حفصة بنت عمر بن الخطاب (أم المؤمنين)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير أهل الأرض أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

      فهى أم المؤمنين العابدة القوامة زوجة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى الجنة كما أخبر 

جبريل وابنة عمر بن الخطاب الخليفة الثانى بعد أبى بكر، وأمها زينب بنت مظعون، أخت الصحابى 

العابد الجليل عبدالله بن عمر.  وقد ورثت عن أبيها من شدة الغيرة وصرامة الخلق، ولدت – رضى الله 

 عنها – وقريش تبنى الكعبة قبل مبعث النبى – صلى الله عليه وسلم – بخمس سنين.  تزوجت خُنيس 

بن حذافة السهمي لم يكن غنياً ولا مشهوراً ولكنه كان ذكى العقل أسلم وحسن إسلامه وهذا الذى رشحه عند عمر ليكون زوجاً لحفصة .

      هاجرت حفصة وزوجها من مكة إلى المدينة المنورة موطن الإسلام وقلعة الإيمان.

شارك زوجها فى غزوة بدر وجاهد جهاد الأبطال ثم أدركته المنية بعد معركة أحد وأصبحت االسيدة

حفصة بعد وفاته أرملة.

وعاشت فى بيت أبيها بأحزانها وهمومها.  وكان عمر – رضى الله عنه – يلمح الحزن فى عينيها،

وقرر عمر أن يعيد السعادة لابنته فكيف السبيل إلى ذلك؟.  سعى عمر إلى أبى بكر، فحدثه عن 

 حفصة ثم عرض عليه أن يتزوجها، وفى يقينه أن أبابكر سيرحب بالشابة التقية، إبنة الرجل الذي

أعز الله الإسلام به، ولكن أبابكر لم يجيب.

وأنصرف عمر وهو لا يكاد يصدق أن صاحبه رفض حفصة.  وسار إلى دار (عثمان بن عفان) 

وكانت زوجته السيدة رقية بنت محمد – صلى الله عليه وسلم – قد مرضت بالحصبة ثم ماتت –

رضى الله عنها – بعد أن تم النصر للمؤمنين.

تحدث عمر إلى عثمان، فعرض عليه حفصة وهو لا يزال يحس مهانة الرفض من أبى بكر، وكان جواب

عثمان أن أستمهله أياماً، ثم قال عثمان: ما أريد أن أتزوج اليوم.

فأغتاظ عمر من قسوة الموقف، ثم أنطلق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو ما يملك 

نفسه من غضب وقهر ثم يشكو صاحبيه… أمثل (حفصة) فى شبابها وتقواها وشرفها، ترفض؟.

فتبسم النبى – صلى الله عليه وسلم وقال: (يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج 

عُثمان من هى خير من حفصة).

ورد عمر بروعة المفاجأة (يتزوج حفصة من هو خير من عثمان؟ هذا شرف لم تصل إليه أمانيه، 

وهذاشرف عظيم لا يدانيه شرف.

لماذا غضب عمر من أبى بكر وعثمان؟  لعدم الرد على رغبته فى تزويج ابنته حفصة لأحدهما، 

لأنهما إخوته فى الإسلام.

الزواج المبارك:

تزوج النبى – صلى الله عليه وسلم – حفصة وعاشت رضى الله عنها فى بيت الرسول مع سودة

وعائشة – رضى الله عنهما – تنعم ببيت النبوة وبهذا الزوج الكريم.

قال أبوبكر لعمر: (لعلك غضب على حين عرضت على حفصة فلم أرد عليك والذى منعنى هو إنى

سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يذكر حفصة، ولم أكن لأفشى سر رسول الله – صلى 

الله عليه وسلم – ولو تركها لتزوجتها) رواه البخارى.

أساليب الغيرة عند النسآء:

جآءت العروس، وفى البيت (سودة، وعائشة) أما (سودة) فرحبت بها راضية، وأما (عائشة) فغاظها أن

فغاظها أن يأتيها زوجها بضُره، وما فعل ذلك مع (خديجة) وضايقها أنها لم تجد فى (حفصة) 

عيب ، فهى من هى شباباً وتقى، وعزة نسب…

وسكتت على مضض وغيرة، إلى أن وفدت على بيت النبى أزواج جديدات، وحاولت أن ترى فى 

حفصة أقرب ضرائرها. واتفقا ووقفت حفصة دون تردد، إلى جانب بنت أبى بكر الصديق.

