إسلام عمر بن الخطاب (عظمآء الإسلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

فكان عمر قبل إسلامه من أشد الناس عداوة وحقداً للإسلام وأذى للمؤمنين مثل أمته قد عميت من ضربه لها ، وما كان يجلس فى مجلس إلا أذى فيه المسلمين.

وقد أخبر عمر بعد إسلامه بهذا:  وكان يقول:  كان فى وسع هؤلاء الضعفاء أن يستريحوا من هذا العذاب (مثل زنيرة) ضعيفة كانت تعيش فى راحة وعز وكانت تأكل مما نأكل وتشرب مما نشرب وتلبس مما نلبس ما الذى جعلها تتحمل هذا العذاب وتعمى من الضرب ومع ذلك هى مستمرة على الإيمان ، وهى ليست مسألة عناد (فكيف تعادى أمة صعلوكة سيدها ، لابد أن تكون العقيدة الخاصة بهم أحلى من العذاب نفسه).

وأراد الله عز وجل أن يضم عمر بن الخطاب القوى فى الباطل إلى زمرة الإسلام ، أن ينتفع به المسلمين إذا تغيرت عقيدته.

فلما بلغ النبى – صلى الله عليه وسلم – ما يفعل عمر بالمسلمين هو وأبو جهل دعا النبى فى العصر:  (اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب) وأستجاب الله هذه الدعوة المحمدية فى عمر بن الخطاب.

كيف أسلم عمر؟

(1)     فكر فى زنيرة وكيف أنها متمسكة بالإسلام رغم العذاب.

(2)     فى يوم من الأيام واحد من المشركين يقول له:  محمد يقرأ القرآن بجوار الكعبة وبجوار أصنامنا ولا يوجد واحد عند شهامة وغيره يذهب ويضربه.

          وكان الرسول يتحين عدم وجود مشركى مكة فى الحرم بالليل (فى بيوتهم يشربون الخمر)  ويقوم الليل كله مصداقاً لقوله تعالى فى سورة المزمل الآية (1 : 4):

(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا(2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا(3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا)(4).

          فلما سمع عمر هذا التحريض من بعضهم وذهب الحرم فاختفى واستتر بين الكعبة وستائرها أمام الرسول – صلى الله عليه وسلم – يصلى ويجهر بالقرآن وبالصدفة كان يقرأ فى سورة الحاقة ، وعمر من العرب والقرآن نزل بلغتهم يفهموا مواقع الكلم وعظمة الأسلوب فلما سمع القرآن قال: هذا الكلام ليس من كلام محمد وهو أُمى (إنه لقولُ رسول كريم)(40).   قال:  هذا كلام شاعر يبقى محمد شاعر مثل الفرزدق (وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون) (41) الحاقة.

          قال عمر:  ما الذى عرف محمد أننى قلت شاعر فى قلبى ، فهذا الرجل من الكهان الذين يحضروا الجن.  قال النبى وهو يقرأ فى الصلاة:  (ولا بقول كاهن ، قليلاً ما تذكرون) (42) الحاقة.

          أخذ عمر باقى اليوم والليلة فى التفكير.  وفى الصباح قابل واحد مسلم من الضعفاء الغلابة (نعيم بن عبدالله) توقع أن عمر سوف يضربه فقال له:  لماذا تريد أن تضربنى أذهب وأضرب أختك وزوجها فقد أسلما (إذا أراد الله أمراً هئ له الأسباب).

          ماذا فعل عمر بعد أن عرف أن أخته وزوجها قد أسلما؟

          قال عمر:  أختى من؟  قال الرجل:  فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد ، هى مسلمة من أول يوم.  قال عمر:  من ثلاث سنوات؟  قال الرجل: نعم.

