سورة النسآء (هل تعدد الزوجات شرع من قبلنا؟)

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله رب العالمين ، والصلاة السلام على أشرف الخلق أجمعين ، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

أما بعد،،،

فهى (سورة النساء) من الطوال العظام.  ومن عجب القرآن وعدله أن جعل للنسآء سورتين سورة تسمى سورة النسآء الطولى – والآخرى تسمى سورة النسآء الصغرى.

لماذا سميت هذه السورة بسورة النسآء؟

(1)لكثرة ما ورد فيها من الأحكام التى تتعلق بهن ، بدرجة لم توجد فى غيرها من السور ولذلك أطلق عليها سورة النسآء الكبرى.

(2)ولأنها تعتبر بعد الفاتحة والبقرة وآل عمران والنسآء الرابعة وتعتبر من السور الطوال السبع.

مع أن الله قد ذكر لهن أحكام أخرى فى بعض سور القرآن فهذا يدلكم على أن القرآن لم يهمل شأن المرأة أبداً ، (1) بل عُنى بها ، (2) وأنصفها ، (3) وأكرمهما وأعتبرها ، (4) وصان عرضها ، (5) وحافظ على شرفها ، (6) وبين لها ما يجب عليها وما يجب لها من الحقوق والواجبات.

فى الوقت الذى ليس فيه دول ولا أصحاب مبادئ ولا مصلحون ولا حكماء.  يدعون الآن أنهم أنصفوا المرأة وشرعوا حقوقها.

وجدنا القرآن أعطى المرأة ما لم يُعطيه لها أى تشريع آخر (1) فى حدود الوقار ، (2) وحدود الهيبة ، (3) والمحافظة على الأسرة.

بإعتبار أن المرأة هى العتبة الأولى فى الأسرة – ولأن المرأة هى مفتاح للخلفة.  لماذا عُنى الإسلام بالمرأة؟

لأنها أم النسل ، أم الذرية هى الوعاء هى المعون الذى يتربى فيه هذا الجيل وهذه الأمةوالأمُ مدرسة إذا أعددتها         ……    أعددت شعباً طيب الأعراقى.

وصلى وسلم على من قال:  (الجنة تحت أقدام الأمهات) عليه الصلاة والسلام.

الواقع أن هذه السورة تدل فى أحكامها على العظمة والأصالة الإسلامية ، ولو أن المنصفين من عقلاء الغرب قرءوا هذا القرآن بتفهم لعتبره أحسن تشريع من أجل سعادة البشرية.

تبدأ سورة النسآء بهذا النداء العلوى الإلهى السماوى – الحنون:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء).

          فرق بين أن نسمع نداء الله وبين أن نسمع كلام غيره – فرق كبير أكبر من الفرق الذى بين الأرض والسمآء.  كلام الله له هيبته وقد سيته.

          بدأ السورة يا أيها الناس ولم يبدها (يا أيها الذين ءامنوا) هم ءامنوا بالتوحيد – هناك أحكام مطلوبة منهم – الله ينادى آحبابه يقول لهم عن المطالب.

          أما إذا أراد الله أن يخاطب البشرية كلها بإعتبارها بشرية لا يقول يا أيها الذين ءامنوا ولكن يقول يا أيها الناس – هذا نداء عمومى.

          (اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة).

كفاية هكس وذنوب واتقوا ربكممن هو ربنا؟  هو الذى خلقكم من أبوكم آدم وأمكم حواء – تباعدت بينهم القلوب والديار – ياناس يايهودى ياكافر – يا قبطى أنتم أخوان – أنا أناديكم باسم الرحم …

جآء رجل إلى معاوية بن أبى سفيان.

قال للحاجب قول لمعاوية أخوك فى الخارج –قال معاوية:  ليس لى أخ ، سئل معاوية الحاجب هل الرجل مجنون؟  قال الحاجب:  هذا عاقل جداً ، فدخل على معاوية وقال له:  السلام عليك يا أخى ولم يقل له السلام عليك يا أمير المؤمنين.

