الدين نصيحة

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،

فالإمام النووي – رحمه الله تعالى – في كتابه رياض الصالحين ، من كلام سيد المرسلين باباً عنوانه:  باب النصيحة.

معنى النصيحة:  هي بذل النصح للغير

النصح:  أن الشخص يحب لأخيه الخير ، ويدعوه إليه ، ويبينه له ، وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – الدين النصيحة وضد النصيحة المكر والغش والخيانة والخديعة.

          عن تميم بن أوس الداري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:  (الدين النصيحة ثلاث مرات) قالوا: لمن يارسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).   أخرجه مسلم.

          إذا كان الدين يقوم على النصيحة ، دوائر الباطل تتقلص ، ودوائر الحق تتنامى ، أما إذا ترك المسلمون هذه الفريضة السادسة النصيحة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ماذا يحدث؟  دوائر الباطل تتنامى ، ودوائر الحق تتلاشى.

الآن:    أن المسلم يُهمل هذا الباب ، فيرى المعاصي على قدم و ساق فى كل حدب وصوب ، وهو ساكت.

          لما أراد الله إهلاك قرية ، الملائكة قالوا:

          “يارب ، إن فيها رجلاً صالحاً ، قال: به فابدؤوا ، قالوا:  ولم ، قال: لأنه كان لا يتمعر وجهه إذا رأي منكراً”.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة هود الآية (117):

          (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117))                                                                                                                     

المعنى:   (الدين النصيحة) فرق كبير بين الصالح والمصلح ، الصالح بذاته ، أما المصلح كغيره ولكن يهلكهم بسبب ظلمهم لأنفسهم بالشرك والتكذيب والمعاصي ، لابد أن تنصح.

مثال1:   سائق تاكسي ينتظر ركاباً (على خط الأسكندرية) ، جاءه شاب وشابة ، قالا له:  أنتظر قليلاً ، ستأتينا الحقيبة ، انتظر ، يبدو أن الذى سيأتي بها تأخر ، فالسائق تأفف وضجر ، بعد حين جاء رجل عمره سبعون سنة ، يحمل (الحقيبة) فهذا الشاب ضربه على صدره ، لماذا تأخرت؟ ، وانطلقت السيارة بعد ما قطع السائق حوالي عشرة كيلومتر ، سمع الفتاة تقول لزوجها:  معقول تضرب أباك؟ ، فالسائق توقف ، قال له: هذا أبوك؟ أنزلا. ، الآن نعمل حادث ، الموقف:  أن السائق غضب ، وطرد الراكبين ، وأعطاهم أموالهم.

مثال2:   قال رجل إن سبب توبتي سائق تاكسي ، أشتريت خمراً أوقف التاكسي ، لمح السائق البيرة أو الخمرة ، وقف ، قال له:  أنزل ، وكان في أزمة مواصلات ، قال هذا الرجل:  بقيت ساعتين ، ولا أحد يركبني ، شعرت بإهانة ، وتبت من يومها.

خيرية هذه الأمة:      مصداقاً لقوله تعالي فى سورة آل عمران الآية (110):

          (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110))

مثال1:  لو رأينا إنسان سب الدين ننهاه ، وقفنا أمامه ، إنسان ضرب طفلاً مثلاً تدخلنا.

          أما كلمة ليس لنا دخل – أنا أقول ليس لنا دخل ، وأنت تقول ليس لنا دخل ، تجد الشخص يظهر أسوأ ما عنده ، والجميع صامتون.

مثال2:    تأتي الفتاة عند عمها ، تلبس ثياباً فاضحة ، يقول لها: كيف حالك مشتاقون لك ، طال غيابكم ، وثيابها لم تتكلم عليها ولا كلمة وأنت عمها ….؟.

          فإذا كففنا عن أن نأمر بالمعروف ، وعن أن ننهي عن المنكر فقدنا الخيرية ، وأصبحنا أمة التبليغ لا أمة الإستجابة ، وليس لنا ميزة عند الله ، مادام أمر الله هان علينا ، هُنا على الله.

          أين التاريخ الإسلامي؟  أين الأمجاد الإسلامية؟  أين الرايات الإسلامية التى ترفرف خافقة في أطراف الدنيا؟.

