قذف المحصنات من الكبائر

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فذكرت سورة النور حد القذف:

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5).

          والذين يسبون العفيفات الشريفات بالزنى إن لم يأتوا على دعواهم بأربعة شهود عدول يشهدون عليهن بما نسبوا إليهن من الفاحشة أضربوا كل واحد من الرامين ثمانين ضربة بالسوط – لماذا؟

          لأنهم كذبة يتهمون البريئات ويخوضون في أعراض الناس.

وقال ابن كثير:

          أوجب الله تعالى على القاذف إذا لم يُقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام:

(1)            يجلد ثمانين جلدة.

(2)            أن ترد شهادته أبداً.

(3)            أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس.  (المختصر ج 2 ص 583)

إلا الذين تابوا وأنابوا وندموا على ما فعلوا من بعد ما اقترفوا ذلك الذنب العظيم وأصلحوا أعمالهم فلم يعودوا إلى قذف المحصنات.

كما فعل عمر مع (المغيرة بن شعبة)

          جآء ثلاث شهدوا على المغيرة أنهم رأوه يزني  بفلانة فقال سيدنا عمر – رضى الله عنه:  (اللهم لا تفضح أحداً من أصحاب نبيك اليوم).

          جآء الشهود – الأول ، والثاني ، والثالث شهدوا بالمرود فى المكحلة وجآء دور الشاهد الرابع قال:  لا إنى أخاف الله.  قال عمر: هل رأيت المرود فى المكحلة؟

          قال:  أنا لا رأيت مروداً ولا مكحلة.

          سيدنا عمر قال:  الله أكبر الحمدلله الذى لم يفضح أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجآء بالشهود الثلاثة وأقام عليهم حد القذف وهو ثمانين جلدة وحكم ببراءة المغيرة المتهم من أجل خلل في شهادة الشاهد الرابع.

لماذا الإسلام يدقق في القذف؟

          الشهود فى جريمة القتل يكونوا اثنين إن شهدوا يقتل القاتل – أما في الزنى بالذات والقذف جعلها الشرع أربعة شهود لماذا؟  (لكى يضيق نظاق الفضيحة ويسد الطريق على الذين يتهمون الأبرياء ظلماً بعار الدهر).

هل تقبل شهادة القاذف إذا تاب؟

          لا تقبل شهادة أى واحد منهم مادام مصراً على بهتانه وأولئك عند الله من أسوأ الناس منزلة وأشدهم عذاباً ، لأنهم فساق خارجون عن طاعة الله – عزوجل ، لا يحفظون كرامة مؤمن ، ويعقون في أعراض الناس.     رأي أبوحنيفة.

          (فيرفع عنه وصف الفسق إذا تاب ولكن لا تقبل شهادته).

          رأي الجمهور:  أما إذا تابوا وأنابوا وغيروا سيرتهم وأصلحوا أحوالهم ، ورجعوا عن سلوك طريق الغي والضلال فاعفوا عنهم واصفحوا ، واقبلوا اعتذارهم ، وردوا إليهم اعتبارهم ، فإن الله غفور رحيم يقبل توبة عبده إذا تاب وأناب وأصلح حاله.

قال الإمام الفخر الرازي:

          قال أصحابنا إنه بعد التوبة لابد من مضى مدة عليه لظهور حسن الحال حتى تقبل شهادته وتعود ولايته ، ثم قدروا تلك المدة بسنة.

هل الحد حق من حقوق الله أو من حقوق الآدميين؟

رأي أبوحنيفة:

          ذهب إلى أن الحد (حد القذف 80 جلدة) حق من حقوق الله ، لا يسقط بعفو المقذوف عن القاذف – وإذا بلغ الحاكم وجب عليه إقامة الحد وإن لم يطلب المقذوف.

          يرى بعض الفقهاء أن في القذف تعدياً على حقوق الله تعالى ، وإنتهاكاً لحرمة المقذوف.  ولعل هذا الأرجح والله تعالى أعلم.

حكمة التشريع

لماذا شرع الله عقوبة القذف؟

          وجريمة القذف والإتهام للمحصنات تولد أخطاراً جسيمة في المجتمع فكم من فتاة عفيفة شريفة لاقت حتفها لكلمة قالها قائل ، فصدقها فاجر ، فوصل خبرها إلى الناس ولاكتها الألسن فكان أن أقدم أقربائها على قتلها لغسل العار ، ثم ظهرت حصانتها وعفتها عن طريق (الكشف الطبي) ولكن بعد أن حصل ما حصل وفات الأوان.

          والإسلام شدد في عقوبة القذف فجعلها قريبة من عقوبة الزنى (ثمانين جلدة) مع إسقاط الشهادة ، والوصف بالفسق.

          وقد اعتبر الإسلام (قذف المحصنات) من الكبائر الموجبة لسخط الله وعذابه ، وأوعد المرتكبين لهذا المنكر بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة حيث قال سبحانه وتعالى في سورة النور الآية (23):

(إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

          فإنها عامة في كل من يقذف مؤمنة عفيفة لسلامة صدرها من الفواحش ولا تخطر ببالها ، وقد عدها عليه الصلاة والسلام من الكبائر المهلكات حيث قال:  (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا:  ما هن يارسول الله؟  قال:  (الشركُ بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولى يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).

          وغرض الإسلام من هذه العقوبة (1) صيانة الأعراض ، (2) وحفظ كرامة الأمة ، (3) وتطهير المجتمع من مقالة السوء لتظل (الأسرة المسلمة) موفورة الكرامة ، مصونة الجناب ، بعيدة عن ألسنة السفهاء ، وبهتان المغرضين.

 

(  والحمدلله رب العالمين  )

 

 

 

 

اترك تعليقاً