بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،
فكانت رابعة البنات فى تلك البيئة التى كانت مفتونة بالبنين أمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين الزوجة الأولى لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وزوجها الإمام على بن أبى طالب – رضى الله عنه – وهى أم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، والذى كان الرسول يقول: (هذان أبناي وابنا ابنتى ، اللهم إنى أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما) أخرجه الترمذى.
وُلدت – رضى الله عنها – وقريش تجدد بناء الكعبة قبل مبعث الرسول – صلى الله عليه وسلم – بخمس سنين.
وجدت فاطمة نفسها ، ولما تتجاوز الخامسة من عمرها ، تواجه الرجة العنيفة ، وتقف فى مهب الإعصار الذى أثارته الوثنية العاتية ، فى وجه الدين الجديد.
وقد ربط الإسلام بينها وبين أبيها المصطفى ، ووالدتها أم المؤمنين وأخواتها المسلمات برابطة أقوى من النسب وأعلى من الدم.
وكانت فاطمة – رضى الله عنها – تتبع أبيها إذا خرج ، وترافقه إذا عاد ، ثم حدث حادث لا تنساه لقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – ساجداً فى الحرم وحوله ناس من مشركى قريش ، فجآءه (عقبة بن أبى معيط –) لعنه الله عليه بسلى جذور (كرش الجمل) فقذفه على ظهره ، فلم يرفع رأسه – صلى الله عليه وسلم – حتى تقدمت فاطمة فأخذت السلى ودعت على من صنع ذلك ، ورفع النبى الكريم رأسه وقال: (اللهم عليك بالملأ من قريش!! اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبه بن ربيعة ، وعقبة بن أبى معيط ، وأُبى بن خلف).
ثانياً: يوم خرج النبى – صلى الله عليه وسلم إلى قريش وقد نزل قول الله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) (214 الشعراء) وكانت فاطمة هناك ، فجعل ينادى: (يامعشر قريش ، اشتروا أنفسكم .. لا أغنى عنكم من الله شيئاً ، يابنى عبد مناف ، لا أغنى عنكم من الله شيئاً ، ياعباس بن عبدالمطلب ، لا أُغنى عنك شيئاً ، وياصفية عمة رسول الله ، لا أُغنى عنك من الله شيئاً ، ويافاطمة بنت محمد ، سلينى ما شئت من مالى ، لا أغنى عنك من الله شيئاً) البخارى ومسلم.
وأنهى النبى الكريم حديثه بأبنته فاطمة ، فعندها إذن ، ينتهى أقصى ما يبلغه – صلى الله عليه وسلم – فى العظة والإعتبار.
ودخلت فاطمة – رضى الله عنها – على أمها خديجة ، تحدثها. والدنيا لا تسعها من فرط فرحتها وزهوها عما سمعت من دعوة أبيها لقومه أن يشتروا أنفسهم ، فإن أحداً لن يغنى عن أحد من الله شيئاً ، حتى فاطمة بنت محمد ، لن يغنى عنها أبوها النبى شيئاً إذا لم تؤمن…
ثالثاً: وصحبت فاطمة – رضى الله عنها – أبويها إلى شعب أبى طالب ، حيث عاشت هناك بين أسوار الحصار المنهك حوالى ثلاث سنوات ، ثم عادت إلى مكة بعد إنهيار الحصار ، لتشهد موت أمها خديجة (عام الحزن) ، ثم هجرة أبيها إلى يثرب. وعلى أثره هاجر (على) ابن العم أبى طالب ، وكان قد مكث ثلاث أيام فى مكة ، ريثما أدى عن النبى – صلى الله عليه وسلم – الودائع التى كانت عنده للناس.
الهجرة المباركة:
وبقيت فاطمة وأختها أم كلثوم ، حتى جآء رسول من أبيهما فصحبهما إلى يثرب ، ولكن حدث شئ عند خروجها من مكة هى وأختها ماهو؟ فجآء (الحويرث بن نقيد)وكان ممن يؤذى أباهما النبى بمكة ، نخس بعيرها (ضرب الجمل) فرمى بهما إلى الأرض.
وكانت فاطمة يؤمئذ ، ضعيفة نحيلة الجسم وقد أثر الحصار فى صحتها ، سارت بقية الطريق متعبة ، إلى أن وصلت (المدينة).
وهناك استقرت فاطمة مع أبيها وسط قوم أحبوا الإسلام وأقبلوا عليه وبذلوا أرواحهم وأموالهم رخيصة لنصرة هذا الدين.