قال معاوية:  وعليك السلام من أنت؟

قال الرجل:  أخوك جئت أطلب حق الأخوة.

قال معاوية:  أخى من أين؟  قال الرجل:  يا هذا إليس أبوك آدم؟

قال معاوية:  أبويا آدم  – وأمك حواء –قال معاوية:  نعم أبويا آدم وأمى حواء

  أنا أخوك – نحن أخوين.  هنا بكى معاوية وقال:  هذه (1) أخوة نسيها الناس ، (2) أخوة قد جفاها الناس ، والله لكون أول من وصلها – أكرمه وكلما احتجت شئ تعالى تأخذ ما تحتاجه.

…  افتتح الله تعالى هذه السورة بخطاب الناس جميعاً ودعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له (اتقوا) خافوا الله الذى أنشأكم من أصل واحدة.

...  فالناس جميعاً من أب واحد – وهم إخوة فى الإنسانية والنسب فعلى القوى أن يعطف على الضعيف ، وعلى الغنى أن يساعد الفقير حتى يتم بُنيان المجتمع الإنسانى.

من أصل واحد وهى نفس أبيكم آدم – أوجد من تلك النفس زوجها وهى حواء(من نفس واحدة) تدل على الوحدة(كلمة واحدة).

الناسُ من ناحية الأنساب أكفآؤ       …….            اباءُم آدمُ وأُمهم حواءُ

والقرآن فى سورة الحجرات (يا أيها الناسُ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) ذكر هو آدم – الأنثى هى حواء – وهذا يدل على دقة القرآن الذى أنزله الله – نفس واحدة خلق الله منها مليارات.  (وخلق منها زوجها).

هل طلعت حواء من ضلع آدم – جائزة أو خلق حواء من الطينة التى خلق منها آدم (قطعة طينة باقية بعد خلق آدم) سواء كان من الطينة نفسها أو من ضلع آدم فانه قادر (نؤمن ونسلم) فالنسآء شقائق الرجال فلابد للرجل أن يخلص لزوجته ويحبها ويتعاون معها ويتفاهم معها على كل خير (واتقوا الله الذى تساءلون به والأحكام).

اتقوا الأرحام (اتقوا الأرحام التى بينكم)، يقول الرسول فى الحديث القدسى: (هى الرحم وأنا الرحمن أخترت لها اسم من اسمى من وصلها وصلته,ومن قطعها قطعته)

واتقوا الأرحام ان تقطعوها فإن فى قطعها فساداً كبيراً وخللاً عظيماً يصيب حياتكم فيفسدها عليكم.

أخــيراً:  اتقوا الله أن تعصوه – واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

          وقد اتفقت الملة أن صلة ذوى الأرحام واجبة وأن قطيعتها محرمة– وثبت أن اسماء بنت أبى بكر قالت:  إن أُمى قدمت على راغبة هى مشركة أفاصلُها؟قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  نعم ، صلى أُمك.

          وهنا قرن الله تعالى بين التقوى وصلة الرحم (واتقوا الله الذى تسآءلون به والأرحام).

          ليدل على أهمية هذه الرابطة العظيمة (رابطة الرحم) فعلى الإنسان أن يرعى هاتين الرابطتين ، رابطة الإيمان بالله ، ورابطة القرابة والرحم.

          ولو أدرك الناس هذا لعاشوا فى سعادة وأمان ، ولما كان هناك حروب طاحنة مدمرة ، تلتهب الأخضر واليابس وتقضى على الكهل والوليد.

الآية الثانية:

          (وءاتُوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلُوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حُوباً كبيراً).

          بين الله عز وجل حق اليتامى – كان هناك بعض الأُوصياء يخلط مال اليتيم على ماله وهو فى آخر العام يأخذ هو الطيب ويعطى لليتيم الردئ ويقول هذا بختكم (نصيبكم).