          ذهب إلى بيت أخته فاطمة وكان عندهم خباب بن الأرت يعلمهم القرآن ، خباب هذا كل ما تنزل آية يحفظها حفظاً جيداً فالرسول اختاره يعلم ما لم يسمع ، من الذين يريدون أن يحفظوا القرآن في السر

          وكان خباب يعلمهم القرآن فى مقابل آكله وشربه وكسوته ، ولما طرق عمر الباب عرفت فاطمة أنه أخوها – خباب أختبأ فى وسط الحطب.  ودخل عمر قال:  أنا سمعت همهمه (قراءة) ، قالت فاطمة:  ما سمعت شيئاً – قال عمر:  أنت صبئت؟ قالت: ولكنى أسلمت.  فضربها عمر كفاً شديداً فخرج الدم من أذنها وفمها (اللثة) عمر مع هذه الشدة كان فى قلبه رحمة ليست عند أحد حتى قال أصحاب التاريخ:  أن عمر كان أرحم من أبى بكر ، وأبوبكر كان أشد من عمر.

          قالت فاطمة:  ياعمر أضرب أو لا تضرب فالله ناصر دينه أنا على دين محمد ودين ربه.  فوجد عمر إصرار أخته ومن قبل إصرار زنيرة التى عميت ..

          سعيد بن زيد زوجها لما رأى الدم يخرج من فمها وأُذنها جآء ليدافع عنها ، فضربه عمر ضرباً مبرحاً خباب لما سمع ذلك مات فى جلده.  قال عمر:  يا فاطمة أعطينى الصحيفة ، قالت:  أنت مشرك نجس لا يحل لك أن تمس القرآن ، فنزل فى البئر ولبس ملابس نظيفة وأخذ الصحيفة وبالمصادفة كان فيها سورة طه الآية (1 – 8):

(طه(1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى(2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى(3) تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى(4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى(6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى(7) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى(8)).

          كل هذا الحديث ذكره ابن هشام فى السيرة النبوية عن ابن إسحاق.

شرح الآيات:

          طه بمعنى فى لغة العرب يارجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وهذا كان رداً على النضر بن الحارث الذى قال:  إن محمداً شقى بهذا القرآن الذى أُنزل عليه لما فيه من التكاليف وإنما أنزلناه ليكون تذكرة:  ذكرى يذكر بها من يخشى ربه فيقبل على طاعته متحملاً فى سبيل ذلك كل ما قد يلاقى فى طريقه من أذى قومه المشركين بالله الكافرين بكتابه والمكذبين لرسوله.

          كلمات كلها عُذوبة ورقة وعظمة وهيبة – عمر طبعاً من أوائل من يفهم هذا الكلام ويفهم مواقعه – فلما قرأ هذا الكلام حتى صاح صيحته المباركة:  دلونى على محمد..!!  ياسلام على فرحة فاطمة وقالت له:  أغتسل غسل الإسلام وسعيد بن زيد كبر.  وسمع (خباب) كلمات عمر هذه فخرج من مخبئه الذى كان قد توارى فيه وصاح:  (أبشر ياعمر..  والله إنى لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه – صلى الله عليه وسلم – فإنى سمعته بالأمس يقول:  (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك:  أبى الحكم بن هشام أو عمر بن الخطاب).   وسأله عمر:  وأين أجد الرسول الآن ياخباب؟؟

          قال:   عند الصفا فى دار الأرقم بن أبى الأرقم.

          طرق عمرالباب وكان حمزه بن عبدالمطلب بالداخل الذى أسلم قبله بثلاث أيام الرسول قال:  من؟؟  قال:  أنا عمر..  الرسول قال:  هذا عمر وأنتم تعلمون قيمته وشدته.  قال حمزة:  (يارسول الله دعنى عليه فإن جآء لشر فأنا له أهل وإن جآء لخير أراد الله به خيراً).

          فتح الرسول الباب مسكه من حمالة السيف وحنقه بها وقال:  (أما آن لك ياابن الخطاب أن تُسلم لتسلم قبل أن تُصيبك قارعة) (قبل أن يرسل الله صاعقة تأخذك).

          قال عمر:  والله يارسول الله ما جئت إلا لهذا.  (كان أول مرة يقول يارسول الله).

          الصحابة كان عددهم 132 كبروا على دخول عمر الإسلام – قال عمر: والله لا يمكن أن يظهر الباطل ويختفى الحق.

          الكفار لما علموا أن عمر أسلم ذهبوا إلى بيته ليقتلوه – ما حماه إلا خاله العاصى بن وائل ، وذهب إليهم العاصى وقال لهم:  (الذى يمس عمر أنا سوف أسلم).  قالوا له: خلاص –  سبحان الله ..

