تفسير سورة ق 15 : 30

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14).

          كذب قبل هؤلاء الكفار قوم نوح (أول أمة كذبت) وأصحاب الرس (أصحاب البئر) وهم بقية من ثمود دسوا نبيهم في البئر.

          وثموداً وهم قوم صالح ، وعاداً وهم قوم هود وفرعون موسى وقوم لوط ، سماهم إخوانه لأنه صاهرهم وتزوج منهم (وأصحاب الأيكة) وهم أصحاب الشجر الكثير الملتف وهم قوم شعيب (قوم تُبع) هو ملك كان باليمن وهم سبأ حيث أهلكهم الله عز وجل وخرب بلادهم وشردهم في البلاد وفرقهم.

          فحق عليهم من أوعدهم الله تعالى على التكذيب من العذاب والنكال ، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم.

          القصد من هذه الآيات أن هذا المنهج الذى جآء به الأنبياء من حاد عنه لقى العذاب الأليم.

الشئ النظري.

          أن هذا حلال وهذا حرام ، وأن هذا حق وهذا باطل ، وأن الذى يفعل ما أُمر به يلقى أحسن الجزاء ، وأن الذى يقترف ما نهى الله عنه ينال أسوأ الجزاء.

          (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15).

          خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم (الخلق الأول) والذى خلقه أول مرة قادر على

أن يعيده في المرة الثانية.  أفعجزنا عن ابتداء الخلق حتى نعجز عن إعادتهم بعد الموت.  الإعادة أسهل منه فيكيف يتُوهم عجزنا عن البعث والإعادة؟

          وقد تقدم في الصحيح:  (يقول الله تعالى:  يؤذيني ابن آدم.  يقول:  لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته).

          (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16).

          الوسوسة حيث النفس ، وتسمى خواطر ، فالإنسان له حالتان:

(1)            حالة يتكلم بها مع الآخرين.

(2)            وحالة يصمت بها ، وهو صامت. هناك نشاط ذاتي ، هناك حديث ، وأخذ ورد ، وسؤال وجواب ، وإقتراح ورفض ، ورغبة ورهبة وخوف ، حديث النفس لا ينقطع.

كل شئ تبطنه يعلمه الله عز وجل ، بل إن الله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى ، يعلم ما أسررته في نفسك وأخفيته عن الخلق ، ويعلم ما خفى عنك ، مصداقاً لقول الإمام علي كرم الله وجهه:

(علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلما ما لم يكن لو كان كيف كان يكون).

ونحن أقرب إليه من حبل وريده، وهو عرق كبير في العنق متصل بالقلب ويغزي الدماغ.

حبل الوريد يتوقف عليه حياة الإنسان ، وهو جزء منه ، وهو شئ إليه ، الله جل جلاله أقرب إلى هذا الإنسان بعلمه ، أقرب بقدرته من حبل الوريد.

إن كل خواطرك مكشوفة عند الله ، وإن حديث النفس يعلمه الله إن النوايا يعلمها الله ، وكل تطلعاتك ظاهرة معلومة عند الله ، فهذا كله يعلمه الله عندئذ ستستقيم.

إذا علمت أن الله لا تخفى عليه خافية ، يعلم السر وأخفى.

مثال:  إجلس بين قوم وأسكت ، هل يستطيع أحد مهما أوتى من الذكاء والخبرة والفراسة والعلم وقوة الشخصية أن يعلم ماذا يدور في ذهنك؟ أبداً ، قد تبتسم ، وفي الداخل تبكى ، قد تمدحه

بلسانك وفي الداخل تلعنه.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة الملك الآية (14):

          (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

          إذا أيقنت أيها الإنسان أن الله يعلم ، وأنت في قبضته وسيحاسبك ، يستحيل أن تُعصيه.

          يقول الله تعالى في حديثه القدسي:

          (عبدي طهرت منظر الخلق سنين أفلا ظهرت منظري ساعة).

          منظر الله هو القلب ، لا تجعل الله أهون الناظرين إليك.  الله ينظر إلى قلبك.  مصداقا لقوله تعالى في سورة الشعراء الآية (88 ، 89):

          (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89).

          إذا نظر الله إلى قلبك فإن كان في قلبك السلامة والتواضع والعبودية ، ومحبة الخلق ، ورغبتك في خدمتهم وهدايتهم والأخذ بيدهم فهنيئاً لك.

