بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،،
فعن الرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: صلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلتُ منها القلوب ، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهدُ إلينا؟
فقال: (أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى إختلافاً كثيراً ، فعليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواخذ ، وإياكم ومحُدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، ولا بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار). أخرجه أحمد وأبوداود وابن ماجه والحاكم وصححه.
هذه الوصية من الوصايا الجامعة التى تترتب عليها أحكام كثيرة أفاض الفقهاء في بسطها وإيضاحها.
وقد كانت مواعظ الرسول – صلى الله عليه وسلم – موحزة بليغة ، يسهل على الناس حفظها ، واستيعاب ما فيها من المعاني السامية ، فهو – صلى الله عليه وسلم – قد أوتى جوامع الكلم ، وأمره الله – عز وجل – أن يخاطب الناس على قدر عقولهم ، وأن يحدثهم بما ينفعهم.
وبكت عيونهم من خشية الله ، فأجابهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى ما سألوا عنه فقال: (أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن عبداً حبشياً).
وتقوى الله معناها طاعته والخوف منه ، وهي جماع الدين كله.
سُئل علي بن أبي طالب عن التقوى فقال:
(الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والإستعداد ليوم الرحيل).
وأما السمع والطاعة لولي الأمر وإن كان عبداً حبشياً ، ولكنه مشروط بطاعته لله ، فإن أطاع الله وجبت علينا طاعته ، وإلا فلا.
ولهذا قال الرسول – صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى إختلافاً كثيراً ، فعليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواخذ).
إنه سيأتي من بعدي أقوام يختلفون في الدين إختلافاً كثيراً حتى يكفر بعضهم بعضاً فعندئذ عليكم بسُنتي ، أى ألزموها وتمسكوا بها تمسكاً شديداً ، كالذى يعض على الشئ بأسنانه حرصاً على بقائه ، وخوفاً من انتزاعه.
وسُنته دينه الذى أكمله الله لهذه الأمة عقيدة وشريعة وأتم به النعمة ، وكشف به الغمة ، وهو المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا غموض فيها ولا ألتباس.
(والمراد بالخلفاء): أبوبكر ، عمر ، وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم فهم الذين تمسكوا بسُنته.
وهذا القول يدل على أنه قد أحاط علماً من قبل الله تعالى بما يكون في أمته إلى آخر الزمان ، وهذا من معجزاته – صلى الله عليه وسلم.
وقوله – صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور). إحذروا كل الحذر من البدع التى يحدثها الناس في الدين ، وعلل ذلك التحذير بقوله: (فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة) ، وفي رواية: (وكل ضلالة في النار).
البدعة: كل محدث على غير مثال سبق. فيكون كل ما حدث بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أمور الدين والدنيا.
ولقد جآء الدين الإسلامي تاماً كاملاً، لا ينبغي لأحد أن يزيد فيه شيئاً أو ينقص منه شيئاً.
قال تعالى في سورة المائدة الآية (3):
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا).
وقد حذر النبى – صلى الله عليه وسلم – من الإبتداع في الدين ، فقال: (ابتعوا ، ولا تبتدعوا ، فقد كُفيتم).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد).
رد: مردود عليه. رواه البخاري ومسلم
ويؤخذ من هذا الحديث ثلاثة فوائد:
(1) أنه لابد من عالم يعظ الناس ، ويذكرهم بالله ويوصيهم بما فيه خير لهم في دينهم ودنياهم حتى لا تصدأ قلوبهم وتصاب بالقساوة والظلمة ، فبالموعظة تنشرح الصدور ، وتستنير العقول ، وتلين الجلود والقلوب لذكر الله جل جلاله.
الفائدة الثانية: أن يتخير الواعظ الأوقات المناسبة للوعظ والإرشاد ، وأن يكون ذلك في فترات متباعدة نسبياً حتى لا يمل الناس من وعظه.
مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذى أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة – رضي الله عنه قال: (كنت أصلى مع النبى – صلى الله عليه وسلم – فكانت صلاته قصداً وخُطبته قصداً). أى وسطاً بين الطول والقصر.
الفائدة الثالثة: أن يستحضر المؤمن قلبه عند سماع الموعظة كما كان يفعل أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – بخواطره في أمور الدنيا ، وإن سرح بخواطره هنا وهناك عاد مسرعاً إلى إحضار قلبه مرة بعد مرة حتى ينتفع بالعلم ويستفيد من الموعظة.
فالعلماء يحيون القلوب بعلمهم ووعظهم كما يحيي المطر الأرض الموات.
كما قال الشاعر: تحيا بهم كل أرض ينزلون بها … كأنهم في بقاع الأرض أمطاراً
(( والحمدلله رب العالمين ))