بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
فعشرة من الصحابة بُشروا في حياتهم بمصيرهم السعيد وأنهم من أهل الجنة ، فكانوا يمشون على الأرض فيدخلون بيوتهم ويصلون مع المصلين ، ويتاجرون مع التجار والعالم كله يعلم أنهم من أهل الجنة وأنهم يستحيل عليهم أن ينحرفوا.
وفي ذكرهم لعل الله يمنحُنا كما منحهم ، ويتعطف علينا كما تعطف عليهم ، ويرحُمنا كما رحمهم.
وذات يوم قال النبى – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: (النبى في الجنة وأبوبكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة ثم قال وعلى بن أبي طالب في الجنة وطلحة بن عبيدالله في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وعبدالرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبوعبيدة بن الجراح في الجنة).
وعلم الناسُ جميعاً بأن هؤلاء العشرة قد رضى الله عنهم وجعلهم من أهل الجنة.
ونحن الآن نذكرهم على سبيل التبرك بهم ، وعلى سبيل ما قاله – صلى الله عليه وسلم: (عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة).
فإذا ذكرنا الصالحين وقوماً من أهل الجنة كما أخبر عنه المعصوم فإن شآء الله عندنا رجاء وأمل أن ربنا يكرمنا ، وعسى الله أن يبعد عنا الحزن ويبعد عنا الهم والضيق ، ويبعد عنا المعاصي والإنحرافات ويوفقنا للأعمال الصالحة ببركة هؤلاء العشرة وعلى رأسهم أبي بكر الصديق.
ونشير إشارة سريعة إلى كل واحد منهم – رضي الله عنهم أجمعين.
أولاً: أبوبكر الصديق:
هو عبدالله بن أبي قحافة ، ولُقب عتيقاً لعتقه من النار مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر).
وأجمعت الأمة على تسميته صديقاً لأنه بادر إلى تصديق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل حال من الأحوال.
(1) شهد أبوبكر مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بدراً والغزوات كلها ، وثبت مع رسول الله – يوم أُحد حين أنهزم الناس.
(2) ودفع إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رايته العظمى يوم تبوك.
(3) وهو أول من جمع القرآن. (4) حرم على نفسه الخمر في الجاهلية.
(5) كان أبوبكر رجلاً مؤلفاً لقومه محباً سهلاً ، وكان أعلم قريش بأنسابها.
(6) كان تاجراً ذا خلق ومعروف وكانوا يحبونه لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.
(7) وقد أسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان – وطلحة بن عبيدالله – والزبير بن العوام – وسعد بن أبي وقاص ، وعبدالرحمن بن عوف.
(8) وقد أعتق أبوبكر سبعة ممن كانوا يعذبون في الله منهم بلال بن رباح وعامر بن فهيرة وزنيرة الرومية.
(9) وله في الإسلام مواقف رفيعة ، ومشاهد خالدة ، منها قصته يوم الإسراء وثباته وجوابه لكفار في ذلك.
(10) وترك عياله وأطفاله ، وملازمته للرسول الكريم في الغار يوم الهجرة.
(11) بعد أن تولى الخلافة كان موقف أبي بكر الصديق يوم الردة عظيماً حتى ليصفه أبوهريرة – رضي الله عنه – بقوله: (والله الذى لا إله إلا هو لولا أن أبابكر – رضي الله عنه استُخلف ما عُبد الله) قالها ثلاث مرات.
(12) فاقت محبته للنبى – صلى الله عليه وسلم – سائر الناس ، لذلك كان أعلى الأمة إيماناً كما أخبر النبى صلوات الله وسلامه عليه.
(13) مرض أبوبكر مرضه الذى مات فيه ، فدخل عليه ناس يعودونه ، فقالوا: ياخليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: (قد نظر إلي). قالوا: ماذا قال لك؟. قال: (قال إني فعال لما أُريد).
(14) وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: توفى أبوبكر سنة ثلاث عشرة من الهجرة فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال وهو ابن ثلاث وستين سنة. رضي الله عنه.
ثاني المبشرين بالجنة: عمربن الخطاب:
بن نُفيل القرشي العدوي ، أبوحفص الفاروق أمير المؤمنين ، وأحد أصهار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسلم قبل الهجرة بخمس سنين ، وهو أحد العمرين الذين كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يدعو ربه أن يعز الإسلام بأحدهما.
قال ابن مسعود: ما كنا نقدر أن نصلي في الكعبة حتى أسلم عمر.
قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه).
وقال – صلى الله عليه وسلم: (لو كان بعدى نبي لكان عمر).
(1) شهد بدراً وأُحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
(2) بويع له بالخلافة يوم وفاة أبي بكر (سنة 13 هـ).
(3) وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري.
(4) وأول من أتخذ الدواوين لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتبات عليهم.
(5) وأول من جمع الناس على صلاة التراويح ، وأتخذ بيت المال للمسلمين.
(6) وفي أيامه تم فتح الشام والعراق ، القدس والمدائن ومصر والأهواز وأذربيجان
وغيرها من الفتوحات.
(7) وقد نزل القرآن الكريم بموافقته في كثير من المواقف ، منها ما رواه أنس حيث قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي عز وجل في ثلاث: قلت: يارسول الله لو أتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت (واتخذوا من مقام إبراهيم مُصلى) البقرة (125). وقلت: يارسول الله إن نسآءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب: (يا أيها النبيُ قل لأزواجك وبناتك ونسآء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن). سورة الأحزاب (59) ، فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ، فنزلت كذلك.
(8) حج سنة ثلاث وعشرين – وهي السنة التى أستشهد فيها – رفع يديه إلى السمآء وقال: اللهم كبر سني – وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مُضيع ولا مفرط وفي آخر ذو الحجة قُتل شهيداً على يد لؤلؤة المجوسي.
(9) وعن جرير قال: كنت عند معاوية فقال: توفى النبى – صلى الله عليه وسلم – وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وتوفى أبوبكر وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقُتل عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة.
(10) أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (من أبغض عمر فقد أبغضني ومن أحب عمر فقد أحبني وإنه لم يبعث الله نبياً إلا كان في أمته مُحدثاً ، وإن يكن في أُمتي منهم أحد فهو عمر). قالوا: يارسول الله كيف محدث؟. قال: (تتكلم الملائكة على لسانه).
ثالثاً: عثمان بن عفان:
(1) هو أبوعبدالله عثمان بن عفان بن أبي العاصى بن أُمية – أسلم على يد أبوبكر.
