بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد ،،،
فالإسلام يهدى إلى سبل السلام مصداقاً لقوله عز وجل في سورة المائدة الآية (16):
(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) يهدى الله عز وجل بالقرآن من أتبع رضا الله طرق النجاة والسلامة ومناهج الإستقامة.
يهدى الله بالإسلام طرق السلامة الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة ، والمؤمنة من كل مخافة وهي الجنة.
عندئذ يهديه الله سبل السلام بأوسع معاني هذه الكلمة.
(1)يهديه سبل السلام مع نفسه كيف؟
فلا كآبة ، ولا انقباض ، ولا شعور بالذنب ، ولا حسرة ، ولا ندم ، ولا سقوط.
(2)يهديه سبل السلام مع أهله:
فلا شقاء ولا عقوق ، ولا عصيان ولا تفكك وإنهيار ، ولا مذمة ولا عدوان.
(3)يهديه سبل السلام مع مجتمعه:
فلا عداوة ولا بغضاء ، ولا إثم ولا عدوان ، ولا إحباط ولا إحقاف ، ولا مكر ولا كيد.
(4)يهديه سبل السلام مع ربه:
فلا حجاب (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ، ولا جفوة ولا فتور ، ولا غضب ،
ولا سخط .
قصة تدل على تحقيق الإنسانية والمساواة في الإسلام:
وفى خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وأرضاه ، جآءه إلى المدينة جبلة بن الأيهم آخر ملوك الغساسنة يعلن إسلامه ، فرح به عم أشد الترحيب ، وفي أثناء طواف هذا الملك حول الكعبة داس بدوي طرف إزاء الملك الغساني فيغضب الملك ويلتفت إلى هذا البدوي فيضربه ويهشم أنفه. فذهب البدوي إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب شاكياً ، فيستدعى عمر – رضي الله عنه – الملك الغساني إلى مجلسه ويجرى بينهما حوار:
قال عمر: جآءني هذا الصباح مشهد يبعث في النفس المرارة بدوي من بني فزارة بدماء تتظلم وبجراح تتكلم ، وسألناه فألقى فادح الوزر عليك ، أصحيح ما أدعى هذا البدوى الجريح؟
قال جبلة: لست ممن ينكر ، أنا أدبت الفتى ، وأدركت حقي بيدي.
قال عمر: أي حق يا ابن أيهم؟ عند غيرى يقهر المستضعف ويظلم. عند غيرى جبهة بالإثم والباطل تلطم ، نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية قد دفناها وأقمنا فوقها صرحاً جديداً ، وتساوى الناس أحراراً لديناً وعبيداً. أرضى الفتى ، لابد من إرضائه أو يهشمن الآن أنفك.
قال جبلة: كيف ذاك يا أمير المؤمنين؟ هو سوقة وأنا صاحب تاج ، كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ أنا مرتد إذا أكرهتني.
قال عمر: عالم نبنيه ، وأعز الناس بالعبد الصعلوك تساوى. أما جبلة فلم يفهم هذا المعنى الكبير في الإسلام ، وفر من المدينة هارباً مرتداً ولم يبال عمر ولا الصحابة معه بهذه النتيجة لأن إرتداد رجل عن الإسلام أهون بكثير من التهاون في تطبيق مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام وخسارة فرد لا تقاس بخسارة مبدأ.
إنسانية خطبة النبى في حجة الوداع:
تقرر هذه الخُطبة مبدأ المساواة الإنسانية وهو ينطلق من أن الإسلام يحترم الإنسان ويكرمه
من حيث أنه إنسان.
لقد خطب نبي المسلمين في حجة الوداع خُطبة جامعة مانعة تطمنت مبادئ إنسانية لم نجد مثيل لها في الغرب ولا في أمريكا.
عن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى وسط أيام التشريق فقال:
(يا أيها الناس ، الا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، الا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا أحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم ، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى يوم تلقونه ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا ، إلا لا تظلموا الا لا تظلموا ، إلا لا تُظلموا ، إنه لا يحلُ مالُ امرى إلا بطيب نفس منه).
المساواة بين البشر من مبادئ الإسلام:
فقد روي الإمام أبو داود وأحمد في مسنده عن زيد بن أرقم قال: سمعت نبي الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في دبر صلاته: (أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة).
فالنبي – صلاة الله عليه – يعلن من خلال هذا الدعاء المتكرر الإخوة بين عباد الله جميعاً ، لا بين العرب وحدهم ، ولا بين المسلمين وحدهم ، بل هي أخوة بين البشر جميعاً ، على إختلاف أجناسهم وأعرافهم وألوانهم وطبقاتهم ومللهم ونحلهم ، والبشر جميعاً عند الله جل جلاله نموذجان: رجل عرف الله ، وانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الله وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه ، فشقى في الدنيا والآخرة.
(( والحمدلله الذى هدانا لهذا وما كنا مهتدين لولا أن هدانا الله ، والحمدلله رب العالمين))