بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد ،،،،
أولاً:
وجد الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن الإقبال وحماس الأنصار المستقبلين له شئ خارج عن الوصف – ترك زمام الناقة وقال إنها مأمورة ، وكما قلنا خارجين السيف في اليد اليمني والناقة في اليد اليسرى – ويقولون:
هلما إلى العدد والعُدة والمنعة والقوة والكرم يارسول الله.
جآءت الناقة عند بيت واحد اسمه (مالك بن النجار) من قبيلة بنى النجار الذين هم أخوال جد النبى – صلى الله عليه وسلم – وسبحان الله الناقة عرفه أنهم أٌقارب جده وهم أولى به. لكي لا يكون لحد عليه منة – ناخت ولكن لم تستقر ، عائلة النجار فرحُوا. ثم قامت ومشت مسافة مثل مساحة هذا المسجد ووقفت عند بيت أبي أيوب الأنصارى وهو أيضاً من قبيلة بني النجار واسمه خالد بن زيد: ناخت الناقة ثم أزمت (عملت صوت بدون أن تفتح فمها) فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا المنزل إن شاء الله وهناك المسجد إن شآء الله.
والمروى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – بني مسجده حيث بركت ناقته – في مربد لغلامين يكفلها (أسعد بن زُرارة) وكان الغلاما يريدان النزول عنه لله فأبى الرسول إلا أن يشتريه – وكان المربد فيه (1) نخيل ، (2) وشجر غرقد ، وتختفي في ترابه (3) بعض قبور المشركين.
فأمر الرسول بالنخل فقطع – وبالقبور فنبشت؟؟ كيف ينبش القبور؟؟
(هذه القبور هُجرت) فلا يدفن بها أحد. وبالخرب فسويت (1) وصفوا النخيل قبله للمسجد وهذا ثابت فى الصحيحين وغيرهما من حديث أنس ، والقبلة يومئذ بيت المقدس – وجعل طوله 100 ذراع – والعرض المسجد أقل قليلاً من مائة ذراع – وحفر الأساس ثلاث أذرع ثم بنى باللبن وساهم في بنائه بنفسه فكان ينقل اللبنات والأحجار ويقول:
(اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة – فأغفر للأنصار والمهاجرة).
وتم المسجد في حدود البساطة – فراشة الرمال والحصباء – وسقفه من الجريدة وأعمدته الجزوع – وربما أمطرت السمآء فأوحلت أرضه وقد تفلت الكلاب إليه فتغدو وتروح. هذا البناء المتواضع هو الذى (1) ربى ملائكة البشر ، (2) ومؤدبى الجبابرة ، (3) وملوك الدار الآخرة.
وهذا المسجد لم يكن للصلاة فحسب بل كان:
(1) جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته.
(2) قاعدة لإدارة جميع الشؤون وبث الإنطلاقات.
(3) وبرلماناً لعقد المجالس الإستشارية والتنفيذية (مثل مجلس الشعب).
(4) ومع هذا كله داراً يسكن فيها عدد كبير من فقراء المسلمين اللاجئين الذين لم يكن لهم هناك دار ولا مال ولا أهل ولا بنون (وهم أهل الصفة).
لما بدأ النبى – صلى الله عليه وسلم – عقب وصوله إلى المدينة معافاً سالماً ببنآء المسجد كان ممكن (1) يبني مستشفى أو (2) مصنع لتشغيل الأيدى العاطلة أو(3) مدرسة ليعلم العقول الجاهلة ويمحى الأُمية – هناك مشروعات كثيرة – مشغل.
لماذا المسجد؟ الرسول عليه الصلاة والسلام جآء ليعلم الجاهل لاشك ويُشغل العاطل ولا شك – جآء لكي يملأ الأرض عملاً وإنتاجاً وعلماً ونوراً ، والقرآن بين مهمة الرسول حيث قال في سورة البقرة الآية (151):
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ).
أرسلت فيكم رسولاً منكم يقرأ عليكم القرآن ويطهركم من الشرك وقبيح الأفعال ويعلمكم أحكام الكتاب المجيد والسنة النبوية المطهرة ويعلمكم من أمور الدنيا والدين الشئ الكثير الذى لم تكونوا تعلمونه.