الزواج المبارك:
أشتد عود فاطمة وبدأ شبابها ينمو وأنوثتها تكتمل ، فتقدم أبوبكر الصديق – رضى الله عنه – يطلب منه فاطمة لتكون زوجة له ، فاعتذر الرسول ، ثم تقدم عمر – رضى الله عنه – فقال له الرسول – صلى الله عليه وسلم: ما قاله لأبى بكر. ثم إن أهل (على) رضى الله عنه قالوا له: أخطب فاطمة ، وتشجع (على) وأخذ طريقه إلى ابن عمه ، حياه ثم جلس قريباً منه على استحياء ، لا يذكر حاجته.
فسأله الرسول فى تلطف: (ما حاجة ابن أبى طالب؟).
أجاب وهو يغض بصره: ذكرت (فاطمة) بنت رسول الله.
قال النبى الكريم: (مرحباً وأهلاً) طبقات ابن سعد. ألتفت إليه أبوالزهراء وسأله مترفقاً: (وهل عندك شئ؟) أجاب على: (لا ، يارسول الله…) ، فعاد يسأله: (فأين درعك التى أعطيتك يوم كذا؟ (يوم بدر) ، أجاب (علىُ): هى عندى يارسول الله.. قال: (فأعطها أياها..) (أخرجه ابن سعد فى الطبقات).
فانطلق (علىُ) مسرعاً ، وجآء بالدرع ، فأمره أن يبيعها ليجهز العروس بثمنها ، وتقدم (عثمان بن عفان) فأشترى الدرع بأربعمائة وسبعين درهما ، ووضع (علىُ) النقود أمام المصطفى ، فتناولها بيده الكريمة ثم دفعها إلى بلال ليشترى ببعضها طيباً وعطراً ، ثم يدفع الباقى إلى (أم سلمة) لتشترى جهاز العروس).
(مسند أحمد بن حنبل وسنن النسائى: كتاب النكاح)
خُطبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى هذه المناسبة:
قال صلى الله عليه وسلم: (الحمدلله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع لسلطانه ، المهروب إليه من عذابه ، الناقد أمره فى أرضه وسمائه ، الذى خلق الخلق بقدرته وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال عز وجل ( وهو الذى خلق من المآء بشراً فجعله نسباً وصهراً ، وكان ربك قديراً) الفرقان (54).
وأمر الله يجرى إلى قضائه ، وقضاؤه يجرى إلى قدره ، ولكل أجل كتاب (يمحو الله ما يشآء ويثبت وعندهُ أم الكتاب) الرعد (39).
ثم قال: إن الله أمرنى أن أزوج فاطمة من على ، وأشهدكم أنى زوجت فاطمة من (علىَ) على أربعمائة مثقال فضة فجمع شملهما ، اللهم بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك لهم فى نسلهما).
فلما تم الحفل انصرف القوم مهنئين ، ودعا المصطفى (أم سلمة) فطلب إليها أن تمضى بالعروس إلى بيت على ، ولينتظره هناك.
وبعد صلاة العشاء مشى إلى دار على ، حيث دعا بماء فقرأ عليه (بعض آى الذكر الحكيم ثم أمر العروسين أن يشربا منه ، وتوضأ بالباقى ونثره على رأسيهما).
وكان سن (الزهراء) عندما تزوجته ثمانية عشر عاماً... وزفت فاطمة إلى علىَ – رضى الله عنه – وكان زفافاً مباركاً ، ليس فيه بهرجة ولا زخرفاً ، وكان جهازها عبارة عن خميلة ، ووسادة أدم (جلد) حشوها ليف ، ورحاءين وسقاءين ، وجرتين ، وشئ من العطر والطيب. (صحيح البخارى وصحيح مسلم).
فاطمة تسأل أباها خادماً:
انتهز علىُ – كرم الله وجهه – عودة النبى – صلى الله عليه وسلم – من إحدى غزواته الظافرة بغنائم وسبايا. وقال لزوجته: لقد شقوت يافاطمة حتى أسليت صدرى ، وقد جاء الله بسبى ، فاذهبى فالتمسى واحدة تخدمك – فذهبت ، فلما رآها – صلى الله عليه وسلم – هش لها وسأل: (مابك يابنية؟) قالت: (جئت لأسلم عليك) ومنعها الحياء أن تسأله خادم يخدمها. ثم عادت من حيث أتت ، لتنبئ زوجها أنها تحرجت من أن تطلب من أبيها شيئاً ، فقام كرم الله وجهه. وصحبها إلى بيت النبى – صلى الله عليه وسلم – وقال: نريد خادم يساعد فاطمة
قال – صلى الله عليه وسلم: (لا والله ، لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تتلوى بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم ، ولكن أبيع ، وأنفق عليهم بالثمن) فانصرفا شاكرين.
