بدون عمل الصالحات لا يقبل الإيمان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،

الإيمــان والعمــل

إن الإيمان بالله – تعالى –  وبوحدانيته وبملائكته وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، هو (1) مفتاح السعادة فى الدنيا ، (2) وهو طريق النجاة فى الآخرة – وهذا الإيمان إذا استقر فى القلب ، كان أحب إلى الإنسان من كل شئ فى هذه الحياة.

وفى الحديث الذى رواه عمر بن الخطاب قال حدثنى أبى:  بينما نحنُ عند رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم إذ طلع علينا (1) رجل شديد بياض الثياب ، (2) شديدُ سواد الشعر ، (3) لا يُرى عليه أثر السفر ، (4) ولا يعرفُهُ منا أحد حتى جلس إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فأسند ركبتيه إلى رُكبتيه ووضع كفيه على فخديه وقال: يا محمد أخبرنى عن الإسلام ، فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (الإسلامُ أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسُول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصُوم رمضان وتحجُ البيت إن استطعت إليه سبيلاً) قال: صدقت ، فأخبرنى عن الإيمان.  فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسُله، واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره).

الإيمان قول وعمل – وهو التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالجوارح.. الإقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح.

إذا أقر (اعترف) بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولم يعمل بالفرائض ، لا تسمى مؤمناً أبداً.

الدليل على ذلك:

الآية الكريمة (2) ، (3) فى سورة الأنفال:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3) أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا).

  كيف أعرف نفسى مؤمن؟

          إنما الكاملون فى الإيمان المخلصون فيه – إذا ذكر اسم الله فزعت (الخوف من مقام الله) قلوبهم لمجرد ذكره لماذا؟  (1) استعظاماً لشأنه ، (2) وتهيباً منه جل وعلا ، وإذا تليت عليهم آيات القرآن إزداد تصديقهم ويقينهم بالله.

          (وعلى ربهم يتوكلون) لا يرجون غير الله ولا يرهبون سواه.

بمعـنى:  مقام الخوف من الله – ومقام الزيادة فى الإيمان – ومقام التوكل على الرحمن.

          والذين يُؤدون الصلاة على الوجه الأكمل بخشوعها وفروضها وآدابها.  وينفقون فى طاعة الله مما أعطاهم الله – وهو عام فى الزكاة ونوافل الصدقات (أولئك هُمُ المؤمنون حقا).

          الناس المتصفون بما ذكر من الصفات الحميدة هم المؤمنون إيماناً حقاً لماذا؟  لأنهم جمعوا بين الإيمان وصالح الأعمال.

وقال ابن الخطيب:

(1)ليقرأ هذا الآية ، (2) وليتدبرها كل مؤمن ومؤمنة ، وليعرضها على نفسه (من عظمة الله ومن هيبته يزيدها تصدق ويقين بالله) ، فإن وجدها تنطبق على صفاته فليفرح بما آتاه الله وإن لم يجدها تنطبق على صفاته فيلجأ إلى الرحيم الودود ، وليجأر إلى اللطيف الحميد ، أن يصفى قلبه من الشوائب ومشغولات الدنيا ، فنعم القريب ونعم المجيب ، وليكن هذا بإخلاص قلب وصدق نفس.

          الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص

          والحجة على زيادته ونقصانه ما أورده البخارى من الآيات:

          قوله عز وجل: (ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم).

          قوله عز وجل: (وزدناهم هدى) (ويزداد الذين آمنوا إيماناً).

          قوله عز وجل: (وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً).

          فالإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص.

          إزداد المؤمن من أعمال البر – كان إيمانه أكمل (يزيد الإيمان).

          فمتى نقصت أعمال البر  ـــــ   نقص كمال الإيمان.

الفرق بين الإسلام والإيمان:

إن الإسلام هو الدين الحق الذى أرتضاه الله لعباده ، وأمر الرسول بأن يعلن إستسلامه لله ظاهراً وباطناً ، وانقياده لدين الله.