ومن جهة رسالة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – ففيها تعليم وفيها تشغيل وفيها المشغل والمصنع وكل شئ.
لماذا بدأ بالمسجد؟ هذا هو السر.. بدأ بالمسجد لأن المسجد هو الذى يجعل كل هذه المشروعات مباركة ، أحضر الأساس – لأن الأصلاح إذا برز فإنه يبرز من داخل النفس – لا من خارجها – لا تفكرى أن بنآء المصنع هو الذى يُشغل الناس ، أو بنآء مدرسة هو الذى يعلم الطلبة.
المدرسة عبارة عن حيطان وحجرات وكراسى – أخضرنا الأولاد أدخلوا ..
من الذى سوف يعلمهم؟ المدرسين – هذا المدرس الذى لا يذهب إلى المسجد لا يعرف الله ولا يعرف إيمان كيف يعلم الأولاد؟
من الذى سوف يعلم بني آدم أم الحيطان؟
إذا المدرس لم يدخل المسجد يفهم التضحية والإيمان بالله وإن الذى يعلم واحد له ثواب كبير إلى يوم القيامة – وسنة حسنة لها أجرها.
إذا لم توصله بالله يفضل طول عمره ساخط – يلعب في الحصة ويقول: يذهبوا في ألفين داهية – ويقول للطلبة: الذى لا يأخذ درس خصوصي سوف يرسب.
يرجع الطالب إلى البيت ونسأله فهمت حاجة؟ ولا الضآلين …
فالرسول قال: قبل أن نعمل مدارس – نشوف مين الذى يعلم في هذه المدارس؟ المدرسين.
من الذى يشتغل في المصانع – رئيس مجلس الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة ومدير العنابر – وكذلك المستشفى هات الأطباء والممرضين الذين يتاجروا في الجثث – ويعطوا حقن لكي يموتُ المريض – ويأخذوا الأدوية ليتاجروا فيها – هات كل هؤلاء الناس (المدرسين – العمال – الأطباء – الممرضين) يدخلوا المسجد ليعرفوا الواجب والحق… الحق الذى لهم والواجب الذى عليهم.
رسالة المسجد رسالة الإخوة والمحبة – رسالة العدل والمساواة – رسالة وحدة – يجدوا في المسجد الإمام يتلو القرآن – فيه دروس لتفسير القرآن – الأحاديث – والأحكام الفقهية – يطلب الواحد مؤمن فاهم – ساعة ما يدخل دكتور – يعمل العملية للمريض تبقى في منتهى الدقة والإخلاص.
مثال:
جآء في الإستقبال واحد مريض – النبطشي – قال: أدعوا له واحد أخصائي لأنه تعلم في المسجد (استعينوا بكل صنعة بأهلها) حديث.
الحديث:
(جليس المسجد على إحدى خصال ثلاثة أُخوة مستفادة – وحكمة مسموعة ورحمة سابغة).
كل واحد يجلس في المسجد ربنا يكرمه بإحدى هذه الخصال – رحمة جسمه كُله – وتعمه هو وزوجته وأولادهم.
حكمة مسموعة: نسمع العالم وهو يقول فيزكى القلب – بل الجسد كله فيه زيادة وثقافة إيمانية.
أخوة مستفادة: (1) ياما تعارف تم في المسجد (2) وياما تمت مصاهرة ونسب في المسجد (3) وياما تمت معاملة وأرباح ومكاسب وأنت لا تدرى.
(ولكن قليل من عباد الله من يفقه آيات الله).
ثانياً: من رسالة المسجد العدل والمساواة:
لأنك لما تدخل المسجد لا يوجد خيار ولا فقوس نقف جميعاً وراء الإمام لا فرق بين غني وفقير – قصير وطويل كله يقف مع بعض – لا يوجد واحد يقول أنا مستواى أعلى من هؤلاء الناس فتطلع عن الصف هذا ممنوع – (من شذ شذ في النار).
وسبحان الله حتى نقرأ الفاتحة مع بعض – الركوع مع بعض – والإعتدال من الركوع مع بعض والسجود مرتين مع بعض – والخشوع أيضاً – لا تستطيع أن تنوى قبل الإمام ولا أن تسلم قبله. لماذا؟ لأنه عدل ومساواة ونظام ومعرفة اتباع…
وأخيراً من رسالة المسجد الوحدة:
(وإن هذه أُمتكم أُمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).