(2) هاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم هاجر إلى المدينة.
(3) يقال لعثمان ذو النورين لأنه تزوج بنتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
إحدهما بعد الأخرى ، تزوج رقية رضى الله عنها قبل النبوة ، وتوفيت عنده في أيام غزوة بدر (السنة الثانية من الهجرة) ، ثم تزوج أختها أم كلثوم ، وتوفيت رضي الله عنها عنده سنة تسع من الهجرة.
(4) وكان عثمان – رضي الله عنه – رجلاً حيياً تستحي منه الملائكة ، قالت عائشة: إن النبى – صلى الله عليه وسلم – جمع ثيابه حين دخل عثمان ، وقال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة).
(5) أعتق نحو ألفين ، وأشترى الجنة مرتين: الأولى حين حفر بئر رُومة وكانت ليهودي يبيع الماء للمسلمين ، والثانية حين جهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيراً وأتم الألف بخمسين فرساً ، ثم أتى النبى – صلى الله عليه وسلم – بألف دينار فنثرها في حجره فجعل الرسول يقول: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم).
(6) بويع له بالخلافة بعد دفن عمر بن الخطاب ، وفي خلافته أفتتحت بلاد كثيرة وأتم جمع القرآن الكريم ، وزاد في المسجد الحرام ووسعه وأشترى أماكن للزيادة.
(7) ابتُلى عثمان بفتنه ، وكانت أن نقم عليه بعض الناس أشياء ، وراودوه على خلع نفسه فأبى ، فحاصروه أربعين يوماً وتسور عليه بعضهم الجدار وقتلوه وهو صائم يقرأ القرآن ومات عثمان صابراً محتسباً شهيداً عليه رضوان الله في شهر ذى الحجة سنة 35هـ وسنه يومئذ واحد وثمانين عاماً ، وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر.
(8) وعن عبدالله بن سلام قال: أتيت عثمان وهو محصور أُسلم عليه فقال: مرحباً بأخي ، أريد أن أُحدثك ما رأيت الليلة في المنام؟ قلت بلى. قال: (رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذه الخوخة – وإذا خوخة في البيت. فقال: (حصروك). قلت: نعم. قال: (أعطشوك؟). قلت: نعم. قال: فأدلى لي دلواً من مآء فشربت منه حتى رويت ، قال: (إن شئت نُصرت عليهم ، وإن شئت أفطرت عندنا). فأخترت أن أفطر عنده. قال عبدالله بن سلام: فقتل في ذلك اليوم – رضي الله عنه).
رابعاً: من المبشرين بالجنة علي بن أبي طالب:
(1) هو علي بن ابي طالب عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي فارس المشارق والمغارب ابن عم الرسول وزوج فاطمة البتول وأبو السبطين الحسن والحسين عليهم السلام.
(2) وكنيه علي – رضي الله عنه – أبوالحسن ، وكناه رسول الله – صلى الله عليه وسلم أبا تراب ، فكان أحب ما ينادى به.
(3) وهو أخو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمؤاخاة ، وصهره على فاطمة.
(4) علي هو أحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله عليه السلام وهو عنهم راضي ، وأحد الخلفاء الراشدين ، وأحد العلماء الربانيين.
(5) قال سعيد بن المسيب: ما كان أحد يقول سلوني غير على. وقال ابن عباس: أُعطى على تسعة أعشار العلم ، ووالله لقد شاركهم في العُشر الباقي.
(6) أستخلفه النبى – صلى الله عليه وسلم – حين هاجر من مكة إلى المدينة ، شهد معه غزوة بدراً وأُحد ، والخندق ، وبيعة الرضوان ، خيبر ، والفتح ، وحنين والطائف وسائر المشاهد ، إلا غزوة تبوك فقد أستخلفه على المدينة.
(7) وعن سهل بن سعد ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال يوم خيبر: (لأُعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله علي يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله) فبات الناسُ يدولون ليلتهم أيهم يُعطاها ، فلما أصبح الناسُ غدوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقال: (أين علي بن أبي طالب؟) فقيل: يارسول الله هو يشتكي عينه. قال: (فأرسلوا إليه) ، فأتى به ، فبصق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في عينيه ، ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن فيه وجع ، فأعطاه الراية.
(8) ولى الخلافة رضى الله عنه خمس سنين ، وبويع بالخلافة في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد مقتل عثمان بن عفان.
(9) زهد علي بن أبي طالب: (جآءه ابن النباج فقال: يا أمير المؤمنين ، امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء (الذهب والفضة) فقال على: الله أكبر. فنادى في الناس ففرق جميع ما فيه وهو يقول: (ياصفراء ويابيضاء غُرى غيرى) ، حتى ما بقى فيه دينار ولا درهم ، ثم أمر برشه بالماء ، وصلى ركعتين.
(10) قال الحسن بن على: أتيته سحراً (قبل طلوع الفجر) فجلست إليه ، فقال: إني بت الليلة أوقظ أهلي فملكتني عيناى وأنا جالس ، فسنح لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقلت: (يارسول الله ما لقيت من أمتك من اللدد (من الغم ووجع القلب) فقال رسول الله: (أُدع الله عليهم) ، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيراً لي منهم ، وأبدلهم شراً لهم مني).
(11) أستشهد سيدنا علي يوم الجمعة 17 رمضان من سنة أربعين هجرية وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر ، وصلى عليه ابنه الحسن ، ودُفن بدار الإمارة بالكوفة ، خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته.
(12) ولما ضربه ابن ملجم – قال على: (فزت ورب الكعبة). ولما فرغ من وصيته لأولاده قال: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، ثم لم يتكلم إلا بلا إله إلا الله حتى توفى.
خامساً: من المبشرين بالجنة طلحة بن عبيدالله:
طلحة بن عبيدالله بن عثمان بن عمرو بن كعب ، القرشي التميمي أبومحمد:
(1) وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإيمان ، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو عنهم راض.
(2) ويقال له: طلحة الخير ، طلحة الجود ، وطلحة الفياض ، كل ذلك لقبه النبى – صلى الله عليه وسلم.
سبب إسلامه:
يقول طلحة: حضرت سوق بُصرى ، فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟. قال طلحة: نعم أنا. فقال الراهب: هل ظهر أحمد؟. قلت: من أحمد؟. قال: ابن عبدالله بن عبدالمطلب. هذا شهره الذى يخرج فيه ، وهو آخر الأنبياء ، ومخرجه من الحرم ، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ (المدينة) فوقع في قلبى ، فخرجت سريعاً حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم. محمد الأمين تنبأ ، وتبعه ابن أبي قُحافة ، فخرجت حتى أتيت أبابكر ، فخرج بي إليه ، فأسلمت فأخبرته بخبر الراهب.