وأحس الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن قلبه ينسحب معهما ، وفى المساء اتجه رسول الله إلى منزل الحبيبين ودخل عليهما من الباب ، فوجدهما قد أويا إلى فراشهما، وما كادا يشاهدان الرسول حتى هبا للقائه ، فبادرهما قائلا: (مكانكما ثم أضاف فى رفق ألا أخبركما بخير مما سألتمانى؟) أجابا بلى يارسول الله قال: (كلمات علمنيهن جبريل: (تسبحان دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً وتكبران عشراً ، وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثاً وثلاثين وتحمدان ثلاثاً وثلاثين ، وتكبران أربعاً وثلاثين) أخرجه البخارى. ثم ودعهما – صلى الله عليه وسلم – بعد أن زودهما بهذا المدد الإلهى.
طبع علىُ( كرم الله وجهه) يمتاز بالصرامة والخشونة:
حاولت فاطمة – رضى الله عنها – أن تنحى عن بيتها الخاص ظلال الكآبة التى كانت تغشاه لفرط نزوعها إلى ذكرى أمها ، (2) ومزيد قلقها على أبيها وزوجها ، (3)وعمق تأثرها بما لقيت من محن وبلاء كما لقى أهلها والمسلمون ولم تجد إلى جانبها زوجاً لطيفاً وديعاً هيناً ليناً ، (وعلىَ) كرم الله وجهه ، لم يكن من هذا الصنف من الأزواج، بل كانت فيه شدة أقرب على أن تكون صرامة ، ولئن كانت رضى الله عنها فى حاجة إلى يد حانية رقيقة لتلطف أحزانها.
حدثوا أنه صلى الله عليه وسلم – رُئى ذات مساء وهى يسعى إلى دار بنته فاطمة ، لا يخفى ما يظهر عليه من الهم والقلق ، فأمضى وقتاً هناك ثم خرج ووجهه الكريم يفيض بشراً ، فقال قائل من الصحابة: يارسول الله ، دخلت وأنت على حال ، وخرجت ونحن نرى البشر فى وجهك!
فأجاب – صلى الله عليه وسلم: (وما يمنعنى وقد أصلحت بين أحب اثنين إلى) أخرجه ابن سعد فى الطبقات.
مثال لهذه الشدة من علىَ:
وحدث مرة أن ضاقت (الزهراء) بما تجد من شدة زوجها وصلابته فقالت له: (والله لأشكونك إلى رسول الله) ، وخرجت و(علىَ) فى أثرها ، حتى جآءت أباها فشكت إليه ما أنكرت من زوجها ، فتلطف الأب فى ترضيتها وحملها على الرفق (بعلىَ) واحتماله قال (علىَ) كرم الله وجهه وهو يصحب زوجته إلى بيتها:
(والله لا آتى شيئاً تكرهينه أبداً) أخرجه ابن سعد فى الطبفات – لكنه كاد أن يأتى ، وأى شئ أبغض إلى الزهراء ، من أن يأتيها زوجها وابن عمها بضرة؟.
والله لا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم:
لقد هم (على) بالزواج على الزهراء ، وكان يظن أنه لا حرج عليه من حلال مباح شرعاً ، وأنه يجوز على بنات النبى – صلى الله عليه وسلم – ما يجوز على سائر المسلمات فيما أحله الشرع للمسلمين من تعدد الزوجات.
ياليت (علياً) قد صبر على واحدة ، أسوة بابن عمه (الرسول) حين اكتفى بخديجة زوجاً ، مدى ربع قرن من الزمان.
خرج الرسول – صلى الله عليه وسلم – مغضباً حتى بلغ المنبر فخطب الناس فقال: (إن بنى هشام بن المغيرة استأذنونى أن ينكحوا ابنتهم على بن أبى طالب ، فلا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم).
اللهم إلا ان يحب ابن عبدالمطلب ان يطلق أبنتى وينكح ابنتهم ، فإن ابنتى بضعة منى ، يريبنى ما أرابها ويؤذينى ما آذاها ، وإنى أتخوف أن تفتن فى دينها.