          أمر الله تعالى بالمحافظة على أموال الأيتام وعدم الإعتداء عليها لأنهم بحاجة إلى رعاية وحماية وإلى مساعدة ومواساةفإن الطفل اليتيم ضعيف ، وظلم الضعيف ذنب عظيم عند الله.

          فأمر الله تعالى بعدم خلط أموال اليتامى بأموال الأوصياء فتأكلوا جميعاً.

(1)اليتــامى:  جمع يتيم ذكراً أو أنثى وهو من مات والده وهو غير بالغ الحُلم.

          حوباً كبيرا : إثم كبير.

          ويقال فى الدعاء (اللهم اغفر “إثمى حوبتى” وأجب دعوتى).

وقال ابن زيد:  كان أهل الجاهلية لا يورثون النسآء والصيانويأخذ الأكبر الميراث.  (أخرجه الطبرى فى تفسيره جامع البيان).

          وكان يقال للنبى – صلى الله عليه وسلم:  (يتيمُ أبى طالب).

(4)قال ابن العربى فى كتابه أحكام القرآن:

          أن الآية فيها خمس خطوات أو مسائل:

المسألة الأولى:(وآتُوا) أُعطوا – أى مكنُوهم منها واجعلوها فى أيديهم على وجهين: (1)إجراء الطعام والكسوة.          (2) رفع اليد عنها بالكلية وذلك عند الإرشاد.

المسألة الثانية:  (ولا تتبدلُوا الخبيث بالطيب).

          كانوا فى الجاهلية لعدم الدين لا يتحرجون عن أموال اليتامى فيأخذون أموال اليتامى ويبدلونها بأموالهم ويقول:  رأس برأس – مثل أن يكون لليتيم مائة شاة جياد – فيبدلونها بمائة شاة هزلى لهم ويقول مائة بمائة فنهاهم الله عنها.

المسألة الثالثة:  (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم).

          نُهوا أن يعتقدوا أن أموال اليتامى كأموالهم ويتسلطون عليها بالأكل والإنتفاع.

المسألة الرابعة:

          رُوى أن هذه الآية لما نزلت اعتزل كل ولى يتميمه – وبدأ يصنع لليتيم معاشُه فيأكله – فإن بقى له شئ فسد – فعاد ذلك بالضرر عليهم فرخص الله سبحانه فى المخالطة بشرط الإصلاح ونزلت هذه الآية فى سورة البقرة (220):

          (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ).

المسألة الخامسة:

          (فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم).  إن أبصرتم منهم صلاحاً فى دينهم ومالهم فادفعوا إليهم أموالهم بدون تأخير فقد أمرهم الله تعالى باختبار اليتامى إذا بلغوا سن الرشد أو ناهزوا البلوغ بأن يعطوهم شيئاً من المال ويطلبوا منهم أن يبيعوا أو يشتروا فإذا وجدوا منهم حُسن تصرف دفعوا إليهم أموالهم وأشهدوا عليهم.

          مشروعية الحجر على السفيه لمصلحته.

          إذا كان اليتيم سفيه – تمنع عنه ماله خوفاً الت

الآية الثالثة:

          (وإن خفتم ألا تُقسطُوا فى اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا).

          ألا تقسطوا:  أن لا تعدلوا ولا تُنصفوا

          ما طاب لكم:  ما حل لكم

          ورباع: فتحرمُ الزيادة على أربع

          ألا تعولوا:  فى النفقة وسائر الحقوق

          ذلك أدنى ألا تعولوا:  ذلك أقرب أن لا تجوروا ، أو أن لا تكثر عيالكم.

          بعض الأوصياء على اليتامى فى كفالته يربيهمهو طمعان فى جمال البنت وعندها تركة.    يبقى جمال ومال فهو يطمع أن يتزوج البنت – يعمل خدمته لهم هى كل شئ ويستولى على المال ويستولى على البنت اليتيمة بدون أن يعطيها مهرها.