(3) كان ممن أُذى في الله ، ثم هاجر ، وكان عند وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته فضرب له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسهم وأجر ، كمن شهدها.
(4) وكان موسراً وله تجارة رابحة ، ولم يكن يدع أحداً من بني تميم عائلاً إلا أعطاه ما يكفيه ويكفي عياله ووفى عنه دينه.
(5) ويصف جابر بن عبدالله جود طلحة فيقول: (ما رأيت أحداً أعطى لجزيل مال من غير مسألة من طلحة بن عُبيدالله). وكان من أكثر الناس براً بأهله وبأقربائه فكان يعولهم جميعاً على كثرتهم ، وكان يزوج أولادهم.
(6) وتصدق بمائة ألف وهو محتاج إلى ثوب يذهب به إلى المسجد ، فلم يشتري قميصاً.
(7) وعن الحسن البصرى قال: باع طلحة أرضاً له بسبعمائة ألف فبات ذلك المال عنده ليلة فبات أرقاً من مخافة ذلك المال ، فلما أصبح الصبح فرقه كله.
(8) وعن جابر – رضي الله عنه – قال: أنهزم الناس عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم أُحد وبقى معه أحد عشر رجلاً من الأنصار – فلحقهم المشركون. فقال النبى: (ألا أحد لهؤلاء؟). فقال طلحة: أنا يارسول الله ، فقال: (كما أنت ياطلحة). فقال رجل من الأنصار: فأنا يارسول الله. فقاتل عنه ، وصعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن بقى معه ، ثم قتل الأنصارى ، فلحقوه فقال: (ألا رجل لهؤلاء؟). فقال طلحة: أنا يارسول الله. فقال رسول الله: (كما أنت ياطلحة). فقال رجل من الأنصار: فأنا يارسول الله. فلم يزل يقول مثل قوله الأول ، ويقول طلحة: أنا يارسول الله ، حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما. فقال رسول الله: (من لهؤلاء؟). فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله ، وقالوا: لقد صد عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أربعين رمية رمح حتى شُلت يداه وقطع أصبعه.
(9) قتل طلحة – رضي الله عنه – يوم الجمل (موقعة الجمل) سنة 36 هـ ، ودفن بالبصرة ، رضى الله عنه وأرضاه.
سادساً: من المبشرين بالجنة الزبير بن العوام:
(1) الزبير بن العوام بن خويلد الأسدى القرشي ، يكني أباعبدالله ، أمه صفية بنت عبدالمطلب عمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبن أخى خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها.
(2) أسلم الزبير قديماً في اوائل الإسلام ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وكان إسلامه بعد إسلام أبي بكر.
(3) وكان عم الزبير يعلقه في حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول: أرجع إلى الكفر ، فيقول الزبير: لا أكفر أبداً.
(4) وهو أحد الستة أصحاب الشورى الذى جعل عمر بن الخطاب الخلافة في أحدهم.
(5) هاجر الهجرتين وهو أول من سل سيفاً في سبيل الله ، في الأيام الأولى للإسلام ، فقد سرت إشاعة أن رسول الله قد قُتل ، فما كان من الزبير إلا أن أستل سيفه ، وسار في شوارع مكة ليتبين الخير ، معتزماً إن هو وجد الخبر صحيحاً أن يُعمل سيفه في رقاب قريش كلها حتى يقتلهم أو يقتلوه ، وفي أعلى مكة لقيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقال له: (ما لك يازبير؟). فأخبره ، فصلى عليه رسول الله ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب.
(6) قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي حوارياً ، وحواريي الزبير).
(7) شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله ، وشهد فتح مصر وكان يقاتل يوم بدر وعليه عُمامة صفراء ، فنزلت الملائكة تقاتل مع المسلمين وعليهم عمائم صفر على شكل وهيئة الزبير – رضي الله عنه.
(8) وكان موسراً كثير المتاجر ، خلف أملاكاً كثيرة بيعت بنحو أربعين مليون درهم.
(9) وكان كثير الصدقة وكان له ألف مملوك يؤدون الخراج يتصدق بها.
(10) شهد الزبير يوم معركة الجمل ، وكان على رأس الجيش الذى خرج لقتال علي بن أبي طالب. فلما أبصر به على – رضي الله عنه – وسط الجيش ، ناداه ليخرج إليه ، ثم قال له: نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن بمكان كذا ، فقال لك: (يازبير ، ألا تحب عليا؟). فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي ومن هو على ديني. فقال لك: (يازبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم). قال الزبير: نعم أذكر الآن وكنت قد نسيته ، والله لا أقاتلك. فأنصرف الزبير – رضي الله عنه – عن القتال ، ونزل بوادي السباع ، وقام يصلى فأتاه ابن جُرموز فقتله ، وجاء بسيفه إلى على – رضي الله عنه – فقال على – رضي الله عنه: إن هذا سيف طالما فرج الكرب عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار ، وكان قتله يوم الخميس من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين هجرية.
سابعاً: من المبشرين بالجنة عبدالرحمن بن عوف:
(1) عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف الزُهرى القرشي ، يكنى أبا محمد ، وكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة وقيل عبد عمرو ، فسماه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عبدالرحمن.
(2) ولد بعد عام الفيل بعشر سنين ، وأسلم وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر – رضي الله عنه – الخلافة فيهم من بعده ، وكان من المهاجرين الأولين ، هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة.
(3) آخى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينه وبين سعد بن الربيع الأنصارى.
(4) شهد غزوة بدراً وأُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وثبت يوم أُحد. وجُرح يومئذ إحدى وعشرين جراحة ، وجُرح في رجله فكان يعرج منها.
(5) وصلى النبى – صلى الله عليه وسلم – خلفه في غزوة تبوك ، حيث قال: (لا يقبض نبي حتى يُصلى خلف رجل صالح من أُمته) وصفه بالصلاح.
(6) وكان موسراً وماله من التجارة ، وكان كثير النفقة في سبيل الله ، وكان يقسم أمواله في فقراء المسلمين والمهاجرين وأزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبعث إلى عائشة – رضي الله عنها – بمال ، فقالت: (قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: لاتحنو عليكم من بعدى إلا الصابرون). ثم قالت: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
(7) وعن عروة قال: إن عبدالرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله وعن الزهري أن عبدالرحمن أوصى بألف فرس في سبيل الله.
