول عمره إلى آخره حتى يموت مصراً على الذنوب – وهذه حالة الأشقياء فلا يدخل بيت الله عز وجل إلا مرة واحدة ، ولا يدخل على قدميه بل محمول على خشبة ، ولا يدخل من أجل أن يصلى أو يسمع درس علم بل من أجل أن يُصلى عليه – ثم لا يعود إليه مرة ثانية.

القسم الثانى: 

من تعمل بطاعة الله عز وجل زمناً من عمرها – ثم تنقلب لعلم الله عز وجل فيها – فتعمل بمعصية الله عز وجل وتموت على ذلك – ما أصعب العمى بعد البصيرة – وأصعب منه الضلالة بعد الهدى والمعصية بعد التقوى.

وكما قال النبى – صلى الله عليه وسلم – فى الحديث:

(والذى نفسى بيده إن أحدكُم ليعملُ بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينهُ وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتابُ.  فيعمل بعمل أهل النار فيدخُلُها) (رواه البخارى).

وقال النبى – صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمالُ بالخواتيم).

بمعـنى: من خُتم له بعمل من أعمال أهل الجنة دخل الجنة ، ومن خُتم له بعمل من أعمال أهل النار دخل النار ، نسألُ الله حُسن الخاتمة (نسأل الله العظيم رب العرش العظيم حُسن الخاتمة).

القسم الثالث:

من تعمل بمعصية الله عز وجل زماناً من عمرها ، ثم توفق لتوبة نصوح فتعمل بطاعة الله عز وجل – وتموت على عمل من أعمال أهل الجنة فتدخُلُها.

كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم:(وإن أحدكُم ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكونُ بينهُ وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخُلُها).

من الناس من يتوب قبل موته بقليل أو بمدة تُؤهله لأعمال صالحة يبلغ بها الدرجات وينجو من اللفحات ويفوز بالجنات.

(اللهم اجعل خيرا أعمالنا خواتيمها)

القسم الرابع:

هذا القسمُ هو أشرفُ الأقسام وأرفعُها ، وهو من يُفنى عمره فى الطاعة – ثم ينبه على قرب الأجل ليجد فى التزويد ويتهيأ للرحيل بعمل يصلُحُ للقاء – ويكون خاتمة للعمل.

مثال (2):  قال ابن عباس:  لما نزلت على النبى – صلى الله عليه وسلم: (إذا جآء نصرُ الله والفتح) قد نزلت هذه السورة بمنى فى حجة الوداع ، ثم نزلت: (اليوم أكملت لكم دينكم) فعاش بعدها النبى – صلى الله عليه وسلم – 80 يوماً – وقال ابن عباس: هذه الآية هى بيان لنهاية أجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلمه الله إياه – فذلك علامة أجلك (إذا جآء نصر الله والفتح ، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً).

      كما نعت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجله (نفسه) فأخذ فى أشد ما كان اجتهاداً فى أمر الآخرة.

قالت أم سلمة:  كان النبى – صلى الله عليه وسلم – فى آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجئ إلا قال: (سبحان الله وبحمده)فذكرت ذلك له فقال: (إنى أُمرتُ بذلك) وتلا هذه السورة (سورة النصر) وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعتكف فى كل عام فى رمضان عشراً ويُعرض القرآن على جبريل مرة ، فأعتكف فى ذلك العام عشرين يوماً ، وعرض القرآن على جبريل مرتين – وكان يقول: (ما أرى ذلك إلا لإقتراب أجلى) ، ثم حجة الوداع ، وقال للناس: (خذوا عنى مناسككم ، فلعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا).

وطفق يودع الناس ، فقالوا: هذه حجة الوداع ثم رجع إلى المدينة فخطب قبل وصوله إليها وقال: (أيها الناسُ إنما أنا بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب) ، ثم أمر بالتمسك بكتاب الله ، ثم توفى بعد وصوله إلى المدينة بيسير – صلى الله عليه وسلم.

ملحوظـة:  إذا كان سيد المحسنين – صلى الله عليه وسلم – يُؤمرُ بأن يخُتم عمره بالزيادة فى الإحسان ، فكيف يكون حال المسئ ؟  فكيف يكون حالنا ؟.