          وأما إذا نظر الله إلى قلبك فإذا كان فيه الحقد والحسد والضغينة والعداوة ، والبغضاء والنيات الخبيثة والرغبة فى أن تزول النعم عن الخلق ، وأن تأتي إليك فالويل كل الويل لهذا الإنسان.

          (ومن أسر سريرةُ ألبسه الله إياها).

          ويتلقى فيه الملكان المتلقيان سائر أقواله وأعماله ويحفظانها – ملك عن يمينه يكتب الحسنات ، وملك عن شماله يكتب السيئات ، قال مجاهد:

          وكل الله بالإنسان – مع علمه بأحواله – ملكين بالليل وملكين بالنهار – يحفظان عمله ويكتبان أثره إلزاماً للحجة.

 

 

مصداقاً لقوله تعالى:

          (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18).

          المتلقيان المكان ، أنت حينما تصلى تقول:  السلام عليكم ورحمة الله يمنة ، السلام عليكم ورحمة الله يسره ، إنك تسلم على الملكين الذين أوكلهما الله بكتابة الحسنات والسيئات ، لماذا سُميا بذلك؟

          لأنهما يتلقيان أعمال الإنسان الخبرة والشريرة ، والله أعلم بأعماله من الملكين الموكلين بكتابة أعماله.

          (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18).

          ما يقول الإنسان إلا لديه رقيب عتيد – رقيب حافظ / عتيد حاضر لا يفارقانه مدى الحياة إلا أنهما يتناوبان ملكان بالنهار وملكان بالليل ويجتمعون في صلاتي الصبح والعصر.

          لو أن إنسان روقب في كلامه وفي حركاته ، وفي غدواته وروحاته لوجدت منه العجب العجاب في الإنضباط يقول لك:  أنا مراقب ، فكيف الذى يراقبك قيوم السموات والأرض؟

مثال1:  قالت عائشة:  يارسول الله إنها قصيرة ، تصف ضرتها صفية قال:  (ياعائشة لقد قلت كلمة لو مُزجت بمآء البحر لأفسدته).

          ما يلفظ: يتكلم ، أي كلمة تخرج من فمك ، حتى أن بعض المفسرين قال:  إن أنين المريض يُسجل عليه.

          رقيب:  حافظ – عتيد:  حاضر معد للكتابة.

          نجد معظم المسلمين لا يدخلون هذا في حساباتهم اليومية ، وهو يتكلم ، وهو يمزح وهو يقسم بالله أن هذه السلعة لا يبيعها إلا بأقل من رأسمالها ، والحقيقة ليست كذلك ، أنه مسجل عليه.

مثال:  أنت خالفت ، كنت في هذا الطريق في الساعة الفلانية السرعة زائدة عن المقرر ، تقول:  لم أكن في هذا الطريق.  فتبرز له صورة سيارته وسرعتها والوقت والزمان وكل شئ فما قول هذا الإنسان يوم القيامة إذا عُرضت عليه أعماله كأنه يراها حية كما وقعت؟

          مصداقاً لقوله تعالى:

          (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)

          ورد في الحديث أن (ملك اليمين أمير على ملك الشمال).

بمعنى:  أن الإنسان إذا فعل حسنة سارع ملك اليمين فيكتبها له عشر حسنات ، وأما إذا إقترف سيئة فملك اليمين يأمر ملك الشمال أن يتريث سبع ساعات فلعله يستغفر ، فلعله يتوب ، فلعله يندم ، لا تكتب إلا بعد أن يصر.  وهذا معنى قوله تعالى:

          (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت).

          (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19).

          الإنسان يستمع في حياته الدنيا إلى خطب في المساجد ، إلى دروس تفسير ، مواعظ ، يقرأ كتباً ، يستمع إلى أشرطة ، كلها معلومات ، هذه آيات ، وأحاديث ، وأدلة وأقوال علماء ، وفكرة عن الجنة والنار ولكن حينما يموت فكل هذا الى سمعه يراه رأي العين.

          يقول الإنسان عند الموت:

          (رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) سورة المؤمنين.

(2)                        في سورة المنافقون الآية (10 ، 11):

          (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11).

(3)                        الإنسان عند الموت:  (يا ليتني قدمت لحياتي) الفجر.

(4)                        الإنسان عند الموت:  (يا ليتني إتخذتُ مع الرسول سبيلاً).

(5)                        الإنسان عند الموت: (يا ويلتي ليتين لم أتخذ فلاناً خليلاً). الفرقان.