ثم ذكر – صلى الله عليه وسلم – صهره أبا العاص. وهو من بنى عبد شمس لا من بنى عبدالمطلب كعلى. فأثنى عليه فى مصاهرته إياه أحسن الثناء وقال: (حدثنى فصدقنى، ووعدنى فأوفى لى ، وإنى لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله ابداً) (رواه أحمد فى مسنده والترمذى).
سؤال: هل يحرم النبى ما أحل الله؟
الحكاية لها أبعاد أخرى: أن علياً ذكر بنت (عمرو بن هشام المخزومى) من هو؟ هو (أبوجهل) الذى لم ينس النبى والذين ءامنوا معه ، ما لقوا من شدة قسوته وفحش عدوانه للإسلام.
بعض أعمال أبوجهل للإسلام والمسلمين:
أولاً: هو عدو الله الذى قال لقريش: (يامعشر قريش ، إن محمداً قد أبى إلا أن يعيب آلهتنا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا ، وإنى أعاهد الله لأجلسن له غداً بحجر ما أطيق حمله ، فإذا سجد فضخت به راسه ، فليصنع بى بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم (عائلة النبى).
ثانياً: وهو القائل مستهزئاً بالنبى – صلى الله عليه وسلم – وبالقرآن: (يزعم محمد أن جنود الله الذين يعذبونكم فى النار 19 – أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم؟.
ثالثاً: هو القائل للأخنس بن شريق ، حين سأله رايه فيما سمعه من القرآن:
(تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا كنا كفرسى رهان قالوا: منا نبى يأتيه الوحى من السمآء.. فمن أين ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه .. (إذن المسألة حقد وحسد).
رابعاً: وهو الذى قابل (حكيم بن حزام بن خويلد) يحمل طعاماً يريد به عمته خديجة – رضى الله عنها – فى محنة الحصار فى شعب أبى طالب ، فتعلق به وقال: (أتذهب بالطعام إلى بنى هاشم؟ والله لاتبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة).
خامساً: وهو الذى رأى لقريش قبل الهجرة ، أن تختار كل قبيلة منها فتى شاباً ، فيقتلوا النبى – صلى الله عليه وسلم – فيتفرق دمه فى القبائل جميعاً ، (ابن سعد).
وهناك أشياء أخرى يضيق بها المقام هنا.
المهم هل تكون بنت هذا الرجل ضُرة لفاطمة بنت النبى – صلى الله عليه وسلم؟.
متى هم (على) بالزواج على الزهراء؟
كان هذا قبل أن يرزقا الولد ، حين كانت فاطمة وعلىَ فى مستهل حياتهما الزوجية،
لم تألف بعدُ شدته وصرامته ، ولم يرضى هو نفسه على احتمال ما كانت ولا تزال تجد من حزن لفقد أمها ، وشجو لفراق بيتها الأول فى مكة.
وأنا أهمس فى أُذن كل زوجة ليس هناك داعى للكآبة والحزن فى البيت الزوج..
أولاد فاطمة الزهراء وعلىَ:
وفى السنة الثالثة من الهجرة وضعت بكرها (الحسن) فجآء النبى – صلى الله عليه وسلم – وحمل الحسن بين ذراعيه وتلا الأذان فى مسمعه وتصدق جده على الفقراء بزنة شعره فضة.
وفى السنة الرابعة من الهجرة وضعت فاطمة ولدها الثانى (الحسين) ، وقال – صلى الله عليه وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) رواه أحمد والترمذى.
وتفتح قلب النبى – صلى الله عليه وسلم – لهذين الحفيدين الغاليين ، فعن أنس بن مالك أنه – صلى الله عليه وسلم (كان يقول لفاطمة – رضى الله عنها: أدعى لى ابنىي.. فإذا جاءا إليه شمهما وضمهما).
وفى السنة الخامسة من الهجرة ولدت فاطمة طفلتها الأولى ، فسماها جدها (زينب) تحية لذكرى خالتها الراحلة التى لم ينسها أبوها.
وفى العام السابع من الهجرة ولدت طفلتها الثانية التى أختار لها – صلى الله عليه وسلم – اسم ابنته (أم كلثوم).
مكانة فاطمة الزهراء عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم:
فعن أبى سعيد قال: (قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يغضبنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار) أخرجه الحاكم.