(8) ولما توفى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال عبدالرحمن لأصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة فيهم: من يُخرج نفسه منها ويختار للمسلمين؟ فلم يجيبوه إلى ذلك ، فقال: أنا أُخرج نفسي من الخلافة وأختار للمسلمين ، قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه: نعم ، أنا أول من رضى ، فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (إنك أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض). وأختار عبدالرحمن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وبايعه.
(9) وكانت وفاته – رضي الله عنه – سنة اثنتين وثلاثين ، ودفن بالبقيع وعمره 75 عاماً (خمسة وسبعين عاماً).
ثامناً: من المبشرين بالجنة سعد بن أبي وقاص:
(1) سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب – بن عبد مناف بن زهره ، أبوه: إسحاق الزهري القرشي ، الصحابي الأمير.
(2) فتح سعد العراق ومدائن كسرى ، وأحد الستة أصحاب الشورى.
(3) وأول من رمى بسهم في الإسلام ، وأول من أراق دماً في سبيل الله.
(4) كان فارساً شجاعاً من أمراء الحرب ، وكان مجاب الدعوة مشهوراً بذلك.
(5) كان من السابقين الأولين ، أسلم بعد أربعة ، وكان عمره لما أسلم سبع عشرة سنة.
(6) وروت عنه ابنته عائشة أنه قال: رأيت في المنام ، قبل أن أُسلم ، كأني في ظلمة ولا أبصر شيئاً إذ أضاء لي قمر فاتبعته ، فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر ، فانظر إلى زيد بن حارثة ، وإلى علي بن أبي طالب وإلى أبي بكر ، وكأني أسألهم: متى أنتهيتم إلى هاهنا؟. قالوا: الساعة.
(7) وبلغني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو إلى الإسلام مستخفياً ، فلقيته في شعب أجياد ، وقد صلى العصر ، فأسلمت فما تقدمني أحد إلا هم.
(8) قال سعد بن وقاص: (كنت رجلاً براً بأمي ، فلما أسلمت قالت: ياسعد ، ما هذا الدين الذى أحدثت؟ لتدعن دينك أو لا أكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي. فقال: (لا تفعلي يا أُمي ، فإني لا أترك ديني ، قال: فمكثت يوماً وليلة لا تأكل ، فأصبحت وقد تعبت ، فقلت: والله لو كانت لك ألف نفس ، فخرجت نفساً نفساً ، ما تركت ديني هذا بشئ. فلما رأت ذلك أكلت وشربت) ، فأنزل الله هذه الآية في سورة لقمان الآية (15):
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
وكان النبى – صلى الله عليه وسلم – يحبه ويباهي به ، قال جابر بن عبدالله: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأقبل سعد فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (هذا خالي فليُرني امرؤ خاله). لأن أم النبى – من بني زهرة فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.
وقد دعا له النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال: (اللهم سدد رميته وأجب دعوته).
قال علي بن أبي طالب: ما سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفدى أحداً بأبويه إلا سعد بن أبي وقاص ، فإني سمعته يقول له يوم أُحد: (ارم سعد فداك أبي وأُمي).
توفى سنة 55 هـ ودفن في البقيع ، وهو آخر العشرة المبشرين بالجنة وفاة رضي الله عنه.
تاسعاً: من المبشرين بالجنة سعيد بن زيد:
(1) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، ابن عم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وصهره على أخته فاطمة ، كان مجاب الدعوة ، ومن ذوى الرأي والبسالة ، ومن السابقين الأولين الذى رضي الله عنهم ورضوا عنه.
(2) كان إسلامه قبل عمر ، وبسبب زوجته (فاطمة) أسلم عمر.
(3) هاجر وشهد أُحداً والمشاهد بعدها ، ولم يكن بالمدينة زمان غزوة بدر وأعطاه النبى – صلى الله عليه وسلم – سهم وأجر.
(4) شهد حصار دمشق وفتحها فولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح.
(5) خاصمته امرأة تدعي أروى بنت أويس أدعت أن سعيد بن زيد أخذ شيئاً من أرضها فأرسل إليه مروان والي المدينة أُناساً يحدثوه في شأنها. فقال: (تروني أظلمها ، وقد سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من ظلم شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين). اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى يعمى بصرها وتجعل قبرها في بئرها. قال: فوالله ما ماتت حتى ذهب بصرها وخرجت تمشي في دارها وهي حذرة فوقعت في بئرها ، وكان قبرها.
(6) مات سعيد بن زيد بالعقيق ، فغسله سعد بن أبي وقاص وكفنه وخرج معه وهو ابن بضع وسبعين سنة ، وقُبر بالمدينة.
عاشراً: أبوعبيدة بن الجراح:
(1) هو عامر بن عبدالله بن الجراح ، أسلم مع عثمان بن مظعون قبل دخول النبى – صلى الله عليه وسلم – دار الأرقم ، وهاجر الهجرتين (الحبشة والمدينة).
(2) وشهد غزوة بدر وأُحد وسائر المشاهد والغزوات مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
(3) وكان له يوم بدر موقفاً مشهوداً إذ جعل أبوه يتصدى له أثناء القتال ، وأبوعبيدة يبعد عنه ، فلما أكثر أبوه من التعرض له قتله أبوعبيدة فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية في سورة المجادلة الآية (22):
(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ).
(4) عُرف أبو عبيدة بأمين الأمة ، سماه بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذى قال: (لكل أُمة أمين وأمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح).
(5) وكان زاهداً مؤثراً للفقر حتى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما ذهب إلى الشام ورأى عيش أبي عبيدة وما هو عليه من شدة العيش وهو الأمير قال عمر: (كلنا غيرته الدنيا غيرك يا أبا عبيدة).
(6) عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه قال لأصحابه: تمنوا، فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم فأنفقها في سبيل الله. فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهباً فأنفقها في سبيل الله ، قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت جوهراً فأنفقه في سبيل الله. قال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فأستعملهم في طاعة الله.
(7) طُعن أبوعبيدة بن الجراح بالأردن – وبها قبره ، فلما وضعوه في لحده وخرجوا فقال معاذ بن جبل: (كنت والله من الذاكرين الله كثيراً ، ومن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً وكنت والله من المخبتين ، المتواضعين ، الذين يرحمون اليتيم والمسكين ويبغضون الخائنين المتكبرين).
(8) وكانت وفاته سنة ثماني عشرة هجرية.