… الإسلام هو الإستسلام والإنقياد لأوامر الله سبحانه وتعالى.

والله يقول جل وعلا فى سورة آل عمران الآية (19): (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ).

          وهنا أخبر الله جل وعلا بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، فمن لقى الله بعد بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم – بدين على غير شريعته فليس بمتقبل منه.

          (ورضيت لكم الإسلام ديناً)  الآية رقم (3) سورة المائدة.

          ومن نعم الله علينا أن رضى لنا بالإسلام ديناً حيث بعث رسوله به وأنزل كتابه فيه فبين عقائده وشرائعه فأبعدنا عن الأديان الباطلة كاليهودية والنصرانية والمجوسية.

          … إختار الله لنا الإسلام ديناً من بين الأديان.

          …  كل دين غير الإسلام باطل ومرفوض.

          هذا الإسلام رضاه الله لكم فارضوه أنتم لأنفسكم  لماذا؟  (1)  فإنه الدين الذى أحبه الله ورضيه ، (2) وبعث به أفضل الرسل الكرام ، (3) وأنزل به أشرف الكتب.

الإسـلام:  الإقرار باللسان (أعترف وأشهد بأنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله).

الإيمـانالإيمان فى اللغة:  هو التصديق –  (2) الإيمان فى الشرع: هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان.  وهى الفرائض:  مثل الصلاة – الحج – الصيام – وأى عمل صالح ، وقد يزول الإيمان عن الإنسان (ويبقى مسلم فقط) مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم:  (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن) (ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)

وصدق الله إذ يقول فى سورة البقرة الآية (165):

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ).

بمعــنى:

          ومن الناس من تبلغ بهم الجهالة أن يتخذ من غير الله أنداداً أى رؤساء – وأصناماً – المنصب (الكرسى) يعظمونهم ويخضعون لهم كحب المؤمنين لله – الله لا إله إلا هو ولا ضد له ولا ند ولا شريك معه.

          وفى الصحيحين عن عبدالله بن مسعود – رضى الله عنه قال:  قلت: يارسول الله أى الذنب أعظم؟  قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك).

          (والذين ءامنوا أشدُ حباً لله) حب المؤمنين لله أشدُ من حب المشركين للأنداد – لماذا؟  (1) لحبهم لله وتمام معرفتهم به ، (2) وتوقيرهم ، (3) وتوحيدهم له لا يشركون به شيئاً ، (4) بل يعبدونه وحده ، (5) ويتوكلون عليه ، (6) ويلجأون فى جميع أمورهم إليه.

          ثم توعد الله سبحانه وتعالى المشركين به الظالمين لأنفسهم.

          لو عاينوا ورأوا العذاب ما لا يوصف من الهول والفظاعة لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعاً ، أن الحكم له وحده لا شريك له وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه ، لو يعلموا ما يحل بهم من الأمر الفظيع لانتهوا عما هم فيه من الضلال.

(2) والمتدبر للقرآن الكريم:

          يرى أن الحديث عن الإيمان الصادق – يقترن به الحديث عن العمل الصالح فى عشرات الآيات ، وذلك لأنه إذا كان الإيمان هو بمثابة الشجرة الطيبة فإن العمل الصالح (1)هو ثمارها النافعة ، (2) وهو أغصانها الوارقة ، (3) وهو ظلها الظليل ، (4) وهو فروعها التى يستفيد الناس منها.

