صفية بنت حيى (أم المؤمنين)

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

فصفية بنت حيى بنى أخطب كانت شريفة عاقلة ذات حسب ونسب وجمال ودين – رضى الله عنها (سيرة أعلام النبلاء الإمام الذهبى).

وقال أبو نعيم فى (حلية الأولياء) صفية التقية الذكية ذات العين الباكية صفية الصافية زوجة النبى – صلى الله عليه وسلم.

اليهود فى المدينة:

          وفى السنة السابعة من الهجرة تهيأ النبى – صلى الله عليه وسلم – لمعركة حاسمة مع يهود خبير بعد أن كشفت وقعة الخندق عما ينطوون عليه من حقد مرير ، وما يبيتون للإسلام من شر وغدر.

          وقد أقتحم المسلمون الحصن الأخير من حصون خبير بعد نضال عسير.  وسيقت نسآء حصن أم القموص سبايا ، وفى مقدمتهن (صفية) امرأة كنانة ، وقد قتل زوجها كنانة بن أبى الحقيق ، وابنة عم لها ، يقودهما (بلال).  ومر بهما (بلال) على ساحة امتلأت بالقتلى من يهود ، فلم تنطق صفية ولكن ابنة عمها أعولت صارخة ، وصكت وجهها ، وحثت التراب على رأسها  ثم جئ بهم إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  قال النبى الكريم:  (أغربوا عنى هذه الشيطانة) ثم دنا من (صفية) وهو يقول لبلال:  (أُنزعت يابلال منك الرحمة حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟) (تاريخ الطبرى 3 ص 94) وكانت فى سهم الصحابى (دحية الكلبى).

          (أخرج مسلم كتاب النكاح)

          وقالوا:  وجمع السبى فجآء دحية الكلبى وقال يارسول الله أعطنى جارية من السبى فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (اذهب فخذ صفية بنت حيى) فجاء رجل إلى نبى الله فقال:  يانبى الله أعطيت دحية صفية بنت حيى سيد قريظة والنضير؟ إنها ما تصلح إلا لك.  قال رسول الله:  (أدعوه بها ثم قال لدحية:  خذ جارية من السبى غيرها) قال: وأعتقها النبى – صلى الله عليه وسلم – وتزوجها ، وعن أنس بن مالك – رضى الله عنه أن النبى – صلى الله عليه وسلم – اعتق صفية وجعل عتقها صداقها ، (ودفعها الرسول إلى أم سليم تهئيها ، وتعتد عندها).

          (وأمر عليه الصلاة والسلام بصفية فحيزيت خلفه ، وألقى عليها رداءه ، فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه) صحيح مسلم والسيرة النبوية.

          وعن ابى موسى قال:  (قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم فى الذى يعتق جاريته ثم يتزوجها له أجران).  (أخرجه مسلم فى كتاب النكاح).

رؤيا العروس وذكرياتها:

          وظهرت (صفية) عروساً مجلوة ، تأخذ العين بسحرها حتى لتقول أم سنان الأسلمية:  (إنها لم تر بين النسآء أضوأ منها) (طبقات بن سعد).

وليمة العرس:

          أصبح النبى – صلى الله عليه وسلم فقال:  (من عنده شئ فليجئ به) وبسط نطعا ، فجعل الرجل يجئ بالتمر ، وجعل الرجل يجئ بالسمن ..  فكانت وليمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم)  (حديث أنس).

          دخل – صلى الله عليه وسلم – على (صفية) فأقبلت عليه فقالت:  إنها فى ليلة عرسها بكنانة بن الربيع ، رأت فى المنام أن قمراً وقع فى حجرها فلما صحت من نومها عرضت رؤياها على كنانة ، فقال غاضباً: (ما هذا إلا أنك تُمنين ملك الحجاز محمداً) (تاريخ الطبرى).  ولطم وجهها لطمة مايزال أثر منها فيه.

          وتسترجع (صفية) ذكريات لها عن إرهاصى أهلها اليهود بنبى منتظر ، يعرفونه فى أسفارهم فقالت:  سمعت عمى أبا ياسر وهو يقول لأبى:  أهو هو؟ (قال: نعم والله ، قال عمى:  أتعرفه وتثبته؟  قال أبى:  نعم  قال:  فما فى نفسك منه؟  أجاب أبى عداوته والله ما بقيت) (السيرة).