          وثبت فى الصحيح أن عروة سأل السيدة عائشة – رضى الله عنها – عن هذه الآية فقالت:  هي اليتيمةُ تكونُ فى حجر الرجل تشركه فى ماله ، ويعُجبه مالها وجمالها ، ويُريد أن يتزوجها ، ولا يُقسط لها فى صداقها (لا يعدل) فيعطيها مثل ما يُعطيها غيره ، فنهوا عن أن ينكحوهن حتى تقسطوا لهن – ويعطوهن مثلهن فى الصداق.

          وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النسآء سواهن.

          قال عُروة:  قالت عائشة: وأن الناس استفتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى هذه الآية فأنزل الله تبارك وتعالى: (ويستفتونك فى النسآء)سورة النساء الآية (127).        قالت عائشة – رضى الله عنها:  وقول الله سبحانه وتعالى فى آية أخرى فى سورة النسآء الآية (127):  (وترغبون أن تنكحوهُن) ، هى رغبة أحدهم عن يتيمته حتى تكون قليلة المال والجمال فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا فى مالها وجمالها من يتامى النسآء إلا بالقسط – من أجل رغبتهم عنهن إن كن قليلات المال والجمال بالعدل والإنصاف.  (وهذا نص كتابى البخارى والترمذى).

الآية 127 النسآء:

          (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ).

ومازالوا يستفتونك فى النسآء – فى شأن مالهن وما عليهن من حقوق الأرث والمهر وما إلى ذلكقل لهم أيها الرسول أن من كانت تحته يتيمة دميمة لا ترغب فى نكاحها فليعطها مالها وليزوجها غيره وليتزوج هو من شاء ، ولا يحل له أن يحبسها فى بيته لأجل مالها – ( يريد أن يتزوجها فليعطها مهر مثيلاتها ولا يبخسها من مهرها شيئاً.

متى يتزوج الرجل مثنى وثلاث ورُباع؟

          عند تحقيق العدالة – وعند وجود الحاجة بشرط أن تضمن العدل والإنصاف ، (2)وقد تكون هناك ضرورة وخصوصاً عند الحروب – لكى نلم هؤلاء النسوة المشردات.  لان الحروب بتشطب على الشباب.

          ويشترط العدل فى القول واللفظ وفى اللحظالسكنالمبيتفى العطاء فى المنع فى النفقة.

مثال 1:  إذا قال الرجل لواحدة منهن يا ميت فل – لازم يقول للثانية يا ميت فل – لو قال لها خمسين فل يبقى الرجل ظالم يأتى يوم القيامة يجر بجنبه مصداقاً لحديث النبى – صلى الله عليه وسلم:  (من تزوج ثنتين ولم يعدل بينهما جآء يوم القيامة يجر بجنبه).

          بمعــنى:  مشلول – علامة على زواجه اثنتين ولم يعدل بينهما.

مثال 2:  فى أحدى البلاد منعوا التعدد وأباحوا العشق والغرام ، ويحاكم ويسجن إذا كان متزوج اثنتين –  القاضى:  لماذا تزوجت الثانية؟  قال الرجل:  لا أنا متزوج واحدة فقط وها هى القسيمة ، هؤلاء أنا ماشى معهم حب وغرام فى الحرام.  قال القاضى:  حكمت المحكمة بالبراءة –(سبحان الله).

          أيها الرجال لا تظلموا أنفسكم وأنتم عارفين ولاد الضراير بيطلعوا إزاى.

          (فإن خفتُم ألا تعدلُوا فواحدة).

          وإن خاف المؤمن ألا يعدل بين نسائه (زوجاته) لضعفه فليكتف بواحدة ولا يزيد عليها غيرها – فإن هذا أقرب إلى أن لا يجور المؤمن ويظلم نساءه.

          وقد كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يقدرُ على العدل ، إذ فعل الظاهر من ذلك فى الأفعال ووجد قلبه الكريم السليم يميل إلى عائشة:  (اللهم هذه قدرتى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك) يعنى قلبه …

          فإذا قدر الرجلُ من ماله ومن بنيته على نكاح أربع فليفعل وإذا لم يحتمل ماله ولا بنيته فليقتصر على ما يقدرُ عليه.