أمثلة للتوبة النصوح:

أولاً:  داود عليه السلام:  قال تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ

الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (.)إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ

فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى

بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء

الصِّرَاطِ(.) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ

نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ(.) قَالَ

لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ

الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ

فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ). سورة ص (21:24)

      ومحصل قصة توبة داود عليه السلام:

      كان داود له وقت للناس لفض المشاكل ووقت يعبد الله – لا يقطع عليه حبل المناجاة أحد – فكان يقفل الباب ويتفرغ لمناجاة الله تعالى ، وجآء رجلان لا يعرفان هذا النظام – فمُنعُوا من الدخول من الباب فتسوروا عليه المحراب والدخول عليه بغير الباب من شأنه أن يُرعب المدخُول عليه – خصوصاً (1) اذا كان المدخُول عليه فى عبادة مع الله وخصوصاً (2) إذا كان الوقت ليلاً ، (3)وخصوصاً مثل داود محاط بالأعداء من الممكن أن يُقتل ، ومع أنه نبى فإنه خاف وهذا طبع بشرى – ولما داود خاف وارتعش قالوا له: لا تخف –(فاحكم بيننا بالحق) بالعدل وهذا ليس أدب (تُشطط) ولا تظلم – عرض القضية قال: أنا لى نعجة واحدة فهو يريد أن يأخذها ويضمها إلى نعاجه (99) لتبقى مائة وأنا أبقى فقير معدوم (وعزنى فى الخطاب) أى غلبنى فى الكلام – شدد على جداً وقهرنى بالأدلة فأخذها منى – سيدنا داود من إنفعاله ودخولهم عليه بغير إذن قال له: هذا ظلمك – ده بدل ما يُعطيك نعجتين ، الذنب أنه لم يسمع الرجل الثانى ، فتعجل داود وحكم قبل أن يسمع حجة الطرف الثانى.

      بعد ما طلعوا – ندم سيدنا داود أنه لم يسأل الرجل الآخر ؟

وقد اجتمعت القوانين والأعراف أن القاضى إذا حكم أثناء نظر القضية يترك منصبه – لأنه لم يسمع الطرف الآخر ولم تنتهى القضية بعد.

فداود حكم بعد سماع طرف واحد – ولم يسمع الطرف الآخر.

وقد قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (إذا جلس إليك خصمان فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر)  رواه أحمد – أبوداود.

وقال بعض أهل العلم:(إذا أتاك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى ترى الآخر فلعله فقئت عيناه).

وبعد أن حكم داود هذا الحكم أحس بأنه وقع فى خطيئة فخر ساجداً لله عز وجل تائباً إليه ، فغفر الله عز وجل له هذا الذنب.

سيدنا داود له طاعات كثيرة لله يصوم يوم ويفطر يوم – صيامه – صلاته: نيام نصف الليل ويتهجد الثلث ثم ينام السدس.

الرب دائماً لما يجد واحد حسناته كثيرة يغفر له الهفوات الصغيرة.

فقال تعالى:

(وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب (24) فغفرنا له وذلك(.) وإن له عندنا لزُلفى وحُسن مآب)(25).

وجاء النبى – صلى الله عليه وسلم – فسجد.

سألوه: لماذا أنت تسجد – قال النبى: (داود سجدها توبة لله عز وجل ، أما أنا فاسجدها شكرا لله على أنه تاب على أخى داود)

وقد أكثر المفسرون من ذكر الإسرائيليات الواهية فى قصة داود عليه السلام – ونسبوا إليه ما يتنزه عنه آحاد المؤمنين – وهذه الإسرائيليات تنافى عصمة الأنبياء. (هذه زور وإفتراء).

ولذلك قال على بن أبى طالب – رضى الله عنه:

(من حدث بحديث داود على ما يرويه القُصاص جلدته 160 جلدة) وهو حد الفرية على الأنبياء – (حد الفرية على أى شخص 80 جلدة).

لأن هذا الكلام لا يصح بالنسبة إلى عوام المسلمين وجهلة الفساق فما بالك بالأنبياء بل بخواص الأنبياء (فليتدبر هذا من له عقل سليم ودين قوى).