(( والحمدلله رب العالمين ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
فعشرة من الصحابة بُشروا في حياتهم بمصيرهم السعيد وأنهم من أهل الجنة ، فكانوا يمشون على الأرض فيدخلون بيوتهم ويصلون مع المصلين ، ويتاجرون مع التجار والعالم كله يعلم أنهم من أهل الجنة وأنهم يستحيل عليهم أن ينحرفوا.
وفي ذكرهم لعل الله يمنحُنا كما منحهم ، ويتعطف علينا كما تعطف عليهم ، ويرحُمنا كما رحمهم.
وذات يوم قال النبى – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: (النبى في الجنة وأبوبكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة ثم قال وعلى بن أبي طالب في الجنة وطلحة بن عبيدالله في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وعبدالرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبوعبيدة بن الجراح في الجنة).
وعلم الناسُ جميعاً بأن هؤلاء العشرة قد رضى الله عنهم وجعلهم من أهل الجنة.
ونحن الآن نذكرهم على سبيل التبرك بهم ، وعلى سبيل ما قاله – صلى الله عليه وسلم: (عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة).
فإذا ذكرنا الصالحين وقوماً من أهل الجنة كما أخبر عنه المعصوم فإن شآء الله عندنا رجاء وأمل أن ربنا يكرمنا ، وعسى الله أن يبعد عنا الحزن ويبعد عنا الهم والضيق ، ويبعد عنا المعاصي والإنحرافات ويوفقنا للأعمال الصالحة ببركة هؤلاء العشرة وعلى رأسهم أبي الصديق.
ونشير إشارة سريعة إلى كل واحد منهم – رضي الله عنهم أجمعين.
أولاً: أبوبكر الصديق:
هو عبدالله بن أبي قحافة ، ولُقب عتيقاً لعتقه من النار مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر).
وأجمعت الأمة على تسميته صديقاً لأنه بادر إلى تصديق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل حال من الأحوال.
(1) شهد أبوبكر مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بدراً والغزوات كلها ، وثبت مع رسول الله – يوم أُحد حين أنهزم الناس.
(2) ودفع إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رايته العظمى يوم تبوك.
(3) وهو أول من جمع القرآن. (4) حرم على نفسه الخمر في الجاهلية.
(5) كان أبوبكر رجلاً مؤلفاً لقومه محباً سهلاً ، وكان أعلم قريش بأنسابها.
(6) كان تاجراً ذا خلق ومعروف وكانوا يحبونه لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.
(7) وقد أسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان – وطلحة بن عبيدالله – والزبير بن العوام – وسعد بن أبي وقاص ، وعبدالرحمن بن عوف.
(8) وقد أعتق أبوبكر سبعة ممن كانوا يعذبون في الله منهم بلال بن رباح وعامر بن فهيرة وزنيرة الرومية.
(9) وله في الإسلام مواقف رفيعة ، ومشاهد خالدة ، منها قصته يوم الإسراء وثباته وجوابه لكفار في ذلك.
(10) وترك عياله وأطفاله ، وملازمته للرسول الكريم في الغار يوم الهجرة.
(11) بعد أن تولى الخلافة كان موقف أبي بكر الصديق يوم الردة عظيماً حتى ليصفه أبوهريرة – رضي الله عنه – بقوله: (والله الذى لا إله إلا هو لولا أن أبابكر – رضي الله عنه استُخلف ما عُبد الله) قالها ثلاث مرات.
(12) فاقت محبته للنبى – صلى الله عليه وسلم – سائر الناس ، لذلك كان أعلى الأمة إيماناً كما أخبر النبى صلوات الله وسلامه عليه.
(13) مرض أبوبكر مرضه الذى مات فيه ، فدخل عليه ناس يعودونه ، فقالوا: ياخليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: (قد نظر إلي). قالوا: ماذا قال لك؟. قال: (قال إني فعال لما أُريد).
(14) وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: توفى أبوبكر سنة ثلاث عشرة من الهجرة فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال وهو ابن ثلاث وستين سنة. رضي الله عنه.
ثاني المبشرين بالجنة: عمربن الخطاب:
بن نُفيل القرشي العدوي ، أبوحفص الفاروق أمير المؤمنين ، وأحد أصهار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسلم قبل الهجرة بخمس سنين ، وهو أحد العمرين الذين كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يدعو ربه أن يعز الإسلام بأحدهما.
قال ابن مسعود: ما كنا نقدر أن نصلي في الكعبة حتى أسلم عمر.
قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه).
وقال – صلى الله عليه وسلم: (لو كان بعدى نبي لكان عمر).
(1) شهد بدراً وأُحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
(2) بويع له بالخلافة يوم وفاة أبي بكر (سنة 13 هـ).
(3) وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري.
(4) وأول من أتخذ الدواوين لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتبات عليهم.
(5) وأول من جمع الناس على صلاة التراويح ، وأتخذ بيت المال للمسلمين.
(6) وفي أيامه تم فتح الشام والعراق ، القدس والمدائن ومصر والأهواز وأذربيجان
وغيرها من الفتوحات.
(7) وقد نزل القرآن الكريم بموافقته في كثير من المواقف ، منها ما رواه أنس حيث قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي عز وجل في ثلاث: قلت: يارسول الله لو أتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت (واتخذوا من مقام إبراهيم مُصلى) البقرة (125). وقلت: يارسول الله إن نسآءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب: (يا أيها النبيُ قل لأزواجك وبناتك ونسآء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن). سورة الأحزاب (59) ، فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ، فنزلت كذلك.
(8) حج سنة ثلاث وعشرين – وهي السنة التى أستشهد فيها – رفع يديه إلى السمآء وقال: اللهم كبر سني – وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مُضيع ولا مفرط وفي آخر ذو الحجة قُتل شهيداً على يد لؤلؤة المجوسي.
(9) وعن جرير قال: كنت عند معاوية فقال: توفى النبى – صلى الله عليه وسلم – وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وتوفى أبوبكر وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقُتل عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة.
(10) أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (من أبغض عمر فقد أبغضني ومن أحب عمر فقد أحبني وإنه لم يبعث الله نبياً إلا كان في أمته مُحدثاً ، وإن يكن في أُمتي منهم أحد فهو عمر). قالوا: يارسول الله كيف محدث؟. قال: (تتكلم الملائكة على لسانه).
ثالثاً: عثمان بن عفان:
(1) هو أبوعبدالله عثمان بن عفان بن أبي العاصى بن أُمية – أسلم على يد أبوبكر.
(2) هاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم هاجر إلى المدينة.