          ولقد بين لنا القرآن الكريم ، وبينت لنا السنة النبوية المطهرة ، ألواناً من البشارات التى بشر الله – تعالى بها ، أولئك الأخيار الأطهار الذين جمعوا فى حياتهم بين الإيمان الخالص لوجه الله تعالى – وهو عبارة عن إفراده – عز وجل – بالعبادة والطاعة ، وبين القول الطيب والعمل الصالح ، الذى ينفع صاحبه وينفع غيره

          فتارة يبشر القرآن الكريم من آمن وعمل صالحاً بالجنات التى فيها ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

أولاًأول بشرة للمؤمنين والمؤمنات:

قوله تعالى فى سورة البقرة الآية (25):

(وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

بمعــنى:

(1)           بشر يا محمد المؤمنين المتقين ، الذين كانوا فى الدنيا مُحسنين ، والذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح بأن لهم حدائق وبساتين ذات أشجار ومساكن – تجرى من تحت قصورها ومساكنها أنهار الجنة.

(2)          فف   (أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى) سورة محمد الآية (15).

غير آسن:  غير متغير ولا مُنتن لطول مكثه.

لم يتغير طعمه:  بحموضة ولم يصر قارصاً ولم يتغير ريحه.

عسل مُصفى:  منقى من جميع الشوائب (الشمع وفضلات النحل).

خمر لذة للشاربين:  هى لذة لمن يشربها وسبب لذاتها أنها غير مسكره ولا ريح غير طيبة لها.

          (كلما رُزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا)

          كلما أعطوا عطاءً ورزُقوا رزقاً من ثمار الجنة.  (قال المفسرون):  إن أهل الجنة يرزقون من ثمارها – تأتيهم به الملائكة – فإذا قُدم لهم مرة ثانية قالوا:  هذا الذى أتيتمونا به من قبل – فتقول الملائكة:  كُل يا عبدالله فاللونُ واحدُ والطعم مختلف (وأُتوا به متشابها) أى متشابها فى الشكل والمنظر واللون ، لا فى الطعم.

          قال ابن عباس – رضى الله عنه:  (لا يشبه شئ مما فى الجنة ما فى الدنيا إلا فى الأسماء).

وفى رواية حديث:

          (ليس فى الدنيا مما فى الجنة إلا الأسمآء).

          (ولهم فيها أزواج مُطهرةُ).

          لهم فى الجنة زوجات من الحور مطهرات من الأقذار (الحيض والنفاس – الغائط والبول – النخام – وورد أن نسآء الدنيا المؤمنات يكن يوم القيامة أجمل من الحور العين كما قال تعالى: 

(إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء(35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا(36) عُرُبًا أَتْرَابًا) سورة الواقعة(37).

          عُرباً:  مُتحببات إلى أزواجهن – وفى سن واحد – 33 سنة.

          (وهم فيها خالدون) دائمون – وهذا هو تمام السعادة.  ما الذى ينقص سعادتنا؟

          ذكرنا للموت وترك الأولاد والزوج والمال والعربية والبيت ، ومن زوال العيشة الهنية التى هو فيه خائف من بكرة.  فإنهم مع هذا النعيم فى مقام أمين (من إيه؟) من الموت ، وزوال هذا النعيم ، ولا انقضاء بل فى نعيم سرمدى أبدى على الدوام….

          (اللهم احشرنا فى زمرتهم إنك جواد كريم بر رحيم).

(2)وتارة يبشرهم الله عز وجل بالأجر الجزيل ، وبالثواب العظيم وبالعطاء الجليل ، نرى ذلك فى قوله تعالى سورة البقرة الآية (277):

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).

بمعـــنى:

          وعملوا الصالحات التى من جملتها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، لهم ثوابهم الكامل فى الجنة ، ولا يخافون يوم الفزع الأكبر ولا يحزنون على ما فاتهم فى الدنيا.

          …  لهم أجرهم العظيم عند خالقهم ورازقهم ، ولا خوف عليهم من المستقبل ولا هم يحزنون على ما قاموا به من أقوال وأعمال فى حياتهم السالفة.

          (ولا يحزنون على ما فاتهم فى الدنيا).

(3)وتارة يبشر القرآن المؤمنين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، بالزيادة من فضله وبإعطائهم ما يسعدهم دون نقصان.