الحديث الثاني: عن أبى حذيفة قال: قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (نزل ملك فبشرنى أن فاطمة سيدة نسآء أهل الجنة) أخرجه الحاكم.
وكان صلى الله عليه وسلم يخشى عليها الدنيا وزخرفها فعن ثوبان قال: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت هذه أهداها لى أبو الحسن فقال النبى: (يافاطمة أيسرك أن يقول الناس: هذه فاطمة بنت محمد وفى يدها سلسلة من نار ، ثم خرج فأشترت بالسلسلة غلاماً فأعتقته) فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (الحمدلله الذى نجى فاطمة من النار) رواه الطيالسى – والنسائى.
بعد فتح مكة عاشت فاطمة الزهراء عامين كأنهما الحلم الهنئ بصحبة أبيها ، وتنعم بحبه المضاعف لها ولبنيها وروحها.
وفى السنة التاسعة للهجرة ، شيعت دار الهجرة ثالثة بنات النبى: (أم كلثوم) زوج عثمان بن عفان رضى الله عنهما ، ثم شيعت بعدها فى السنة العاشرة إبراهيم بن محمد ، من مارية القبطية.
دور فاطمة فى رعاية أبيها أثناء مرضه:
شكا النبى – صلى الله عليه وسلم – من مرض ألم به ، فى ليال بقين من صفر فى السنة الحادية عشر للهجرة ، فحسب الناس أنها وعكة طارئة لا تلبث أن تزول.
دخلت فاطمة – رضى الله عنها – على أبيها دهش للقائها قائلاً: (مرحباً بابنتى) ثم قبلها وأجلسها إلى يمينه وأسر إليها أنه يحسب أن قد حان أجله ، فلما بكت هون عليها بقوله: (وإنك أول أهل بيتى لحوقاً بى) ، ثم أضاف: (يافاطمة ألا ترضين أن تكونى سيدة نسآء المؤمنين ، أو سيدة نسآء هذه الأمة؟).
فسرها ما سمعت ، وضحكت بعد بكاء ، فعجبت السيدة عائشة وقالت: بماذا أسر الرسول – صلى الله عليه وسلم – إليك ، فقالت فاطمة: (ما كنت لأفشى على رسول الله سره).
وأقامت (فاطمة) إلى جانبه تخدمه وتسهر عليه ولا تكف عن الدعاء والإبتهال.. وفى لحظات قالت بصوت حزين: (واكربى لكربك ياأبتاه) ، فرد عليها النبى الكريم وقال: (لا كرب على أبيك بعد اليوم) مسند أحمد.
ولحق النبى – صلى الله عليه وسلم – بالرفيق الأعلى ، وترك الزهراء من بعده يتيمة حزينة لا تجد إلى العزاء سبيلا.
فحزنت فاطمة حزناً شديداً كاد يمزق قلبها وتذكرت عطف وحنان أبيها محمد – صلى الله عليه وسلم – وأمها خديجة – رضى الله عنها ، لكنها صبرت وأحتسبت.
ثم يذكر المؤرخون أن فاطمة الزهراء قد عافت الدنيا ، فلم تُر قط منذ مات أبوها ، إلا محزونة باكية.. ولم يبق لها من رجاء إلا أن تلحق بأبيها كما بشرها قبل الرحيل ..
وأذن وقت الرحيل:
مرضت فاطمة – رضى الله عنها – مرضاً شديداً ، بعد تلك الرحلة الطويلة من الجراح والأفراح.
أصبحت يوم الإثنين ، الثانى من شهر رمضان سنة إحدى عشرة ، فعانقت أهلها وملأت عينها منهم ، ثم دعت إليها (أم رافع) مولاة أبيها – صلى الله عليه وسلم – فقالت لها بصوت راهن خفيض: (اسكبى لى غسلاً) واغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل ، ثم لبست ثياباً لها جدداً ثم قالت لأم رافع: (اجعلى فراشى فى وسط البيت).
فلما فعلت ، اضجعت عليه واستقبلت القبلة ، تتهيأ للقاء ربها ، ولقاء أبيها الحبيب.. ثم أغمضت عينيها ونامت!
وقام (علىُ) فحملها باكياً ، وصلى عليها زوجها وعمه العباس بن عبدالمطلب ، وفى سكون الليل خرجت الجنازة إلى البقيع حيث مثواها الأخير – رضى الله عنها – وأرضاها وأسكنها فسيح جناته.
( والحمدلله رب العالمين )