ثانياً:  توبة أبى خيثمة – رضى الله عنه:

قال أحد رواه السيرة الثقات:  تخلف أبو خيثمة أحد بنى سالم عن رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – فى غزوة تبوك – حتى إذا سار رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – رجع أبو خيثمة ذات يوم إلى أهله فى يوم حار فوجد امرأتين له فى عريشين له فى حائط لهما قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيه مآء وهيأت لهُ فيه طعاماً.  فلما دخل قام على باب العريش ينظر ، ثم قال:

رسُول الله – صلى الله عليه وسلم فى: (1) الضح (الشمس)، (2) والريح والحر ، وأبو خيثمة فى: (أ) ظل ، (ب) وماء بارد ، (ج) وطعام مهُيأ ، (د)وامرأة حسناء ما هذا بالنصف.  والله لا أدخل عريش واحدة منكُما حتى ألحق برسُول الله – صلى الله عليه وسلم – فهيأ لى زاداً – ففعلتا ثم قدم بعير فارتحله.

ثم خرج فى طلب رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – فأدركهُ حين نزل تبوك.  فلما طلع قال الناس: هذا راكب مقبل – فقال رسُول الله – صلى الله عليه وسلم –(كن أبا خيثمة) فلما دنا قال الناسُ: يا رسول الله – هذا والله أبو خيثمة.

فلما أناخ سلم على رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: (أولى لك أبا خيثمة) ثم أخبرهُ الخبر – فقال له: خيراً ودعا له) وهذا من كتاب التوابين لابن قُدامه.

ثالثاً:  توبة السيدة سهير عابدين (هالة الصافى سابقاً):

تقول هذه السيدة:  فى أحد الأيام كنت فى أثناء رقصة فى أحد فنادق القاهرة المشهورة ، شعرت وأنا أرقص بأننى عبارة عن جثة دمية تتحرك بلا معنى –ولأول مرة أشعر بالخجل وأنا شبه عارية أرقص أمام الرجال ، ووسط الكؤوس – تركت المكان ، وأسرعتُ وأنا أبكى فى هستيريا حتى وصلت إلى حجرتى وأرتديتُ ملابسى – وأنتابنى شعور لم أحسه طيلة حياتى مع الرقص الذى بدأته منذ كان عمرى 15 سنة ، فأسرعتُ لأتوضأ وصليتُ ، وساعتها شعرتُ لأول مرة بالسعادة والأمان ، ومن يومها ارتديتُ الحجاب على الرغم من كثرة العروض وسخرية البعض.

ثم أديتُ فريضة الحج ووقفتُ أبكى لعل الله يغفر لى الأيام السوداء.

وتختم قصتها قائلة:

هالة الصافى ماتت ، ودُفن معها ماضيها ، أما أنا فإسمى سهير عابدين – أم كريم – ربة بيت – أعيش مع أبنى وزوجى ترافقنى دموعُ الندم على أيام قضيتها من عمرى بعيداً عن خالقى الذى أعطانى كل شئ.

إننى الآن مولودة جديدة أشعر (1) بالراحة ، (2) والأمان ، بعد أن كان القلق والحزن صديقي بالرغم من الثراء والسهر واللهو.

وقالت:  قضيت كُل السنين الماضية صديقة للشيطان لا أعرف سوى اللهو والرقص – كنتُ أعيشُ حياةُ كريهة حقيرة ، كنت دائماً عصبية والآن أشعر أننى مولودة جديدة أشعر أننى فى يد أمينة تحنو على وتباركنى يد الله سبحانه وتعالى.

الله عز وجل يُهدى من يستحق الهداية ، ويُضلُ من يستحق الضلال.

وقد قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (وإن أحدكُم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فدخلها).

العبدُ قد يعمل بعمل أهل النار زماناً وفى قلبه خصلةُ من خصال الخير ، تظهر هذه الخصلةُ فى آخر عمره ، ويصبغ بها عمله – وتكون باباً إلى رحمة الله عز وجل وجنته.

إن الذين تابوا إلى الله عرفوا أن الحياة الحقيقية والسعادة الحقة فى إلتزام شرع الله عز وجل ، فليست السعادةُ فى (1) الشهوات ، (2) ولا فى المال والجاه، السعادةُ الحقيقية فى (أ) أن تعرف الله عز وجل ، (ب) ويتعلق قلبك بالله ، (ج)وتشغل القلب والجوارح بطاعته.

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الرعد الآية (28):

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ

اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

فنسأل الله عز وجل (1) أن يثبتنا وجميع المؤمنين والمؤمنات على طاعته ، (2) وأن يزيدنا من فضله ، (3) وأن يفتح علينا من لذيذ مناجاته ، والأنس به ، والسعادة بقربه وطاعته – ما تقُر به أعيننا وتطمئن به قلوبنا.