          لما كنا مع الله ، كان الله معنا ، لما تخلينا عن الله ، تخلى الله عنا ووكلنا إلى أنفسنا.

          أقول إبنة أخيك – أبنتك ، زوجتك – هذه التى تمشي في الطريق هذه ليس لها أب؟  ليس لها أخ؟  ليس لها زوج؟  ليس لها إبن؟  إلا يُغارون عليها؟.

          قال تعالى في سورة المائدة الآية (79):

          (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ (79))

          كررها ثلاثاً – عليه الصلاة والسلام – لماذا؟  لأجل أن ينتبه المخاطب والسامع حتى يتلقى ما يقول النبي بإنتباه.

          هناك رجل يصلي في الصف الأول في جامع من جوامع القاهرة الكبرى ، قال لنا:  والله عندنا مطعم ، الحمدلله أرباحنا جيدة – يبيع خمراً ، لكن في رقبة شريكي إن شاء الله ، ليس لي دخل – كيف تمد يدك وتأخذ الربح؟

          إذاً المسلمون بهذا المستوى ، هان أمر الله عليهم ، فهانوا على الله ، إذا أقمنا الإسلام في بيوتنا وفي أعمالنا ، والله كنا في حال غير هذا الحال.

          قلت لأحد الأشخاص كلمة:  الإسلام تقريباً مئة ألف بند ، المسلمون مسخوه إلى خمسة بنود فقط صوم ، صلاة ، حج ، زكاة ، شهادة ، الإسلام منهج كامل.

          أقم الإسلام فيما تملك ، يكفك ما لا تملك.

          الآن في قوة مخيفة ، متحكمة بالمسلمين ، معهم أسلحة فتاكة وقساة وحوش ، الآن دقق: إذا أقمت الإسلام فيما تملك ، كفاك ما لا تملك – كل واحد منا ينظر إلى بيته هل يوجد مخالفة ، في شي حرام ، في خروج للبنت أو الزوجة خلاف منهج الله عز وجل ، في دخل غير صحيح ، في إتفاق غير صحيح – كل شخص يعمل مراجعة لبيته ، (1) أدي زكاة ماله ، (2)وصل الأرحام ، (3) تفقد أخوانه.

أنت قم بالذى عليك:    فأنت أد الذى عليك ، فإذا لك بنات أخت ، أنصحهم فقط نصيحة ….  (الدين النصيحة).

          يابنيتي ، اللباس ، لا يتناسب مع ديننا ، ولا مع أخلاقنا ، ولا مع مكانة أبيك ، هذا ثياب أهل الكفر.

شرح الحديث:    (الدين النصيحة ، قلنا:  لمن؟  قال:  لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ولعامتهم).

لله:  1ــ  أنصح الناس (1) بقراءة كتاب الله ، (2) وأنصحهم بتفهمه ، (3) وأنصحهم بتدبره ، (4)وأنصحهم بتطبيقه.

2ــ  إنصح الناس بمعرفة الله من خلال الكون ، ومن خلال أفعاله ، وأنصحهم (1) بطاعته ، وأنصحهم (2) بمحبته ، وأنصحهم (3) بالإقبال عليه.

3ــ  أن يكون الإنسان دائماً ذاكراً لربه ، بقلبه ولسانه وجوارحه ، (1) يفكر في خلق السماوات والأرض ، (2) يفكر في الليل والنهار ، (3) يفكر في آيات الله من الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب.  يحدث ذكراً في قلبه.

4ــ  أن تكون غيرته لله فيغار لله عز وجل إذا انتهكت محارمه ، فلا يسمع أحداً يسب الله أو يشتم الله أ, يستهزئ بالله إلا غار من ذلك.

5ــ  أن يدافع عن دين الله تعالى الذى شرعه لعباده ، فيبطل كيد الكائدين – ويرد على الملحدين الذين يعرضون الدين وكأنه قيد.

ومن النصيحة لكتاب الله:

(1)أن ينشر الإنسان معناه بين المسلمين المعنى الصحيح الموافق لظاهره ، بحيث لا يكون فيه تحريف ولا تغيير ، فإذا جلس مجلساً فإن من الخير والنصيحة لكتاب الله أن يأتي بآية من كتاب الله عز وجل يبينها للناس ، ويوضح معناها ولاسيما الآيات التى تكثر قراءتها بين المسلمين ، مثل الفاتحة ، فإن الفاتحة كما نعلم جميعاً ركن من أركان الصلاة في كل ركعة ، للإمام والمأموم والمنفرد ، فيحتاج الناس إلى معرفتها ، فإذا فسرها بين يدي الناس وبينها لهم فإن هذا من النصيحة لكتاب الله عز وجل.