(6)                        الإنسان عند الموت:  (ويوم يعض الظالم على يديه)  الفرقان (27).

هذا كله عند الموت لماذا؟

          لأنه رأى الحقيقة ، رآها رأي العين ، كانت خبراً وعلم يقيناً ، ثم أصبحت عين اليقين ، وحق اليقين.

          حديث رواه ابن عباس: (اغتنم خمساً قبل خمس:  شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وحياتك قبل موتك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك)  الحاكم.

الموت:    أنت لا تملك إلا الساعة التى أنت فيها ، الماضي لا يعود والمستقبل لا تملكه ، الموت سريع ، يخطف الناس خطفاً خلال ثانية ، يكون شخص ملء السمع والبصر فإذا هو كلمات على الجدران ، المرحوم فلان الشاب والشابة أثر حادث آليم ، أثر نوبة قلبية ، ألا ترون هذا كل يوم وأعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا.

          (ذلك ما كنت منه تحيد).

تحيد:  تهرب وتفزع.

مثال1:  رجل عاص ، فلما مرض مرضاً عُضالاً ، صارت تأتيه نوبات هستيرية كل ربع ساعة ويقول:  لا أريد أن أموت ، ثم حينما جاءه ملك الموت صاح صيحة إلا وسمع جيرانه صيحته من الذعر الذى أصابه.

مثال2:  المؤمن الذى عمله طيب وفق منهج الله لا يخيفه الموت ، يقول:  مرحباً بلقاء الله.

          إن الله سبحانه وتعالى يكرم عبده المؤمن بأن يأتيه ملك الموت بصورة أحب الناس إليه على الإطلاق.

          هناك ناس وهو على فراش الموت يقول:  هذا عمكم قد جآء ، إن عمهم هذا قد مات منذ سنوات عديدة.

          المؤمن حينما يرى مقامه في الجنة يقول:

          لم أرى شراً قط ، رغم ما ساقه الله له في الدنيا من متاعب.

مفارقة عجيبة:    الإنسان حينما يولد كل من حوله يضحك فرحاً به لكنه يبكى وحده ، أما حينما يموت كل من حوله يبكي ، فإذا كان بطلاً فهو وحده الذى يضحك.

          (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20).

          نفخ إسرافيل في الصور (القرن) الذى قد ألتقمه وجعله فى فيه من يوم بعث النبى – صلى الله عليه وسلم – وهو ينتظر متى يؤمر فينفخ فيه نفخة الفناء ثم نفخه البعث وهو يوم الوعيد بالعذاب للكافرين.

          (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21).

          وجآء كل إنسان براً كان أو فاجراً ومعه ملكان:  أحدهما يسوقه إلى أرض المحشر والآخر يشهد عليه بعمله.  قال ابن عباس:

          السائق من الملائكة ، والشهيد من أنفسهم وهى الأيدى والأرجل (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون).

          قال مجاهد:  السائق والشهيد ملكان ، ملك يسوقه وملك يشهد عليه – هذا الرأي هو الصواب لأنه الظاهر من الآية ، وهو أرجح التأويلات أنهما الملكان الموكلان بحفظ أعماله.

          (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا)(22).

          أخطر مرض على الإطلاق عند الناس في دنياهم ورم خبيث لكن أخطر مرض على الإطلاق بالنسبة لآخرتهم مرض الغفلة عن الله ، لهم قلوب لا يعقلون بها ، ولهم أعين لا يبصرون بها.  الغفلة غطاء.

          إنسان جالس في بيت تحت الأرض ، ولكن خارج البيت شمس ، ومروج خضراء ، وبساتين وجبال وأطيار ، وهو في هذا القبو في رطوبة وظلام هذه هي الغفلة ، يعيش في شهوات ، تفكيره محدود – قيمة مهزوزة ، مطالبة مادية.

          (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

          فأزل الله عنك الحجاب الذى كان على قلبك وسمعك وبصرك في الدنيا – فبصرك اليوم قوى نافذ ، ترى به ما كان محجوباً عنك.

بمعنى:  فبصرك اليوم حديد (حاد تدرك به وتبصر ما كنت تكفر به في الدنيا وتنكره).

          النبى – صلى الله عليه وسلم – سأل أحد أصحابه قال له:  (كيف أصبحت؟) قال له:  (أصبحت وكأني بعرض ربي بارزاً ، وكاني بأهل الجنة يتنعمون وبأهل النار يتصايحون) قال النبى:  (عبد نور الله قلبه عرفت فالزم).