نسأل الله أن ينفعنا بالقرآن والإيمان.

رابعاً:  توبة شاب كان يتعرض للنسآء:قال بعض الغيورين على دينهم:

خرجتُ ذات يوم بسيارتى لقضاء بعض الأعمال – وفى بعض الطرق الفرعية الهادئة قابلنى شاب يركب سيارة صغيرة لم يرنى لأنه كان مشغولاً بملاحقة بعض الفتيات فى تلك الطرق الخالية من المارة.

عُدتُ ثانية فإذا به قد أوقف سيارته وهو ينظر إليهن – ينتظر منهن نظرة أو التفاته فدخلن فى أحد البيوت.

أوقفت سيارتى بجوار سيارته ونزلت واتجهت إليه وسلمتُ عليه ثم نصحتهُ فقلت له: تخيل أن هؤلاء الفتيات أخواتك أو بناتك أو قريباتك ، فهل ترضى لأحد من الناس أن يلاحقهن أو يؤذيهن ؟ قال:  كنت أتحدث إليه وأنا أشعر بشئ من الخوف – فقد كان شاباً ضخماً ممتلئ الجسم – كان يستمع إلى  ٌوهو مطرق الرأس.  ثم التفت إلىٌ فإذا دمعة قد سالت على خده ، فاستبشرتُ خيراً ثم ودعته ، لكنه استوقفنى – وطلب منى أن أكتب له رقم هاتفى وعنوانى – وأخبرنى أنه يعيش فراغاً نفسياً قاتلاً.

وبعد أيام جاءنى فى البيت – لقد تغير وجهه وتبدلت ملامحه ، فقد (1)أطلق لحيته ، (2) وشع نورالإيمان من وجهه.

جلست معه فجعل يحدثنى عن تلك الأيام التى قضناها فى التسكع فى الشوارع والطُرقات وإيذاء المسلمين والمسلمات – فأخذت أُسليه وأخبرته بأن الله سبحانه واسع المغفرة وتلوتُ عليه قوله تعالى:

(قُل يا عبادى الذين أسرفُوا على أنفُسهم لا تقنطُوا من رحمة الله (.) إن الله يغفرُ الذنوب جميعاً(.).

فرح بهذا واستبشر خيراً ، ثم ودعنى وطلب منى أن أرُد الزيارة فهو فى حاجة إلى من يعينه على السير فى الطريق المستقيم فوعدته بالزيارة.

ومضت الأيام وشغلت ببعض مشاغل الحياة الكثيرة – وبعد عدة أيام وجدت فرصة وذهبت إليه.

طرقت الباب فإذا بشيخ كبير يفتح الباب – وقد ظهر عليه آثار الحزن وسألته عن صاحبى ، أطرق برأسه إلى الأرض ثم قال بصوت خافت: (يرحمه الله ويغفر له)– ثم قال: حقاً إن الأعمال بالخواتيم ، ثم أخذ يحدثنى عن حاله وكيف أنه كان مفرطاً فى جنب الله – بعيداً عن طاعة الله – فمن الله عليه بالهداية قبل موته بأيام.

لقد تداركه الله برحمته قبل فوات الأوان.

ويظهر من هذه القصة بركة النصيحة إذا صدرت من الداعى المخلص الحريص على هداية الناس – كيف أنها كلمات قليلة – لم تكلف الداعى كثير مشقة، ومع ذلك كانت سبباً لهداية هذا الشاب فى آخر عمره ، فما أشد حاجة العصاة إلى نصح الناصحين ، ووعظ الواعظين ، لا أقول: كلهم يهتدون ويتوبون (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)سورة يونس الآية (99) ، (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)سورة السجدة الآية (13).

ولكن من فيه خير وبقية صلاح سوف يهتدى فينال أجر الهداية وينال من دعاهُ أجر إرشاده ونصحه.

وقد قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدى اللهُ بك رجلا واحداً خير لك من حُمُر النعم)  رواه البخارى ومسلم

والمواقفُ الإيمانية

فى صدق التوبة هى أن يصدق العبد مع نفسه وأن يصدق مع ربه ، ثم يستقيم على طريق الله كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (قُلُ:  ءامنتُ بالله ، ثم استقم).           (رواه مسلم وأحمد – الترمذى)

 

( والحمدلله رب العالمين )

 

 

 

اترك تعليقاً