(3) يقال لعثمان ذو النورين لأنه تزوج بنتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
إحدهما بعد الأخرى ، تزوج رقية رضى الله عنها قبل النبوة ، وتوفيت عنده في أيام غزوة بدر (السنة الثانية من الهجرة) ، ثم تزوج أختها أم كلثوم ، وتوفيت رضي الله عنها عنده سنة تسع من الهجرة.
(4) وكان عثمان – رضي الله عنه – رجلاً حيياً تستحي منه الملائكة ، قالت عائشة: إن النبى – صلى الله عليه وسلم – جمع ثيابه حين دخل عثمان ، وقال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة).
(5) أعتق نحو ألفين ، وأشترى الجنة مرتين: الأولى حين حفر بئر رُومة وكانت ليهودي يبيع الماء للمسلمين ، والثانية حين جهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيراً وأتم الألف بخمسين فرساً ، ثم أتى النبى – صلى الله عليه وسلم – بألف دينار فنثرها في حجره فجعل الرسول يقول: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم).
(6) بويع له بالخلافة بعد دفن عمر بن الخطاب ، وفي خلافته أفتتحت بلاد كثيرة وأتم جمع القرآن الكريم ، وزاد في المسجد الحرام ووسعه وأشترى أماكن للزيادة.
(7) ابتُلى عثمان بفتنه ، وكانت أن نقم عليه بعض الناس أشياء ، وراودوه على خلع نفسه فأبى ، فحاصروه أربعين يوماً وتسور عليه بعضهم الجدار وقتلوه وهو صائم يقرأ القرآن ومات عثمان صابراً محتسباً شهيداً عليه رضوان الله في شهر ذى الحجة سنة 35هـ وسنه يومئذ واحد وثمانين عاماً ، وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر.
(8) وعن عبدالله بن سلام قال: أتيت عثمان وهو محصور أُسلم عليه فقال: مرحباً بأخي ، أريد أن أُحدثك ما رأيت الليلة في المنام؟ قلت بلى. قال: (رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذه الخوخة – وإذا خوخة في البيت. فقال: (حصروك). قلت: نعم. قال: (أعطشوك؟). قلت: نعم. قال: فأدلى لي دلواً من مآء فشربت منه حتى رويت ، قال: (إن شئت نُصرت عليهم ، وإن شئت أفطرت عندنا). فأخترت أن أفطر عنده. قال عبدالله بن سلام: فقتل في ذلك اليوم – رضي الله عنه).
رابعاً: من المبشرين بالجنة علي بن أبي طالب:
(1) هو علي بن ابي طالب عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي فارس المشارقب والمغارب ابن عم الرسول وزوج فاطمة البتول وأبو السبطين الحسن والحسين عليهم السلام.
(2) وكنيه علي – رضي الله عنه – أبوالحسن ، وكناه رسول الله – صلى الله عليه وسلم أبا تراب ، فكان أحب ما ينادى به.
(3) وهو أخو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمؤاخاة ، وصهره على فاطمة.
(4) علي هو أحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله عليه السلام وهو عنهم راضي ، وأحد الخلفاء الراشدين ، وأحد العلماء الربانيين.
(5) قال سعيد بن المسيب: ما كان أحد يقول سلوني غير على. وقال ابن عباس: أُعطى على تسعة أعشار العلم ، ووالله لقد شاركهم في العُشر الباقي.
(6) أستخلفه النبى – صلى الله عليه وسلم – حين هاجر من مكة إلى المدينة ، شهد معه غزوة بدراً وأُحد ، والخندق ، وبيعة الرضوان ، خيبر ، والفتح ، وحنين والطائف وسائر المشاهد ، إلا غزوة تبوك فقد أستخلفه على المدينة.
(7) وعن سهل بن سعد ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال يوم خيبر: (لأُعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله علي يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله) فبات الناسُ يدولون ليلتهم أيهم يُعطاها ، فلما أصبح الناسُ غدوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقال: (أين علي بن أبي طالب؟) فقيل: يارسول الله هو يشتكي عينه. قال: (فأرسلوا إليه) ، فأتى به ، فبصق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في عينيه ، ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن فيه وجع ، فأعطاه الراية.
(8) ولى الخلافة رضى الله عنه خمس سنين ، وبويع بالخلافة في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد مقتل عثمان بن عفان.
(9) زهد علي بن أبي طالب: (جآءه ابن النباج فقال: يا أمير المؤمنين ، امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء (الذهب والفضة) فقال على: الله أكبر. فنادى في الناس ففرق جميع ما فيه وهو يقول: (ياصفراء ويابيضاء غُرى غيرى) ، حتى ما بقى فيه دينار ولا درهم ، ثم أمر برشه بالماء ، وصلى ركعتين.
(10) قال الحسن بن على: أتيته سحراً (قبل طلوع الفجر) فجلست إليه ، فقال: إني بت الليلة أوقظ أهلي فملكتني عيناى وأنا جالس ، فسنح لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقلت: (يارسول الله ما لقيت من أمتك من اللدد (من الغم ووجع القلب) فقال رسول الله: (أُدع الله عليهم) ، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيراً لي منهم ، وأبدلهم شراً لهم مني).
(11) أستشهد سيدنا علي يوم الجمعة 17 رمضان من سنة أربعين هجرية وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر ، وصلى عليه ابنه الحسن ، ودُفن بدار الإمارة بالكوفة ، خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته.
(12) ولما ضربه ابن ملجم – قال على: (فزت ورب الكعبة). ولما فرغ من وصيته لأولاده قال: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، ثم لم يتكلم إلا بلا إله إلا الله حتى توفى.
خامساً: من المبشرين بالجنة طلحة بن عبيدالله:
طلحة بن عبيدالله بن عثمان بن عمرو بن كعب ، القرشي التميمي أبومحمد:
(1) وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإيمان ، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو عنهم راض.
(2) ويقال له: طلحة الخير ، طلحة الجود ، وطلحة الفياض ، كل ذلك لقبه النبى – صلى الله عليه وسلم.
سبب إسلامه:
يقول طلحة: حضرت سوق بُصرى ، فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟. قال طلحة: نعم أنا. فقال الراهب: هل ظهر أحمد؟. قلت: من أحمد؟. قال: ابن عبدالله بن عبدالمطلب. هذا شهره الذى يخرج فيه ، وهو آخر الأنبياء ، ومخرجه من الحرم ، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ (المدينة) فوقع في قلبى ، فخرجت سريعاً حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم. محمد الأمين تنبأ ، وتبعه ابن أبي قُحافة ، فخرجت حتى أتيت أبابكر ، فخرج بي إليه ، فأسلمت فأخبرته بخبر الراهب.