ومن النصيحة لرسوله:  (1)  أنصحهم بمعرفة سُنة النبي وتطبيقها.

(2) أنصحهم أن يقتدوا بالنبي في أفعالهم وأقوالهم.

(3) الإيمام التام برسالته ، لأن الله تعالى أرسله إلى جميع الخلق عرب وعجم ، إنس وجن.

سورة النساء الآية (79):  (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79))

سورة الأنبياء الآية (107):  (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107))

(4)  عليك أن تجعل شريعة محمد أمامك في جميع العبادات – لماذا؟  فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو إمام هذه الأمة.

(5)  إحترام أصحابه وتعظيمهم ومحبتهم – لأن صحب الإنسان لا شك أنهم خاصته من الناس ، ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم – خير القرون – فهذا من الدين.

ومن النصيحة لأئمة المسلمين:   الأئمة جمع إمام ، والمراد بالإمام (1) من يقتدي به ، (2)ويؤمر بأمره ، إمامة في الدين ، وإمامة في السلطة.

أولاً:  الإمامة في الدين:

بيد العلماء:  (1)  الذين يقودون الناس لكتاب الله عز وجل ، (2) ويهدونهم إليه ، (3)ويدلونهم على شريعة الله.

          ألا يتتبع الإنسان عوراتهم وما يخطئون فيه ، لأنهم غير معصومين ، وكل ابن آدم خطآء وخير الخطائين التوابون.

          عليك أن تدافع عن عوراتهم ، وأن تسترها ما أستطعت ، وألا تسكت ، بل نبه العالم ، وأبحث معه وأسأله ، ربما نقل عنه أشياء غير صحيحة.

ممكن تنصح بأدب:   إذا كان هو موظف عند مدير دائرة – مثلاً – في عمل خلاف الإسلام بكل أدب أنصحه فيها – لك أجر – وقد يستجيب ، وقد يشكرك على هذا.

          وقد الأئمة على العامة ، لأن الأئمة إذا صلحوا صلحت العامة ، فإذا صلح الأمراء صلحت العامة ، وإذا صلح العلماء صلحت العامة ، لذلك بدأ بهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

النصيحة لعامة الناس (ولعامتهم): 

(1)النصيحة لعامة المسلمين بأ، تحب لهم ما تحب لنفسك.

(2)أن ترشدهم إلى الخير.  مثال:  إنسان اشترى ثلاجة يبدو فقيراً جداً خفت أن يضع الفيشة عندما يصل إلى بيته فيتحرك المحرك ، والله انتقلت من رصيف إلى رصيف ، قلت له:  الثلاجة تتركها ثماني ساعات على الواقف لا تشغلها ، قال لي:  جزاك الله خيراً.

مثال2:  وجدت بالصلاة في خطأ مثلاً:  (1) وجدت أثناء الركوع لم يكن في إطمئنان – النبي نهانا عن ذلك ، أنصح الناس بأدب ، (2) المرأة التى تقرأ في الركوع والسجود آيات من القرآن الكريم.  (3) أن تهديهم إلى الحق إذا ضلوا عنه.  (امرأة تصلي في السوق).

(4)أن تجعلهم لك بمثابة الإخوة ، لأن الرسول قال:  (المسلم أخو المسلم).

          وليعلم أن النصيحة هي مخاطبة الإنسان سراً بينك وبينه ، لإنك إذا نصحته سراً أثرت في نفسه ، وعلم أنك ناصح ، لكن إذا تكلمت أمام الناس عليه فإنه قد تأخذه العزة بالإثم فلا يقبل النصيحة ، وقد يظن أنك إنما تريد الإنتقام منه وحط منزلته بين الناس فلا يقبل.

          كلما كنت لطيفاً مقبول أكثر – واللطف طريق فعال لوصول النصيحة.

 

((والحمدلله رب العالمين))

 

 

اترك تعليقاً