موقف زوجات النبى من الزوجة الجديدة:

          تسامعت نسآء الأنصار بها ، فجئن ينظرن إلى جمالها ، ولمح النبى – صلى الله عليه وسلم – زوجته عائشة تخرج منتقبة على حذر فتتبع خطواتها من بعيد ، فرآها تدخل بيت حارثة بن النعمان حيث توجد (صفية) وانتظر حتى خرجت ، فأدركها وقال: (كيف رأيت ياشقيراء) قالت: (رأيت يهودية).  ورد عليها النبى – صلى الله عليه وسلم: (لا تقولى ذلك ، فإنها أسلمت وحسن إسلامها) (ابن سعد فى الطبقات).

          وقالت أم سنان الأسلمية:  رأيت أربعاً من أزواج النبى – صلى الله عليه وسلم منتقبات:  زينب بنت جحش – حفصة – عائشة وجويرية.

صفية فى بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

          لقد كانت أم المؤمنين صفية – رضى الله عنها – صافية القلب وأحبت رسول الله – وصدقت فى حبها له ، مما جعلها ذات سيرة عطرة وشهد الرسول على وفائها وصدقها (نسآء أهل البيت).

أولاً:  ثم انتقلت (صفية) إلى دور النبى ، فواجهتها هناك مشكلة محيرة كانت عائشة ومعها حفصة وسودة فى جانب ، والزوجات الآخريات فى جانب تقف فيه السيدة فاطمة الزهراء – رضى الله عنهن.

          وكان على صفية أن تختار ، ثم أسعفتها لباقة طبعها فقررت أن تتقرب من عائشة وحفصة والزهراء جميعاً.

          فقد أهدت فاطمة الزهراء حلية لها من ذهب ، رمزاً لمودتها.

          وبلغ (صفية) كلام عن حفصة وعائشة ، فلما حدثت به النبى – صلى الله عليه وسلم – وهى تبكى ، قال النبى:  (ألا قلت: وكيف تكونان خيرا منى ، وزوجى محمد ، وأبى هارون ، وعمى موسى؟  (الإصابة جزء 8  ص 127).

ثانياً:  حدثوا أنه – صلى الله عليه وسلم – كان فى سفر ومعه (صفية) و(زينب بنت جحش) فأعتل بعير صفية وفى إبل زينب فضل (بعير زيادة) ، فقال لها:  (إن بعير صفية أعتل ، فلو أعطيتها بعيراً؟)  أجابت زينب فى ترفع:  (أنا أعطى تلك اليهودية؟).

          فولى – صلى الله عليه وسلم – عنها مغضباً ، وتركها شهرين أو ثلاثة لا يقربها ، ثم أتاها بعد ، وعاد إلى ما كان عليه معها.  (ابن سعد فى الطبقات).

ثالثاً:  لم تحرم (صفية) هذه الحماية حتى آخر أيامه – صلى الله عليه وسلم – رُوى أن أُمهات المؤمنين اجتمعن حول فراش الرسول – فى مرضه الأخير فقالت صفية: (إنى والله يانبى الله ، لوددت أن الذى بك بى ، فما كان من أزواجه إلا أن غمزن ببصرهن ، قال رسول الله:  (مضمضن).

          تساءلن فى دهشة:  من أى شئ؟

          قال:  (من تغامزكن بها ، والله إنها لصادقة) (ابن سعد).

رابعاً:  بعد موت النبى – صلى الله عليه وسلم – حدثوا أن جارية لها أتت (أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) فقالت:  (ياأمير المؤمنين ، إن صفية تحب السبت وتصل اليهود) ، فبعث (عمر) إلى صفية يسألها عن ذلك فأجابت:

          (أما السبت فإنى لم أحبه منذ أبدلنى الله به الجمعة ، وأما اليهود فإن لى فيهم رحماً فأنا أصلها).

          ثم سألت جاريتها:  (ما الذى حملها على مثل ذلك الإفتراء؟)  فأجابت الجارية:  الشيطان.  وردت صفية:  (اذهبى فأنت حرة).  (رواه ابن عبدالبر فى الإستيعاب).

وأذن وقت الرحيل:

          توفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولحق بالرفيق الأعلى ، وعاشت صفية عهد الخلفاء الراشدين قضتها كلها فى طاعة الله فى الصلاة وإخراج الزكاة والصيام والدعوة إلى الله ، وفى سنة خمسين هجرية نامت صفية زوجة رسول الله – صلى الله عليه وسلم على فراش الموت ولقيت ربها راضية مرضية.  ودفنت بالبقيع مع أمهات المؤمنين.

          فرضى الله عنها وأرضاها وأدخلها فسيح جناته.

          وروى عنها زين العابدين على بن الحسين – رضى الله عنه – حديثها عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مخرج فى الكتب الستة. 

 

(  والحمدلله رب العالمين )

 

 

اترك تعليقاً