(3) كان ممن أُذى في الله ، ثم هاجر ، وكان عند وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته فضرب له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسهم وأجر ، كمن شهدها.
(4) وكان موسراً وله تجارة رابحة ، ولم يكن يدع أحداً من بني تميم عائلاً إلا أعطاه ما يكفيه ويكفي عياله ووفى عنه دينه.
(5) ويصف جابر بن عبدالله جود طلحة فيقول: (ما رأيت أحداً أعطى لجزيل مال من غير مسألة من طلحة بن عُبيدالله). وكان من أكثر الناس براً بأهله وبأقربائه فكان يعولهم جميعاً على كثرتهم ، وكان يزوج أولادهم.
(6) وتصدق بمائة ألف وهو محتاج إلى ثوب يذهب به إلى المسجد ، فلم يشتري قميصاً.
(7) وعن الحسن البصرى قال: باع طلحة أرضاً له بسبعمائة ألف فبات ذلك المال عنده ليلة فبات أرقاً من مخافة ذلك المال ، فلما أصبح الصبح فرقه كله.
(8) وعن جابر – رضي الله عنه – قال: أنهزم الناس عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم أُحد وبقى معه أحد عشر رجلاً من الأنصار – فلحقهم المشركون. فقال النبى: (ألا أحد لهؤلاء؟). فقال طلحة: أنا يارسول الله ، فقال: (كما أنت ياطلحة). فقال رجل من الأنصار: فأنا يارسول الله. فقاتل عنه ، وصعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن بقى معه ، ثم قتل الأنصارى ، فلحقوه فقال: (ألا رجل لهؤلاء؟). فقال طلحة: أنا يارسول الله. فقال رسول الله: (كما أنت ياطلحة). فقال رجل من الأنصار: فأنا يارسول الله. فلم يزل يقول مثل قوله الأول ، ويقول طلحة: أنا يارسول الله ، حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما. فقال رسول الله: (من لهؤلاء؟). فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله ، وقالوا: لقد صد عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أربعين رمية رمح حتى شُلت يداه وقطع أصبعه.
(9) قتل طلحة – رضي الله عنه – يوم الجمل (موقعة الجمل) سنة 36 هـ ، ودفن بالبصرة ، رضى الله عنه وأرضاه.
سادساً: من المبشرين بالجنة الزبير بن العوام:
(1) الزبير بن العوام بن خويلد الأسدى القرشي ، يكني أباعبدالله ، أمه صفية بنت عبدالمطلب عمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبن أخى خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها.
(2) أسلم الزبير قديماً في اوائل الإسلام ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وكان إسلامه بعد إسلام أبي بكر.
(3) وكان عم الزبير يعلقه في حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول: أرجع إلى الكفر ، فيقول الزبير: لا أكفر أبداً.
(4) وهو أحد الستة أصحاب الشورى الذى جعل عمر بن الخطاب الخلافة في أحدهم.
(5) هاجر الهجرتين وهو أول من سل سيفاً في سبيل الله ، في الأيام الأولى للإسلام ، فقد سرت إشاعة أن رسول الله قد قُتل ، فما كان من الزبير إلا أن أستل سيفه ، وسار في شوارع مكة ليتبين الخير ، معتزماً إن هو وجد الخبر صحيحاً أن يُعمل سيفه في رقاب قريش كلها حتى يقتلهم أو يقتلوه ، وفي أعلى مكة لقيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم فقال له: (ما لك يازبير؟). فأخبره ، فصلى عليه رسول الله ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب.
(6) قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي حوارياً ، وحواريي الزبير).
(7) شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله ، وشهد فتح مصر وكان يقاتل يوم بدر وعليه عُمامة صفراء ، فنزلت الملائكة تقاتل مع المسلمين وعليهم عمائم صفر على شكل وهيئة الزبير – رضي الله عنه.
(8) وكان موسراً كثير المتاجر ، خلف أملاكاً كثيرة بيعت بنحو أربعين مليون درهم.
(9) وكان كثير الصدقة وكان له ألف مملوك يؤدون الخراج يتصدق بها.
(10) شهد الزبير يوم معركة الجمل ، وكان على رأس الجيش الذى خرج لقتال علي بن أبي طالب. فلما أبصر به على – رضي الله عنه – وسط الجيش ، ناداه ليخرج إليه ، ثم قال له: نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن بمكان كذا ، فقال لك: (يازبير ، ألا تحب عليا؟). فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي ومن هو على ديني. فقال لك: (يازبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم). قال الزبير: نعم أذكر الآن وكنت قد نسيته ، والله لا أقاتلك. فأنصرف الزبير – رضي الله عنه – عن القتال ، ونزل بوادي السباع ، وقام يصلى فأتاه ابن جُرموز فقتله ، وجاء بسيفه إلى على – رضي الله عنه – فقال على – رضي الله عنه: إن هذا سيف طالما فرج الكرب عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار ، وكان قتله يوم الخميس من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين هجرية.
سابعاً: من المبشرين بالجنة عبدالرحمن بن عوف:
(1) عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف الزُهرى القرشي ، يكنى أبا محمد ، وكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة وقيل عبد عمرو ، فسماه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عبدالرحمن.
(2) ولد بعد عام الفيل بعشر سنين ، وأسلم وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر – رضي الله عنه – الخلافة فيهم من بعده ، وكان من المهاجرين الأولين ، هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة.
(3) آخى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينه وبين سعد بن الربيع الأنصارى.
(4) شهد غزوة بدراً وأُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وثبت يوم أُحد. وجُرح يومئذ إحدى وعشرين جراحة ، وجُرح في رجله فكان يعرج منها.
(5) وصلى النبى – صلى الله عليه وسلم – خلفه في غزوة تبوك ، حيث قال: (لا يقبض نبي حتى يُصلى خلف رجل صالح من أُمته) وصفه بالصلاح.
(6) وكان موسراً وماله من التجارة ، وكان كثير النفقة في سبيل الله ، وكان يقسم أمواله في فقراء المسلمين والمهاجرين وأزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبعث إلى عائشة – رضي الله عنها – بمال ، فقالت: (قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: لاتحنو عليكم من بعدى إلا الصابرون). ثم قالت: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
(7) وعن عروة قال: إن عبدالرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله وعن الزهري أن عبدالرحمن أوصى بألف فرس في سبيل الله.