وقد توهم قوم من الجهالة:

          أن هذه الآية تبيح للرجل تسع نسوة وأكدوا كلامهم بأن النبى – صلى الله عليه وسلم – كان تحته تسع نسوة – وقد كان النبى – صلى الله عليه وسلم – تحته أكثر من تسع ، وإنما مات عن تسع وهذه من خصائص النبى – صلى الله عليه وسلم – ليست لأحد غيره.

          ولكن معنى 2 ، 3 ، 4

          الله سبحانه وتعالى يقول للرجال لكم نكاحُ أربع – فإن لم تعدلوا فثلاثة ، فإن لم تعدلوا فاثنتين ، فإن لم تعدلوا فواحدة.

          ولو كان المراد تسع نسوة لكان تقديُر الكلام – فانكحوا تسع نسوة فإن لم تعدلوا واحدة.

          ولكن هذا من ركيك البيان الذى لا يليقُ بالقرآن.

الدليل:  من السنة على أنهم أربع وليس تسع:

          ما رواه أبو داود والدارقُطنى وغيرهما – أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال لغيلان الثقفى حين أسلم وتحته عشر نسوة:

          (اختر منهن أربعاً وفارق سائرهن).

          فمسأله تعدد الزوجات ضرورة اقتضته ظروف الحياة وهى ليست تشريعاً جديداً انفرد به الإسلام – إنما جآء الإسلام فوجده بلا قيود ولا حدود وبصورة غير إنسانية   وجعله الإسلام دواء وعلاج لبعض الحالات الإضطرارية التى يعانى منها المجتمع.

          جآء الإسلام والرجال يتزوجون عشرة نسوة أو أكثر أو أقل كما مر فى حديث غيلان حين أسلم وتحته عشر نسوة – فجآء الإسلام ليقول للرجال:

          إن هناك حداً لا يحل تجاوزه هو أربع وإن هناك قيداً وشرطاً لإباحة هذه الضرورة فى العدل بين الزوجات – فإذا لم يتحقق ذلك وجب الاقتصار على واحدة.

          (فواحدة أو ما ملكت إيمانكم)  سورة النسآء الآية (3).

          والحقيقة التى ينبغى أن يعلمها الإنسان ان إباحة تعدد الزوجات مفخرة من مفاخر الإسلام ، لأنه أستطاع أن يحل مشكلة عويصة من أعقد المشاكل ، عانيها الأمم والمجتمعات اليوم فلا تجد لها حلاً إلا بالرجوع إلى حكم الإسلام – والأخذ بنظام الإسلام.

هناك أسباب قاهرة تجعل التعدد ضرورة:

(1)عقم الزوجة ، (2) مرضها مرضاً يمنع زوجها من التحصن.

          إن المجتمع فى نظر الإسلام كالميزان يجب أن تتعادل كفتاة ومن أجل المحافظة على التوازن يجب أن يكون عدد الرجال بقدر عدد النسآء – فإذا زاد عدد الرجال على عدد النسآء أو بالعكس.

          فكيف نحل هذه المشكلة؟

          لقد أختارت ألمانيا (المسيحية) التى يحرم دينها التعدد فلم تجد خيره لها إلا ما أختار الإسلام فأباحت تعدد الزوجات – رغبة فى حماية المرأة الألمانية من احتراف البغاء.

          وقال سيد قطب فى كتابه السلام العالمى فى الإسلام.

          ومتى توازن عدد الرجال مع عدد النسآء فإنه يتعذر عملياً أن يحل رجل واحد على أكثر من امرأة واحدة.

          فأما حين يختل توازن الأمة فيقل عدد الرجال عن النسآء كما فى الحروب والأوبئة التى يتعرض لها الرجال أكثر.

