بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،،
كان إسلام أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وليد رحلة إيمانية طويلة في البحث عن الدين الحق الذى ينسجم مع الفطرة السليمة.
وقد رأى رؤيا لما كان في الشام فقصها على بحيرا الراهب ، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة ، قال بحيرا: من أيها؟ قال: من قريش ، قال: فأي شئ أنت؟ قال: تاجر ، قال: إن صدق الله رؤياك ، فإنه يبعث نبي من قومك ، تكون وزيره في حياته ، وخليفته بعد موته ، فأسر ذلك أبوبكر في نفسه. (كتاب الخلفاء الراشدين محمود شاكر ص34)
لقد كان إسلام الصديق بعد بحث وتنقيب وانتظار ، وقد ساعده على تلبية دعوة الإسلام معرفته العميقة وصلته القوية بالنبى – صلى الله عليه وسلم – في الجاهلية.
فعندما فاتحه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال له: (إني رسول الله ونبيه ، بعثني لأبلغ رسالته ، وأدعوك إلى الله بالحق ، فوالله إنه للحق ، أدعوك يا أبابكر إلى الله وحده لا شريك له ، ولا تعبد غيره ، والمولاة على طاعته). (كتاب: البداية والنهاية)
فأسلم الصديق ولم يتلعثم وتقدم ولم يتأخر ، وعاهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على نصرته ، فقام بما تعهد ، ولهذا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى حقه: (إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت ، وقال أبوبكر صدقت ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركون لي صاحبي). (البخاري ، كتاب فضائل أصحاب النبي)
وبذلك كان الصديق – رضي الله عنه – أول من أسلم من الرجال الأحرار.
وقد قال الإمام إبن كثير – رحمه الله – إن خديجة أول من أسلم من النسآء – وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة ، ومن الغلمان علي بن أبي طالب ، وأول من أسلم من الرجال أبي بكر الصديق ، وكان إسلامه أنفع من إسلامهم.
دعوة أبوبكر الصديق:
كان لأبي بكر رصيده الأدبي والعلمي والإجتماعي في المجتمع المكي ولذلك عندما تحرك في دعوته للإسلام إستجاب له صفوة من خيرة الخلق.
كان تحرك الصديق – رضي الله عنه – في الدعوة إلى الله بوضوح صورة من صور الإيمان بهذا الدين ، والإستجابة لله ورسوله.
وقد بقى نشاط أبي بكر وحماسته للإسلام إلى أن توفاه الله – عز وجل – لم يفتر ولا يضعف أو يمل أو يعجز, (الوحي وتبليغ الرسالة د. يحيي اليحيي ص 62)
من هم الذين أسلموا على يد الصديق؟
كانت أول ثمار الصديق الدعوية دخول صفوة من خيرة الخلق في الإسلام وهم: (1) الزبير بن العوام ، (2) عثمان بن عفان ، (3) طلحة بن عبيدالله ، (4) سعد بن أببي وقاص ، (5) عثمان بن مظعون ، (6) أبوعبيدة بن الجراح ، (7) عبدالرحمن بن عوف ، (8) أبوسلمة بن عبدالأسد ، (9) الأرقم ابن أبي الأرقم – رضي الله عنهم.
وجآء بهؤلاء الصحابة الكرام فرادى فأسلموا بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكانوا الدعامات الأولى التى قام عليها صرح الدعوة ، وكانوا العُدة الأولى في تقوية جانب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبهم أعزه الله وأيده.
ثانياً: أهتم الصديق بأسرته فأسلمت أسماء وعائشة وعبدالله وزوجته أم رومان (أم الخير) وخادمه (عامر بن فهيرة).
كيف عاقبت قريش أبوبكر على إسلامه؟
إن سنة الإبتلاء ماضية في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم والدول ، ومضت هذه السنة في الصحابة الكرام – وتحملوا – رضوان الله عليهم.
فلقد أُوذى أبوبكر – رضى الله عنه – وحثي على رأسه التراب ، وضُرب في المسجد بالنعال ، حتى ما يعرف وجهه من أنفه وحمل إلى بيته في ثوبه وهو ما بين الحياة والموت. (التمكين للأمة الإسلامية صـ 243)
أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله – صلى الله عليه وسلم – أبوبكر:
فقد روت عائشة – رضي الله عنها – أنه لما أجتمع أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً ألح أبوبكر – رضي الله عنه – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الظهور ، فقال: (يا أبابكر إنا قليل) فلم يزل أبوبكر يلح حتى ظهر رسول الله ، وقام أبوبكر في الناس خطيباً ورسول الله جالس ، وثار المشركون على أبوبكر وعلى المسلمين فضربوه في نواحي المسجد ضرباً شديداً ، ودنا منه الفاسق (عتبة بن ربيعة) فجعل يضربه بنعلين على وجهه ، وجآءت بنو تيم يتعادون ، وحملت بنو تيم ابابكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكون في موته ، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبوبكر لنقتلن عتبة بن ربيعة.
فجعل أبوقحافة (والده) وبنو تيم يكلمون أبابكر حتى أجاب ، وقالوا لأمه أم الخير: أنظري أن تُطعميه شيئاً أو تسقيه ، فلما ألحت عليه ، قال: ما فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟. فقالت: اله ما لي علم بصاحبك ، فقال: أذهبي إلى أُم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه ، فخرجت حتى جآءت أم جميل ، فقالت: إن أبابكر يسألك عن محمد بن عبدالله ، فقالت: ما أعرف أبابكر ولا محمد بن عبدالله ، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى أبنك؟ فقالت: نعم ، فدنت أم جميل ، وأعلنت بالصياح وقالت: والله إن قوماً نالوا منك لأهل فسق وكفر ، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم ، قال: فما فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟. قالت: سالم صالح – قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم.
قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجلُ وسكن الناس ، خرجتا به يتكي عليهما ، حتى أدخلتاه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأكب عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقبله ، وأكب عليه المسلمون ، ورق له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رقة شديدة. فقال أبوبكر: بأبي وأمي يارسول الله ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي ، وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار.
فدعا لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ودعاها إلى الله فأسلمت.
(السيرة النبوية لابن كثير صـ 439)