أم المؤمنين : أم سلمة هند بنت أبى أمية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله أهل التقوى والمغفرة، والصلاة والسلام على منار العلم والهدى فى الدنيا والآخرة.

أما بعد:

      فإنها الطاهرة القرشية المخزومية هند بنت أبى أمية بن المغيرة وبنت عم خالد بن الوليد وبنت عم أبى جهل بن هشام ، وهى من المهاجرات الأوائل .

أبوها:  أحد وجوه قريش المعدودين، وأجوادهم المشهورين.

أمها:  عاتكة بنت عامر بن ربيعة الكنانية.

وزوجها الذى مات عنها: عبدالله بن عبدالأسد بن هلال بن مخزوم الصحابى ذو الهجرتين، ابن عمة النبى –صلى الله عليه وسلم- (برة بنت عبد المطلب)وأخوه من الرضاعة ، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب

      لقد هاجرت هى وزوجها مع العشرة الأولين إلى الحبشة، حيث ولدت هناك ابنها سلمة . قالت أم سلمة :

وقد نزلنا بخير دار إلى خير جار وخير جوار، (جوار النجاشى)  ثم قدما مكة بعد تمزيق صحيفة المقاطعة للبقاء بجوار الرسول – صلى الله عليه وسلم – ثم اشتد إيذاء المشركين لهم فكانت الهجرة الكبرى للمدينة المنورة على من نورها الصلاة والسلام .(البداية والنهاية جزء (2

 

الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة:

     تقول أم سلمة: لما أجمع أبو سلمة – رضى الله عنه – الخروج إلى االمدينة المنورة حملنى على بعيره وجعل ابنه سلمه في حجري ثم خرج يقود بي بعيره ، فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا :هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد؟ ثم نزعوا خطام البعير من يده وأخذوني منه ، وعند ذلك غضب بنو أسد أهل أبي سلمه وقالوا :(والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من ابننا)وجذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد (أهل ابيه) وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة .

 

 

 

قالت هند: فرقوا بينى وبين ابنى وبين زوجى – فكنت أخرج كل غداة فأجلس فى الأبطح فما أزال أبكى حتى أمسي سنة أو قريباً منها ، حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني وقال لبني المغيرة : فرقتم بينها وبين زوجها وولدها .

 قالت هند: فقالوا لى إلحقى بزوجك إن شئت ثم رد بنو عبدالأسد إلى عند ذلك ابني ثم ارتحلت .

رحلة أم سلمة – رضى الله عنها – إلى المدينة:

      وضعت ابنها سلمة فى حجرها وأنطلقت إلى المدينة تريد زوجها وما معها من أحد من خلق الله حتى وصلت إلى التنعيم .

 فإذا (عثمان بن طلحة) فقال: إلى اين يا ابنة أبى أُمية؟ قالت: أريد زوجى بالمدينة، قال:أو ما معك أحد؟

 قلت: ما معى إلا الله وبنى هذا. فقال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معها

قالت هند: فوالله ما صحبت رجلاً من العرب أرى أنه كان أكرم من عثمان، وكان إذا بلغ المنزل أناخ بى 

ثم أستأخر عنى حتى إذا نزلت أستأخر بعيرى (جملى) فحط عنه ثم قيده فى الشجرة ثم تنحى إلى االشجرة،

فاضطجع تحتها (نام) فإذا دنا الرواح قام إلى بعيرى فقدمه فرحله ثم أستأخر عنى وقال: اركبى فإذا ركبت

فاستويت على بعيرى أتى فأخذ بخطامه فقادنى حتى ينزل بى، فلم يزل يصنع ذلك بى حتى أقدمنى المدينة،

فلما نظر إلى قرية بنى عمرو بن عوف بقباء قال زوجك فى هذه القرية فادخليها على بركة الله، ثم 

انصرف راجعاً إلى مكة، فكانت تقول ما أعلم أهل بيت فى الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبى سلمة وما رأيت صاحباً كان أكرم من عثمان بن طلحة. (البداية والنهاية جزء  3 ص169.