موقف عمر من هذا التقارب بن حفصة وعائشة:

      كان عمر يراقب ابنته فى قلق إلى أن استبان له ما وراء تقاربهما من ائتمار بالزوجات الأخريات.  

وأخذ عمر ينصح ويحذر (حفصة) أن لا تساير (عائشة) فقال لها: (أين أنت من عائشة، وأين أبوك من أبوها؟). 

أنت لا تصلى إلى مثل حظها من حب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –ولا مكانتها من قلبه.

(يابنية لايغرنك هذه التى حُسنها وحب الرسول إياها، والله لقد علمت أن رسول الله – صلى الله 

عليه وسلم – لا يحبك، ولولا أنا لطلقك) رواه الشيخين فى البخارى ومسلم.

قال لها هذا الكلام عندما علم عمر من زوجته أن ابنته تراجع الرسول – صلى الله عليه وسلم – 

حتى يظل يومه غضبان).

وكان االنبى الكريم – صلى الله عليه وسلم – يرخى لعائشة وحفصة لبنوتهما لأعز صاحبين.

حتى تظاهرتا عليه – صلى الله عليه وسلم، فكان الهجر واعتزاله – صلى الله عليه وسلم –  

نساءه وفى تظاهرهما نزلت آيات التحريم.

سأل عبدالله بن عباس عمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، من اللتان تظاهرتا على النبى –  

صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟.

قال عمر: (حفصة) وعائشة.  مصداقاً لقوله تعالى:

(إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)سورة التحريم الآية (4) 

      يا ترى ما هو السر الذى نبأت به حفصة وكان سبباً فى نزول آيات التحريم؟  من الآية 1:5 (يا أيها النبى لما تحرم ما أحل لك..) (1).

      لقد خلا الرسول بمارية فى بيت حفصة، فغضبت حفصة وقالت للرسول لقد رأيت من كان معك 

ولولا هوانى عليك ما صنعت هذا، ثم بكت وتألم الرسول لألمها، فأخذ يترضاهاحتى هدأت (حفصة)، وسكن قلبها

وقد حرم النبى على نفسه حلالاً (إقتراب مارية) لكنها فى الصباح لم تستطع أن تكتم عن (عائشة) هذا 

السر، وانتهزت عائشة الفرصة لتنال من مارية القبطية، ولم تهدأ عائشة حتى جمعت نسآء النبى فى مظاهرة ثائرة بمارية .

ما الذى جعل عائشة تفعل هذا؟

      لقد كانت عائشة تفعل ذلك مع الرسول – صلى الله عليه وسلم – أملاً أن يخلو لها وحدها لكن 

ذلك كان من المحال لأن الرسول كان يتزوج نسآءه  لحكمة ارادها الله سبحانه وتعالى.

      ولما تمادين زوجات الرسول فى الصخب إلى حد الشطط مستمرئات عطف الرسول رفقه بهنٌ لذلك

اعتزلهن الرسول – صلى الله عليه وسلم – شهراً كاملاً وأعلن فى حزم وتصميم إنه منقطع عنهن.

      وأشيع ان الرسول – صلى الله عليه وسلم – طلق حفصة أو طلق زوجاته جميعاً، ولما سمع عمر 

هذا النبأ قال: (ما يعبأ الله بعمر وابنته ويجعل يحثو التراب على رأسه، بعدها نزل جبريل على النبى – 

صلى الله عليه وسلم وقال: (أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك فى الجنة) (أخرجه أبوداود والنسائى).

الوديعة الغالية (إلى الرفيق الأعلى):

      وظلت (حفصة) بجوار النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى أن لحق الرسول بالرفيق الأعلى.

      عاشت حفصة بعد النبى صائمة قائمة عابدة تبث علم النبوة، وتعلمهم بتعاليم الإسلام إلى أن 

فاضت روحها فى عهد معاوية بن أبى سفيان، مؤسس الدولة الأموية، وشيعتها المدينة إلى مثواها 

بالبقيع مع أمهات المؤمنين – رضى الله عنهن.

      وكان هذا فى شهر شعبان سنة خمس وأربعين من الهجرة وبقى لها مع ذكراها أما للمؤمنين حافظة

للمصحف االشريف وروت أحاديث عن الرسول، وروى عنها أخوها عبدالله بن عمر وابنه حمزة.

(والحمد لله رب العالمين)

 

 

اترك تعليقاً