حد السرقة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي خاتم النبين وعلي آله وصحبه وسلم

أما بعد ،

 

 فموضوع السرقة في الشرع الإسلامي

يقول الله تعالي في سورة المائدة 38

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

فالسارق الذي أخذ مالا من حرز خفية يقدر ب 1/4 دينار فأكثر .

السارقة التي اخذت مالا من حرز خفية يقدر ب 1/4 دينار فأكثر .

فأقطعوا أيديهما : أقطعوا من سرق منهما يده من مفصل الرسغ .                                                                                                                                                                                      نكالا : عقوبة تمنع من العود .                                                                                                      

      عقوبة من الله تجعل غيره ينكل أن يسرق .

عزيز : غالب لا يغلب

حكيم : في تدبيره وفضائله.

عقاب كل من السارق والسارقة ، وأمر بقطع أيديهما عند توفر الشروط وبين أن تلك العقوبة جزاء ماكسباه من السرقة ،وعقوبة من الله تعالي لهما لإقدامهما علي هذه الجريمة المنكرة ، وليكون هذا العقاب الصارم عبرة للناس حتي يرتدع أهل البغي والفساد ، ويآمن الناس علي أموالهم وأرواحهم.

ونجد في الآية أن الله عز و جل قدم السارق علي السارقة لماذا لأن الرجل أجرأ .

قال الأصمعي : قرأت هذه الآية وإلي جنبي أعرابي فقلت: ( الله غفور رحيم ) سهوا ، فقال الأعرابي : كلام من هذا ؟ قلت: كلام الله . قال أعد فأعدت : والله غفور رحيم فقال الأعرابي : ليس هذا كلام الله فتنبهت فقلت ( والله عزيز حكيم )

 فقال الأعرابي : أصبت هذاكلام الله فقال الأصمعي : أتقرأ القرآن ؟ فقال : لا فقلت : من أين علمت أني أخطأت ؟ فقال : (ياهذا عز فحكم فقطع ولو غفر لما قطع )

ذكرها الرازي في تفسير ابن الجوزي _

 وهذا يدل علي ذكاء الأعرابي وشدة الترابط والإنسجام بين صدر الآية وآخرها.

متي تقطع يد السارق، وماهي الشروط في حد السرقة؟

السرقة في اللغة : أخذ المال في خفاء وحيلة . السرقة في الشرع : أخذ العاقل البالغ مقدارا مخصوصا من المال خفية من حرز معلوم بدون حق ولا شبهة .

والسارق إنما سمي سارقاً لأنه يأخذ الشئ في خفاء ، واسترق السمع .

 فقطع اليد لا يكون في مطلق السرقة – بل في سرقة شخص معين ، مقدارا معينا من حرز مثله . بهذا ورد الشرع الحنيف

أما العقل والبلوغ فلأن السرقة جناية – وهي لا تتحقق بدون عقل وبلوغ والمجنون والصغير غير مكلفين – والسرقة من الصغير لا تقطع فيها

ماهو المقدار التي تقطع فيها اليد ؟       

اختلف الفقهاء – أبو حنيفة والثوري: لاتقطع إلا في عشرة دراهم فصاعدا وقد استدل أبو حنيفة بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم رواه عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال “( لاتقطع فيما دون عشرة دراهم) “

حجة الحنيفة أيضا : مانقل عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وعطاء أنهم قالوا:

“(لا تقطع إلا في عشرة دراهم)” .

وقال مالك والشافعي لا تقطع إلا في ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم .

حجة المالكيه والشافعية : ماروي عن عائشة رضي الله عنها –أنها قالت “( كان النبي صلي الله عليه سلم”يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا) “

وفي رواية للبخاري وابو داود والنسائي والترمذي

من أين تقطع يد السارق ؟ وقد أجمع الفقهاء علي أن اليد التي تقطع هي اليمني – لقراءة بن مسعود ” فأقطعوا أيمانهم” تقطع من المفصل (مفصل الكف) مفصل الرسغ

حجة الجمهور ماروي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قطع يد السارق من الرسغ.وكذلك ثبت عن

( علي وعمر بن الخطاب) أنهما كانا يقطعان يد السارق من مفصل الرسغ.

وإذا عاد الي السرقة مرة ثانية ؟

إذا عاد إلي السرقة ثانيا قطعت رجله اليسري بإتفاق الفقهاء لما رواه (الدار قطني) عن النبي صلي الله عليه وسلم “( إذا سرق السارق فأقطعوا يده ، ثم إذا عاد فأقطعوا رجله اليسري” ولفعل علي وعمر من قطع يد سارق ثم قطع رجله )– وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليهماأحد فكان ذلك إجماعا .

وأما إذا عاد إلي السرقة ثالثا:

رأي الحنفية والحنابلة: ولكنه يضمن المسروق ويسجن حتي يتوب ويروي أن أبا حنيفة قال : (إني أستحي من الله أن أدعه بلا يد يأكل بها وبلا رجل يمشي عليها . وهذا القول مروي عن (علي) (عمر) وغيرهما من الصحابة .

رأي المالكية والشافعية: إذا سرق المرة الثالثة تقطع يده اليسري إن عادإلي السرقة رابعاً تقطع رجله اليمني .

حكمة التشريع

نعم إن الإسلام شرع عقوبة قطع يد السارق ، وهي عقوبة صارمة ولكنه أمن الناس علي أموالهم وأرواحهم ،وهذه اليد الخائنة التي قطعت إنما هي عضو أشل تأصل فيها الداء والمرض ، وليس من المصلحة أن نتركها حتي يسري المرض إلي جميع الجسد ، ولكن الرحمة أن نبترها ليسلم سائر البدن ، ويد واحدة تقطع كفيلة بردع المجرمين وكف عدوانهم وتأمين الأمن والإستقرار للمجتمع فأين تشريع هؤلاء من تشريع الحكيم العليم ، الذى صان به النفوس والأموال والأرواح . يعيب بعض الغربين علي الشريعة الإسلامية قطع يد السارق ويزعمون أن هذه العقوبة صارمة لا تليق بمجتمع متحضر ويقولون : يكفي في عقوبته السجن ردعا له .

وكان من أثر هذه الفلسفة التي لاتستند على منطق سليم أن زادت الجرائم وكثرت العصابات ، وأصبحت السجون ممتلئة بالمجرمين وقطاع الطريق الذين يهددون الأمن والأستقرار.

 يسرق السارق وهو آمن ومطمئن لايخشي شيئا واللهم إلا ذلك السجن الذي يطعم ويكسي فيه فيقضي مدة العقوبة التي فرضها عليه القانون الوضعي ثم يخرج منه وهو إلي الإجرام أميل وعلى الشر أقدر يؤكد هذا مانقرؤه ونسمعه عن تعدد الجرائم وزيادتها يوما بعد يوم. وذلك لقصور العقل البشري عن الوصول إلي الدواء الناجح والشفاء النافع لمعالجة مثل هذه الأمراض الخطيرة

أما الإسلام فقد استطاع ان يقتلع الشر من جذوره ويد واحدة تقطع كافية لردع المجرمين فياله من تشريع حكيم.

 (والحمد لله رب العالمين)

اترك تعليقاً