وقال عمر:  (والله لنطوف حول الكعبة بالنهار وقسم 132 مسلم على قسمين صف وراء عمر وصف وراء حمزة والرسول صلى الله عليه وسلم فى الوسط.

ودخلوا الكعبة – الكفار لما نظروا وكان رأى الجميع:  (لقد أصاب الإسلام المنعة) (ممنوع الآن من الأذى)  وظهرت عليهم الكآبة ولم يتحرك أى كلب منهم.

وطاف المسلمون السبع أشواط وصلوا ركعتين خلف مقام إبراهيم فى منتهى الأمان وطلعوا.   (أعلنت الدعوة).

بعد أن كانت الدعوة سرية ظهرت على يد عمربن الخطاب وحمزه بن عبدالمطلب.  (ومن ضمن الأشياء التى فعلها عمر بعد أن أسلم قال: يارسول الله يدك علىٌ عهد الله كل مجلس جلست فيه ايام كُفرى لأبد أن أجلس فيه بالإسلام.

فكان يجلس فى وسط الشباب الكافر ويقول:  (1) أشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، (2) ويقرأ القرآن ، (3) ويدعو إلى الله.

وربنا سبحانه هدى على يديه ناس كثير.

فى يوم من الأيام أبوسفيان كافر وأبوجهل وأمية بن خلف – شيبة نووا لعمر الشر. فجآء العاصى بن وائل وقال:  (1) هو ابن أختى ، (2) هو فى جوارى.  فقالوا: هو يؤذينا.

قال العاصى:  وأنتم الأصنام بجوار الكعبة هو حملكم على الإسلام.  بعد جوار خاله العاصى لا يستطيع أحد أن يمسه بسوء..

فى يوم من الأيام إلا وشعر فى الليل بأن أُمية بن خلف معطى بلال للصبيان يجرجره فى الشارع ومكتفوه بالحبل – الساعة 1 مساءاً وهو يقول أحد أحد أحد – (كأى حيوان) فلما فتح عمر الشباك ورأى بلال يتجرجر قال:  لا إله إلا الله – علشان بلال ليس له أهل هنا وهو من الحبشة وهو مسلم زى والإسلام أخوه ولا يوجد أحد يدافع عنه وأنا علشان خالى العاصى بن وائل الكافر حمينى – وكان كل المسلمون لا ينامون إلا بعد أن يدفعوا الضريبة – مافيش مسلم إلا ويضرب.  وأنا أنام والله ليسبقننى إلى الجنة ، فذهب إلى خاله العاصى وقال:  (ياخالى تستطيع أن تحمى بلال معى) ، قال العاصى: أنا مالى ومال بلال..  قال عمر:  (والله لننحمى كلنا أو ننال الأذى فى سبيل الله كلنا ، لازم يكون هناك إشتراكية إسلامية فى الآلام وفى الآمال).  وأنا أرد عليك جوارك..  خذ جوارك ورضيت بجوار الله.  قال العاصى:  رد علىٌ جوارى أمام الناس فى الحرم.

فذهب عمر فى اليوم التالى ظهراً إلى الكعبة وقال:  (أيها الناس لقد كنت فى جوار خالى العاصى بن وائل فرأيت بعض المسلمين الضعفاء يعذبون فى الله فتيقنت أنهم سيتحملون لله ويسبقوننى إلى الجنة ردت جوار خالى له ورضيت بجوار الله وحده).

الناس كانوا فرحنين ويتمنوا هذا لكى يضربوه فقاموا عليه فى قلب الكعبة وضربوه – إحدى العينين من الضرب ورمت ثم ذهب إلى البيت فقالت له أمه حنتمة:  كان أخويا يحميك ما الذى جعلك ترد جواره؟؟  فجآء خاله يسأل عليه بالليل وقال له:  (ما الذى جرى لعينيك؟؟  قال عمر:  (والله لو ذقت ياخالى ما ذقتُ أنا لعلمت أن عينى الأُخرى أحوج إلى ماجرى لأختها)..  ذاق طعم الإيمان.

 

(  والحمدلله رب العالمين )

 

 

         

 

 

اترك تعليقاً