(وأذابت فوارق الطبقات) في المسجد – جميع المستويات – هل فيه أطباء نجد عشرات – ومهندسين بالعشرات – وفيه أيضاً التجار والطلاب – فيه حريم فيه بنات فيه شباب فيه موظفين كل الأصناف.
إذا وقف الطبيب بجانب الفلاح لا يوجد كلمة وبعد الصلاة يسلموا على بعض في محبة ، واتحاد ولا عناد ولا غطرسة ولا كبرياء.
ملحقات المسجد:
بعد بنآء المسجد بنى للسيدة عائشة – رضى الله عنها – حجرة وبنى لسودة بنت زمعة حجرة ، وبنى لابنته فاطمة الزهراء حجرة ، وكان كلما تأهل بزوجة بنى لها حجرة حتى كان حول المسجد حجرات عددها (9) تُحيط بالمسجد من نواحيه الشمالية والجنوبية والشرقية ماعدا الجهة الغربية.
الذى أمر بهدم الحجرات (9):
كان الوليد بن عبدالملك هو الخليفة العام في دمشق عاصمة سوريا الآن وعمر بن عبدالعزيز كان هو الحاكم على المدينة المنورة ، فجآءه أمر من الوليد بن عبدالملك بهدم حجرات أمهات المؤمنين ماتوا من زمان ومسجد رسول الله ضاق فلابد أن نوسعه.
بكى الناس يوم أن هُدمت هذه الحجرات بكاءً شديداً.
وقال سعيد بن المسيب:
والله لقد وددنا أنها بقيت حتى يعلم الناس وتعلم الأمة وحُكامها ومن يقومون بأمرها كيف كان زهد رسول الله.
الحجرة: مبنية من طوب أخضر – ومن الداخل بالجلد الماعز الممسوح ويادوب على قد قامة الرجل – يدخل وهو منكس الرأس.
وهذه الحجرات ذكرهم الله في كتابه في سورة الأحزاب الآية (34):
(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ).
وهناك سورة كاملة بهذا الاسم (سورة الحجرات) الآية (4):
(إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).
السيدة سودة بنت زامعة ماتت في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولحقت بخديجة – رضى الله عنها ، وقد وصت بحجرتها لعائشة ، صفية بنت حي ابن أخطب أسلمت وحسُن إسلامها – وبعد موت صفية باع الورثة حجرتها الخاصة بها لمعاوية بن أبي سفيان 180 الف درهم.
وطبعاً من الذى يشترى هذه الحجرات التى تردد فيها سيد الكائنات ودخلها وخرج منها وصلى فيها – الكل كانوا يريدون أن يتبركوا بها قبل أن يأتي عمر بن عبدالعزيز ويهدها بأمر خليفة المسلمين في ذاك الوقت كما قلنا.
معاوية لم يكتفي بشراء حجرة السيدة صفية ولكن عرض على عائشة نفسها لأن الله طول في عمرها وعاشت بعد رسول الله 60 سنة. فأشترى منها حجرتها 200,000درهم على أن تبقى هي فيها طوال حياتها ، وبعد الوفاة يأخذها. وراوى الحديث يقول: (والله ما قامت من مجلسها بعد أن قبضت ثمن الحجرة حتى قسمت المبلغ كله على الفقراء ولم تُبقى منه المبلغ درهم واحد).
وكان من جملة ملحقات المسجد بنآء مظلل اسمه الصفة – وهو مكان مظلل في مؤخرة المسجد يأوي إليه الفقراء والمساكين ممن لا أهل لهم ولا مال ، الذين يحضرون إلى المدينة من غير أن يكون لهم أهل ولا عشيرة.
فكان صلى الله عليه وسلم يأويهم إلى هذا المكان ويأتيهم بالطعام – وكان النبى – صلى الله عليه وسلم – يزورهم دائماً وكانوا عُدة في الحرب – ومن تزوج منهم واشترى مسكناً نقص العدد.