          فلننظر إذا فى هذه الحالة وأقرب الأمثلة لها الآن ألمانيا حيث توجد ثلاث فتيات مقابل كل شاب وهى حالة اختلال اجتماعى ، فكيف يواجهها المشرع؟

          إن هناك حلاً من حلول ثلاثة:

الحل الأول:  أن يتزوج كل رجل امرأة وتبقى اثنتان لا تعرفان فى حياتهما رجلاً ، ولا بيتاً ولا طفلاً ولا أسرة.

الحل الثانى:  أن يتزوج كل رجل امرأة فيعاشرها معاشرة زوجية وأن يختلف إلى الآخريين أو واحدة منهما لتعرف الرجل دون أن تعرف البيت أو الطفل ،فإذا عرفت الطفل عرفته عن طريق الجريمة ، وحملته ذلك العار والضياع.

الحل الثالث:  أن يتزوج الرجل أكثر من امرأة ، فيرفعها إلى (1) شرف الزوجية ، (2)وأمان البيت ، (3) وضمانة الأسرة، ويرفع ضميره عن لوثه الجريمة ، وقلق الأثم وعذاب الضمير.

          وأى الحلول (1) أليق بالإنسانية ، (2) وأحق بالرجولة ، وأكرم للمرأة ذاتها وأنفع؟

          إن تعدد الزوجات نظام قائم وموجود منذ العصور القديمة – ولكنه كان فوضى– وكان تعدد الزوجات تابعاً للهوى والاستمتاع باللذائذ فجعله الإسلام سبيلاً للحياة الفاضلة الكريمة.

تعدد الزوجات فى الأديان السماوية:

أولاً:  إبراهيم عليه السلام:

          كما ورد فى القرآن الكريم ، كان متزوجاً من سارة ولما لم يرزق منها بذرية تزوج هاجر المصرية – فهو قد جمع بين اثنتين فى عصمته.

          وجآء فى التوراة أيضاً أن اسحاق بن إبراهيم ، ولد له اثنان هما:  عيصُو ويعقوب – وأن (عيصو) جمع بين خمس زوجات – (2) يعقوب:  جمع بين أربع زوجات.

          وهذا التشريع كان فى صحف إبراهيم قبل نزول التوراة على موسى.

ثانياً:  اليهودية:

          اليهودية هى دين اليهود الذى نزلت به التوراة على موسى بعد إبراهيم عليهما السلام – والتوراة الحقيقية غُيرت وحرفت كما نص على ذلك القرآن الكريم.   وشريعة اليهود الموجودين من كتبهم المجموعة فى الكتاب المسمى (بالعهد القديم بأسفارة) وكذلك مأخوذة من كلام أحبارهم وشروحهم للتوراة التى جُمعت فى كتابهم المعروف باسم التلمود.        (كما قال المؤرخون).

          ويلاحظ أن التلمود الفلسطينى لم يظهر إلا فى القرن الرابع الميلادى أما التلمود البابلى فقد ظهر فى أوائل القرن الخامس الميلادى

داود عليه السلام:

          جمع بين تسع زوجات أولاً ، ثم وصلن إلى تسع وتسعين كما قالوا ، وكما حمل عليه المفسرون للقرآن قوله تعالى فى سورة ص فى قصة الخصمين:  (إن هذا أخى له تسع وتسعُون نعجة ولى……).

سليمان عليه السلام:

          فى البخارى (قال سليمان بن داود عليهما السلام:  لا طوفن الليلة بامرأة امرأة ، تلد كل امرأة غلاماً يقاتل فى سبيل الله ، قال الملك:  قل إن شآء الله ، فلم يقل ونسى ، فأطاف بهن ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان).

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (لو قال: إن شآء الله لم يحنث ، وكان أرضى لحاجته).

          وجآء مثل هذه الرواية عند أحمد والنسائى فيهما: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة الجامع الصغير).

          واختلفت الروايات فى عدد نسآء سيدنا سليمان ، فقيل 60 أو 70 أو 90 أو 100 ولا يهمنا العدد فالثابت أنه كان فى عصمته أكثر من زوجة..