(8) ولما توفى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال عبدالرحمن لأصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة فيهم: من يُخرج نفسه منها ويختار للمسلمين؟ فلم يجيبوه إلى ذلك ، فقال: أنا أُخرج نفسي من الخلافة وأختار للمسلمين ، قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه: نعم ، أنا أول من رضى ، فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (إنك أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض). وأختار عبدالرحمن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وبايعه.
(9) وكانت وفاته – رضي الله عنه – سنة اثنتين وثلاثين ، ودفن بالبقيع وعمره 75 عاماً (خمسة وسبعين عاماً).
ثامناً: من المبشرين بالجنة سعد بن أبي وقاص:
(1) سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب – بن عبد مناف بن زهره ، أبوه: إسحاق الزهري القرشي ، الصحابي الأمير.
(2) فتح سعد العراق ومدائن كسرى ، وأحد الستة أصحاب الشورى.
(3) وأول من رمى بسهم في الإسلام ، وأول من أراق دماً في سبيل الله.
(4) كان فارساً شجاعاً من أمراء الحرب ، وكان مجاب الدعوة مشهوراً بذلك.
(5) كان من السابقين الأولين ، أسلم بعد أربعة ، وكان عمره لما أسلم سبع عشرة سنة.
(6) وروت عنه ابنته عائشة أنه قال: رأيت في المنام ، قبل أن أُسلم ، كأني في ظلمة ولا أبصر شيئاً إذ أضاء لي قمر فاتبعته ، فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر ، فانظر إلى زيد بن حارثة ، وإلى علي بن أبي طالب وإلى أبي بكر ، وكأني أسألهم: متى أنتهيتم إلى هاهنا؟. قالوا: الساعة.
(7) وبلغني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو إلى الإسلام مستخفياً ، فلقيته في شعب أجياد ، وقد صلى العصر ، فأسلمت فما تقدمني أحد إلا هم.
(8) قال سعد بن وقاص: (كنت رجلاً براً بأمي ، فلما أسلمت قالت: ياسعد ، ما هذا الدين الذى أحدثت؟ لتدعن دينك أو لا أكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي. فقال: (لا تفعلي يا أُمي ، فإني لا أترك ديني ، قال: فمكثت يوماً وليلة لا تأكل ، فأصبحت وقد تعبت ، فقلت: والله لو كانت لك ألف نفس ، فخرجت نفساً نفساً ، ما تركت ديني هذا بشئ. فلما رأت ذلك أكلت وشربت) ، فأنزل الله هذه الآية في سورة لقمان الآية (15):
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
وكان النبى – صلى الله عليه وسلم – يحبه ويباهي به ، قال جابر بن عبدالله: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأقبل سعد فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (هذا خالي فليُرني امرؤ خاله). لأن أم النبى – من بني زهرة فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.
وقد دعا له النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال: (اللهم سدد رميته وأجب دعوته).
قال علي بن أبي طالب: ما سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفدى أحداً بأبويه إلا سعد بن أبي وقاص ، فإني سمعته يقول له يوم أُحد: (ارم سعد فداك أبي وأُمي).
توفى سنة 55 هـ ودفن في البقيع ، وهو آخر العشرة المبشرين بالجنة وفاة رضي الله عنه.
تاسعاً: من المبشرين بالجنة سعيد بن زيد:
(1) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، ابن عم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وصهره على أخته فاطمة ، كان مجاب الدعوة ، ومن ذوى الرأي والبسالة ، ومن السابقين الأولين الذى رضي الله عنهم ورضوا عنه.
(2) كان إسلامه قبل عمر ، وبسبب زوجته (فاطمة) أسلم عمر.
(3) هاجر وشهد أُحداً والمشاهد بعدها ، ولم يكن بالمدينة زمان غزوة بدر وأعطاه النبى – صلى الله عليه وسلم – سهم وأجر.
(4) شهد حصار دمشق وفتحها فولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح.
(5) خاصمته امرأة تدعي أروى بنت أويس أدعت أن سعيد بن زيد أخذ شيئاً من أرضها فأرسل إليه مروان والي المدينة أُناساً يحدثوه في شأنها. فقال: (تروني أظلمها ، وقد سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من ظلم شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين). اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى يعمى بصرها وتجعل قبرها في بئرها. قال: فوالله ما ماتت حتى ذهب بصرها وخرجت تمشي في دارها وهي حذرة فوقعت في بئرها ، وكان قبرها.
(6) مات سعيد بن زيد بالعقيق ، فغسله سعد بن أبي وقاص وكفنه وخرج معه وهو ابن بضع وسبعين سنة ، وقُبر بالمدينة.
عاشراً: أبوعبيدة بن الجراح:
(1) هو عامر بن عبدالله بن الجراح ، أسلم مع عثمان بن مظعون قبل دخول النبى – صلى الله عليه وسلم – دار الأرقم ، وهاجر الهجرتين (الحبشة والمدينة).
(2) وشهد غزوة بدر وأُحد وسائر المشاهد والغزوات مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
(3) وكان له يوم بدر موقفاً مشهوداً إذ جعل أبوه يتصدى له أثناء القتال ، وأبوعبيدة يبعد عنه ، فلما أكثر أبوه من التعرض له قتله أبوعبيدة فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية في سورة المجادلة الآية (22):
(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ).
(4) عُرف أبو عبيدة بأمين الأمة ، سماه بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذى قال: (لكل أُمة أمين وأمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح).
(5) وكان زاهداً مؤثراً للفقر حتى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما ذهب إلى الشام ورأى عيش أبي عبيدة وما هو عليه من شدة العيش وهو الأمير قال عمر: (كلنا غيرته الدنيا غيرك يا أبا عبيدة).
(6) عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه قال لأصحابه: تمنوا، فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم فأنفقها في سبيل الله. فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهباً فأنفقها في سبيل الله ، قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت جوهراً فأنفقه في سبيل الله. قال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فأستعملهم في طاعة الله.
(7) طُعن أبوعبيدة بن الجراح بالأردن – وبها قبره ، فلما وضعوه في لحده وخرجوا فقال معاذ بن جبل: (كنت والله من الذاكرين الله كثيراً ، ومن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً وكنت والله من المخبتين ، المتواضعين ، الذين يرحمون اليتيم والمسكين ويبغضون الخائنين المتكبرين).
(8) وكانت وفاته سنة ثماني عشرة هجرية.
(( والحمدلله رب العالمين ))