ومن جآء جديداً زاد العدد فكانوا قابلين للزيادة والنقص – وكان هؤلاء القوم يحبهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – وكان يوزعهم وقت الطعام على أصحابه ، فيقول من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث – ومن كان عنده طعام ثلاثة فليذهب برابع ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس – حتى إذا توزعوا ولم يبقى إلا ثلاثة أربعة ولم يجد أحد يأخذهم – يقول: تعالوا معي ويدخل على زوجته ويقول لها: عشيهم ويأكل معهم ، وكان يقول لهم: (أنتم الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معهم).
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).سورة الكهف الآية (28)
الشرح: أحبس نفسك مع الضعفاء والفقراء من المسلمين الذين يدعون ربهم بالصباح والمساء يبتغون بدعائهم وجه الله تعالى ، ولا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوى الهيئات والزينة والغنى والشرف ، والرسول – صلى الله عليه وسلم – كان حريصاً على إيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم ولم يكن مريداً لزينة الدنيا قط – ولا تتركهم إلى غيرهم تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة – ولا تطع كلام الذين سألوك طرد المؤمنين فقلوبهم غافلة عن ذكر الله ، وقد شغلوا عن الدين وعبادة ربهم بالدنيا.
نزلت هذه الآية في عُيينة بن حصن وأصحابه أتى النبى – صلى الله عليه وسلم – وعنده جماعة من الفقراء (سلمان الفارسي) وعليه شملة صوف قد عرق فيها فقال عُيينة للنبى – صلى الله عليه وسلم: أما يؤذيك ريح هؤلاء؟؟
ونحن سادة مُضر وأشرافُها إن أسلمنا يسلم الناس ، وما يمنعنا من أتباعك إلا هؤلاء فنحهم عنك حتى نتبعك أو تجعل لنا مجلساً ولهم مجلس) فهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يجيبهم إلى ما طلبوا .. ولكن الله حذره ونهاه – ظفر واحد من الغلابة دول يساوى ألف من هؤلاء – الذى يريد أن يسلم يسلم والذى لايريد يذهب في ألفين داهية.
(وقل الحق من ربكم فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفُر….)
وكان الإمام الحسن بن علي – رضى الله عنه – ربما يمر عليهم فساعات كانوا يدعوه: (تعالى ياحسن كلُ معنا) يجبر خاطرهم ويجلس معهم فيأكل معهم بطيب نفس ويظهر لهم السرور ثم يُكافؤهم على ما صنعوا معه ويقول لهم: (إني داعيكم على الطعام غداً) فيكافؤهم على هذه الثمرات بأكله أشهى وأطعم ، وكان على رأسهم صحابي جليل يسمى (أبوهريرة) قبل أن يتخذ له زوجة وعيال – كان يعيش معهم. وكانت المجاعة تؤثر فيه تأثيراً إلى درجة الجنون – وكان من شدة جوعه يربط على بطنه حجر ويشد الحزام لكي يسند كبده – وكان أحياناً يُغمى عليه بين المنبر وبين بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، فيدوس عليه الصبيان وهم يلعبون ويقولون: جُن أبوهريرة – جُن أبوهريرة – يقول أبوهريرة: (والله ما بي جنون ، والله ما بي إلا جوع).
قال أبوهريرة: ذات يوم ربطت الحجر وأنا من أهل الصُفة ، وخرجت إلى الطريق – ووقفت في الطريق الذى يمرون عليه قال: فأولُ من مر عليً أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – فسألته عن آية في كتاب الله – والله ما سألته عنها إلا ليطعمني – أنا عارف معناها (فقلت إياك يفهم ويأخذني ويأكلني) ففسرها لي ولم يأخذ باله ثم مضى – فجآء عمر فسألته عن آية في كتاب الله فشرحها لي ثم مضى ولم يأخذ باله – وجآء أبوالقاسم – صلى الله عليه وسلم – فلما رآني على بُعد تبسم (كأنه يقول له أنا فاهم لا تسألني عن آية أو حديث) وقال: (إلحقني أباهر ….).