          (أحبار اليهود كان لهم رأيان – أحبار تبع التلمود وأحبار لا يحتجون بالتلمود..)

          والذين قالوا بالتعدد حصروه فى أربعة ، اتباعاً ليعقوب ، وحتى لا تعدم كل زوجة مرة فى الأسبوع ، لأن الإحسان واجب على الرجل لكل زوجة..

المسيحية:

          قال عيسى عليه السلام – فى موضوع الرهبنة:  (لا تظنوا أنى جئت لأنقض ناموس الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل)  إنجيل متى – إصحاح 5 : 17.        

وقال تعالى فى سورة الصف الآية (6):

          (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)

          وبهذا نقول:  إن عيسى لم يحرم تعدد الزوجات ولم نرى فى الإنجيل الصحيح نصاً صريحاً فى التحريم – أما الأناجيل التى كتبوها فلم تشر إلى منع التعدد صراحة – بل كان التعدد ممارساً قبل أن يقرروا منعه.

          وقد ألف الأنبا شنودة بطريرك الأقباط الأرثوذكس فيما بعد عندما كان أسقفاً للمعاهد الدينية فى مايو 1967 – ألف كتاباً بعنوان (شريعة الزوجة الواحدة فى المسيحية).

          ولقد قال شنوده فى كتابه صــ 28:31 ، إن نظام الزوجة الواحدة هى ما كان عليه البشر منذ بدء الخليقة ، فلم يكن لآدم غير حواء واحدة فهو النظام الطبيعى للحياة ، وهو شريعة الله لآدم ، ولو كان التعدد جائزاً لخلق لآدم أكثر من حواء.

الرد على هذا:  بأن بنى آدم جميعاً ليسو كأبيهم آدم فى اكتفائه بزوجة واحدة ، وقد كانت حواء نفسها تعدل نسآء كثيرات – (1) من حيث الإنجاب اللازم لعمارة الأرض ، فقد أنجبت أربعين فى عشرين بطناً.  (2) وقد تكون بعض بنات حواء عقيمات أو مريضات فكيف يتصرف الرجل الذى لا يجوز له إلا واحدة.

          ثم إن الاستدلال بواقعة آدم استدلال باطل.

          وبهذا نرى أنه لا يوجد نص يحرم التعدد ، فهو على الأقل مسكوت عنه ولم ينزل فى الكتب السماوية ما يحرمه.

          بل ورد فيها جميعاً ما يدل على جوازه ، وما لجأ إليه بعض المسيحيين من محاولة الاستدلال بالكتب على تحريمه فهو تعسف.

          إن دين المسيحية فى نقائه الأول لم يحرم التعدد ، ولكنهم هم الذين حرموه بعد إن كان حلالاً لعدة قرون.

          فالأديان جميعاً قد ألتقت وأجمعت على جوازه، ولم يشذ عنها أى دين ، وإنما الذى شذ هو بعض الرجال المنسوبين إلى المسيحية لا الدين المسيحي نفسه.

          ويقول الدكتور محمود سلام زناتى فى كتابه (تعدد الزوجات لدى الشعوب الإفريقية) قال:  (إن الإنجيل لم يتضمن نصاً واحداً بالتحريم ، والمسيح بشر بتعاليمه  بيئة يهودية كان عندها التعدد ومع ذلك لم ينص على تحريمه.

          نرى أن كنيسة الحبشة كانت تجيز تعدد الزوجات حتى منتصف القرن العاشر الميلادى ، حين كتب بطريرك الإسكندرية إلى مطران الحبشة بمنع التعدد (أضواء على الحبشة صــ54) نشر دار المعارف بمصر.

          وتقول الدكتورة (ماريون لانجر) المتخصصة فى استشارات الزواج:  إن لدى المجتمع حلين:  لتغطية النقص المتزايد فى عدد الرجال:  (1) إما إباحة تعدد الزوجات ، (2) أو إيجاد طريقة لإطالة عمر الرجل.  مجلة الأمل لمنيرة ثابت سنة 1958م.