أم سلمة مع زوجها فى المدينة المنورة:

      فى المدينة، عكفت هند (أم سلمة) على تربية صغارها، وتفرغ زوجها للجهاد، وشهد غزوة بدر وكان له فيها صولات وجولات.

 وكانت أولى المعارك الحاسمة بين الوثنية والتوحيد (غزوة بدر فرقت بين االحق والباطل) ثم شهد غزوة

أُحُد وأبلى فيه بلاء مشهوداً، ورُمى بسهم فى عضده مكث يداويه حتى ظن أنه التأم.

      وبعد شهرين من معركة أحد، علم النبى – صلى الله عليه وسلم – أن بنى أسد يدعون إلى مهاجمته في دار هجرته (المدينة) .

 دعا إليه أبا سلمة معقد له لواء سرية ونفذ أبوسلمة ما أمر به االنبى – صلى الله عليه وسلم –

 ومن أخذ العدو على غرة، فأحاط بهم مبكراً على غير أهبة منهم لقتال، وقاد معركة ناجحة، ثم رجع   وصحبه إلى المدينة سالمين غانمين.

      وفى هذه السرية، انتكأ االجرح الذى أصاب أبا سلمة يوم غزوة أحد، فظل به حتى مات فى سنة 4

هجرية.

      وفى صحيح الحديث (مسلم) عن (أم سلمة) أن أبا سلمة – رضى الله عنهما – حدثها أن قولي: 

إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرنى فى مصيبتى وعوضنى خيراً منها) إلا آجره الله فى مصيبته وكان يقيناً أن يعوضه خيراً منها)

 فلما هلك (مات) أبو سلمة ذكرت الذى حدثنى به عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

فكنت أقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرنى فى مصيبتى وعوضنى خيراً منها) ثم قلت: أنى 

أُعاض خيراً من أبى سلمة؟ (هل فيه واحد خير من أبى سلمة) قالت: وأنا أرجو أن يكون الله قد آجرنى فى مُصيبتي).

مروءة ووفاء:

      عند اقتراب أجل أبى سلمة دار حديث روحانى بينه وبين زوجه أم سلمة رضى الله عنهما، قالت: بلغنى

أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة ثم لم تتزوج إلا جمع الله بينهما فى الجنة فتعال أُعاهدك

ألا تزوج بعدى ولا أتزوج بعدك قال: أتُطعينى؟ قالت: إذا مت تزوجى اللهم ارزق أم سلمة بعدى رجلاً خيراً

مني لا يحزنها ولا يؤذيها فلما مات قالت: من خير من أبى سلمة؟ فما لبثت وجآء رسول رسول الله – صلى الله عليه وسلم يخطبها (السيرة لابن سعد)

زواج مبارك:

      فلما انقضت عدتها خطبها أبوبكر فردته، وخطبها عمر فردته، فبعث إليها النبى – صلى الله عليه

وسلم يخطبها فقالت إنى امرأة غيورة وعندى اولاد كثير وليس لى من أهلى أحد فى المدينة ومسنة)  فردعليهاالنبي – صلى الله عليه وسلم فقال :

 (ما الغيرة سوف أدعو الله أن يذهبها، والأولاد فهم علىٌ وعلى الله، وأما مسنة فأنا أكبر منك ، وأما ليس

 لى أحد من أهلك فأنا أكتفى بسلمه) ووضع يده فى يد سلمه وهو مازال صغير)

 فقالت: مرحباً برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتم الزواج، وأعطاها الرسول صداقها 400  درهم.

 وكانت رضى الله عنها تقوم بأعباء بيت الزوجية وتدبير شئونه على خير مايرام، (وتم الزواج فى شهره

المبارك شوال من االسنة الرابعة على الصحيح).