قال: فتبعتُه حتى دخل بيته فسلم على من فيه فردوا السلام فوجد في بيته لبناً قال لأهله: ممن أتاكم هذا اللبن؟ قالوا: أهداك بني فلان. قال: (ياأبا هريرة إلحق أهل الصفة فدعوهم لي) قال أبوهريرة: فأدركني من الهم والحزن ما يعلمه إلا الله (قلت فرحت والرسول فهم أني جائع وسوف أشرب لبن وأكل بلح) – واللبن قليل (شوية لبن). ولم يكن من طاعة الرسول بُد – فدعوتهم وقلتُ تعالوا كلموا الرسول – صلى الله عليه وسلم – فجآءوا – قال النبى – صلى الله عليه وسلم: أدخلهم عليً عشرة عشرة (على قد الحجرة) وقال: (اسقيهم ياأبا هريرة). فكنت أدور عليهم بالإنآء فيشرب الواحد منهم حتى يرتوى ثم ءأخذوه منه وأعطيه لأخيه – والذى يشرب يطلع ثم يأتي عشرة أخرى ثم الدفعة الثالثة حتى شربوا الجميع وأرتوا – وبقى لُعام في الإناء (شوية لبن في قعر الإناء) قال النبى: ياأبا هريرة بقى أنا وأنت ، قال أبوهريرة فقلت: نعم يارسول الله – قال: أجلس. قال: فجلستُ ، فقال: خذ وشرب – قال: فوضعت فمي وأنا أعتقد إلا أنها شربة واحدة في نفس واحد وينتهي ما في الإنآء. فجعلتُ أشرب وأشرب وأشرب وأنا أخجل من أن لا يتبقى لرسول الله شئ. فرفعت رأسي – فقال: أشرب وهذا فرض عليً أن أشرب فقال: أشرب. فشربت – فمازال يقول أشرب حتى كاد اللبن أن يبرز من حلقي (أستفرغ) فقلت له: والله يارسول الله لا أجدُ له مسلكاً ، فتبسم وأخذ الباقية فشرب.
لماذا تبسم الرسول؟؟
لكي لا تُسئ الظن بربك – خليك واثق من الله – لأن أباهريرة قال لما أهل الصفة يأتوا لا يتبقى لي شئ.
إنما ربنا عامل ترتيبه وبركاته من الأرض والسمآء لسيد الأنبياء.
كان ملحق بالصفة حجرة صغيرة يسمى المشُربة يجلس فيها واحد أو اثنين بالعافية وهى أعلى شوية من أرضية المسجد بدرج – يسمونه العجلة (حتة منقورة من خشب مدورة) شبة حجرة صغيرة مثل حمام صغير مفصولة عن المسجد وتسمى العلية – وكان أحياناً الرسول يعتكف فيا وغلامه رباح جالس أمامها.
وكان صلى الله عليه وسلم – يعتكف أحياناً فيها وأحياناً في المسجد.
وحدث ذات مرة أنه آل على نسآئه مدة شهر كامل أعتكف في هذه المشُربة أو هذه العلية أو هذه الغرفة – ظل فيها لا يدخل على نسآئه مدة شهر لأنه زعلان منهم.
والآية رقم (226) من سورة البقرة – حيث يقول الله تعالى:
(لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
للذين يحلفُون الا يجامعوا نسآءهم للإضرار بهن إنتظار أربعة أشهر.
… الشرع يعطيه براح لكي يؤدبها مدة أربع شهور ، إن زاد على أربعة أشهر أما أن يعود إليها رغم أنفه ويكفر عن يمينه وإما أن يطلقها فوراً حتى لا تُضار – لاضرر ولاضرار ..
مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (227):
(وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: والله ما أنا داخل عليكم شهر – كان يجلس في هذه الغرفة ولما يأتي وقت الصلاة يخرج يصلي بالناس – أكل وشرب يأتي لهفي المشُربة ده صاحب الخلق العظيم – كيف يحلف على نسآئه وهو الذى نتعلم منه الصبر والأخلاق؟؟
فى الحقيقة أنه تشريع – أن الله عز وجل يعمل حاجات معه لكي لما تأتي إلينا نعرف كيف نتصرف ..
والرسول – صلى الله عليه وسلم – كان مقرط عليهم جداً جداً بعتبارهم أنهم قدوة للنسآء – وهو قدوة للعالم كله.