          نرى ذلك فى قوله سبحانه تعالى سورة آل عمران الآية (57):

(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

يمعــــنى:

          يعطى الله أجور إيمانهم وصالح أعمالهم فى الدنيا نصراً وتمكيناً ، وفى الآخرة جنات ونعيماً ، والله عز وجل لا يحب الظالمين فكيف يظلم عباده إذ جازاهم بأعمالهم؟  إنه لا يظلم أحداً من عباده مؤمنهم وكافرهم مثقال ذرة بل يجزى بعدله ويرحم بفضله.

          وقوله تعالى فى سورة النسآء الآية (173):

          (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ).

          الذين آمنوا بألوهيته تعالى وحده وعبدوه وحده بما شرع لهم من أنواع العبادات وهى الأعمال الصالحة فهؤلاء يوفيهم أجورهم كاملة ويزيدهم من فضله الحسنة بعشرة أمثالها وقد يضاعف إلى سبعمائة ضعف.

          وإعطائهم ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

(4)وتارة يبشر سبحانه من آمن وعمل صالحاً ، بالهداية التى تجعل صاحبها يعيش فى أمان وإطمئنان وفى سعادة تملأ بها حياته.

          كما فى قوله تعالى فى سورة يونس الآية (9) ، (10):

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(10).

بمعــــنى:

          يهديهم ربهم إلى طريق الجنة (1) بسبب إيمانهم – تجرى الأنهار من تحت قصورهم أو من تحت أسرتهم وهم مقيمون فى جنات النعيم.

          ونعيم الجنة (1) روحانى ، (2) وجسمانى ، فالجسمانى يحصلون عليه بقولهم: سبحانك اللهم فإذا قال أحدهم هذه الجملة (سبحانك اللهم) حضر لديه كل مُشتهى له.  والروحانى يحصلون عليه بسلام الله تعالى عليهم وملائكته.

          وفى الحديث:  (يُلهمُون التسبيح والتحميد كما تُلهمُون النفس).

          وإذا فرغوا من المآكل والمشارب قالوا:  الحمدلله رب العالمين.

          …  سبحانك اللهم =  صيغة طلبهم ، والتحية:  السلام –  وآخر دعواهم أن الحمدلله رب العالمين.

          … هذا إخبار عن حال السعداء الذين ءامنوا بالله وصدقوا المرسلين وامتثلوا ما أمروا به فعملوا الصالحات ، بأنه سيهديهم بإيمانهم ، أى بسبب إيمانهم فى الدنيا يهديهم الله يوم القيامة على الصراط المستقيم حتى يجوزوه ويخلصوا إلى الجنة – يكون لهم نوراً يمشون به كما قال مجاهد – وقال جُريج:  يمثل له عمله فى صورة حسنة إذا قام من قبره يبشره بين يديه حتى يدخله الجنة.  (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام).

          قال ابن جُريج:  أنه إذا مر بهم الطير يشتهونه قالوا:  سبحانك اللهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه ، فيسلم عليهم فيردون عليه – فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ، (وآخر دعواهم أن الحمدُلله رب العالمين).

          وفيه دلالة على أنه تعالى هو المحمود أبداًالمعبود على طول المدى.  ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه – وفى ابتداء كتابه – وعند ابتداء تنزيله.

          (الحمدلله الذى أنزل على عبده الكتاب) (الحمدلله الذى خلق السموات والأرض) وأنه المحمود فى الأولى والآخرة فى جميع الأحوال.

(5)وتارة أخرى يبشر القرآن هؤلاء الأصفياء الذين ءامنوا وعملوا الصالحات حيث يقول فى سورة الرعد الآية (29):

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)

بمعــــنى:

          للمؤمنين الذين عملوا الصالحات فى الدنيا لهم فرج وقرة عين – طوبى لهم لى الجنة – وروى ابن جرير قال: طوبى شجرة فى الجنة كل شجر الجنة منها أعضائها وهذا ما رواه غير واحد من السلف أن طوبى شجرة فى الجنة فى كل دار منها غصن منها – وذكر بعضهم أن الرحمن تبارك وتعالى (1) غرسها بيده ، (2) وأمرها أن تمتد – فامتدت إلى حيث يشآء الله تبارك وتعالى.  وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة من عسل وخمر ومآء ولبن.