          (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ)(23).

          وقال الملك الذى وكل به:  هذا الذى وكلتني به من بني آدم قد أحضرته وأحضرت ديوان عمله.   عتيد:  حاضر.

          (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)(24).

          يقول الله تعالى للملكين (السائق والشهيد) اقذفا في جهنم كل كافر معاند للحق لا يؤمن بيوم الحساب – هو الذى جحد لما يجب الإيمان به والتصديق من سائر أركان الإيمان الستة.

          (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ)(25).

          الصفة الثانية لدخوله جهنم عنيد والعنيد التارك لكل ما وجب مبالغ في المنع لكل حق واجب عليه في ماله وأيضاً هو ظالم غاشم شاك في الدين.

معتد:  أي على حدود الشرع معتد على الناس ظالم لهم يأكل حقوقهم وآذيتهم في أعراضهم وأموالهم وأبدانهم.

مريب:   الصفة الخامسة أي شاك لا يعرف التصديق بشئ من أمور الدين فهو جامع لكل أنواع الكفر.

          الخبر المطلق في الدين ، يصد الناس عن دين الله أو فعل الخير كل حياته شك ليس عنده يقين ، بل صفاته عدوان – على ارتياب على منع للخير ، على كفر ، على عناد.

          (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ).(26)

          الذى أشرك بالله ولم يؤمن بوحدانيته.

          وهذا وصف سادس للذين يدخلون جهنم وهو أسوأ تلك الصفات وهو اتخاذه إلهاً آخر يعبده دون الله تعالى:

          (فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ).

          هذا أمر آخر أكد به الأمر الأول وهو ألقيا في جهنم كل كفار عنيد.

          (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27).

          قال قرينه وهو الشيطان المقيض له ربنا ما أضللتُه – ولكن كان بعيد عن الحق وكان طاغياً بإختياره وإنما دعوته فأستجاب لي ، كأن الكافر قال يارب إن شيطاني هو الذى أضغاني فيقول قرينه:  ربنا ما أطغيتُه بل كان هو نفسه ضالاً معانداً للحق فأعنته عليه.

          الشيطان لا سلطان له على الإنسان بنص القرآن الكريم مصداقاً لقوله تعالى في سورة إبراهيم الآية (22):

          (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ).

          (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28).

          ليس هذا الوقت وقت اختصام ، أن الإختصام لا يجدى ، كل شئ قد انتهى.

          هنا يقول الله عز وجل للكافرين وقرنائهم من الشياطين:  لا تتخاصموا هنا فما ينفع الخصام والجدال ، وقد سبق أن أنذرتكم على ألسنة الرسل بعذابي ، وحذرتكم شديد عقابي ، فلم تنفعكم الآيات والنذر.  وهي من كفر بالله وأشرك به وعصى رسله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا.

          (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29).

          مايغير كلامي ، ولا يُبدل حكمى بعقاب الكفرة المجرمين إذ سبق قوله لإبليس عندما أخرج آدم من الجنة بوسواسه لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين.

          فهذا القول الإلهي لا يبدل ولا يقدر أحد على تبديله وتغييره.

          وقيل أن قول الله عز وجل فى سورة الأنعام الآية (160):

          (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا).

          (وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29).

          نفى الله تعالى الظلم عن نفسه والظلم هو أن يعذب مطيعاً ، أو يدخل الجنة كافراً عاصياً.

          لستُ أعذب أحداً بذنب أحد ، ولكن لا أعذب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.

          (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30).

          وفى صحيح مسلم والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك عن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال:  (لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضُها إلى بعض).

          أذكر ذلك اليوم الرهيب يوم يقول الله تعالى لجهنم:  هل امتلأت ، وتقول هل هناك من زيادة؟

          وقد أخبر القرآن الكريم أن نملة تكلمت ، وأن كل شئ يسبح بحمد الله ، وورد في صحيح مسلم أن المسلمين في آخر الزمان يقاتلون اليهود ، حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فينطق الله الشجر والحجر.

          وقيل: إن الآية على التمثيل وأنها تصوير لسعة جهنم وتباعد أقطارها بحيث لو ألقى فيها جميع الكفرة والمجرمين فإنها تتسع لهم.

(والحمدلله رب العالمين)

اترك تعليقاً