فكانت الأمة كلها شبعانة وهو وأهل بيته جوعى ، (2) الأُمة كلها نائمة وهو وأهل بيته مستيقظين ، (3) الأُمة كلها رجالها ونسآءها مستورين وأقاربه – وهو وأهل بيته عرياى – وكان أتعب الناس هم أهل بيته وأقاربه – يأتي عمه ويقول له شوف لي شغلة أجمع الزكاة – يقول له ياعماة: (أولها ملامة وآخرها حسرة وندامة) بمعنى خليك بعيد – وقال له: (إن هذه الصدقة أوساخ الناس لا تحل لمحمد ولا آل محمد).
كان يمنع أي واحد من أقاربه أن يتولى أى عمل لكي لا يحسب أنه مجاملة أو محسوبية.
أمهات المؤمنين نظروا بعد هذا التعب أن هناك غنائم كثيرة تأتي والرسول يوزعها طول النهار. فالحريم تجمعوا وذهبوا إلى بيت السيدة عائشة – رضى الله عنها – فهي بمثابة زعيمة لهم – ومتعلمة ماشاء الله تعلم الإنساب والأشعار والفقه والطب والقرآن. (2) وهي البكر الوحيدة ، (3) أبوها الصديق أبوبكر ، ومنزلة أبوها عالية على كل الصحابة ، (4) نزل القرآن ببراءتها في سورة النور الآية (26):
(أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ).
تجمعوا عندها وقالوا: نحن من ضمن الفقراء الذين يُعطيهم الرسول .. فقالت عائشة: كلنا نطالبه بالنفقة مثل غيرنا – فالرسول – صلى الله عليه وسلم – جآء من الصلاة فرأى النسوة التسعة مع بعض جالسين. قال: خير إن شآء الله. ماذا ياعائشة؟ قالت عائشة: (قد كنا صابرين ونحن في ضيق أما وقد وسع الله عليك فوسع علينا) نريد نأكل – نريد نتكسى – تعبنين.. فالرسول – صلى الله عليه وسلم – قد فوجئ مؤتمر بل ومؤامرة – إذا كانت واحدة ممكن يكلم أبوها أو يكلمها كلمتين دول 9 عائلات فأخذ على خاطره ودخل المسجد فصلى ودخل المشُربة. الأخبار لما تنتقل من صاحبها يحدث فيها زيادة وفي آخر النهار الخير يأتي بأن الرسول طلق نسآئه كلهم ، وكان من ضمن من يهمهم الأمر أبوبكر وعمر – أبوبكر ابنته عائشة ، وعمر أبنته حفصة – الرب يغضب وتبقى مُصيبة وكان أولهم إهتماماً سيدنا عمر – دخل المسجد فرأي أهالي أمهات المؤمنين يبكون فجلس عند بعضهم لماذا تبكون؟ قالوا: رسول الله طلق نسآئه – جلس يبكي (وهذا نص الحديث) ، وعمر معتز بكرامته – ذهب إلى المشُربة فوجد رباح – قال له: أستأذني برسول الله؟ رباح دخل وقال: يارسول الله إن عمر يسـتأذن فنظر إليه الرسول ولم يتكلم بشئ – رباح لم يفهم.
وقال رباح لعمر: الرسول – صلى الله عليه وسلم – نظر إلي وسكت. قال عمر: فرجعت المنبر فأبكى كما يبكى الناس. ثم قلت لما أبكي؟ ذهب إلى رباح وقال له: أستأذني برسول الله. قال رباح: لقد ذكرتُك عنده فسكت. وتكررت هذه العملية ثلاث مرات – وفي المرة الثالثة – قال رباح: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد أذن لك..
المشُربة وهى كما قلنا من ملحقات المسجد – فطلع فوق الدرجة ودخل الحجرة ضيقة 1 × 1 متر ، (2) قربة مملوءة بالماء معلقة على الحائط للشرب والوضوء ، (3)شوية شعير بمقدار صاع ، (4) والحصيرة التي ينام عليها الرسول بالية جداً ومعلمة على جنبه.
قال عمر: (يارسول الله كسرى وقيصر وهم كفرة في الثمار والأنهار والذهب والفضة والحرير وأنت قد أثر في جنبك الحصير).