      حدث ذات يوم أنه كان عند أم سلمة وابنتها زينب هناك، فجآءته الزهراء مع ولديها (الحسن والحسين)

فضمهما إليه، ثم تلا: (رحمتُ الله وبركاتُهُ عليكم أهل البيت(ج) إنه حميد مجيد) هود (73).  فبكت أم سلمة.

فنظر إإليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألها فى حنو: (مايبكيك؟) قالت: يارسول الله خصصتهم،

وتركتنى وابنتى، قال: (إنك وابنتك من أهل البيت).

منزلتها عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

      قال الحافظ بن حجر فى الإصابة: وكانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع والعقل الباتع والرأى الصائب

وإشارتها على النبى – صلى الله عليه وسلم – يوم الحديبية تدل على رجاحة عقلها وصواب رأيها، 

فحينماعقد صلح االحديبية وكتبت شروط الصلح بين النبى – صلى الله عليه وسلم – وبين سهيل بن عمرو مندوباً عن قريش.

وكانت شروط الصلح ظالمة بالنسبة للمسلمين وكان من ضمن شروط الصلح عدم دخول المسلمين مكة

 لتأدية العمرة على أن يعودوا فى العام المقبل، ولم يقبل به المسلمون لأنهم كانوا فى غاية الشوق

لدخول بيت الله الحرام وتأدية العمرة وحزنوا حزناً شديداً لكن النبى – صلى الله عليه وسلم – كان بعيد

النظر وهو واثق من نصر الله له ، وعندما أمر الرسول الصحابة بنحر الهدى والتحلل تباطأوا فى التنفيذ.

      وهنا كان رأى أم سلمة رأياً سديداً وصائباً حيث قالت للنبى – صلى الله عليه وسلم: (يا نبى الله 

أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر هديك وتدعو حالقك فليحلق لك، فخرج النبى – صلى الله عليه 

وسلم – ولم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك حيث نحر بدنه، ودعا حالقه فحلق له، فلما رأوا ذلك قاموا بنحروا الهدي وجعل بعضهم يحلق لبعض حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً (صحيح البخاري) .

      وبهذا نجا الصحابة – رضى الله عنهم – من مخالفة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – وذلك 

ببركة رأي أُم سلمة أم المؤمنين  – رضى الله عنها.

      وكذلك صحبت (أم سلمة) النبى – صلى الله عليه وسلم – فى غزوة خيبر، وفى فتح مكة، وفى 

غزوة هوازن وثقيف، وحصار الطائف، ثم فى حجة الوداع سنة 10 هجرية.

صحابية فقيهة:

      قال الإمام الذهبى – رضى الله عنه وعنها: وكانت تُعد من فقهاء الصحابيات، ولقد كانت ممن 

يرجع إليها فى بعض الأحكام والفتاوى وبخاصة فيما يخص المرأة المسلمة، حتى كان حبر الأمة 

(عبد الله بن مسعود) يرسل فيسألها عن بعض الأحكام (فى كتاب زاد المعاد جزء 2 ص 78)

      وقد روت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – 378 حديثاً حفظتها كلها، فى صحيح االبخاري 

13حديثاً، وفى صحيح مسلم عشراً.

وفاتها – رضى الله عنها:

      لقد كانت – رضى الله عنها – من المعمرات عاشت نحواً من تسعين سنة فامتدت بها الحياة إلى عهد

يزيد بن معاوية.

      وتقدم العمر بـ (أم سلمة) حتى امتُحنت، كما امتُحن الإسلام وأمته، بمذبحة (كربلاء) ومصارع الحسين وآل البيت على الساحة المشئومة .

      توفيت رضى الله عنها بعد ما جآءها نعى الحسين بن على – رضى الله عنهما.  وانتقلت إلى الله عز وجل سنة  61 هجرية .

 

      وصلى عليها (أبو هريرة) وشيع المسلمون إلى البقيع (أم سلمة) آخر من مات من أمهات المؤمنين – رضى الله عنهن .

 

( والحمدلله رب العالمين)

اترك تعليقاً