          ففى فرنسا:  عقوبة الزانى هى غرامة من 100 – 1000 فرنك إذا زنى فى منزل الزوجية بامرأة أعدها لذلك أكثر من مرة.  فى حين تنص المادة 340 على معاقبة الزوج الذى يعقد زواجه بأخرى قبل انحلال رابطة الزوجية الأولى بالأشغال الشاقة.

          فتعدد الخليلات والعشيقات أحب فى القانون الفرنسى من تعدد الزوجات.

الآية الرابعة:

(وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا).

          صدقاتهن نحلة:  وهى الصداق والمهر –   نحلة:  فريضة واجبة

          نحلة:  عطية مسلمة لا ترد ولا تأخر

          هنيئاً:  الهنئ:  ما يستلذ به عند أكله.

          مريئاً:  المرئ:  ما تحسن عاقبته بأن لا يعقب آثاراً سيئة.

          يأمر الله تعالى المؤمنين:   بأن يعطوا النسآء مهورهن فريضة منه تعالى فرضها على الرجل لامرأته ، فلا يحل له ولا لغيره أن يأخذ منها شيئاً إلا برضى الزوجة فإن هى رضيت فلا حرج فى الأكل من الصداق.

من المخاطب بالإيتاء؟    (وءاتُوا)

          هناك رأيان:  (1)  الأزواج ، (2)  الأولياء

          واتفق الناسُ على الأول وهو الصحيح.

          فإن الناس فى الجاهلية كانوا يتناكحون فى الجاهلية بالشغار.

          ومعنى الشغار: هو أن يقول الرجل لآخر:  زوجنى ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتى أو أختى.  على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى.

          والحديث يقول:  (لا شغار فى الإسلام).  أما فى بعض الناس اليوم أنه يذهب إلى أهل العروسة ويتفق معهم على المهر (ألف جنيه) مثلاً وبعد الإتفاق – قد تكون البنت تحب عريسها فيطمع فى مالها – ندفع جزء من المهر والباقى أخذوا به وصل أو كمبيالة – ثم يأكل عليها باقى المهر المقدم.

          أنا لا أتكلم عن المؤخر لأنه ثابت فى القسيمة ولا يدفع إلا بأحد الأجلين الموت أو الطلاق.

          ولكن أنا أتكلم عن المقدم يدفع بعضه ويؤخر بعضه.  والزوجة تطلبه (باقى المهر) يقول لها:  أنت قاعدة بتأكل وتشرب ، وأعلم أيها الرجل إنك لم يستحل فرجها إلا بهذا المهر وبدون مهر يكون الرجل عايش مع المرأة فى الزنا.

          وجاء النبى – صلى الله عليه وسلم – وفسر هذه الآية وقال:

          (من تزوج امرأة على ما قل أو كثر من الصداق وفى نيته إلا يعطيها مهرها إلا لقى الله يوم يلقاه وهو زاناً).

          يبقى الإسلام انصف المرأة أم لا؟  أحسن أنصاف.

          بل وجب الصداق على الزوج ليملك به السلطنة على المرأة فلا تصوم إلا بإذنه – ولا تحج إلا بإذنه ولا تفارق منزلها إلا بإذنه.

          فى بعض الأحيان بعض النسآء تسامح فى باقى المهر – فإذا هى سامحت عن طيب خاطر وليس عن إكراه.

          ربنا هنا دعا للزوج (فإن طبن لكم عن شئ منه نفساً فكُلُوه هنيئاً مريئاً).

          إبلع مبارك عليك مطرح ما تسرى تمرى وليس تهرى.

          اتفق العلماء:  على أن المرأة إذا وهبت صداقها لزوجها نفد ذلك عليها ولا رجوع لها فيه.

(والحمد لله رب العالمين)

 

 

اترك تعليقاً