أنت أولى بالغنى وأولى بالمتعة – الرسول – صلى الله عليه وسلم: إعتدل (كان متكاءً) ، وقال له: ءأنت في شك ياابن الخطاب؟
(أولئك قوم عُجلت لهم طيباتُهم في دنياهم ..
ونحن أُخرت طيباتنا في الآخرة فأثُروا ما يبقى على مافنى)
قال عمر: (يارسول الله أطلقت نسآءك؟). قال النبى: لا من قال هذا؟ قال عمر: الله أكبر – (من فرحته كبر تكبيرة رجت الغرفة – سمعها أهلُ المسجد وكبروا – وقالوا: عمر لا يكبر بهذه الطريقة إلا إذا جآء الفرج فطلع عليهم وقال لهم: صنع اللهُ بكم وصنع .. هذه دعوة).
فقد أخذ عمر في الكلام مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال له: يارسول الله: رأيت الذى حصل معي؟ قال النبى: (وما هو؟) قال عمر: دخلت البيت فاطمة بنت زيد زوجتى قالت: أنا عايز أكل – عايز أشرب – أنا عيانة ، فسكعتها في صدرها – فوقعت فرأيتها وقد تاثرت ، عمر يقول له هذه الواقعة لكي يعرف سبب جلوس النبى – صلى الله عليه وسلم – في المشُربة.
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما سمع ذلك قال: هي المشكلة واحدة هاهي قد تجمعن عليً كُلُهن يُطلبنني بالنفقة ، فوالله ما معي شئ قد أدخرته عنهم ، ولا يمكن أن أوُسع على نسآئي وأترك فقراء المهاجرين يموتون جوعاً. لازم نحن نصبر ونؤثرهم علينا قال عمر: هذه هي المشكلة (لأنه أبو حفصة) ، وأبوبكر يذهب لعائشة – عائشة وحفصة دول رؤسآء والحريم الباقي تبع سيدنا عم ذهب إلى حفصة وقال: طالبت رسول الله بزيادة النفقة؟ قالت: ما طلبنا إنما عائشة هى التى حرضتنا.
قال عمر: ياحفصة لقد طلقك رسول الله مرة ولكن جبريل أمره أن يراجعك وقال له: راجعها فإنها صوامة قوامة – فوالرسول غضب عليك وطلقك لم أكلمك أبداً. أتقي الله ياحفصة. ولا يغرنك بنت أبي بكر تحرضك – فإن بنت أبي بكر لها أن تدلل لمنزلة أبيها – وهي البكر الوحيدة وأبوها أبوبكر – أما أنت فأبوك كفر ثلاث سنوات – وعذب المسلمين فالرسول يكرمك لمن؟ ولو غضب عليك الله – سوف تأخذينا معك – وتجيبي لنا مُصيبة ، وأخذ يحذرها بشدة وقال لها: إذا طلبت مالاً أو كساءً فعلى أنا ولا تُكلفى رسول الله ما لا يُطيق.
وقابل أبوبكر وكلمه لكي يُعقل أبنته .. وفات من الشهر 29 يوم ثم دخل على السيدة عائشة – لأنها أول حجرة وهي بتدوب وتطلب من الله أن الشهر يجرى – ولكن عندما رأيت رسول الله قالت: مازال عندك ليلة لقد مر من الشهر 29 يوم فقط . فقال النبى: الشهرُ 29 ليلة (يتمنعن وهن راغبات). قال ياعائشة: أُبلغك حكم الله أنت وهن. قالت: بلغ.
مصداقاً لقوله تعالي في سورة الأحزاب الآية (28 – 29):
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا).(29)
الشرح:
قل لزوجاتك اللاتي تأذيت منهن بسبب سؤالهن إياك الزيادة في النفقة – إن رغبتن في سعة الدنيا ونعيمها وبهرجها الزائل ، فتعالين حتى أدفع لكن متعة الطلاق – وأطلقن طلاقاً من غير ضرار – وإن كنتن ترغبن في رضوان الله ورسوله والفوز بالنعيم الوافر في الدار الآخرة فإن الله تعالى قد هيا للمحسنات منكن بمقابلة إحسانهن ثواباً كبيراً لا يوصف وهو الجنة التى فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.