          وروى البخارى ومسلم عن سهل بن سعد – رضى الله عنه ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها).

(6)وتارة يخبرنا القرآن الكريم بأن من آمن وعمل صالحاً ، لن يضيع الله تعالى ثوابه، (2) ولن يحبط عمله ، حيث يقول سبحانه فى سورة الكهف الآية (30):

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا).

          الله لايضيع ثواب من أحسن عمله وأخلص فيه بل يزيده وينميه ، لهم جنات عدن – والعدن الإقامة – وتجرى من تحت غرفهم ومنازلهم أنهار الجنة – ويُحلون فى الجنة بأساور الذهب.

قال المفسرون:  ليس أحد من أهل الجنة إلا وفى يده أساور:  سوار من ذهب ، وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ لأن الله تعالى قال:  (وحلوا أساور من فضة) قال: (ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير).

وفى الحديث(تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)

          عن أبى هريرة – رضى الله عنه قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  إنهم يلبسون من الحلى أساور من ذهب ويلبسون من الثياب السندس وهو ما رق من الديباج والإستبرق وهو ما غلظ فيه وثخُن (تفسير الطبرى) ، متكئين فى الجنة على السرر الذهبية المزينة بالثياب والستور.

          نعم ذلك جزاء المتقين – وحسنت الجنة منزلاً ومقيلاً لهم (إقامة لهم) مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الكهف الآية (31):

(أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا).

          جنات عدن:  جنات إقامة وإستقرار.

(7)وتارة يبشرهم – سبحانه وتعالى – بالعطاء الذى لا ينقطع خيره ، كما فى قوله – عز وجل فى سورة فصلت الآية (8):

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).

          أى لهم ثواب جزيل وعطاء جليل ، لا ينقطع خيره ، إنما هو دائم مستمر.

          غير ممنون:  غير منقطع عنهم إنما هو دائم مستمر بدوام الجنة.

(8)وتارة يبشرهم بتكفير سيئاتهم وبإصلاح أحوالهم ، كما قال سبحانه وتعالى فى سورة محمد الآية (2):

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)

          (وءامنوا بما نُزل على محمد) هذا شرط فى صحة الإيمان بعد بعثته – صلى الله عليه وسلم ، وصدقوا أيضاً بما أُنزل على رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – تصديقاً جازماً لا يخالجه شك ولا ارتياب – ماذا تفعل لهم؟

          أزال ومحا عنهم (1) ما مضى من الذنوب والأوزار ، (2) وأصلح شأنهم وحالهم فى دينهم ودنياهم.

(9)وتارة يبشرهم سبحانه وتعالى بأنهم خير البشر ، مصداقاً لقوله تعالى فى سورة البينة الآية (7):

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)

          وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة لقوله تعالى: (هم خيرُ البرية).

          حيث قال أبو هريرة – رضى الله عنه: (المؤمن أكرم على الله عز وجل من بعض الملائكة الذين عنده).

          وبذلك يكونوا خير الخليقة التى خلقها الله وبرأها.

          البرية:  بمعنى:  الخلائق أو البشر – خير الناس.

(1)           أُولئك هم أفضل البشر – وأعلى الناس منزلة.

(2)           أن جزاء من ءامن (1) بالله ، (2) ورسوله ، (3) وعمل بالدين الإسلامى فأدى الفرائض ، (4) وأجتنب النواهى ، (5) وسابق فى الخيرات والصالحات هؤلاء هم خير البشر.

( والحمدلله رب العالمين )

 

 

اترك تعليقاً